Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Al-Idah > Volume 37 Issue 1 of Al-Idah

الأساليب النبوية في معالجة التطرف الديني |
Al-Idah
Al-Idah

Article Info
Authors

Volume

37

Issue

1

Year

2019

ARI Id

1682060034497_435

Pages

196-218

PDF URL

http://www.al-idah.pk/index.php/al-idah/article/download/355/270

Chapter URL

http://al-idah.szic.pk/index.php/al-idah/article/view/355

Subjects

Eliminating Religious Extremism Islamic Principles Eliminating Religious Extremism Islamic Principles

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

المقدمة:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

لا بد لكل مشكلة من علاج، سواء كان مرضا ماديا أو معنويا، فبعد أن يشخص الداء وتبين أسبابه وأهدافه وتدرس الظروف المحيطة به والتي تؤثر عليه نأتي لنضع العلاج المناسب من حلول وأفكار تقضي على المرض.

الأسوة النبوية مليئة بالأساليب الناجحة في معالجة ظاهرة التطرف والغلو في الـدين، إذ أن الغلو والتنطع ليس له عصر معين ولا يحده زمن بل هو موجود في كل مكان، وفي مختلف المجتمعات والأديان، ومن أجل ذلك تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذه الظاهرة بكل حكمة والموعظة الحسنة، واستطاع صلى الله عليه وسلم أن يضع الحلول الناجحة لكل المشاكل الفردية والظواهر المجتمعية، بل حذر قومه وأمته من مضلات الفتن القادمة وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الفتن ظاهرة وباطنة كما نجد في رواية ابن عباس رضي الله عنهما كان رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الناس هذا الدعاء مثل تعليم السور الأخرى فكان يَقُولُ: " قُولُوا: اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ "[1].

وفي رواية أحمد عن ابن عباس يَقُولُ: "إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ فِي دُبُرِ صَلاتِهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: " أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الْأَعْوَرِ الْكَذَّابِ "[2].

ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم واستعاذته من هذه الأمور ليلتزم المسلم أوامر الله تعالى ويجتنب نواهيه، وليقتدي الناس برسولهم الكريم، صلى الله عليه وسلم، ويشهد العالم اليوم بين فترة وأخرى موجات من الفتن التي لا عاصم لها إلا الله تعالى وذلك يتوجب على المسلم في هذه الظروف والفتن المضلة أن يقتدي بالأسوة الحسنة وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[3].

وذلك ليحفظ نفسه وأهله وأمته. لا يقع في الزيغ أو الانحراف أو الحيف عن الجادة الصحيحة. ومن بين تلك الفتن التي كان يستعيذ الرسول صلى الله عليه وسلم منها ظاهرة الغلو والتطرف والتي أصبحت عامة في كل المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، وفيما يلي سنذكر بعض الأساليب النبوية في معالجة الغلو والتطرف التي ظهرت في مجتمعه صلى الله عليه وسلم والتي هي بمثابة القواعد والأصول يُفيد منها القادة والعلماء والدعاة عند ظهور حالات التنطع في الدين والغلو في العبادات والتشدد في المعاملات.

اجتناب الشدة والتزام اليسر:

لقد جاءت الشريعة الإسلامية باليسر والتيسير وهي ابتداءً ميسرة وجاء النهي عن التطرف وعدم التشدّد ودعت إلى الرأفة والرحمة والرفق بالنفس ومدحت التوسط والاعتدال في كل شيء.

وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة، ووضع الإصر والأغلال التي كانت على غيرهم، قال الله تعالى في صفة نبيه عليه الصلاة والسلام " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "[4] فالشريعة مبناها على اجتناب الشدة والتزام اليسر، قال الله تعالى " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " [5]وقال الله تعالى،" يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا "[6]، وسمى الله تعالى الأخذ بالشديد على النفس اعتداء فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعتَدُوا"[7]، وقال الله عز وجل في سياق الامتنان علي هذه الأمة "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [8]. وقال الله عز وجل في سياق بيان فريضة الصيام "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ"[9].

وقال الله عز وجل في سياق فريضة الوضوء " مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " [10].

وهناك أمثلة كثيرة في مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم التي تدل على مبدأ التسهيل والتيسير ورفع الحرج عن الأمة والبعد عن التشديد على النفس والتعسير على الناس، ومن ذلك فيما يخص عدم التشديد على النفس، دعا للرفق بالنفس في العبادات وبالغير في المعاملات، وكان صلى الله عليه وسلم يوصي الصحابة رضي الله عنهم.

ففي الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري بسنده عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: "أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي العِضَاهِ، يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ. قَالَ جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً، ثُمَّ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا فَجِئْنَاهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ " ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"[11].

فتجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم العنف والشدة مع هذا الأعرابي ليعلمنا التصرف في مثل هذا الأحوال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقابل السيئة بالحسنة فيتبسم في وجه من أراد إيذاه فيدفع بالتي هي أحسن.

