8
1
2019
1682060032214_776
41-59
https://www.numl.edu.pk/journals/subjects/156775334809-03-124-ARB-V8-1-19-Formatted.pdf
https://numl.edu.pk/journals/subjects/156775334809-03-124-ARB-V8-1-19-Formatted.pdf
الملخص
القرآن هو الإعجاز السماوي المتجدد والذي يقف فيه نظم الأحكام الإلهية لصلاح الإنسانية جمعا، ونظراً لأهمية العناية بقراءته ودلالة معانية وفق الزمان والمكان، وما يستجد من ظروف يعيشها الإنسان يقف هذا البحث بالدراسة التحليلية لمضمون دلالة التركيز الواردة في الآية الكريمة ﴿فَلا تقل لهمآ أُفٍ﴾،وأبعاد ما احتوته من أحكام نوضحها بشكل مفصل من خلال ثلاثة محاور رئيسية الأول: يأتي على قراءة الآية من حيث كونها مصدراً للقواعد الأصولية في الفقه الإسلامي ترتب عليها تعدد وجهة المذاهب الفقهية في تقرير أحكام طاعة الوالدين، والثاني: يستجلي قيام هذه الآية مرجعاً للقواعد الاجتماعية التي تنظم سلوك الفرد والمجتمع بما يتحقق في الآية من شواهد الضبط التي ترسم معاني أحكامها حقيقة إجلال الأبناء للآباء وصولاً إلى بناء مجتمع ناجح ومتزن تستقرر فيه العلاقات الأسرية بصورة عامة، والثالث: نستلهم من خلاله تحقيق وجود هذه الدلالة في بنية أحكام الشريعة الإسلامية بصورة عامة وفق المفهوم التي جاء علي مضمون هذه الآية لنقف على حقيقة مفهوم جريان هذه الدلالة في أحكام الإسلام التي تعني برعاية وتنظيم الفرد والمجتمع القائم على تكريم الإنسانية أصلا. من خلال ذلك نخلص إلى جملة النتائج والتوصيات في فهم المعنى الإعجازي للآية والتي تضمن تنفيذ الأحكام التي اشتملت عليها الآية الكريمة في الحفاظ على مشاعر الوالدين وفق ما استجد من مفاهيم معاصرة من الرعاية الاجتماعية، والخدمات للحفاظ على كيان المجتمعات بصورة عامة.
كلمات مفتاحية : دلالة التركيز، الحد الأقصى، الحد الأدنى.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على نبينا الخاتم محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد!
بات من الجلي أن جهود أئمتنا الأعلام في بنية الفقه الإسلامي وأصوله الشريفة قد أثمر عن بحر من الموارد التشريعية التي حفت مداركه، وتوسع عطاؤه حتى استُنهجت معانيه في عصرنا الحاضر كقاعدة من البيانات أستُلهمت من خلاله نسق أحكام هذه الشريعة بما يحقق غاية هذا الدين الخاتم، وصلاحيته لكل زمان ومكان، فعلى يدي أئمة المذاهب الأربعة أجرى الله منهج التبصير الذين اختصهم الله به من الإلهام والدراية ليضعوا لنا عمق النظر في أحكام هذه الشريعة الغراء.
ويقف نطاق هذا البحث في الالتفات المجمل لدلالة التركيز في القرآن الكريم حول أصول الحكم في الآية الكريمة ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾، وصولاً إلى المنهج الإجمالي في نسق أحكام القرآن كما نورده في هذا البحث تباعاً كون تطبيقه وارداً في قضية التشريع لهذه الأحكام في القرآن الكريم، وهي ليست بجدية من حيث وجودها في الفقه، ولكنها جديدة من حيث التطبيق المعاصر بما يطالبه من المتغيرات، والتطوير الذي يستوجب منا دراسة قضياه في نهج الشريعة وصولاً إلى تحقيق أحكامها، لأن المدرك هو عدم إنحباس موردها في كل زمان ومكان كيف لا وهي نهج من المبادئ الملفوفة بالرعاية الربانية لضبط منظومة الخلق وصولا إلى نهج الاستخلاف الأمثل.
وأهم ما نجيب عليه في هذا البحث من تساؤل هو:ما مضمون هذه الدلالة وما مدى انتظامها في أحكام الشريعة الإسلامية؟
وما هذا البحث إلا بصيص من النظر أضعه بين يدي البحث العلمي خدمة لتاج العلم الذي يأبى على طالب العلم كتم مدركاته، فألتمس لنفسي فرض الجدية التي أحتكم بها لغيري من أهل العلم في هذا البحث والتي لم أجدها على هذا العرض في دراسات مسبقة، وبالتالي فما أصبت من خير فمن الله وما أخطأت فيه فمن نفسي، وأستغفر الله عليه، ومعه فقد وجدت ضبط محاور الحديث في هذا الموضوع من خلال نظم محاوره في ثلاث مباحث تجسد أبعاد الموضوع بين صورته القديمة والحديثة وصولاً إلى الغاية من فهم مضمون هذه الدلالة ومعه تأتي خطة البحث على النحو التالي:
خطة تقسيم البحث:
المبحث الأول : النظرة الأصولية في الآية الكريمة
المبحث الثاني : تحليل الضوابط المعروضة في الآية
المبحث الثالث : تحقيق دلالة التركيز في بنية أحكام الشريعة
المبحث الأول:النظرة الأصولية في الآية الكريمة
أكدت مراجع الفقه الإسلامي أنه قد كان لقوله تعالى:﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾([1]) محل من النظرة الأصولية التي ينبني عليها مفهوم الموافقة عند المتكلمين([2]) أو ما يسمّى بدلالة النص عند الفقهاء والذي لا يخرج معناه عندهما عن أنه "دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه لوجود معنى فيه يدرك كل عارف باللغة أن الحكم في المنطوق به كان لأجل ذلك المعنى من غير حاجة إلى نظر أو اجتهاد"([3]) وعلى هذا الأساس يكون ضرب الوالدين أولى بالتحريم من حرمة قول كلمة ﴿أف﴾ لهما الوارد في حكم الآية الكريمة، والإستدلال القائم على هذا النحو حجة عند الجمهور وخالفهم في ذلك الظاهرية؛ لأنهم من نفاة القياس حيث يقول إمام الظاهرية ابن حزم:"فأما قوله: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾ فما فهم أحد قط في لغة العرب ولا العقل أن قوله أفٍ يعبر به عن القتال والضرب ولو لم يأت إلا هذه الآية ما حرم لها إلا قول أف فقط، ولاخلاف في أن شاهدين لو استشهدهما مضروب على ضربه فقالا نشهد أنه قال له أف لكانا بذلك شاهدي زور، ثم قال لكن اقتضى سياق الآيتين كل بر لهما قلّ أو كثر، وكل رفق، واجتناب كل إساءة،وبذلك حرم الضرب وغيره لا بالنهي عن أف، ولو كان قول أف مغنيا لما كان حاجة إلى ما بعده".([4])
