31
2
2015
1682060034497_452
269-302
http://www.al-idah.pk/index.php/al-idah/article/download/175/167
المقدمة:
إن علم الجرح والتعديل هو أحد أنواع العلوم المتعلقة بالرواة، وهذا العلم يعد من الأهمية بمكان، حيث إن الغرض من معرفته حفظ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. فمن أهميته: إجماع أهل العلم على أنه لا يقبل إلا خبر العدل، كما أنه لا تقبل إلا شهادة العدل، لذلك كان السؤال عن المخبر من أهل العلم والمعرفة واجباً محتماً.
وإذا كان معرفة أحوال الرواة من أوجب الواجبات لحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن بيان حال من عرف بالضعف أو الكذب، وكذا من عرف بالضبط والعدالة من ذلك الواجب أيضاً، ليعرف الناس حقيقة أمر من نقل حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأمة([1]).
فالإسناد من أعظم ما حُفِظ به الدِّين، وهو مما اختصّت به هذه الأمة دون سائر الأمم.
قال ابن حزم: " نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال، خص الله به المسلمين دون سائر الملل([2])،
من دلائل اهتمام هذه الأمة بالإسناد، ورجال الإسناد، ما يلي:
قال عبد الله بن المبارك: " الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"([3]).
و قال أيضاً: بيننا وبين القوم قوائم، يعني: الإسناد([4]).
وقال محمد بن سيرين: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم([5]).
فالإسناد شيئ مهم في إثبات أمر من ديننا، خاصة في صحة الأحاديث أو ضعفها، إذ به (الإسناد) يعرف الحديث الصحيح من الضعيف، فعند ما يوجد الإعوجاج في السند فيكون السند ضعيفاً، فبمعرفة الإسناد نستطيع أن ندافع عن سنة نبينا على صاحبها الصلوات والتسليمات، ونميز الصحيح من السقيم، فلا شك ولا ريب أن من أعظم الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه هو الدفاع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم،
ونعتقد أننا لانختلف على أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم قد دخل فيها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والباطلة الشيء الكثير، حتى إن الواحد منا قد يتعجب إذا قيل له: "هذا الحديث ضعيف" لكثرة انتشارها بين المجتمع، رجالهم ونسائهم صغارهم وكبارهم، بل حتى على مستوى بعض الدعاة بل وحتى خطباء المساجد، بل وحتى بعض القنوات التي يخرج فيها برامج دينية أو إذاعات إسلامية.
ولانتشارها عدة أسباب:
- الجهل بالأحاديث الصحيحة والضعيفة وعدم المعرفة بها.
- التعصب للمذاهب وللرجال والعادات.
- أن تكون هذه الأحاديث من ضمن المناهج الدراسية التي يدرسها الطلاب والطالبات.
- أن تتواجد هذه الأحاديث في الجرائد والمجلات.
- بعض خطباء المساجد والدعاة قد يذكرونها، وإذا سمعها العامة قبلوها لأن الذي ذكرها هو ( الداعية فلان).
- القراءة في الكتب التي لا تميز بين الصحيح والضعيف.
- عدم سؤال العلماء عن تلك الأحاديث التي يسمعها الإنسان.
- التساهل لدى بعض الوعاظ وسرده لتلك الأحاديث لكي يؤثر في الناس.
وغيرها من الأسباب....
فلأهمية "الإسناد" و "معرفة الأحاديث الضعيفة من الصحيحة"، هذا وقد ساهمت بتوفيق الله تعالى بكتابة بحيث في الحديث الضعيف وما يتعلق به من الأحكام وإني اجتهدت حسب الإمكانية بالرجوع إلى المصادر الأصلية، والحفاظ على الأمانة العلمية في النقل والاستنباط. وأرجوا أني اجتهدت حسب الاستطاعة ولكن مهما يكن الأمر، الإنسانُ معرض للخطأ والنسيان. فأسأل الله الكريم أن يعفو عني ما حصل مني من خطأ وزلل إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه.
الحديث الضعيف عند المتقدمين
تعريفه لغة
يقول ابن منظور: "الضعف: والضعف خلاف القوة. وقيل: الضعف ـ بالضم ـ في الجسد. والضعف ـ بالفتح ـ في الرأي. وقيل: هما جائزان في كل وجه"([6])
ويقول الدكتور محمود الطحان بأن الضعف المراد هنا الضعف المعنوي([7]).
تعريفه الاصطلاحي:
عند المتقدمين:إن تعريف الحديث الضعيف لا يوجد عند المتقدمين بل هم يعرفون الحديث الصحيح، وبعكسه يعرف الحديث الضعيف فنذكر الآن تعريف الحديث الصحيح عند المتقدمين فيظهر الحديث الضعيف.
قال الإمام الشافعي:
ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا،
منها أن يكون من حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى، حافظا إذا حدث به من حفظه، حافظا لكتابه إذا حدث من كتابه، إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم، بريا من أن يكون مدلسا يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحدث الثقات خلافه عن النبي ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي بالحديث موصولا إلى النبي أو إلى من انتهى به إليه دونه([8]).
فلو ننظر إلى التعريف بالدقة نستطيع أن نقول أن تعريف الإمام الشافعي للحديث الصحيح، نفس التعريف الذي يذكره المتأخرون:
يقول الإمام الشافعي:
- "أن يكون من حدث به ثقة في دينه"، يشير به إلى عدالة الراوي،
- معروفا بالصدق في حديثه، يشير إلى ضبط الراوي،
- "عاقلا لما يحدث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع"، يشير به إلى تام الضبط،
- "حافظا إذا حدث به من حفظه حافظا لكتابه إذا حدث من كتابه إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم "، يؤكد الضبط
فيفهم من هذه التعاريفات للحديث الصحيح، تعريف الحديث الضعيف وهو أن يوجد الإنقطاع أو رجل مجهول أو مجروح في السند فهذا يكون حديثا ضعيفاً، وهذا تعريفه عند المتقدمين.والله أعلم.
المبحث الثاني:الحديث الضعيف عند المتأخرين:
تعريف ابن الصلاح: "كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن فهو حديث ضعيف([9])"
وقد تابع ابن الصلاح رحمه الله على هذا التعريف جماعة من الأئمة كالإمام النووي([10])، وابن جماعة([11])، والطيبي([12])، وابن كثير([13])، وابن الملقن([14])، وأبي الحسن الجرجاني([15]) رحمهم الله.
وصفات القبول عند أهل الحديث وهي ستة: * العدالة: أي الصدق والتقوى والالتزام الظاهر بأحكام الإسلام.