وحديث الحولاء بنت تويت، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: فُلاَنَةُ لاَ تَنَامُ بِاللَّيْلِ، فَذُكِرَ مِنْ صَلاَتِهَا، فَقَالَ: مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا"[12].

قال الإمام ابن بطال رحمه الله: إنما يكره ذلك خشية الملل المفضي إلى ترك العبادة [13].

وأخرج الإمام مسلم بسنده عن أنس بن مالك، قال: " كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ، مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ " [14].

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألف قلوب الناس ويحببهم بالإسلام وكثير منهم دخلوا في دين الله ببركة المعاملة بالحسنى وبالفعل والقول الحسن، وهذا منهج كريم في الدعوة إلى الله تعالى، وتجنب شدة قد تؤدي إلي تطرف وغلو في تصرف الأعراب أو الصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة أن الطبائع تختلف عن بعضها لكنها تصب في قالب الإحسان واللين وهذا دين الفطرة، فخلق المؤمن خلق الفطرة نفسها التي فطرها الله عليها طبائع الخلق.

فتجنب الشدة، هو علاج قويم لمشكلة التطرف قديما وحديثا ولو عومل المرء بغير ذلك لانقلبت الموازين و أصبح هناك ردة فعل من الطرف المقابل سيئة العاقبة.

فالإسلام دعا الناس إلى البعد عن التشديد على النفس،كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أبو داؤد من طريق سهل بن أبي أمامة: "أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَأَبُوهُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي صَلَاةً خَفِيفَةً دَقِيقَةً كَأَنَّهَا صَلَاةُ مُسَافِرٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ أَبِي: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَرَأَيْتَ هَذِهِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ أَوْ شَيْءٌ تَنَفَّلْتَهُ، قَالَ: إِنَّهَا الْمَكْتُوبَةُ، وَإِنَّهَا لَصَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْطَأْتُ إِلَّا شَيْئًا سَهَوْتُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ "وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ"[15] ثُمَّ غَدَا مِنَ الْغَدِ فَقَالَ: "أَلَا تَرْكَبُ لِتَنْظُرَ وَلِتَعْتَبِرَ؟" قَالَ: نَعَمْ، فَرَكِبُوا جَمِيعًا فَإِذَا هُمْ بِدِيَارٍ بَادَ أَهْلُهَا وَانْقَضَوْا وَفَنُوا خَاوِيَة عَلَى عُرُوشِهَا، فَقَالَ: "أَتَعْرِفُ هَذِهِ الدِّيَارَ؟" فَقُلْتُ: مَا أَعْرَفَنِي بِهَا وَبِأَهْلِهَا، هَذِهِ دِيَارُ قَوْمٍ أَهْلَكَهُمُ الْبَغْيُ وَالْحَسَدُ، إِنَّ الْحَسَدَ يُطْفِئُ نُورَ الْحَسَنَاتِ، وَالْبَغْيُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ، وَالْعَيْنُ تَزْنِي، وَالْكَفُّ، وَالْقَدَمُ، وَالْجَسَدُ، وَاللِّسَانُ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ"[16].

فهذا الحديث والذي سبقه يدل على صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم ويبين أنه كان يخففها لئلا يصيب النفس الملل والسآمة كي لا تفتر وتكسل عن العبادة بل تستمر في عبادتها بنفس مطمئنة خاشعة لله عز وجل ولا تفعل ما تفعله اليهود والنصارى من رهبنة ابتدعوها في الصوامع فضلوا وأضلوا لأنهم تركوا الحق واتبعوا الباطل الذي ابتدعوه من عند أنفسهم.

إن يسر الإسلام سمة من سماته الرئيسة التي اختص بها من بين سائر الأديان، أما ما يخص التيسير على الناس فيدلنا عليه حديث جابر بن عبد الله فقد قال: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعُ، فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى العِشَاءَ، فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ[17]. فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:" فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ ثَلاَثَ مِرَارٍ أَوْ قَالَ: فَاتِنًا، فَاتِنًا، فَاتِنًا وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ المُفَصَّلِ "[18].

وهذا الحديث فيه استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين، ويتضح من هذا الأسلوب النبوي قاعدة (سماحة الإسلام ورفع الحرج عن الأمة في أهم المسائل وهي العبادة)، ويندرج هذا الأصل على سائر المسائل والمعاملات الإسلامية الأخرى، فهل من يسر الإسلام وسماحته في الدعوة القيام بأعمال العنف والتفجيرات وزعزعة الأمن وتنفيذ العمليات الانتحارية من أجل إقامة الدولة الإسلامية؟ وهل هذا الفعل من هديه صلى الله عليه وسلم عندما كان يدعو قومه سراً وجهراً في مكة قرابة ثلاثة عشر عاماً، وحول الكعبة قرابة ثلاثمائة وستين صنماً، فلم يهدمها إلا في فتح مكة من العام الثامن للهجرة، ولم يستخدم أسلوب العمليات الانتحارية أو أسلوب التفجيرات بل كان يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، حتى أنه أحياناً يأتي الصحابة في ساعات الضعف الإنساني يشتكون إليه ما يجدون من التعذيب وشدائد الأمور، فيضرب لهم الأمثال ويعظهم ويذكرهم ليربط على قلوبهم، فيرجعون راضين مطمئنين صابرين على البلاء.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ" [19].