ويقول الإمام الفخر الرازي في النوع الأول من التكاليف الواردة في الآية مراتب القياس:"إذا عرفت هذا فنقول: المنع من التأفف إنما يدل على المنع من الضرب بواسطة القياس الجلي الذي يكون من باب الإستدلال بالأدني على الأعلى. والدليل عليه: أن التأفف غير الضرب، فالمنع من التأفف لا يكون منعاً من الضرب،وأيضاً المنع من التأفف لا يستلزم المنع من الضرب عقلاً؛ لأن الملك الكبير إذا أخذ ملكا عظيماً كان عدواً له، فقد يقول للجلاد إياك، وأن تستخف به أو تشافهه بكلمة موحشة لكن إضرب رقبته، وإذا كان هذا معقولاً في الجملة علمنا أن المنع من التأفف مغاير للمنع من الضرب وغير مستلزم أيضاً للمنع من الضرب عقلاً في الجملة، إلا أنا علمنا في هذه الصورة أن المقصود من الكلام المبالغة في تعظيم الوالدين بدليل قوله:﴿ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ فكانت دلالة المنع من التأفيف على المنع من الضرب من باب القياس بالأدنى على الأعلى والله أعلم".([5]) ثم يعود يعدد النوع الثاني من التكاليف في الآية فيقول رحمه الله:فإن قيل:"المنع من التأفيف يدل على المنع من الإنتهار بطريق الأولى، فلما قدم المنع من التأفيف كان ذكر المنع من الإنتهار بعده عبثاً. أما لو فرضنا أنه قدم المنع من الإنتهار ثم أتبعه بالمنع من التأفيف كان مفيداً حسناً، لأنه يلزم من المنع من الإنتهار المنع من التأفيف، فما السبب في رعاية هذا الترتيب؟ قلنا: المراد من قوله:﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ المنع من إظهار الضجر بالقليل أو الكثير، والمراد من قوله:﴿ولا تنهرهما﴾ المنع من إظهار المخالفة في القول على سبيل الرد عليه والتكذيب له". ([6])
وهكذا نجد أن أصل تقدير المسألة الخلافية هي وجهة إقامة الدليل على حكم المسألة في حين نلحظ من الوجوه المذهبية الاتفاق على تحريم كل قول مؤذٍ أو فعل مؤذٍ - كبر أو صغر- يصدر من الأولاد نحو الوالدين.
وأياً كانت جهة بناء حكم برّ الوالدين في الآية الكريمة فإن تحصيله قد احتمل أوجهاً عدةـ كما عرضناه موجزاً سلفاً ـ والذي يظهر من خلاله مرجعية التكليف بطاعة الوالدين على أساس التكليف بالإحسان في معاملتهما إجمالاً، وتقرير سياق التفصيل في الآية بالنهي عن التأفف من وجهة حمل الجزء على الكل تحقيقاً لمقتضى السياق الذي جاء في الآية كما هو في وصف ابن حزم الظاهري، بينما نهج الآخرون ماورد من النهي على وجه الخصوص (النهي عن التأفف) لتحصيل النهي عن ما هو أولى من وجهة القياس الجلي، وحقيقة تحصيل هذه الأحكام من هذا الوجه هنا لا تخرج عن معنى التكليف بالإحسان في طاعة الوالدين، ولكن مع اعتبار وجهة خصوص ذكرها لتحصيل هذه الأحكام (برّ الوالدين)، وهي على هذا التقدير من الوجهتين عين ما أحاول الوقف على أبعاده في هذا البحث بنوع من التحليل على ضوء الضوابط المعروضة في سياق الآية الكريمة.
المبحث الثاني:تحليل الضوابط المعروضة في الآية الكريمة
الضوابط التي نقف عليها هنا تبرز من خلال المعنى اللغوي لألفاظ الآية، ومن ثم حاصل هذا المعنى في الآية يليه أوجه استعمال لفظ ﴿أف﴾ في القرآن تقريراً لهذا المعنى وتحقيقاً لحكم الآية بشواهد دلالة التركيز فيها، ونوضحه على النحو التالي:
المعنى اللغوي لكلمة أف
قال الزجاج:"فيه سبع لغات كسر الفاء وضمها وفتحها، وكل هذه الثلاثة بتنوين وبغير تنوين فهذه ستة، واللغة السابعة أفي بالياء"، قال الأخفش:" كأنه أضاف هذا القول إلى نفسه فقال قولي هذا، وذكر ابن الأنبارى:"من لغات هذه اللفظة ثلاثة زائدة على ما ذكر الزجاج ﴿أف﴾ بكسر الألف وفتح الفاء، وأفه بضم الألف وإدخال الهاء، وأف بضم الألف وتسكين الفاء". ([7])
وقد ورد أن أهل العلم ذكروا في تفسير هذه اللفظة وجوها :
الأول: قال الفراء:" تقول العرب جعل فلان يتأفف من ريح وجدها، معناه يقول : أف".
الثاني: قال الأصمعي:"الأف وسخ الأذن، والتف وسخ الظفر. يقال ذلك عند استقذار الشيء، ثم كثر حتى استعملوها عند كل ما يتأذون به".
الثالث :قال بعضهم:"أف معناه قلّة، وهو مأخوذ من الأفيف وهو الشيء القليل وتف إتباع له، كقولهم : شيطان ليطان خبيث نبيث".
الرابع: روى ثعلب عن ابن الاعرابي "الأف الضجر".
الخامس: قال القتبي:"أصل هذه الكلمة أنه إذا سقط عليك تراب أو رماد نفخت فيه لتزيله والصوت الحاصل عند تلك النفخة هو قولك أف، ثم إنهم توسعوا فذكروا هذه اللفظة عند كل مكروه يصل إليهم".
السادس: قال الزجاج:"أف معناه النتن وهذا قول مجاهد؛ لأنه قال معنى قوله:﴿فَلا تقل لهمآ أُفٍ﴾ أي لا تتقذرهما كما أنهما لم يتقذراك حين كنت تخر أو تتبول، وفي رواية أخرى عن مجاهد أنه إذا وجدت منهما رائحة تؤذيك فلا تقل لهما أف".([8]) "أفٍ وأفً الهمزة والفاء في المضاعف معنيان، أحدهما تكره الشيء والآخر الوقت الحاضر"([9]).
يقال:"أفٍ له وأفةً أي قذرا له ويقال أفٍ وتفا وهو إتباع له"([10])، ورد في تفسير الإمام الطبري ﴿فَلا تقل لهمآ أُفٍ﴾ لا تؤفف من شيء تراه منهما مما يتأذى به الناس، ولكن اصبر على ذلك منهما:قال مجاهد: "لا تقل لهما أفٍ حين ترى الأذى وتميط عنهما الخلاء والبول كما كانا يمطاه عنك"([11]).
وفي تفسير ابن كثير ﴿فَلا تقل لهمآ أُفٍ﴾،"أي لا يسمعهما قولاً سيئاً حتى ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ"([12]).
وجاء في تفسير البيضاوي"فلا تتضجر مما يستقذر منهما وتستثقل من مؤنتهما، وهو صوت يدل على التضجر، وقيل اسم الفعل الذي هو التضجر"([13]).