- الضبط: هو الدقة في الحفظ والإتقان ثم الاستحضار عند الأداء.
- الاتصال: أي كل واحد من الرواة قد تلقاه من رواة الحديث حتى النهاية دون إرسال أو انقطاع.
- عدم الشذوذ: وهو مخالفة الراوي الثقة لمن هو أوثق منه.
- عدم وجود العلة القادحة: أي سلامة الحديث من وصف خفي قادح في صحة الحديث والظاهر السلامة منه.
- العاضدُ عند الاحتياج إليه([16])
فإذا فقد شروط الصحيح والحسن فإنه يكون ضعيفا، إذا فقد العدالة كان ضعيفا جدا، أو موضوعا، وإذا فقد الضبط، لم يكن الراوي فيه تام الضبط ولا خفيف الضبط فهو ضعيف، إن اشتد ضعفه في الحفظ كان ضعيفا جدا، إذا ذكروا أنه منكر الحديث أو أنه فاحش الغضب أو أنه شديد الوهم فهذا يكون حديثه ضعيفا جدا،
بعد ذلك إذا فقد شرط الاتصال فإما أن يكون ضعيفا أو يكون ضعيفا جدا، إذا كان ضعيفا كأن يرسل التابعي حديثا عن النبي -صلى الله عليه وسلم - فهذا ضعيف، أو يرسل.. أو يكون هناك انقطاع لوجود مدلس حكمنا على روايته بالانقطاع فهذا انقطاع خفيف وضعفه ينجبر، أما إذا كان الانقطاع كبيرا فإنه يكون الحديث حينئذ ضعيف جدا.
أما إذا وجد في الحديث شذوذ أو علة فإنه يكون معه الحديث ضعيف جدا، لأن الشذوذ والعلة قد يقضيان بخطأ الراوي، والخطأ لا يرتقي، لأنا إذا جزمنا بأن فلانا مخطئ وحكمنا على روايته بالشذوذ أو العلة فمعنى ذلك أن ما قاله عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه خطأ، والخطأ لا يرتقي ([17]).
والسبب في الحكم على الحديث بالضعف لفقد أحد شروط القبول أنه باجتماع هذه الشروط ينهض الدليلُ الذي يثبت أن الحديث قد أداه رواته كما هو، فإذا اختل واحد منها فقد الدليل على ذلك.
ومنْ هنا يتضح لنا احتياط المحدثين الشديدَ في قبول الحديث،حيث إنهم جعلوا مجرد فقد الدليل كافيا لرد الحديث والحكم عليهِ بالضعف، مع أن فقد الدليل ليس دليلا محتماً على الخطأ أو الكذب في رواية الحديث.
كما أنه يتبين لنا منَ التعداد الذي أوردناه لشروط القبول أنَّ هذا الاصطلاح لقب عام يشمل كل حديثٍ مردودٍ مهما كان سبب رده.
مناهج المحدثين في تضعيف الأحاديث:
منذ فترة ليست بقصيرة، انقطعت الصلة بين الباحثين في علوم الحديث وبين منهج القدماء من المحدثين في حكمهم على الأحاديث. ومن يراجع كتب الرجال يجد المحدثين يحكمون على الرواة والأحاديث تحسينا وتصحيحا وتضعيفا.
وهنا يتبادر السؤال إلى الذهن: كيف تمكن المحدثون من الحكم على الراوي والمروي ؟ لقد اختلفت الأنظار وتشعبت الآراء في الرد على هذا السؤال.
فقد ذهبت فئة إلى أنه من المتعذر بل من المستحيل الحكم عليهم حتى قالوا: إن من ادعى تمييز خطأ روايتهم من صوابها متخرص بما لا علم له به، و مدع علم غيب لا يوصل إليه([18]).
وهناك فئة أخرى ترى أنه يمكن للمحدثين الحكم على الرواة والمرويات وهم قاموا بهذا العمل فعلاً، إلا أنهم لم يخضعوا لأي منهج علمي في بحوثهم، بل هو نوع من الإلهام كان يرد على قلوبهم، وفي ضوئه كانوا يحكمون، روى ابن نمير عن ابن مهدي أنه قال: معرفة الحديث إلهام، فلو قلت للعالم بعلل الحديث من أين قلت هذا لم يكن له حجة([19]).
وذهب بعضهم إلى أنه يمكن الحكم على الأحاديث ورواتها لكنهم لم يتقيدوا بمنهج علمي، فاضطربت أقوالهم.
فخلاصة القول: أن أمامنا ثلاث فئات من الناس:
الفئة الأولى:
وهي ترى أنه من المتعذر الحكم على صحة الأحاديث وسقمها، لأنه نوع من الإدعاء بعلم الغيب.
الفئة الثانية:
وهي ترى أن حكم المحدثين كان مبنيا على علم كان يلقيه الله في قلوبهم، ولا يخضع حكمهم لأي منهج علمي، بل هو نوع من الإلهام، وفي ضوئه كانوا يحكمون.
والفئة الثالثة:
وهي ترى بأنه لم يكن هناك منهج علمي ولا إلهام في أحكامهم، ولذلك اضطربت أقوالهم ([20]).
ولكن قد تبين وثبت ثبوتا لا جدال فيه في ضوء كتابات النقاد أن منهج النقد عند المحدثين منهج علمي بكل معنى الكلمة.
فالمحدثون ينظرون في نقدهم للحديث إلى ناحيتين أساسيتين هما:
- البحث في الرواة.
- والبحث في المتن من الناحية العقلية إن اقتضى الأمر ذلك.
أما بحثهم عن الرواة فيتركز في زاويتين هامتين، وهما:
- شخصية حامل الحديث ومستواه الخلق وهو ما يسمى في اصطلاح المحدثين بالعدالة.
- وما روى من العلم ومدى دقته في نقله هو ما سمى في اصطلاح المحدثين بالضبط والإتقان، لأننا نرى النقاد يصرحون بصحة الأحاديث أو بالأحرى بصحة المتن، وفي الوقت ذاته يخبرون بعدم معرفتهم عدالة الراوي، إذ لا يكفي لصحة الحديث أن يكون الحديث صحيحا بغض النظر عن سلوك الراوي ([21]).
أهم قواعد النقد:
عرفنا بأن هناك منهج علمي وقواعد يحكم بها المحدثون على الرواة والأحاديث تضعيفاً، فأذكر الآن أهم قواعد النقد عندهم بدأ من العلماء المتقدمين بأقوالهم فقد اهتم النقاد بيان أصناف المجروحين الذين لا تقبل روايتهم كما لم يغفلوا ذكر الأمور التي إذا وجدت في المروي صار عرضة للرفض وعدم القبول.