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذًا بمنهج اليسر والتيسير، فاتخذ اليسر منهجا في حياته. تقول عائشة رضي الله عنها "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا"[20].

والتزام اليسر يكون في التعامل مع الذات، وفي التعامل مع الناس. يشهد لذلك أحاديث منها: عن قبيصة بن هلب، عن أبيه، قال: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ مِنَ الطَّعَامِ طَعَامًا أَتَحَرَّجُ مِنْهُ، فَقَالَ: "لَا يَتَخَلَّجَنَّ فِي صَدْرِكَ شَيْءٌ ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّةَ" [21].

والمعنى "لا يدخل في قلبك ضيق و حرج، لأنك على الحنفية السمحة، فإذا شككت و شددت على نفسك بمثل هذا، شابهت فيه الرهبانية" [22].

وعن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا " [23].

وحكمة هذا اليسر الذي جاءت به الشريعة، أن الله جعل هذا الدين الفطرة، وأمور الفطرة مستقرة في النفوس، سهل عليها قبولها. ومن الفطرة النفور من الشدة والعنف. وقد أراد الله عموم هذه الشريعة و دوامها، فاقتضى ذلك أن يكون تنفيذها بين الأمة سهلا، ولا يكون ذلك إلا إذا انتفى عنها العنف[24].

إن التطرف ضرب مناقض لليسر والتيسر، ورفع التطرف ومعالجته هو بالانصراف عنه إلي ما هو موافق لمقصود الشارع.

ولهذا يأتي النهي عن الغلو، ومعالجة ما وقع منه مقترناً مع اللأمر بقصد اليسر [25].

عن أنس، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ، قَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ[26].

وإشهار يسر الإسلام في الناس، مقترناً بضبط مفهوم اليسر، وأنه ليس التميع والتسيب، سبيلاً من سبل معالجة الغلو. فإن الواقع في الغلو والتشديد على النفس أو على الناس، يظن ذلك ديناً، فيتعبد الله عزوجل بغلوه. ولو علم وعلم أن الشارع قصد اليسر و التيسير وحددت معالم ذلك وضوابطه، لصرنا إلي معالجة الغلو المناقض للشرع والفطرة. واستقراء النصوص الشرعية الدالة على النهي عن الغلو، تشهد بأن تأكيد النبي صلي الله عليه وسلم على اليسر والتيسير، يراد به فيما يراد من حكم قطع دابر الغلو، وسد ذرائع التشديد فٍي الدين، ولذلك نهي عن مشابهة السابقين في التشديد والغلو[27].

لقد سطر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدأ الرحمة في الإسلام، فقد ورد في صحيح مسلم " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا....." [28].

والنظر لهذه الأحاديث تعطي القارئ فكرة عن معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم للعدو في الحرب وأن الغلو والتطرف لا وجود لهما في المبادئ النبوية مع العصاة والمشركين في المعارك، فالرحمة واللين غلبت الطبع المشين الذي يفعله أهل الغلو والتطرف فللرحمة أثر كبير في معاجلة التطرف.

أخرج الإمام البخاري بسنده عن خباب بن الأرت قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ [29].

والحديث فيه تسلية للصحابة، وإشارة إلى التحلي بالصبر حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً، ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالنسف والقتل والتفجير والعمليات الانتحارية، ولا يكاد التاريخ يعرف قوماً ابتلوا بألوان البلاء، وفتنوا أشد فتنة مثل ما عرف ذلك لأصحاب نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم وأوذوا في سبيل عقيدتهم ودينهم أشد الإيذاء ومع ذلك أخذهم النبي صلى الله عليه وسلم بأساليبه الحكيمة في التربية والتهذيب، وكان لهم القدوة الحسنة في الثبات والصبر وتحمل لأواء الحياة وآلامها في سبيل العقيدة والغاية الشريفة. والأمة الإسلامية اليوم تعيش في أضعف حالاتها، ولذلك نحتاج كثيراً من الجهود، وتكاتف الأيدي، وتعاون الأفراد والمؤسسات، وأن يبذل العلماء والدعاة والمربون جهدهم في التربية والتعليم والتكوين لتخريج جيلٍ قادرٍ على تحمل التحديات المستقبلية ومواجهة أعداء الإسلام ولن يكون ذلك إلا بإبراز سماحة الإسلام ويسره لكسب الناس وصناعة جيلٍ قادرٍ على تحمل الأمانة والمسؤولية، والبعد عن أساليب العنف والتطرف وتكوين القاعدة الصلبة القائمة على المنهج النبوي الصحيح [30].