وبناءً على هذا الطرح يمكن أن نخلص إلى أن مناط المعنى اللغوي لأف هو مقام حمل النفس في مشهد القول على استقذار الشيء ( محل التأفف ) وهو إظهار للنأي بها بالإبتعاد عنه (ترفعاً واستعلاءً)، والمدرك من استعمالها أنها أقصى درجة التعبير في القول لا بأنها أخف القول وشواهد دلالة معناه لفظاً ثابته كما أوردناها أما في الآية فنوضحه تباعاً.
دلالة المعنى في الآية
أما من حيث جهة دلالة المعنى لهذا اللفظ في سياق الآية فإن له جانب حسياً مادياً من حيث حاصل وصول الصوت إلى مسامع الوالدين قولاً، وجانب معنوي من حيث حفظ مقام الشعور لديهما وكلاهما منفردان أو مجتمعان يصدقان على مؤدّى معناه المقصود في الآية المتعلقة بمعاملة الوالدين، لذلك من وجهة التركيز في التكليف إعمالاً للإحسان فإن النهي ههنا لا يشمل التكليف باستحسان ما جبلت النفس على استقذاره بالفطرة من مواطن التأفف، وإنما حمل النفس على إشعار الوالدين بالرضا التام في طاعتهما في هذا المواطن على حساب كبت ما قد يكون شعوراً حقيقيا بمقتضى الفطرة وهي عين المشقة في التكليف لتحمل ما أقرته الشريعة من حصول التأفف في هذه المواطن ( كحالة التأذي مما يخرج من أحد السبيلين )، فكانت وجهة التكليف قائمة من جهة حظر القول: ﴿لا تقل﴾ وعند المباشرة ﴿لهما﴾ يطال النهي أو الحظر كل قول يصل إليهما ككثرة التشكي بهما لدى من يوصله إلى مسامعهما وإن كان من جهة النفع لهما.
ومع التعلق بلام المباشرة في الآية الكريمة ﴿ لهما ﴾ فإنه يحمل قطعاً ما يقوم من اللفظ في حقهما بتوجيه اللفظ لهما ( الإساءة لهما ) أما في مقام استعماله في النصح لهما فهو من أوجه التنزيه ووجهة استعماله من الصيغ الموضوعية التي قد تجر فيها العادة إنجازاً للنصح بصورته الإيجابية، وبالتالي لا يدخل في النهي مجرد الإخبار أو التحذير لهما من أمر بلفظ أف بما لا يعنيهما بالذات عند مقام النصح لهما بوصف شيء ما ( كقولك الناس يتأففون من الإقتراب من المكان الفلاني؛ لأن فيه كذا وكذا ) وإن كان من مقام التنزيه عدم استعمال هذا اللفظ في مقام الأبوين كما أشرنا.
ومع هذا التكليف بالنهي عن التأفف في مقام الوالدين لا يقع معه التكليف في الآية حد استجمال المأفوف؛ لأن هذا له موطنه الآخر في الشريعة، ولا تقبله الفطرة، وغاية ما نحن فيه من الحظر هنا هو حفظ مقام الشعور لدى الوالدين فحسب وهي كما قلنا وجه المشقة للإحسان في الطاعة.
استعمال اللفظ
المدرك من جهة الإستعمال لهذا اللفظ أن مشهد عرضه في القرآن الكريم قد جاء بحالين الأول بما مؤاده الطاعة وذلك على لسان النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام ـ مستقذرا حال قومه في معصية عبادة غير الله والتي وردت في قوله تعالى:﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله﴾([14])،ومما جاء في التفسير توصيفاً لحال الإستقذار بهذا اللفظ ﴿أف﴾ "أي أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الغليظ الذي لا يروج إلا على جاهل ظالم فاجر"([15])، وفيه أيضا:"أف صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر، ضجر مما رأي من ثباتهم على عبادتها بعد إنقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق فتأفف بهم"([16])، وأما الحال الثاني من الإستعمال فبما مؤداه المعصية حيث يقول القرآن على لسان الولد العاصي لأبويه وهو يردّ عليهما تربيتهما له بالطاعة والإيمان بالبعث في قوله تعالى:﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي﴾([17]) وفي كتب التفسير توصيف لاستخدام اللفظ (أُف) في الآية على وجه حال المعصية من الولد لوالديه بدلالة ما يحمله اللفظ أصلاً من معنى التقذر، وهو لا يخص "وإنما هذا عام في كل من عق والديه وكذب بالحق فقال لوالديه: ﴿أُفٍ لكما﴾ عقهما"([18])، وعن الحسن "هو في الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث"([19]).
وفي جميع الأحوال فإن المحقق في استعمال لفظ التأفف في كل المواضع هو استقذار المتأفف للمأفوف صغيراً كان أم كبيراً، وحاصله لدى المتكلم إظهار حمل النفس على الترفع والإستعلاء بها من الإقتراب بالقول أو الفعل في حق المأفوف، وانتظامه أنه الحد الأقصى قولاً لتوضيع قدر المأفوف، ومع هذين الحالين في استعمال اللفظ ( في الطاعة والمعصية ) الواردين في سياق آيات القرآن نجد أن واقع النهي في قول أف للوالدين هو مناط بما مؤداه من الحال الثاني وهو المعصية.
وعند مقام النهي عن الحد الأقصى من القول المتمثل في لفظ أف جاء مقام النهي عن نهر الوالدين معطوفا تباعا على النهي عن قول أف وهو ( النهر ) الحد الأدنى من القول المنهي عن توجيهه للوالدين فكان النهي في القول محمول على قيدين أعلى (أف) وأدنى (النهر) وهذا الحد الأخير وهو النهر نجد عند مراجعة معناه في اللغة مايلي :
"( نهر) النون والهاء والراء أصل صحيح يدل على تفتح شيء أو فتحه، وأنهرت الدماء فتحته وأرسلته. وسمّي النهر؛ لأنه ينهر الأرض أي يشقها، النهرة فضاء يكون بين بيوت القوم يلقون فيها كناستهم، وجمع النهر أنهار، ونُهر ومنه النهار إنفتاح الظلمة عن الضياء ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس"([20]).
"( ونهره وانتهره ) : إستقبله بكلام يزجره به، وسمعت من بعض شحاحذة الحجاز يقول لأصحابه ليس الرجل من يكترث لأول نهرةٍ ولا الثانية ولا الثالثة". ([21])، ومن معناه التدافع وسمّي النهر نهرا من حال تدافع جريان الماء فيه يقال:" نهر الماء جرى في الأرض جعل لنفسه نهرا"([22])، ﴿ولا تنهرهما﴾ (ولا تزجرهما عما لا يعجبك بإغلاظ)([23])، ومن حاصل المعنى اللغوي للنهر في الآية أن النهي فيها محله الإمتناع عما حاصله التدافع بالقول على الوالدين بما يشعرهما بالشدة والتعالي عليهما حتى في مقام النصح لهما ورعايتهما.