قال يحيى بن معين: آلة الحديث، الصدق والشهرة بطلبه وترك البدع واجتناب الكبائر([22]).
وقال شعبة: يترك حديث الرجل:إذا حدث عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون،وإذا أكثر الغلط،وإذا اتهم بالكذب، وإذا روى حديثا غلطا مجتمعا عليه فلم يتهم نفسه فيتركه، طرح حديثه ([23]).
وقد ذكر هذا القول ابن الصلاح عن كل من ابن المبارك وأحمد بن حنبل والحميدي وغيرهم ([24]).
وكان مالك يقول: لا يؤخذ العلم من أربعة:
رجل معلن بالسفه وإن كان أروى الناس، ورجل يكذب في أحاديث الناس إذا حدث بذلك، وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، وشيخ له فضل وعبادة، إذا كان لا يعرف ما يحدث به ([25]).
وقال الشافعي: من كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح، لم يقبل حديثه ([26]).
وسئل أحمد عمن يكتب حديثه، فقال: عن الناس كلهم إلى عن ثلاثة:
صاحب هوى يدعو إليه أو كذاب أو رجل يغلط في الحديث فيرد عليه فلا يقبل([27]).
وقال ابن حزم: إن الجرح في نقلة الأخبار بأحد أربعة أوجه:
الأول: الإقدام على كبيرة قد صح عند المقدم عليها بالنص الثابت أنها كبيرة.
الثاني: الإقدام على ما يعتقد المرء وإن كان مخطئا فيه قبل أن تقوم الحجة عليه بأنه يخطئ.
الثالث: المجاهرة بالصغائر التي صح عند المجاهر بها بالنص أنها حرام.
الرابع: ينفرد به نقلة الأخبار دون الشهود في الأحكام، وهو أن لا يكون المحدث فقيها فيما روى أي حافظا([28]).
قال ابن حبان: الثقة الحافظ إذا حدث من حفظه وليس بفقيه، لا يجوز عندي الاحتجاج بخبره، لأن الحفاظ الذين رأيناهم أكثرهم كانوا يحفظون الطرق والأسانيد دون المتون ولا أراهم يذكرون من متن الخبر إلا كلمة واحدة يشيرون إليها ([29]).
وقال الخطيب: أمر الله عزوجل بقبول العدل ورد الفاسق، وقال: كل من ثبت كذبه، رد خبره وشهادته، لأن الحاجة في الخبر داعية إلى صدق المخبر، فمن ظهر كذبه فهو أولى بالرد من جعلت المعاصي أمارة على فسقه حتى يرد خبره وقال: من سلم من الكذب وأتى شيئا من الكبائر فهو فاسق يجب رد خبره.
وقال: ومن أتى بصغيرة فليس بفاسق، ومن تتابعت منه الصغائر وكثرت، رد خبره ([30]).
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح بصدد الكلام عن رجال الصحيح الذي طعن فيهم: أن مدار الجرح على خمسة أشياء: البدعة والمخالفة والغلط وجهالة الحال والدعوى على الراوي أنه كان يدلس أو يرسل ([31]).
ومن الأقوال التي مرت يمكننا أن نستخرج الأمور التي تجرح الراوي، والتي كانت أداة أولية لصياغة الضوابط العامة لنقد الرواة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
بهذه القواعد وأمثالها استطاع المحدثون أن يتعرفوا على كل ما هو ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكشفوا أسماء المجروحين الذين يحرم التعامل معهم في تحمل الحديث وروايته، وجمعوها في مؤلفات، أفنوا أعمارهم في إعدادها وتأليفها وترتيبها وتهذيبها.
مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة:
إن أئمة الجرح والتعديل قد عرفوا لدى أهل العلم بصفات عظيمة، ومن ذلك اتصافهم بالانصاف والديانة والخبرة والنصح، قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يؤخذ مسلما من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم، واطلاعهم في هذا الشأن واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل، أو كونه متروكا، أو كذابا، أو نحو ذلك، فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم بصدقهم، وأمانتهم، ونصحهم([32]).
ومن انصافهم أنهم بينوا قسما من الرواة لا يحتج بهم ولا يسقط حديثهم، وهم الذين لا يكثر في حديثهم الوهم ولا يغلب عليهم، فإذا وافقهم غيرهم - مثلهم أو أعلى منهم – قبل حديثهم،فذهب أهل الحديث إلى تقوية الحديث الحسنة والضعيفة التي تتعدد طرقها وتختلف مخارجها وشذ ابن حزم رحمه الله تعالى فمنع ذلك،
قال الزركشي رحمه الله تعالى:
"وشذ ابن حزم عن الجمهور فقال " ولو بلغت طرق الضعيف ألفا لا يقوى ولا يزيد انضمام الضعيف إلى الضعيف إلا ضعفا "([33]).وتعقبه الزركشي رحمه الله تعالى وقال:
وهذا مردود، لأن الهيئة الاجتماعية لها أثر ألا ترى أن خبر المتواتر يفيد القطع مع أنا لو نظرنا إلى آحاده لم يفد ذلك فإذا كان ما لا يفيد القطع بانفراده يفيده عند الانضمام فأولى أن يفيد الانضمام الانتقال من درجة الضعف إلى درجة القوة فهذا سؤال لازم لا سيما إذا بلغ مبلغ التواتر فإن المتواتر لا يشترط في أخباره العدالة كما تقرر في علم الأصول([34]). فالعمدة في هذا الباب تعدد الطرق واختلاف المخارج وفي هذا المعنى يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: إن كثرة الطرق إذا اختلفت المخارج تزيد المتن قوة([35]).
قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: إني لأكتب الحديث على ثلاثة وجوه: فمنه ما أتدين به، ومنه ما أعتبر به ومنه ما أكتبه لأعرفه([36]).
وقال الخطيب البغدادي نقلاً عن أبي عبد الله: ما حديث ابن لهيعة بحجة وإني لأكتب كثيرا مما أكتب أعتبر به ويقوي بعضه بعضا([37]).
وقال أيضاً: ابن لهيعة ما كان حديثه بذاك، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار والاستدلال، إنما قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشده لا أنه حجة إذا انفرد([38]).