الحوار الجاد والمجادلة بالتي هي أحسن:

إن التحاور مع أهل الغلو والتطرف أسلوب من أساليب إزالة شبه الغلاة، ووقاية الآخرين من أفكارهم [31].

لقد دعا القرآن الكريم إلى الحوار مع الآخرين حواراً رفيعاً مهذباً كما قال الله تعالى: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"[32]

وكما قال سبحانه وتعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "[33].

يقول الإمام سيد قطب في تفسير هذه الآية: "وبالجدل بالتي هي أحسن بلا تحامل على المخالف ولا ترذيل له وتقبيح، حتى يطمئن إلى الداعي، ويشعر أن ليس هدفه هو الغلبة في الجدل، ولكن الإقناع والوصول إلى الحق، فالنفس البشرية لهـا كبرياؤهـا وعنادهـا وهي لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق، حتى لا تشعر بالهزيمة، وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الرأي، وقيمتها هي عند الناس، فتعتبر التنازل عن الرأي تنازل عن هيبتها واحترامها وكيانها، والجدل بالحسنى هو الذي يطامن من هذه الكبرياء الحساسة، ويشعر المجادل أن ذاته مصونة، وقيمته كريمة، وأن الداعي لا يقصد إلا كشف الحقيقة في ذاتها، والاهتداء إليها، في سبيل الله، لا في سبيل ذاته ونصرة رأيه وهزيمة الرأي الآخر"[34].

وقال الله سبحانه وتعالى: "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ"[35].

فمجرد الشدة في الحوار واستخدام الكلمات الجافة غير مرغوب يمنعك عن سباب الناس وإيذائهم واحتقارهم وغير ذلك من الممارسات الناجمة أساساً عن عدم الاعتراف بالآخرين وعدم الإيمان بجدوى الحوار نفسه، وهؤلاء لا ينبغي لهم أن يتصدوا للحوار أو لا يمكن أن يحققوا منه أي نتائج إيجابية[36].

وقد اشترط القرآن الكريم العلم فيمن يحاور عن دين الله القويم وعاب على قوم أنهم يجادلون بغير علم، يقول تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ"[37].

وأمر المسلم أن يحاور بعلم وهدى وبصيرة فقال تعالى: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" [38].

لابد أن يكون الحوار بالحسنى، وإن الحوار بالحسنى يتضمن استخدام جوانب الحوار لبعضها بعضاً، والرغبة المخلصة في تحقيق النفع المشترك، وبغض النظر عمن يكسب جولات الحوار [39].

وفي تحديد الإطار المهذب للحوار جاء قول الله تعالى: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ"[40].

علينا أن نحاور بالحسنى مع أهل الغلو والتطرف وأهل الانحراف، لأن الغلو والتطرف سواء أكان في المعتقد أم في السلوك والتعامل يتنافى مع الإسلام.

حينما ننظر إلى سيرة النبوية نرى كيف فتح النبي صلى الله عليه وسلم باب الحوار والمناقشة، فقد أخرج الشيخان بسندهما، "أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ، كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلَّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟ فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ البَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"[41].

فهذا بين نبي الله و رجل أعمى البصر، فيه حل مشكلة فرد أو جماعة، الحوار المقنع البناء الذي يسمع، وتراعى فيه جانب المصلحة ولو لم يفتح رسول الله صلي الله عليه وسلم الكلام والحوار لما روعيت مصالح المجتمع وقد تكون بذلك ردة إلى غلو و تطرف، ننظر كيف يكون العلاج لهذه المشكلة بالحوار المقنع.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على الحوار حتى في أحلك الظروف وفي المواقف التي تستدعي أناة وتروياً، ومثاله ما كان يوم الحديبية لما كتب الصلح ورأى بعض المسلمين فيها إجحافاً، وقع حوار بين بعضهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم.

" فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا، قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ، قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ العَامَ، قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الحَقِّ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ العَامَ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا" [42].

للحوار دور كبير، في إظهار الخير و إبطال المنكر، فقد أخرجه الشيخان، يقول عمرو بن دينار، غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ، فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:" مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ؟ ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُهُمْ " فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ المُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا، "لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ"[43]. فَقَالَ عُمَرُ: أَلاَ نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الخَبِيثَ؟ لِعَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ [44].

ففي هذا حل مشكلة كادت أن تحدث بين المهاجرين والأنصار بسبب التطرف والعصبية التي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوها لأنها من دعوى الجاهلية. ونهى صلى الله عليه وسلم، عمر رضي الله عنه أن يقتل ابن سلول المنافق وقال لايتحدث أنه يقتل أصحابه، وهذه محاورة بناء تقود لحل مشكلة التطرف والتسرع في الفعل والعصبية، فالحوار البناء وتجنب الشدة والعنف فيه حل لتلك المشاكل، فغير النبي صلى الله عليه وسلم في الحوار مع أصحابه فكرة خاطئة، نتجت عن تسرع في الحكم وهذا التغير ناتج عن الحوار الجانب للذهن والمقنع للفكر.