وإذا كان مقام التركيز في النهي واقع من جهة القول ( في لفظ أف ولفظ النهر ) فإن فحوى الخطاب أو دلالة النص لا يزال قائماً على أولوية النهي عن الفعل المؤذي بحق الوالدين كون الحكم في هذا الحال أشد اقتضاءً لعلته، ولكن ما تجره جوانب الآية سابقاً ولاحقاً يجعل من تحصيل حقيقة مثل هذا الحكم، وفي مثل هذا الحال محل نظر؛ لأن ما ذكرناه مقصور على جوانب النهي في الآية التي يقع فيها النهي عن خصوص ما ورد من قول أف في الوقت الذي تحمل الآية جوانب من التكليف بالأمر (بالقول) إلى جانب النهي في نفس الآية، ثم الآية التي تليها وبصورة لا ينفك ملازمة إحداهما عن الآخر ومعه نقف عليهما بالتحليل للروابط المشتركة لبنية أحكام الآية بما يلي:
قال الله تعالى في أول الآية:﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ جاء مقام التكليف بالأمر بالإحسان للوالدين في صدر الآية مقروناً بمبدأ العبودية لله وحده تبارك وتعالى، والإحسان([24]) في حق المخلوق على المخلوق مقام للعبودية ضابطها طاعة المخلوق للمخلوق المؤدية إلى طاعة الخالق ([25])، والحال لهذا آكد إذا أدركنا إقرانهما (الوالدين) له سبحانه وتعالى في التكليف بطاعة الشكر بلوغاً لمعاني الإحسان لهما ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾([26])، "وهذا الأمر بالإحسان عام في كل حال ووضعه هنا دليل على أنه من دعائم الدين وأصوله"([27])، ومع دلالة التركيز في النهي على اللفظين أف والنهر فإن مقتضاهما ليس مقتصراً على استعمالهما ذاتهما، بل كل ما يؤدي إليهما من القول والفعل من باب أولى عند التعامل مع الوالدين، ومعه فإن التكليف بالأمر بالقول الكريم للوالدين في ختام الآية:﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ أي:"ليناً طيباً حسناً بتأدب وتوقير وتعظيم"([28]) وهو مما يدخل في مجمل التكليف الأول ( الإحسان في معاملتهما )؛ لأن القول الكريم يراد به هنا والله أعلم. حمل المكلف وهو الولد للتخاطب مع الوالدين بما كان لفظه مغدق المعنى، وظاهره الإجلال لهما وبما يفيض شعورهما بحفظ مكانتهما، وهو غاية ما تقوم عليه دلالة التركيز في القول الكريم إعمالاً للتكليف بالإحسان أولاً.
قال تعالى:﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ وقد جاء فيه أي:"واخفض لهما جناحك كما قال واخفظ جناحك للمؤمنين فأضافه إلى الذل كما أضيف حاتم إلى الجود، والمعنى اخفظ لهما جناحك الذليل"([29])، والذي يبدو أنه كما جعل لفظ الذل منشغلاً في هيئة الجناح أمر بخفظه مبالغة وتأكيداً للتذلل زاد من دلالتها العناية العاطفية التي يستلطفها لفظ الجناح([30]) ومن التعلق هنا أن مقام التكليف بالأمر بخفظ جناح الذل للوالدين هو مقام للتكليف بحال المتكلم من حيث هيئته عند المثول للحديث معهما مما مؤداه حصول الشعور لدى الوالدين بمكانتهما المهيمنة المشار إليها سلفا، وهو داخل أيضا في التكليف بالأمر بالإحسان، أولاً، ويزيد التركيز في عرض التكاليف بالأمر بالدعاء لهما ومؤداه هنا الإخلاص في الطلب من الله بالرحمة لهما مع استذكار حالهما بالمنة عليك بالأبوة إبتداءً عملاً بالتكليف بالإحسان وبتربيتك من صغرك وهو تركيز لما هو غالب في دور الوالدين، لكنه من قبيل التعلق الغير مشروط به التكليف بالدعاء للوالدين لعدم الملآزمة بينهما أي "أن التربية ليست من لوازم بر الوالدين بالتكليف بالدعاء"([31]) وذلك لحصول التعلق بالتكليف بالدعاء لهما على الأقل في كونهما سببا في وجودك، لذلك صح تحقيق عدالة الشريعة بالتكليف بطاعتيهما، وحفظ المعروف معهما في الدنيا مع عدم إسلامهما قال تعالى:﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾([32]) وهو تكليف مقرر في التعامل مع الوالدين مع حاصل دعوتهما لك إلى غير الله قال تعالى في الآية السابقة نفسها ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ وهذا من أسمى معاير التوازن الإجتماعي التي يحكم به الإسلام الروابط الإجتماعية القائمة على أساسها سمو الخليقة، وحفظ كيان المجتمعات في منهج الإستخلاف؛ لأن حاصل ضبط التعامل مع الوالدين بالمعروف مع هذا الحال من غير الإيمان بالله هي دعوة لتقدير أنه من باب أولى عدم اعتبار المبرر للأولاد في معصية الوالدين حتى وإن صدر من الوالدين سلوك المعاصي مع حال إسلامهما كشرب الخمر، فرعاية الطاعة لهما مرافقة لجميع أحوالهما بغية نفعهما، وفي مجمل التكاليف بالطاعة للوالدين يحكم الإسلام شرائح المجتمع المسلم وغير المسلم، ومعه نستجلي واقع التكليف بالدعاء في دلالة التركيز التي تدخل ضمن التكليف بالإحسان للوالدين.
شواهد دلالة التركيز
نصب القول ههنا أننا لو جمعنا الأحكام بناء على مقام التكليف بالأمر والنهي التي اشتملت عليها الآية الكريمة نجد أنها في حقيقتها تحصيل لحكم التكليف بالأمر بالإحسان للوالدين الواقع أولاً، وأن ورودها مفصلاً هو مؤدى دلالة التركيز التي لا تخرج عن مضمون ما ثبت من التكليف بالإحسان أولاً، فهي على هذا الحال تبصير لما حاصله واقعاً على الوجه الغالب في روابط التعامل اليومي في الحياة الأسرية بين الأولاد والأبوين والتي تمثل جانب الإخلال بمنهج الإحسان في معاملة الوالدين، فورد التركيز عليها بالنهي، ومعه لوعدنا إلي المعنى اللغوي لأف وقلنا أن مضمونها الحد الأقصى من أذى القول([33]) للمخاطب بها ( استقذار المحل المأفوف ) فإن تحصيل حكم ما هو أدنى منها من النهي عن القول لن يتأتى وفق لحن الخطاب إلا بحال يكون فيه الحكم أقل اقتضاءً، أي أن اقتضاء الحكم بناء عليها أقل لما هو أدنى من هذا القول للوالدين وهو عين الثابت لدينا هنا، لذلك جاء في سياق الآية من الحال في التركيز ذكر الحد الأدنى من القول أيضا وهو الحاصل بحكم النهي عن القول للوالدين بسلوك النهر ﴿ ولا تنهرهما ﴾ الوارد تباعا وبين الحدين من النهي عن القول نقف على علامات هذا التركيز وجوانب الدلالة فيه:* تعلق الإحسان في معاملة الوالدين مقرون بحكم عادل أولاً وهو القضاء في عبادته جلّ وعلا وحده وأن النهي عن قول أف للوالدين تحصيل في حد ذاته لاقتضاء التكليف بالأمر بالإحسان لهما؛ لأنه مقام لتحصيل الأعمال المطلوبة على أساس الإخلاص الذي يظهر معناه في حق الله في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام وهو يسأله عن معناه فيجيبه عليه الصلاة والسلام عن الإحسان بقوله :«أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك »([34]) والحاصل منه هنا حق الوالدين على الأولاد المؤدية إلى طاعة الله.