ففي هذه النصوص قد بدأت بوادرها الأولى عند المتقدمين من أئمة الحديث، ولا شك في أن تتابع الرواة على نقل خبر من الأخبار يقويه، وما أحسن ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في تقوية الأحاديث بتعدد طرقها، " فإن تعدد الطرق وكثرتها يقوي بعضها بعضا حتى قد يحصل العلم بها ولو كان الناقلون فجارا فساقا فكيف إذا كانوا علماء عدولا ولكن كثر في حديثهم الغلط. ومثل هذا عبد الله بن لهيعة فإنه من أكابر علماء المسلمين وكان قاضيا بمصر كثير الحديث لكن احترقت كتبه فصار يحدث من حفظه فوقع في حديثه غلط كثير مع أن الغالب على حديثه الصحة"([39])،
فالطرق المتعددة والمخارج المتباينة يتقوى بها الحديث، ولا يكفي تعدد الطرق وحدها، بل لا بد في مرتية المتابِع والمتابَع، لأنه ليس كل من يوافق غيره في الرواية يكون ذلك سبباً للقوة والاعتضاد، فالحديث الحسن لذاته يعتضد بمثله وبما هو أعلى منه، والحديث الضعيف ضعفا يسيراً بسبب سوء حفظ راويه يمكن أن يتقوي ويعتضد بحديث ضعيف بسبب سوء حفظ راويه أو بسبب إرساله أو إعضاله أو إنقطاعه ونحو ذلك. وكذلك يعتضد الحديث الضعيف بما هو أعلى منه.
أقوال العلماء في تقوية الأحاديث الحسنة بتعدد طرقها:
لقد تضافرت أقوال الأئمة في تقوية الأحاديث الحسنة بتعدد طرقها واختلاف مخارجها، ومن هذه الأقوال:
قال ابن الصلاح: (إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة أهل الحفظ والاتقان، غير أنه من المشهورين بالصدق والستر وروي مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين، وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى الصحيح ) ([40]).
وقال النووي: (إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة الحافظ الضابط مشهورا بالصدق والستر، فروى حديثه من غير وجه قوي وارتفع من الحسن إلى الصحيح) ([41]).
وقال الزركشي: (إن الراوي الصدوق الذي لم يبلغ درجة أهل الحفظ والاتقان إذا روي حديثه من وجه آخر يرتقي من درجة الحسن إلى الصحة ) ([42]).
وقال الحافظ ابن حجر: (فإن خف الضبط فالحسن لذاته، وبكثرة طرقه يصحح)([43]).
وقال ابن كثير رحمه الله: (ومنه ضعف يزول بالمتابعة كما إذا كان الراوي سيئ الحفظ، أو روى الحديث مرسلا، فإن المتابعة تنفع حينئذ، ويرفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة )([44]).
وقال العلائي: (أن المسند قد يكون في درجة الحسن وبانضمام المرسل إليه يقوي كل واحد منهما بالآخر، ويرتقي الحديث بهما إلى درجة الصحة) ([45]).
فهذه الأقوال كلها تدل على أنه لا مانع من ترقية الحسن لغيره لمرتبة الصحيح لغيره عند تعدد الطرق، والله أعلم.
أقوال العلماء في تقوية الأحاديث الضعيفة بتعدد الطرق:
قال ابن الصلاح رحمه الله: (ليس كل ضعف يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل ضبطه له. وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الارسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر. ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب، أو كون الحديث شاذا([46]).
وقال عبد القادر الرهاوي رحمه الله: (إن الأحاديث الضعاف إذا انضم بعضها إلى بعض مع كثرة تعاضد وتتابع أحدثت قوة، وصارت كالاشتهار والاستفاضة اللذين يحصل بهما العلم في بعض الأمور )([47]).
وقال المنذري رحمه الله: (قد علم أن تظافر الرواة على شيئ ومتابعة بعضهم لبعض في حديث مما يشده ويقويه، وربما التحق بالحسن وما يحتج به ) ([48]).
وقال النووي رحمه الله تعالى:(إذا روي الحديث الضعيف من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها حسن، بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر، وصار حسنا. وكذا إذا كان ضعفه بالإرسال زال بمجيئه من وجه آخر، وأما الضعف لفسق الراوي فلا يؤثر فيه موافقة غيره، والله أعلم([49]).
وقال الطيبي رحمه الله: (وأما الضعيف فلكذب راويه، أو فسقه، لا ينجبر بتعدد طرقه)([50]). وقال ابن كثير: قال الشيخ أبو عمرو: لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة أن يكون حسنا.
لأن الضعف يتفاوت، فمنه ما لا يزول بالمتابعات، يعني: لا يؤثر كونه تابعا أو متبوعا, كرواية الكذابين والمتروكين، ومنه ضعف يزول بالمتابعة: كما إذا كان راويه سيء الحفظ, أو روى الحديث مرسلا، فإن المتابعة تنفع حينئذ، ويرفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة، والله أعلم([51]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ثم الحديثان إذا كان فيهما ضعف قليل مثل أن يكون ضعفهما إنما هو من جهة سوء الحفظ ونحو ذلك، إذا كانا من طريقين مختلفين عضد أحدهما الآخر، فكان في ذلك دليل على أن للحديث أصلا محفوظا عن النبي صلى الله عليه وسلم ([52]).
وقال الحافظ ابن حجر: "ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبر كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز، والمستور، والاسناد المرسل، وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه، صار حديثهم حسنا لا لذاته بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المتابع والمتابع، لأن مع كل واحد منهم احتمال كون روايته صوابا أو غير صواب على حد سواء فإذا جاءت من المعتبرين رواية موافقة لأحدهم رجح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين، ودل ذلك على أن الحديث محفوظ، فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول" ([53])، والله أعلم.
وقال السيوطي رحمه الله: "ولا بدع في الاحتجاج بحديث له طريقان لو انفرد كل منهما لم يكن حجة، كما في المرسل إذا ورد من وجه آخر مسندا، أو وافقه مرسل آخر بشرطه"([54]).
واشترط المحدثون لتقوية الأحاديث الضعيفة تقويتها بمثلها أو بأعلى منها ومنعوا من تقويتها بالأدني درجة، ويظهر هذا من قول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: " ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبر كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه"، فالشرط فيه أن يكون أقوى أو مساويه في مرتبة.
فهذه الأقوال تدل على تقوية الحديث الضعيف بتعدد الطرق وليس مطلقا بل بشروط، فهناك شروط للحديث الضعيف الذي يتقوى وللجابر أيضا، كما تستفاد من الأقوال، وهي:
شروط للحديث الضعيف الذي يتقوى:
والمراد بالشروط التي تشترك فيها جميع أنواع الأحاديث الضعيفة التي قواها المحدثون وهي التي ذكرها الإمام الترمذي في تعريفه للحديث الحسن فقال رحمه الله تعالى:
"كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك"([55]).