وللحوار البناء الذي يقدم النصيحة المقبولة حماية لمصلحة المجتمع و ذلك كما رأينا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواره مع سعد ابن مالك رضي الله عنه، وأمره بأن لا يتصدق إلا بثلث ماله وذلك عندما حضرته الوفاة. ورأى أن عنده مال كثير وترثه ابنة واحدة فقال صلى الله عليه وسلم" الثُّلُثُ يَا سَعْدُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ذُرِّيَّتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ"[45].

وقدم النبي صلى الله عليه وسلم النصيحة للذين يأتون بشيء جديد في الدين.

من خلال أسلوب النصيحة معلماً للرجل الذي شمت من عطس في الصلاة وقال له يرحمك الله، قال له صلى الله عليه وسلم"إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ" [46].

هناك يعلمنا بطريق النصيحة وفيه دور كبير لعلاج التطرف الذي يتصرفه الغير مع أمثال هذا الرجل بالإيذاء.

وعن طريق تحبيب الناس بالدعوة الصادقة والرحمة على الخلق فالمرء إذا أحب إنساناً فإنه يحب الأخذ عنه، حيث قال معاوية بن الحكم السلمي"مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ"[47].

وهذا الحوار أنقذ دم امرئ مسلم ولا يجوز أن تحمل أفعال المسلمين و تفسر دائما على نية السوء إن أخطأ امرئ مسلم ولكن يصحح خطأه، ويبين له ليجتنبه، ففي النص تعليم لاجتناب الغلو والتطرف و علاج لهما بالمحاورة البناء والنصح والتأني.

التأكيد على حرمة دماء المسلمين وأعراضهم:

لقد أَكـــدَّ الإسلام على أهميـة احترام حقـــوق الإنسان، ولا يجوز سلبها، ومن أهمها: "حق الحيـاة فلا يجوز للإنسـان أن يقتـل الآخر حتى نفسه واعتبر الإسلام أن قتـل نفس بمنزلة قتـــل جميع الناس.

قال الله سبحانه وتعالى" مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً "[48].

وقال تعالى علي حرمة النفس: " وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا " [49].

وقال الشوكاني في فتح القدير: "المراد بالتي حرم الله، التي جعلها معصومة بعصمة الدين أو عصمة العهد، والمراد بالحق الذي استثناه هو ما يباح به قتل الأنفس المعصومة في الأصل، وذلك كالردة والزنا من المحصن، وكالقصاص من القاتل عمدًا عدوانًا وما يلتحق بذلك والاستثناء مفرغ: أي لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب متلبس بالحق أو إلا متلبسين بالحق"[50].

والشوكاني استفاد هذا المعنى من الحديث النبوي الشريف: " لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ "[51].

فقد نهي الله عن قتل إنسان بغير حق في التنزيل، وأثنى على الذين يختارون التجنب من هذه الجريمة، ونجد وعيدا من يفعلها باللعنة والغضب والعذاب العظيم والخلود في نار جهنم، لأن قتل المسلم أعظم الذنوب بعد الكفر بالله سبحانه وتعالى: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" [52].

قال الإمام ابن كثير [53]وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في كتاب الله، حيث يقول الله سبحانه: " وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ " [54].

وقال تعالى: " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً "إلى أنْ قال" وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [55].

والتأكيد على حرمة الدماء والأموال والأنفس والأعراض، ونجد في خطبته عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع.

قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا" [56]. وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم "كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ"[57].

وقد دلت هذه الخطبة الأخيرة على حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وأنه لا يجوز الاعتداءُ عليها.

قال الحافظ ابن حجر: "وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم والشهر والبلد لأن المخاطبين بذلك كانوا لا يرون تلك الأشياء، ولا يرون هتك حرمتها، ويعيبون على من فعل ذلك أشدَّ العيب، وإنما قدم السؤال عنها تذكاراً لحرمتها، وتقريراً لما ثبت في نفوسهم ليبني عليه ما أراد تقريره على سبيل التأكيد" [58].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله ورسوله" [59].

ويتأكد النبي صلى الله عليه وسلم حرمة هذه الثلاث، الدماءِ والأموال والأعراض تأكيداً بالغاً وكرر ذلك على الصحابة اهتماماً بالمقام كما رواه البخاري بسنده عن جرير بن عبد الله البجلي قال: "قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ اسْتَنْصِتْ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ عليه الصلاة والسلام:"لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"[60].

فأكَّد على هذا الأمر العظيم بل حاسب ضرب المسلم لرقبة أخيه المسلم كفراً.عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ" [61].

وأيضا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا" [62].

ونبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم قد بيّن لنا فضيلة من خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم مسلم، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَلْقَى اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، لَمْ يَتَنَدَّ بِدَمٍ حَرَامٍ، إِلَّا دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ"[63].