- إن بيان التكليف بالنص عن القول يحكي حالة ما هو واقع غالب في جريان الفطرة الإنسانية وتعلق التركيز بالنهي عن القول هو من باب التكليف بالظاهر فيما كان محله في الشرع كذلك؛ لأن ملازمة التأفف من حيث حقيقة بقائه في الباطن قائمة على فطرة الخليقة التي عليها مقاصد الشريعة ولا مورد لاعتقاد النهي عنها لاستثنائها من حاصل التكليف بها كالتنزه من النجاسات، وإنما انحصر النهي ههنا كما سبق أن أشرنا في الظاهر؛ لأن الغاية من التكليف حفظ مقام الشعور لدى الوالدين بغلبة الطاعة، والتذلل من الأولاد، والصارف لذلك هو تعلق النهي عن القول للوالدين بلام المباشرة ﴿لهما﴾ لذلك كان من دواعي هذا التركيز في حفظ هذا الشعور لدى الوالدين التذكير بالمماثلة وهي حالة الأولاد في الصغر والتي يختلط من دواعي الحال فيها أثناء خدمة الوالدين، وتربيتهم لهم ما محله هذا التأفف ﴿ كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ فكان مقتضى هذه المماثلة أنهما لم يأذيانك بها في صغرك فمن البر ألا تقولها لهما ـ هذا رغم فارق الأثر في وقعتها على مشاعر الطرف الآخر لفارق أحوال الأبوة من البنوة قطعاً ـ لذلك كان التركيز في التكليف يصب في حفظ حق الوالدين وهو داخل في التكليف بالإحسان، وليس فيه من التكليف للإعتقاد باستجمال ما يستقذر شرعاً وجبلت عليه الفطرة خلقاً.
- إن التمهيد الوارد في الآية للوصول إلى حكم النهي عن قول أف بذكر بلوغ الوالدين حالة الكبر أحدهما أو كلاهما هو مما تقوم عليه دلالة التركيز في بلاغة أثرها المفرط على مشاعر الوالدين في حالة الكبر، وهو ليس تقيد للنهي في سياق الآية وإنما من دواعي التركيز في الدلالة لما يمكن حصوله على وجه الغلبة في حياة الناس كما أسلفنا، والمرجع في قولنا هذا هو أن التكليف بالنهي عن قول أف للوالدين حاصل حتى مع عدم كبرهما ( كونهما في مرحلة الشباب )؛ لأن مرجع حصول التكليف في الآية هو الأمر بالإحسان للوالدين لا دلالة التركيز التي يقل اقتضاء مثل هذا الحكم بموجبها، ثم إن من دلالة التركيز ههنا هو تنبيه الأولاد بما يمكن حصوله غالبا من الوالدين في حال كبرهما مما هو مدعاة للتأفف ويتحصل به المشقة في مسلك الفطرة فأتت به الآية بالنهي في سياق دلالة التركيز، ومن باب المدلول الأوسع في اعتبار الكبر أن إعماله قائم في الشريعة كمبدأ أخلاقي عملي يتعدى موضوع التكليف بتقديره وإجلاله حد الأبوة إلى الكبر في غير الأبوة تقريراً للفطرة السليمة التي لا تخرج عن حقيقية هذا الدين الخاتم.
- إن من دلالة التركيز القائم في الآية على مرحلة الكبر عند الوالدين هو وجهة اختيار المرحلة الأحوج والأضعف غالباً في حياة الإنسان ولوازمها وأعباؤها مدعاة لحصول النفور والتأفف، وليس في خصوص ذكرها ( الكبر ) شرط لإعمال التكليف بالنهي عن قول أف؛ لأن وجه الدلالة هنا تشير إلى ملازمة إظهار سلوك الطاعة لهما حتى آخر مرحلة من عمرهما فحسب([35]) وتعلق خدمتهما بذات الأولاد أنفسهم أو بالمشاركة على الأقل؛ لأن غايته حفظ المشاعر عند الأبوين دل عليه تعلق النهي بلام الإستقراب والمباشرة ﴿ لهما ﴾ فكأن مجرد حال الحضور بين يدي الوالدين محل بدءُ التكليف بالأدب معهما، ومعه حل النهي في كل ما يخل بهذا الأدب بين يديهما فكان الغياب عن الحضور بين يديهما ( بالغفلة عنهما أو الإنشغال عنهما ) إلى الإخلال بالطاعة بين يديهما واقع في جملة ما يشمله النهي الوراد في الآية، ومن دلائله أيضاً أن بلوغ أحدهما الكبر دون الآخرة لا يبرر الإنقطاع أو الترك أو التغافل عن خدمتهما والإرتكان في خدمتهما للآخر، ودلالته هنا أيضاً أن فيه تقرير للطاعة حتى مع عدم الكبر تحقيقاً للتكليف بالإحسان لهما أولاً كما ذكرناه.
- إن مضمون النهي عن النهر في حق الوالدين لا يقتصر على مجرد القول، بل إلى الأفعال من باب أولى في إقتضاء الحكم، ويدخل فيه مثلاً السلوك العصري بوضعهما تحت الرعية الصحية بتحكم مفرط على مشاعرهما وهو نهي واقع وفق دلالة التركيز كون تحصيله مشمولاً بالتكليف بالأمر بالإحسان للوالدين أيضا إلي جانب ما تلاه من تكاليف، والحاصل إجمالاً أن ما تلى لفظ ﴿إما﴾ في نص الآية هو واقع في دلالة التركيز، وأحكامه تحصيل لاقتضاء التكليف بالإحسان في طاعة الوالدين ابتداءً.
- إن من تمام أداء التكليف بالإحسان في الطاعة في علاقة الأبناء بالوالدين قيام الأولاد بذاتهم في مباشرة خدمة الوالدين فيما كان محل الأداء فيه ممكن من الأولاد، ويدل عليه نظم الإلصاق في لام المباشرة ﴿لهما﴾ الواقع في دلالة التركيز عند النهي ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا﴾ وعند الأمر ﴿وَقُلْ لَهُمَا﴾، وهذا التكليف على صورتيه ( النهي والأمر ) يصب في مقام حفظ مشاعر الوالدين أثناء طاعتهما لذلك يلزم في مقام الطاعة الحضور معهما عند العلاج أو الشراء أو الأكل إذا تلمس الأولاد أنس الوالدين بذلك.