ومعلوم لدى أهل الإختصاص أن الحسن الذي عرفه الإمام الترمذي هو الحسن لغيره فإذا ضم إلى ذلك تعريف ابن الصلاح للحسن لغيره ظهرت الضوابط التي يجب مراعاتها عند تقوية الأحاديث الضعيفة،
قال ابن الصلاح:
الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث - أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق - ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل([56]).
فالحديث الضعيف يتقوى بالشروط الآتية:
- أن لا يكون الراوي شديد الضعف كالمغفل وكثير الخطإ والوهم ومن يقبل التلقين وغير ذلك من أنواع الضعف الشديد، فما كل حديث روي من وجوه متعددة يرتفع بها عن الضعف.
- أن لا يكون الحديث شاذا ولو كان راويه ثقة، إذا فسرنا الشاذ بمخالفة الثقة لمن هو أوثق منه أو أكثر عددا منه، وسبب عدم صلاحية الحديث الشاذ للتقوية أن في مقابله ما يمنع ذلك وهو الحديث الراجح.
- أن لا يكون الراوي فاقد العدالة، فكل راو طعن في عدالته وثبت ذلك عنه كالاتهام بالكذب أو الفسق وغير ذلك فهو مردود الخبر لا تصلح رواياته للتقوية ولو كان جبلا في الحفظ.
- أن يروى من غير وجه.
- اشتراط نفي العلة،اشترط ابن جماعة رحمه الله انتفاء العلة عنه حيث قال في تعريفه للحديث الحسن بنوعيه
"ولو قيل: الحسن كل حديث خال من العلل وفي سنده المتصل مستور له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان لكان أجمع لما حددوه وقريبا لما حاولوه "([57]).
وهذا الشرط لا وجه له عند بعض الأئمة، لأن الضعف علة، فاشتراط نفيها يناقض ذلك،
قال الحافظ ابن حجر: "اشتراط نفي العلة لا يصلح هنا، لأن الضعف في الراوي علة في الخبر، والإنقطاع في الإسناد علة في الخبر، وعنعنة المدلس علة في الخبر، وجهالة حال الراوي علة في الخبر، ومع ذلك فالترمذي يحكم على ذلك كله بالحسن إذا جمع الشروط الثلاثة التي ذكرها، فالتقييد بعدم العلة يناقض ذلك، والله أعلم([58])".
إن تقوية الحديث الضعيف الصالح بغيره يشترط لها في الجابر أربعة شروط:
الشرط الأول: أن يكون حديثاً له نفس درجة المجبور به من جهة من يضاف إليه.
أي: إن كان الضعيف المراد تقويته حديثاً مرفوعاً، وجب في جابره أن يكون مرفوعاً، صراحة أو حكماً، لأن المراد تقوية أحد الطريقين بالآخر لتصحيح نسبتهما إلى نفس القائل أوالفاعل.
ويخرج منه: تقوية الحديث بما ليس بحديث، أو بما نسبته إلى من هو دون درجة من ينسب له ذلك الحديث([59]) ولذلك طرق لا يصلح اتباع شيء منها لتقوية نسبة الحديث الضعيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
أولها: تقويته بموافقة ظاهر القرآن، زعمه بعضهم:
وهذا يكون صحيحاً أن يقال: المعنى الذي جاء به الحديث الضعيف موجود في كتاب الله، لكن يبقي للحديث وصف الضعف في نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً.
ثانيها: تقويته بالموقوفات على الصحابة:
الحديث الموقوف لا يقوي المرفوع إلا إذا كان مما لا مجال للرأي فيه، ولم يكن من أحاديث بني إسرائيل ([60]).
ثالثها: تقوية الحديث بجريان العمل أو الفتوى به:
يستأنس بالضعيف الذي لا معارض له، إذا جرى عليه عمل أهل العلم، من الصحابة فمن بعدهم في عصر النقل والرواية. أما عد ذلك العمل منهم دليلاً على ثبوت الحديث، فلا، إذ العمل قد يجري بالشيء بناء على أصل آخر، من دلالة كتاب أو سنة صحيحة غير هذا الحديث ([61]).
رابعها: تقوية الحديث باستدلال المجتهد به:
وهذا أضعف مما تقدم، فإن الواقع أن الاستدلال بالحديث الضعيف، بل بما هو شديد الضعف أحياناً كثيرة، هو مما وقع لكثير من المجتهدين، خصوصاً من برز في الفقه منهم دون الحديث.
خامسها: تقوية الحديث عن طريق الكشف:
وهذا يذكر عن بعض متأخري الصوفية، كما زعمه الشعراني في حديث " أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم "،
حيث حكم بصحته عند أهل الكشف، مع إقراره بعدم ثبوته عند المحدثين([62]).
سادسها: تقوية الحديث بمطابقته للواقع:
وهذا طريق لم يسلكه المتقدمون، وقل من سلكه من المتأخرين، كمن نظر إلى أحاديث الفتن وتغير الزمان، وما يطرأ من الحوادث، فوجد لها ذكراً في بعض الأحاديث التي لا يثبت نقلها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل وقوع الشيء مما ورد ذكره في الحديث الضعيف دليلاً على صحة ذلك الحديث، وصدوره من ( مشكاة النبوة ) كما يعبر به بعضهم ([63]).
الشرط الثاني: أن يكون في أدنى درجاته مما يصلح الاعتبار به:
فيتقوى الضعف بما يماثله في الضعف، أو يقرب منه وإن كان دونه ما لم يكن من الأنواع السابقة التي لا يعتبر بها، كما يتقوى بما هو في فوقه في القوة، بل ذلك أولى ([64]).
الشرط الثالث: إن كان ضعيفاً صالحاً، وجب أن يغاير الطريق الآخر المجبور به:
في محل الضعف، خشية مردهما إلى علة واحدة، فإن ضعف هذا الاحتمال تقويا.
وبيانه: لو كان الضعف في الطريق المراد جبره من جهة الانقطاع، وجب في جابره لو كان كذلك منقطعاً أن لا يكون انقطاعه في نفس موضع انقطاع الآخر، لمظنة أن يرجعا إلى علة واحدة ([65]).
الشرط الرابع: أن يوجد فيه معنى المجبور به إن لم يطابقه في لفظه:
وبيانه: أن اتفاق الشاهد والمشهود له يجب أن يقع إما لفظاً وإما معنى، فأما اللفظ فظاهر، وأما المعنى فالواجب أن ما يدعى تقويته من هذا الحديث بالآخر يجب أن يكون موجوداً فيهما جميعاً، فإن وجد قدر من الحديث في معنى الآخر،
فذلك القدر هو الذي ينجبر لا سائر الحديث، فلا يقال: صار جميعه بذلك حسناً لغيره ([66]).