ففي هذه الأحاديث، أكد صلى الله عليه وسلم في مقام الإيمان بالله البعد عن التعرض لدم المسلمين، فالواجب على من يتبع الشريعة الإسلامية أن يجتنب من الوقوع في هذا الإثم العظيم.

التأكيد على وحدة الأمة

إن وحدة الأمة الإسلامية أساس كل خير وإن التفرق أخطر الآفات وفي هذا المعنى يقول الحق تبارك وتعالى: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"[64].

لا شك إن أهم خصائص هذه الأمة ومقصد رئيس في التشريع الإسلامي هو الوحدة، وقد بين سبحانه في كتابه أننا أمة واحدة، ربها واحد، ونبيها واحد، وقبلتها واحدة، وكتابها واحد، قال الله عز وجل: "وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ"[65]. وكما في قول الله عز وجل:"وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"[66]

قال الإمام القرطبي: "فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة"[67].

وأن محور نجاح الأمة يكون بوحدتها وفشلها يكون بتفرقها بالكلمة والصف وتفرق القلوب، فكان سبب نجاح النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام بوحدتهم وتالف قلوبهم وصفوفهم، قال الله تعالى " وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "[68]. وهذا الأمر بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه كما أخرج الشيخان بسندهما عن أَنَس بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ"[69]

وإذا يكون الاختلاف عن أمر قائد وأمير فإن الفشل يدخل في صفوف الناس بسب تفرقهم واختلافهم في الرأي، ومعالجته صلى الله عليه وسلم لبعض مظاهر التطرف هي دعوة لتوحيد الأمة، فأثر المعالجة للغلو يظهر في توحيد الناس وجمع كلمتهم إذ أن الخلاف هلاك و ضلال.

ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن إشهار السلاح والتقاتل، فقد أخرج الشيخان بسندهما عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ"[70].

يستفاد من هذا الحديث، الدعوة للوحدة والسلام والأمن وعدم الاعتداء، وفيه علاج التطرف في التعصب ونهي عن الغضب، وهذا العلاج يسهم في توحيد الأمة واستقرارها.

فهذه الأدلة تأمرنا بالأخذ بكل ما يزيد المحبة بيننا، والنهي عن كل ما يولد البغضاء في صفوفنا، وتأمرنا صراحة بأن نكون إخوة، ولا يمكن لنا أن نكون إخوة إلا إذا نكن متحدين، فإن الأخوة ضد الفرقة والاختلاف.

الخاتمة:

الحمد لله الذي بنعمته وتوفيقه تتم الصالحات، لا شك أن التطرف الديني ظاهرة مرفوضة دينيا و مجتمعيا، وقد أثبتت الوقائع التاريخية نتائجها الوخيمة على المجتمعات، التي كانت سببا في هلاكها، وأن التطرف الديني يتنوع، ومن أهم أنواعه المبالغة في الدين رغم أن ديننا الإسلام دين الوسطية ينهى عن الإفراط والتفريط.

هذه الظاهرة ليست مقتصرة على دين معين أو شعب معين أو فكر معين أو زمان معين بعينه ولكنها آفة لا وطن لها ولا دين لها ولا زمان لها ولا بد من نبذها.

أهم النتائج:

فيما يلي أهم النتائج التي وصلنا إليها خلال هذا البحث:

  1. إنّ الإسلام دين الاعتدال والوسطية، وهو ينفر أشد النفور من الغلو والتطرّف، ويحذر من التشديد على النفس لما يفضي بصاحبه إلى الانحراف والضلال والتكاسل والانقطاع، وينهي عن كل ما يؤدّي إلى الانحراف والخروج عن جادة الصواب.
  2. أَكـــدَّ الإسلام على أهميـة احترام حقـــوق الإنسان.
  3. اختلاف أسبابه ومظاهره من عصر لآخر، ومن بيئة لأخرى، فقد يكون سبب ما مؤثراً في بيئة أو بلد أو فرد وغير مؤثر في آخرين، أو موجوداً هنا وغير موجود هناك، ففي العصر النبوي نجد أسبابه ودوافعه طيبة، ومظاهره محدودة محصورة، وفي العصور التالية نجد الأمر يختلف وهكذا. 
  4. إنّ أسباب التطرف متعددة ومتنوعة، كذلك فإنّ علاج هذه الظاهرة أيضاً متعددة ومتنوعة، فمنه العلاج العلمي، والتربوي، والاجتماعي، والسياسي، وعلاج ظاهرة التطرف لا بد أن يكون قائما على القواعد والضوابط العلمية الشرعية.
  5. الحوار الجاد والنصيحة الصادقة تسهم في علاج الغلو والتطرف.
  6. من أهم الوسائل للقضاء على التطرف والمتطرفين التفقه في العلم الشرعي، والمجادلة بالتي هي أحسن.
  7. القرآن الكريم والسنة النبوية مليئة بالأساليب الناجحة في معالجة ظاهرة التطرف والغلو في الـدين، وقد عالج النبي-صلى الله عليه وسلم- كل مظاهر التطرف والغلو في الدين عند بعض أصحابه فأرشدهم إلى الصراط المستقيم، ووجههم إلى سبيل الاعتدال والوسطية.