المبحث الثالث:تحقيق دلالة التركيز في بنية أحكام الشريعة
يقول العلامة المعاصر محمد أبو زهرة في كتابه أصول الفقه بشأن حقيقة السنة من الكتاب:"وعلى هذا لانكاد نجد مثلاً لحكم أتت به السنة إلا وجدنا له أصلاً قرآنياً قريباً كان أو بعيداً، ولذلك قال بعض العلماء إنه ما من حكم جاءت به السنة إلا كان له أصل في الكتاب، وقد نقل ذلك الرأي الشافعي في الرسالة، وقرره من بعد ذلك الشاطبي في الموافقات فقال : السنة في معناها راجعة إلى الكتاب، فهي تفصيل مجمله،وتوضيح مشكله، وبسط مختصره، وذلك لأنها بيان له وهو الذي دل عليه قوله تعالى:﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾([36]) فلا تجد في السنة أمراً إلا والقرآن دل على معناه دلالة إجمالية أو تفصيلية، وأيضاً ما دل على أن القرآن هو كلي الشريعة وينبوع لها. ولأن الله جعل القرآن تبياناً لكل شئ فيلزم من ذلك أن تكون السنة حاصلة في الجملة؛ لأن الأمر والنهي أول ما في الكتاب ومثله قوله تعالى:﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء﴾"([37])
ومع هذا التأصيل إذا كان مضمون بحثنا هذا في دلالة التركيز ههنا من قبيل التحليل لمعروض الآية فهل يصدق وجود شواهد أخرى في الشرع لهذه الدلالة تجري عليها أحكام الكتاب والسنة حتى ينبني عليها قولنا من باب العموم لا الخصوص فيما ورد فيها من أحكام على هذه الشاكلة، والإجابة نعم ومثلها التالي:
أولاً في الكتاب
اعتبار دوران المصلحة في عدة المرأة بمناسبة الطلاق ثلاثة قروء وأربعة أشهر وعشرا لمن توفي عنها الزوج، ثم تركز العدة ثلاثة أشهر للمطلقة من غير ذوات الحيض وهي اليائس لكبر السن أو التي لم تحض لعدم البلوغ، ثم العدة لمجرد وضع الحمل من الحامل استبراء للرحم([38]) فما يتحقق من الشهور أو الحيضات يتم بوضع الحامل حملها لمجرد علمها بخبر موت الزوج، وعليه تدور نصوص القرآن وتتركز في مسألة ضبط العدة في منهجية حرمة الزوجية.
ومنها أيضاً اعتبار شرط الإسلام في عتق الرقبة ( الكفارة ) بقيد حكمها في مواطن وإطلاقه في مواطن أخرى كما في عتق الرقبة كفارة لقتل المسلم لأخيه المسلم خطأ حفظاً لمقام الشعور([39]) مع بقاء الإطلاق في عتق الرقبة دون شرط الإسلام كما في كفارة اليمين، وكفارة الظهار إعمالاً لحاكمية الشريعة في ترتيب أمور رعايتها، وكله يأتي تحقيقاً لنهج الشريعة ابتداءً من تعدد مسالك الإسلام في محاربة العبودية التي تَقَوّمت بالمال والملك في حياة المجتمع وصولاً إلى عموم نهج القضاء عليها في المجتمع أياً كان ديانة العبد الذي وقع في رحمة حكم الإسلام القائم ابتداءً على تكريم، ورعاية البشرية جمعا قال تعالى:﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾([40]) ومعه ورد شرط الإسلام في مكان دون آخر وبين التارتين يتحقق بكلاهما وجهة الإسلام في رفع حرج العبودية عن المجتمع مطلقاً مع حفظ الحقوق بما تقوم منه بمال في ملك صاحبه من وجهة مسلك الكفارة إلى جانب غيره من المسالك كالمكاتبة.
ومنها كذلك في مسائل الزيادة على الحدود الواردة في القرآن، هي من دلالة التركيز القائمة على رعاية المصالح التي يقوم عليها نسيج الشريعة بالنسبة إلى أصل الأحكام الواردة فيها، وهي موطئ المجتهدين وأحكامها متبدلة ومرجعها إلى تقرير ولي الأمر من التعازير، والحاجة إلى قدر الزيادة من عدمها، ويأتي في مقدمتها التعزير برجم الزاني المحصن زيادة على حد الجلد([41])، وإنجاز القطع([42]) حد الفصل في يد السارق بدلاً من الإكتفاء بالإعلام بالقطع ليد السارق دون إنجاز إزالتها وتحقيق عودة الحقوق المسروقة إلى أصحابها كونها وجه الضرر الخاص إلى جانب وجه الضرر العام المرفوع بالردع بإقامة الحد.
ثانياً في السنة: من أوجه تحصيل هذه الدلالة في السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم:« لا وصية لوارث »([43]) فهو مما يقع به دلالة التركيز؛ لأن مضمونه من لوازم إعمال التكليف بأحكام الفرائض بين الورثة وعدم تعطيلها([44]) لذلك صح ما كان منها لغير وارث ولكن بما لا يعطل الإرث أيضاً، ومعه تقرر حكم عدم جواز التصرف لغير الوارث على الثلثين وجاز ما دونهما ( الثلث المتبقي ) لما محله لوازم أخرى في حياة الإنسان.
ومنها كذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:« ليس للقاتل من الميراث شيء »([45]) فيه دلالة في التركيز؛ لأن عدم إعماله تعطيل للتكليف بالقصاص، وترتيب الفائدة بالعمل الغير مشروع خلافا لمبدأ الجزاء المقرون بجنس العمل الذي تقوم عليه مقاصد الشريعة، ولذلك كان إسقاط حكم القصاص في قتل الأب للإبن حداً وليس تعزيراً ـ ولوازمه في نظر الشريعة جارٍ نفاذه بيد ولي الأمر لرفع المفسدة ـ ولكن ينبغي ألا يستثنى من حرمانه من الإرث بناء على عموم النص في الحديث رفعاً لجني الفائدة من العمل الغير مشروع، ومنه أيضا إذا كان الإرث سيؤدي إلى تعطيل حكم القصاص ولو من جهة غير مباشرة كميراث الزوج من زوجته المتوفية بعد أن قتل أباها ( عمه ).
وفيما ذكرناه مقتضب من حال الدلالة في التركيز لما نستقرؤه من منهج القرآن، وما تزخر به السنة في نهج القرآن وصولاً إلى حقيقة البيان الوارد في رسالته صلى الله عليه وسلم، حيث نخلص إلى القول في تعريف هذه الدلالة بأنها: محصلات الأحكام الجزئية للأحكام الكلية التي تنتظم عندها مقاصد الشريعة الإسلامية. وأما عن وجهة تحصيل وجود هذه الدلالة في أحكام القرآن بالنسبة إلى مصادر التشريع المدركة في الفقه الإسلامي ( الكتاب والسنة والقياس والإجماع... ) فإن جهة تصنيفها قائمة إما على أساس أنها من أصل النص([46])، أو أنها قائمة من جهة الزيادة على النص، وفيها المخاض الأوسع والأكثر تبدلاً إعمالاَ لرعاية المصالح التي يأتي عليها ضبط محمل هذه الزيادة في حين تتفاوت الوجهات في إدراك ما ينسب إلى أصل النص، وبالأخص مما يحمل على خارجه، وعلى حال هذا الأخير قد يدخل في الأصل استرسلاً لوجهة تقرير المصلحة في نظر البعض، وقد يخرج من الوجهتين في نظر البعض الآخر وحقيقته في دوران المصلحة وجريان المقاصد والمرجع في التقدير فيها جميعاً مركون لأهل الأدراك والإختصاص في الشريعة وليس العوام.