فالآن أقدم مثالاً لحديث ضعيف يرتقي إلى درجة القبول بتعدد الطرق:
حديث المختلط بعد الإختلاط:
ما رواه الترمدي من طريق يزيد بن هارون عن المسعودي عن زياد بن علاقة قال: "صلى بنا المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس، فسبح به من خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم وقال: "هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
أخرجه الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا يزيد بن هارون عن المسعودي عن زياد بن علاقة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ([67]).
الدراسة:
نجد في هذه الرواية الراوي "المسعودي" وهو "عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي المسعودي" وقال الحافظ عنه: صدوق اختلط قبل موته ([68])، وأما هذه الرواية فيرويها يزيد بن هارون بعد الاختلاط كما ذكرها المزي: " سمع منه عبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون أحاديث مختلطة " ([69])، فهذه الرواية ضعيفة بسبب رواية يزيد عن المسعودي بعد اختلاطه، وله طريق آخر:
رواه الإمام الترمذي:
حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا ابن أبي ليلي عن الشعبي قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة([70]).
فتابعه الشعبي وهو ثقة ([71])، ولكن يروي عنه ابن أبي ليلى وهو " محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى " وهو صدوق سئ الحفظ " ([72])، فالسند ضعيف بسبب ضعف محمد بن عبد الرحمن،
وله شواهد من حديث عقبة بن عامر الجهني وحديث سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن بجينة:
أما حديث عقبة بن عامر فأخرجه البيهقي: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ([73])حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ([74]) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنْقِذٍ الْخَوْلاَنِىُّ([75])حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ يَحْيَى([76]) حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ([77]) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ([78]) أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شُمَاسَةَ الْمَهْرِىَّ ([79])يَقُولُ:صَلَّى بِنَا عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِىُّ، ([80]).
والحاكم:حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن منقذ الخولاني ثنا إدريس بن يحى ثنا بكر بن مضر عن يزيد بن أبي حبيب به ([81]).
والطبراني:حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ثنا أبي ثنا بكر بن مضر عن يزيد بن أبي حبيب به ([82]).
وابن أبي شيبة:حَدَّثَنَا شَبَابَةُ([83])، قَالَ: حدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ([84])، عَنْ يَزِيدَ به ([85]).
ومدار هذه الأسانيد كلها هو" يزيد بن أبي حبيب "وهو ثقة فقيه ([86])، وابن شماسة هو أيضا ثقة([87])،
الدراسة:فهذه الأسانيد كلها رجالها كلهم ثقات وتصلح أن تكون شاهدا لحديث المسعودي والمغيرة فيرتقي بها إلى الحسن لغيره، والله أعلم.
وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه الطبراني عن طريق:
أحمد قال حدثنا يحيى بن عثمان([88]) قال حدثنا بقية بن الوليد([89]) عن شعبة([90]) قال أخبرني بيان([91])
قال سمعت قيس بن أبي حازم([92]) يقول: صلى بنا سعد بن أبي وقاص ([93]).
والبيهقي عن طريق:أبي الحسين بن بشران العدل ببغداد([94]) أنبأ أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز([95])
ثنا أحمد بن عبد الجبار([96]) ثنا أبو معاوية([97]) عن إسماعيل بن أبي خالد([98]) عن قيس بن أبي حازم به ([99]).
وأبو يعلى:حدثنا عمرو بن محمد الناقد([100]) حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس به ([101]).
والبزار:حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ([102])، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ به ([103]).
دراسة السند:مدار هذه الأسانيد كلها هو "قيس " وهو ثقة ([104])، ثم نجد في طريق الطبراني " بقية " وهو معروف بالتدليس([105])" وما صرح بالسماع عن شعبة، فالسند ضعيف،
وسند البيهقي، فيه "أحمد بن عبد الجبار " وهو ضعيف([106]) ، فهذا السند أيضا ضعيف، ولكن الإسنادين ألأخيرين الذين ذكرهما أبو يعلى و البزار، هما صحيحان، وصالحان أن تكونا متابعين للطريقين الأوليين، وشاهدان لحديث المغيرة بن شعبة، ويقويانه إلى الحسن لغيره، والله أعلم.
أما حديث ابن بجينة فرواه الإمام البخاري:
حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني عبد الرحمن بن هرمز مولى بني عبد المطلب وقال مرة مولى ربيعة بن الحارث أن عبد الله بن بحينة ([107]).
والإمام مسلم:وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ به ([108]).
وأبو داؤد:حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ به([109]).
وابن ماجه:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير وابن فضيل ويزيد بن هارون ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الحمر ويزيد بن هارون وأبو معاوية كلهم عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن الأعرج به([110]).
دراسة السند:
كما عرفنا أن الطريقين الأوليين من الصحيحين، فلا نحتاج إلى دراستهما، فهذه الطرق كلها صحيحة، وتصلح أن تكون شاهدا لحديث المغيرة بن شعبة، وتقويه إلى الحسن لغيره، والله أعلم.
كيفَ يروَى الحديثُ الضعيفُ ؟
يفضِّل علماء الحديث لمن يروي حديثاً ضعيفاً بغير إسناد أن لا يروه بصيغة الجزم, فلا يقول: فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وما أشبه ذلك, بل يرويه بصيغةٍ تدلُّ على الشك في صحته نحو رويَ أو جاءَ أو نقِلَ أو فيما يروَى ونحو هذا, ويكره قول ذلك في رواية الحديث الصحيح, فيجب ذكره بصيغة الجزم, ويقبح فيه صيغة الشك والتمريض،كما يكره في الضعيف صيغة الجزم([111]).
وأمَّا إذا نقل حديثاً ضعيفاً أو حديثاً لا يعلم حالَه أصحيح أم ضعيف،فإنه يجب أن يذكره بصيغة التمريض،كأن يقول: روي عنه كذا أو بلغنا كذا, وإذا تيقن ضعفَه وجب عليه أن يبين أن الحديث ضعيف, لئلا يغترَّ به القارئ أو السامع, ولا يجوز للناقل أن يذكرَه بصيغةِ الجزمِ, لأنه يوهم غيره أن الحديث صحيح, خصوصاً إذا كان الناقل من علماء الحديث الذين يثق الناس بنقلهِم, ويظنون أنهم لا ينسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يجزموا بصحة نسبته إليه, وقد وقع في هذا الخط كثير من المؤلفين رحمهم الله وتجاوز عنهم([112]).
وكما يكره أن يذكر الحديث الضعيف بصيغة الجزم ( نحو: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،أو فعلَ،أو أقرَّ ونحو ذلك)،فكذلك يكره أن يذكر الحديث الصحيح بصيغة التمريض([113]).