حوالہ جات

  1. - مسلم، أبو الحسن بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة،باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم،5/240، رقم الحديث 590 .
  2. - أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/408، (برقم 2667) والطبراني في المعجم الكبير، 12/166 (برقم 12779) من طرق عن البراء الغنوي، بهذا الإسناد. وأخرجه الطيالسي (برقم:2710)، وعبد بن حميد (برقم:707) وأورده البخاري في "التاريخ الكبير" 2/119 و120 معلقاً من طرق عن البراء، به. وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، البراء بن عبد الله: هو ابن يزيد الغنوي، وربما نُسب إلى جده، وهو ضعيف ضعفه أحمد ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم (ميزان الاعتدال 1/301) وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح.
  3. - الأحزاب :21
  4. - التوبة : 128
  5. - البقرة : 185
  6. - النساء : 28
  7. - المائدة : 78 .
  8. - الحج :78
  9. - البقرة : 158
  10. -المائدة : 6
  11. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، 5\114 رقم الحديث 4135
  12. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري،كتاب التهجد، باب ما يكره في التشديد على العبادة – 3/36 رقم الحديث: 1151
  13. - ابن بطال، شرح صحيح البخارى، 3/144،117
  14. - مسلم، أبو الحسن بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء من سأل بفحش و غلظة، 2\730 رقم الحديث 128 .
  15. -الحديد: 27
  16. - أخرجه أبو داود في السنن 4/276 (برقم:4904) كتاب الأدب، باب في الحسد، قال: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، أن سهل بن أبي أمامة فذكره. وأخرجه أبو يعلى 6/365 (برقم:3694) عن عبد الله بن وهب قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء أن سهل بن أبي أمامة. وهذا إسناد يحتمل التحسين، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير "سعيد ابن عبد الرحمن بن أبي العمياء" وقد روى عنه خالد بن حميد المهري وعبد الله بْن وهْب، (تهذيب الكمال 10/535) ذكره ابن حبان في كتاب "الثقات"(6/ 354) وفي "التقريب" 1/238 "مقبول". والحديث ساقه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/ 256) بتمامه من رواية أبي يعلى، ثم قال: ورجاله رجال الصحيح غير سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، وهو ثقة.
  17. - معنى ينال منه أو تناوله: أي ذكره بسوء، خرج رواية : " أنافقت يا فلان قال : لا والله لآتين رسول الله فلأخبرنه " فتح الباري : 2/195"
  18. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري– كتاب الآذان – باب : إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى – 2/192 – رقم الحديث: 701
  19. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، 1\16 رقم الحديث 39
  20. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلي الله عليه وسلم، 4\189 رقم الحديث 3560 .
  21. - أخرجه أبو داود 3/351 (برقم: 3784) كتاب الأطئمة، باب في كراهية التقذر للطعام. وأخرجه أحمد في المسند 36/297 (برقم:18262) وأخرجه ابن ماجه2/944 (برقم:2830) والبيهقي 7/279 وأخرجه الترمذي، باب ما جاء في طعام المشركين (1565)، والطبراني 22/167 (برقم:429) و (430) و (431) وقال شعيب الأرنوط: إسناده ضعيف، قبيصة بن هلب تفرد بالرواية عنه سماك بن حرب، وجهله علي ابن المديني والنسائي، ومع ذلك قال العجلي: تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات" 2/42(332) من طريق شعبة، عن سماك بن حرب، عن مري بن قطري، عن عدي بن حاتم. وقد اختلف فيه على سماك بن حرب، فرواه جمع عنه، عن قبيصة بن هلب، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورواه بعضهم عنه، عن مُرَيِّ بن قَطَري، عن عدي بن حاتم مرفوعاً. ومري بن قطري مجهول أيضاً، وَقَال الذهبي في "الميزان ":(4/95 الترجمة: 8442) لايعرف تفرد عنه سماك بن حرب. وَقَال ابن حجر في "التقريب"1/526 مقبول. ومع ذلك فقد حسنه الترمذي بإثر الحديث (1565). وحسنه الألباني أيضاً في صحيح وضعيف سنن أبي داود . (3784) 1/2.
  22. - العظيم آبادي، محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، أبو عبد الرحمن، شرف الحق، الصديقي، (عون المعبود)،3\412
  23. -البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم، يسروا ولا تعسروا، 8\30 رقم الحديث 6125 .
  24. - ابن عاشور، محمد الطاهر (مقاصد الشريعة الإسلامية) ص 61
  25. - اللويحق، عبد الرحمن بن معلا (مشكلة الغلو في الدين في العصرالحاضر) ص1003
  26. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري في صحيحه، كتاب النذر، باب من نذر المشي إلى الكعبة، 3\19 رقم الحديث 1865 . مسلم، أبو الحسن بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب النذر، باب من نذر المشي إلى الكعبة، 3/1263 رقم الحديث 1642
  27. - اللويحق، عبد الرحمن بن معلا (مشكلة الغلو في الدين في العصرالحاضر) ص1004
  28. - مسلم، أبو الحسن بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، 3\1357 رقم الحديث 1731.