الــخاتمة
الخلاصة
في ضوء ما استحضرناه في هذا البحث وجدنا أن النهي عن التأفف من الوالدين الوارد في نص الآية وما يترتب عليه من بناء الأحكام وفق النظرة الأصولية لمفهوم الموافقة ( فحوى الخطاب ) عند المتكلمين أو ما يسمّى بدلالة النص عند الفقهاء هو ما يزيد من دلالة التركيز القائمة في سياق نص الآية الكريمة الذي جاء فيما محله حاصل على وجه الغلبة في حياة الناس، فقد جاء حكم التكليف بطاعة الوالدين قضاءً بالإحسان لهما إجمالاً، وتركز على ذكر تفصيل مدارك هذا الإحسان فيما هو حاصل من تجاوز هذا الإحسان في حياة الناس غالباً، ومنه حال القول في أحوال حد التأفف الذي يحصل أسبابه في نسق الحياة بين الآباء والأبناء فحل التركيز على تحمل مشقته من خلال التركيز بالنهي عنه في مجمل التكاليف التي وردت في الآية الكريمة والتي كان التأفف من الوالدين أحدها باعتباره الحد الأقصى من القول الذي يؤذي الوالدين كما وقفنا عليه، ومعه فإن دلالة التركيز تعد موطن من الأحكام التي تأخذ مواقعها في أكثر من موطئ في مصادر الشريعة الإسلامية ضابطها نصوص القرآن الكريم باعتباره الأصل الذي يقوم عليه إعمال أحكام هذه الشريعة.
النتائج
القرآن هو ختام الإعجاز السماوي الذي يتفلت أمام دعوى الإحاط بأسراره كل همام في العلم مهما بلغ علمه إلا أنه يناله من شرف اغترافه بما أكرمه الله من حظ الفهم منه، فكانت حالة الكمال في إدراكه مناط بمن خصه الله مهبطاً له على هذه الأرض خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ونال من شرف سلسبيله من سلك منارة الإهتداء به من الصحب والأئمة الأعلام.
تقيم أحكام الإسلام سلوك الفرد والجماعة بأسلوب متزن لا يفوت أحدهما الآخر، وعند الوقوف على مدارك أحكامه تجد أبعادها التي تحكم المسلم وغير المسلم؛ لأن غاية مناطها قوام صلاح الإنسانية القائم على مبدأ التكريم ابتداءً.
التوصيات
- بر الوالدين عمل جليل يشف فيه معنا صلاح الفرد المؤدي إلى صلاح المجتمع الذي يرعى فيها الإسلام نسيجه بما يتعدى مفهوم التدين إلى مفهوم الآدمية؛ لأنه الوجه الآخر لمحاكاة الفطرة السليمة.
- إن موجة التحضر هي نبرة من الحياة المادية التي تجد أثرها السلبي على حقيقة النظرة العاطفية والصلة المترابطة في مسلك علاقة الآباء بالأبناء وصولاً إلى جوهر الشعور بالرضى ويلزم كل إنسان التنبه إليها.
- إن قوام المجتمع في نظر الإسلام في منهج التربية يقابله كثير من النصوص لتنظيم المجتمع إبتداءً بالأبوة التي هي نواة المنهج مروراً بالتربية في مختلف مجالات الحياة العلمية، والثقافية، والإدارية، والسياسية والاقتصادية....
- إن وجهة التأصيل في البحث العلمي في إطار النظرة المعاصرة لا تمنع من بريق البيان والوقوف على شوهد التجديد في نظم الإحكام، وموارده في الشرع غير منقطعة والإحاطة بها دعوة لم يقل بها أحد، ومن إدعاها ردت عليه دعواه قطعاً وهو ما تجردت إليه في إعداد هذا البحث.
حوالہ جات
- ↑ ()سورة الإسراء ،الآية:23
- ↑ ()ويسميه البعض بفحوى الخطاب غير أن البعض يخصه بما بحالة ما يكون حال المسكوت عنه أولى في إقتضاء الحكم من المنطوق، وأما ما كان فيه حال المسكوت عنه مساويا للمنطوق في اقتضاء الحكم فإنه يسمّى بلحن الخطاب.(الشوكاني،محمد بن عبدالله الصنعاني،إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول،دار الكتب العربية، 1999، 2/178؛الغزالى،محمد بن محمد،المستصفى،دار الكتب العلمية،1993،2/191
- ↑ ()الخن،د.مصطفى سعيد،أثر الإختلاف في القواعد الأصولية في احتلاف الفقهاء،مؤسسة الرسالة،الطبعة السابعة: 1998م،ص:290
- ↑ ()أيضا،ص:304
- ↑ ()الرازي،محمد فخر الدين ضياء الدين، التفسير الكبير،دار إحياء التراث العربي،الطبعة الثالثة:1420ه،10/189 - 190
- ↑ ()الرازي،محمد فخر الدين ضياء الدين، التفسير الكبير،10/190
- ↑ ()أيضا،10/188
- ↑ ()الرازي،محمد فخر الدين ضياء الدين، التفسير الكبير،10/188 ـــ 189
- ↑ ()ابن الحسين أحمد بن فارس بن زكريا،معجم مقاييس اللغة، كتاب الهمزة،باب الهمزة في الذي يقال له المضاعف،ـ دار الجيل،بيروت،1999م،1/6
- ↑ ()الرازي،أبو بكر بن عبد القادر،مختار الصحاح،مطبعة لبنان،1986،ص:19
- ↑ ()الطبري،أبو جعفر محمد بن جرير،تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن،دار الكتب العلمية،بيروت،1997م، 5/60
- ↑ ()ابن كثير،أبو الفداء،إسماعيل بن عمر،تفسير القرآن العظيم،دار طيبة للنشر،الرياض،الطبعة الثانية:1999م، 5/64
- ↑ ()البيضاوي، القاضي ناصر الدين ابن سعيد عبد الله بن عمر،أنوار التنزيل وأسرار التأويل،دار الراشد،دمشق،الطبعة الأولى:2000م،1/ 297
- ↑ ()سورة الأنبياء،الآية:67
- ↑ ()ابن كثير،تفسير القرآن العظيم،5/351
- ↑ ()النسفي،عبدالله بن أحمد بن محمود،مدارك التنزيل وحقائق التأويل،دار الكلم الطيب،بيروتالطبعة الأولى:1998م، 2/411
- ↑ ()سورة الأحقاف،الآية:17
- ↑ ()ابن كثير،تفسير القرآن العظيم،7/283
- ↑ ()النسفي،مدارك التنزيل وحقائق التأويل،3/ 313
- ↑ ()ابن الحسين،أحمد بن فارس بن زكريا،معجم مقاييس اللغة، كتاب الهمزة،باب الهمزة في الذي يقال له المضاعف،ـ 5/6
- ↑ ()الزمخشري،جارالله ابن محمد بن عمر،أساس البلاغة،دار الكتب العلمية،1998م،ص:474
- ↑ ()الرازي،مختار الصحاح،ص:682
- ↑ ()البيضاوي،أنوار التنزيل وأسرار التأويل،1/297
- ↑ ()ومرجع معناه الى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام الذي رواه مسلم عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه"...قال: فأخبرني عن الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإلم تكن تراه فإنه يراك..."،(القشيري،مسلم بن الحجاج،الصحيح،رقم الحديث:8،تحقيق:محمد فؤاد عبد الباقي،دار إحياء التراث العربي،بيروت،بدون سنة الطباعة، 1/36)
- ↑ ()لذلك صح عدالة الشريعة في التكليف بالطاعة لهما حتى مع عدم إسلامهما