حكم العمل بالحديث الضعيف:
الأصل أن الحديث الضعيف لا يحتج به ونقل الإمام الترمذي رحمه الله تعالى إجماع العلماء على هذا كما في جامعه يذكر الحديث:
سمعت أحمد بن الحسن يقول كنا عند أحمد بن حنبل فذكروا على من تجب الجمعة فلم يذكر أحمد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قال أحمد بن الحسن فقلت لأحمد بن حنبل فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحمد عن النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قلت نعم [ قال أحمد بن الحسن ] حدثنا الحجاج بن نصير حدثنا معارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الجمعة على من آواه الليل إلى أهله [ قال ] فغضب علي أحمد بن حنبل وقال لي استغفر ربك، استغفر ربك ([114]).
ثم قال: إنما فعل أحمد بن حنبل هذا لأنه لم يعد هذا الحديث شيئاً وضعفه لحال إسناده([115]).
ثم يقول في علله: لأنه لا يعرفه عن النبي صلى الله عليه وسلم . والحجاج بن نصير يضعف في الحديث، وعبد الله بن سعيد المقبري ضعفه يحيى بن سعيد القطان جداً في الحديث، فكل من روى عنه حديث ممن يتهم و يضعف لغفلته أو لكثرة خطئه ولا يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه فلا يحتج به([116]) ".
من أجل ذلك اتفق أهل العلم بالحديث على منع الاحتجاج بالحديث الضعيف، وبناء الأحكام عليه بمجرده ([117]).
وكذلك قال الإمام ابن تيمية: " لم يقل أحد من الأئمة: إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع " ([118]).وقال أيضاً:"قولنا إن الحديث الضعيف خير من الرأي ليس المراد به الضعيف المتروك لكن المراد به الحسن"([119]).
فثبت أن العلماء متفقون على عدم الإحتجاج بالحديث الضعيف مطلقا لا في العقائد ولا في الفضائل، ولكن
ورد عن بعض العلماء من المتقدمين، "العمل بالحديث الضعيف في الفضائل "،
كما في قول الإمام سفيان الثوري:" لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ"([120]).
وبوّب الإمام ابن أبي حاتم الرازي باباً " باب في الآداب والمواعظ انها تحتمل الرواية عن الضعاف"،وذكر تحته قول ابن المبارك:عن عبدة بن سليمان، قال: قيل لابن المبارك، وروى عن رجل حديثاً، فقيل: هذا رجل ضعيف، فقال: " يحتمل أن يروى عنه هذا القدر أو مثل هذه الأشياء ".قال أبو حاتم الرازي: قلت لعبدة: مثل أي شيء كان ؟ قال: " في أدب، في موعظة، في زهد، أو نحو هذا "([121]).
وقول ابن مهدي: " إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد والرجال وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشددنا في الرجال"([122]).
وقول الإمام أحمد: " أحاديث الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها، حتى يجيء شيء فيه حكم" ([123]).
وقال أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري(أحد الثقات): " الخبر إذا ورد لم يحرم حلالاً , ولم يحل حراماً، ولم يوجب حكماً، وكان في ترغيب أو ترهيب، أو تشديد أو ترخيص، وجب الإغماض عنه والتساهل في روايته "([124]). فهذه الأقوال كلها تدل على أن المتقدمين من العلماء، كانوا يرون العمل بالحديث الضعيف، ولكن لا بد أن نلاحظ فيه أمرا مهما، وهو أنهم ما كانوا يريدون من الحديث الضعيف، ضعفه مطلقا، بل كانوا يقسمونه إلى قسمين: الضعيف، والآخر، الحسن في مصطلحنا نحن، كما صرّح عليه الشيخ الدكتور عجاج الخطيب، وقال معلقاً على أقوال الأئمة المذكورة "إنما يريدون به أنهم يشددون في أحاديث الأحكام فلا يروون إلا ما توافرت فيه شروط الصحة، ويتساهلون بقبول غيرها وروايته عمن خفت فيه هذه الشروط، فنزل إلى درجة الحسن بنوعيه في اصطلاح المتأخرين وهو الذي يقابله الضعيف الذي يعمل به في اصطلاح المتقدمين، إذ لم يستقر اصطلاح الحسن في عصرهم بعدُ، ومما يرجح ما ذهبت إليه قول سفيان الثوري([125])" لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ ".وما الرؤساء المشهورون إلا الأئمة،ومن توفرت فيهم أعلى شروط الصحة، وأما المشايخ فإن كان المراد بهم المعنى الاصطلاحي في التعديل فقولهم ( شيخ ) ذكره ابن أبي حاتم في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل الأربع، وهو ممن يقبل حديثه وفي مرتبة من يقال فيه جيد الحديث وحسن الحديث، وإن لم يكن المراد ( بالمشايخ ) المعنى الاصطلاحي- بل عموم أهل العلم- فالمقصود به الرواية عمن لا يكون شديد الضعف، ويؤيد هذا أنهم كرهوا الرواية والاحتجاج بمن غلب على حديثه رواية الشواذ ورواية الغرائب والمناكير، كما كرهوا الرواية عن أهلِ الغفلة ومن أصيبوا بالاختلاط، وعمَّن عُرف بقبول التلقين وبالتساهل في سماع الحديث، وعمَّنْ كثرَ غلطهُ([126])،ومن سواهم كانوا يحملون عنهم، وهم المقصودون في قول سفيان في روايته غير الحلال والحرام، وهم في رأينا رجال الحسن.
وفي رأينا أن بعض الناس فهِمَ ما نقل عن الإمام أحمد وابن المهدي وابن المبارك، فهماً بعيداً عن مراد هؤلاء الأئمة رحمهم الله، فتناقلوا هذه العبارة"يجوزُ العملِ بالضعيف" في فضائل الأعمال مؤيدين تساهلهم في رواية الأحاديث الضعيفة من غير بيان ضعفها، مجوزين لأنفسهم إدخال أشياء كثيرة في بعض أمورِ الدينِ، لا تستندُ إلى دليلٍ مقبولٍ، أو إلى أصلٍ معروفٍ، اعتماداً منهم على ضعيف الحديث، من غير أن يفرقوا بين مفهوم الضعيف عند القدامى والمتأخرين"([127]).
فتفسير الدكتور عجاج الخطيب لأقوال الأئمة يشير إلى أن كلام الإمام الترمذي وابن تيمية عن إجماع العلماء في منع الاحتجاج بالحديث الضعيف، صحيح.