  29. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب الإكراه، باب من أختار الضرب والقتل والهوان على الكفر -12/315 – رقم الحديث (6943).
  30. – الشطي، الدكتور محمد يوسف (الغلو والتطرف المشكلة والعلاج) ص26
  31. - سهيلة، زين العابدين حماد (الإرهاب) ص182.
  32. - العنكبوت: 46
  33. - النحل: 25
  34. - سيد قطب، (في ظلال القرآن) 4/2202 .
  35. - الأنعام: 108
  36. – أحمد بن سيف الدين (الحوار مع أصحاب الأديان مشروعيته وشروطه وآدابه) ص20
  37. - الحج : 8
  38. - يوسف: 108
  39. - أحمد بن سيف الدين (الحوار مع أصحاب الأديان مشروعيته وشروطه وآدابه) ص47
  40. - العنكبوت: 46
  41. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب لإيمان،باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله،1/134 رقم الحديث،667 . ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة،باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر،1/455، رقم الحديث 263.
  42. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط،3/193، رقم الحديث 2731
  43. -المنافقون: 8
  44. -البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب المناقب،باب ما ينهى من دعوة الجاهلية،4/183، رقم الحديث 3518. ومسلم،كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما،4/1998رقم 2584 .
  45. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أمض لأصحابي هجرتهم،5/68،رقم الحديث،3936
  46. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح مسلم، كتاب المساجد و مواضع الصلاة،باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته، 1/480، رقم الحديث،533
  47. - مسلم، أبو الحسن بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب المساجد و مواضع الصلاة،باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته، 1/480، رقم الحديث،5
  48. - المائدة: 32
  49. -الإسراء :33
  50. - الشوكاني (فتح القدير) 3/262
  51. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: "أن النفس بالنفس والعين بالعين. . . "9/5، رقم الحديث،6878 . وفي صحيح مسلم،كتاب القسامة، باب ما يباح به دم المسلم 3/ 1302، رقم 1676
  52. - النساء: 93
  53. - ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) 2/332
  54. - الفرقان :68
  55. - الأنعام :151
  56. -البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، 2/176، رقم الحديث 1739 . وأخرجه مسلم،كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم،2/886، رقم الحديث ,1286
  57. - مسلم، أبو الحسن بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والاداب، باب تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره ودمه، وعرضه، وماله، 4/1986، رقم الحديث،2564
  58. - ابن حجر، (فتح الباري) 3/576
  59. - ابن تيمية (مجموع الفتاوى) 3/283
  60. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب المغازى، باب حجة الوداع، 5/177، رقم الحديث، 4405
  61. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة، 1/87، رقم الحديث 392 .
  62. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم" 9/2، رقم الحديث 6862.
  63. - أخرجه أحمد في المسند 28/574 (برقم:17339) و (برقم:17381)، والطبراني17/339 (برقم: 936) و (969)، والحاكم 4/ 351 - 352 قال شعيب الأرنوط: إسناده صحيح إن ثبت سماع عبد الرحمن بن عائذ من عقبة بن عامر، وقد جزم البوصيري في ("مصباح الزجاجة" 3/121) بسماعه منه، وذكر البخاري وأبو حاتم أنه يروي عن رجل عن عقبة. قلنا: وسماعه منه محتمل، فإن عبد الرحمن قديم المولد حتى عدَّه بعضهم في الصحابة، وقد روى عن جماعة من الصحابة، وهو شامي، وعقبة بن عامر نزل الشام وتوفي سنة 58 هـ. وله شاهد من حديث ابن عباس عند الطبراني 11/106 (11192)، ولفظه: "من لقي الله لا يشرك به شيئًا ولا يقتل نفسًا، لقي الله وهو خفيف الظهر، وفي إسناده عبد الله ابن لهيعة وهو حسن الحديث في الشواهد.
  64. - الأنعام:159
  65. -المؤمنون:51
  66. -آل عمران:103
  67. - القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) 4/159
  68. - الأنفال : 63
  69. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل،صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الهجرة، 8/21، رقم الحديث 6076 . وأخرجه مسلم في البر والصلة والآداب،باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر 4/1983، رقم الحديث 2558 .
  70. - البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب الإيمان،باب "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"، 1/15،رقم الحديث 31. وأخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفهما، 4/2214، رقم الحديث 2888 .
Loading...
Issue Details
Article TitleAuthorsVol InfoYear
Article TitleAuthorsVol InfoYear
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...
About Us

Asian Research Index (ARI) is an online indexing service for providing free access, peer reviewed, high quality literature.

Whatsapp group

asianindexing@gmail.com

Follow us

Copyright @2023 | Asian Research Index