- ↑ ()سورة لقمان،الآية:14
- ↑ ()حجازي،د.محمد محمود،التفسير الواضح،دار الكتب العربي،بيروت،لبنان،الطبعة العاشرة:1413ه،1/564
- ↑ ()ابن كثير،تفسير القرآن العظيم،5/64، وفيه:" ﴿وقل لهما﴾ بدل التأفف والنهر ﴿ قولاً كريما ﴾ جميلاً ليناً كما يقتضيه حسن الأدب أو هو أن يقول يا أبتاه يا أماه"
- ↑ ()النسفي،مدارك التنزيل وحقائق التأويل،2/252
- ↑ ()وفي قوله تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾،سورة الحجر،الآية: 88، وهنا الجناح صورة لعنايته وعاطفته صلى الله عليه وسلم تقديراً لمكانتهم عن غيرهم،وهو مقام اختصاص زائد لا يتعطل معه عموم ما أودع فيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾،سورة الأنبياء،الآية:107،راجع:البيضاوي،أنوار التنزيل وأسرار التأويل،1/297 ـــ 298
- ↑ ()ومع هذا الحال من وجه التكليف بالأمر يأتي دلالة التركيز على مسألة التربية بأن يطال التكليف بالبر من الأبناء بالتبني إنتهاجا لمقام التكليف بالإحسان لهما على هذا القدر من السبب ( التربية )
- ↑ ()سورة لقمان،الآية:15
- ↑ ()كل سبٍّ قول وليس كل قول سب، وفي نظم العام لا ينصرف القول إلى معنى السب إلا بشاهد وصف يلحقه لتخصيصة،يقال:"سبه بأن قال له كذا وكذا"، لذلك ما حصل من قول إبراهيم عليه السلام من تأفف لحال قومه في عبادة غير الله هو من مقام القول المؤذي وليس السب ﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾،سورة الأنبياء،الآية:67
- ↑ ()مسلم،الصحيح،رقم الحديث:8،1/36
- ↑ ()وهو الحال الواقع في دلالة التركيز الذي لا يخرج عن التكليف بالإحسان أولاً
- ↑ ()سورة النحل،الآية:44
- ↑ ()محمد أبو زهرة،أصول الفقه،دار الفكر العربي،بيروت،بدون سنة الطباعة،ص:113-114
- ↑ ()قال تعالى:﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾،سورة البقرة،الآية:228، وقال تعالى:﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾،سورة البقرة،الآية:234، وقال تعالى:﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾، لذلك وجد من يحقق معنى التركيز في اعتبار المشاعر في العدة إلى جانب الإستبراء للرحم، فتحقق لدى جانب من الفقه الإسلامي تقرير أبعد الأجلين في تقرير العدة وبالأخص للمتوفي عنها زوجها وهو الحال الذي يستقيم مع نظم دلالة التركيز في مضمون الأحكام الواردة في العدة وتقرير منفعتها، ولنا ندرك أن مقام الشعور هذا يرجع لثقافة المجتمع ومعه فهي عرضة للتبديل فغاية مرعاة هذه المشاعر التي تجرها دلالة التركيز ليس مما يقوم عليه الحرمة، وتقرير العقاب عند العمل بالأجل الأقصر على وجهة من قال به؛ لأنه الحال الذي ينتظم به الوجه الموضعي للحكم في إبراء الرحم خاصة إذا أدركنا ما وصل إليه العلم الحديث من تقرير لمثل هذه الأحول عند اللبس.
- ↑ ()قال تعالى:﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾، سورة النساء،الآية:92، وقال تعالى:﴿فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾، سورة النساء،الآية:92، وأما في كفارة اليمين فقد وردت الكفارة مطلقة، قال تعالى:﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ﴾،سورة المائدة، الآية:89، وفي كفارة الظهار قال تعالى:﴿ فتحرير رقبة ﴾،سورة المجادلة،الآية:3، ولم يضع التخير للبدائل إلا في حال لم توجد الرقبة ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ﴾، سورة المجادلة،الآية:4،وشرط الإسلام الوارد يأتي في الفقه من مسائل حمل المطلق على المقيد في مرجع القواعد الأصولية، ونظم حقيقته أنه مقام أولوية في الرعاية أي أن الكفارة تتم بعتق رقبة غير المسلم متى كانت رقبة العبد المسلم غير حاضرة .
- ↑ ()سورة الإسراء،الآية:70
- ↑ ()لعموم النص في قوله تعالى:﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾،سورة النور،الآية:2
- ↑ ()لأن القطع ورد في القرآن بمعنى ما دون الإزالة والفصل نهائياً كما في أحوالة وصف القرآن النسوة مع امرأة العزيز في قوله تعالى:﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾،سورة يوسف،الآية:31
- ↑ ()عن عمر بن خارجة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على ناقته فسمعته يقول:«إن الله أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث»(الترمذي،محمد بن عيىسى،السنن،أبواب الوصايا،باب ما جاء لا وصية لوارث،رقم الحديث:2121، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي،مصر،الطبعة الثانية:1975م،4/434،وقال:حديث حسن صحيح)
- ↑ ()التعطيل للأحكام يشمل كل ما من شأنه منافاة مقاصد الشريعة وحفظ ضروراتها، (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) وهي من أوجه العلل المسلم بها في كتب الفقه الإسلامي،الشاطبي،إبراهيم بن ادهم بن إسحاق،الموافقات، دار ابن عفان،1997م،مقدمة،ص:5
- ↑ ()النسائي،أحمد بن شعيب،السنن الكبرى،كتاب الفرائض،باب توريث القتل،رقم الحديث:6333،مؤسسة الرسالة، بيروت،الطبعة الأولى:2001 م ،6/120
- ↑ ()وهي غالباً تقف على الكيفية التي تأتي عليها هذه الأحكام كحاصل فرض الصلاة ووجه أدائها بفعله صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي ثبات هذه الكيفية من خلال انتظامها والوجهة فيها تعبدية، أما أحوال الزكاة فإن مقدارها وأحوال تصريفها وجهة عمليه مناط بترتيب ولي الأمر المدرك في تأطير حاجيات الجماعة، وإدارة الثروات التي عليها مفهوم الدولة المعاصر أو في أي نظام بديل؛ لأن مبدأ الفرض فيها قائم على صلاح أحوال العامة بل والإنسانية جمعا، لذلك لا يمنع نظمها كما هو عليه في فرض الصور المتعددة في موارد الدول المعاصرة وصولاً إلى تحقيق الكفاءة الاقتصادية في حياة الناس وهو الحال المدرك في مبدأ الإسلام منذ يومه الأول
Article Title | Authors | Vol Info | Year |
Article Title | Authors | Vol Info | Year |