الملاحظة:
قد يوجد في كلام المحدثين في الأحكام ذكر الضعيف، بل في كلام الفقهاء ما هو واه شديد الضعف، أو ساقط موضوع وهذا في التحقيق يعود إلى أن يكون الحكم ثابتاً بدليل غير ذلك الضعيف، فيأتي ذكره على سبيل الاستئناس، وهذا قد يتساهل فيه فيما يكون ضعفه غير مسقط([128]).
إلى الآن انتهينا من مسألة الإحتجاج بالحديث الضعيف عند المتقدمين بحمد الله " فلا يأخذون به لا في الفضائل ولا في الأحكام، أما الأقوال التي تروى عنهم في الإحتجاج به، فهي محمولة على كونه " الحديث الحسن "، ولكن بعد مرّت العصور والزمن صارت المسألة مختلفة بين العلماء حتى أن المتأخرين من العلماء قسموا المسألة وجعلوها في ثلاثة مذاهب، وكذلك التبس عليهم منهج المتقدمين في الإحتجاج بالحديث الضعيف وسبب الإشكالية هو مصطلحهم "الحسن"، "والضعيف" كما أشار إليه الدكتور عجاج الخطيب والشيخ عبد الله الجديع في كتبهما وذكرته آنفاً وأيضاً سأشير إليه ضمن المذهب الثاني، فالآن أقدم أقوال المتأخرين وآرائهم في مسألة الإحتجاج بالحديث الضعيف بالتفصيل، ولها أن نعود إلى المسألة من البداية
فأولاً أقدم بعض الأمور الإتفاقية:
لقد اتفق أهل العلم على الأمور التالية([129]):
1- لا يجوز العمل بالحديث الضعيف في العقائد، ولا بأصولِ العبادات أو المعاملات.
2- لا يجوز الاعتماد على الحديث الضعيف في بناء الأحكام العملية المشهورة.
3- لا يجوز العمل بالحديث الذي اشتد ضعفه أو ما كان موضوعاً مطلقاً، لا في أحكامٍ شرعيةٍ، ولا في فضائلِ الأعمال، ولا تحل روايته إلَّا على سبيل القدح والتنفير منه.
واختلفوا فيما سوى ذلكَ في الأخذ بالضعيف على ثلاثة مذاهب ([130]):
المذهب الأول:
لا يعمل به مطلقاً لا في الفضائل ولا في الأحكامِ، هذا مذهب الإمام يحيى بن معين، وأبي زرعة وأبي حاتم وابن أبي حاتم والخطابي وأبي بكر ابن العربي والدواني والشوكاني، والظاهر أنه مذهب البخاري ومسلم لما عرفناه من شروطهما للصحيح، وهو مذهب ابن حزم الظاهري([131])وغيرهم، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عليه الإجماع.
المذهبُ الثاني:
يعمل بالحديث الضعيف مطلقاً([132])، وعزي هذا إلى الإمام أبي داود والإمام أحمد وأنهما يريان ذلك أقوى من رأي الرجال، ولكن الشيخ عبد الله الجديع يقول: "ويبين ابن تيمية الوجه في ترخيص من رخص من العلماء بالضعيف في الفضائل، فيقول: " أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروي في فضله، حديث لا يعلم أنه كذب، جاز أن يكون الثواب حقا، ولم يقل أحد من الأئمة: إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع([133])" ([134]).
ثم يقول:" وعلمنا أن منهم من كانوا يستعملون ( الحديث الحسن ) بالمعنى الاصطلاحي فيسمونه ( الضعيف )، كما وقع من أحمد بن حنبل "([135]).
وهذا هو الذي أشار إليه الدكتور عجاج الخطيب وذكرته آنفاً.
وهذا المعنى بهذا القدر لم يجر عليه حال المتساهلين من المتأخرين في هذه المسألة، بل إنهم جاوزوا طريقة أولئك العلماء من السلف في ثلاثة أمور ضرورية: أولها: أنهم حذفوا الإسناد غالباً، وكان السلف يسوقون الأسانيد.
وثانيها: أنهم ترخصوا في التحديث به للعامة منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، دون بيان، والعامة ربما اعتقدوا بسماعه أو قراءته في الكتب صحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وثالثها: أنهم جاوزوا فيه الضعيف الصالح للاعتبار، إلى الواهي والمنكر والموضوع([136]).
فلما رأى بعض أعيان الأئمة المتأخرين ذلك التوسع عمدوا إلى ضبط التسهيل في هذه المسألة بشروط، وهو المذهب الثالث.
المذهب الثالث:يعمل به في الفضائل والمواعظ ونحو ذلك بشروط:( وهذا عند المتأخرين )
وقد ذكرها الحافظ ابن حجر وهي:
- أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب، ومن فحُش خطأُه، وقد نقل العلائي الاتفاق على هذا الشرط.
وفي التقريب:" ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد, ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف, والعمل به من غير بيان ضعفه, في غير صفات الله تعالى, والأحكام كالحلال والحرام, ومما لا تعلق له بالعقائد والأحكام. ([137])"
وقال ابن الصلاح: "يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد،ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة،من غير الحلال والحرام وغيرهما. وذلك كالمواعظ، والقصص، وفضائل الأعمال، وسائر فنون الترغيب والترهيب، وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد"([138]).
ولكن هذا الشرط، لو ندقق فنصل إلى النتيجة، بأن الحديث الضعيف لا يخلو عن أمرين، إما ينجبر وإما لا ينحبر، أما الأول، أعني لو ينجبر فالعمل حينئذ يكون على الذي يقويه لا على الحديث الذي ينجبَر.
أما الثاني الذي لا ينجبر فهو شديد الضعف فلا يحتج به، وهو متفق عليه.
2- أنْ يندرج تحت أصل عام معمول به من أصول الشريعة، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلا ([139]).
أي أن يكون الحديث له أصل صحيح ثابت في الكتاب أو السنة، مثاله: لو جاءنا حديث يرغِب في بر الوالدين، وحديث آخر يرغب في صلاة الجماعة، وآخر يرغب في قراءة القرآن وكلها أحاديث ضعيفة، ولكن قد ورد في بر الوالدين، وفي صلاة الجماعة، وفي قراءة القرآن أحاديث صحيحة ثابتة في الكتاب والسنة، فعندئذٍ فلا حرج في العمل به.
وأيضا هذا الشرط، مآله إلى قول المتقدمين وهو:
أولاً: اندراج هذا الحديث تحت أصل معمول به، يدل على أن العمل ليس على هذا الحديث الضعيف، بل على الحديث الذي هو أصل لذاك الحديث الضعيف.
ثانياً: الأحاديث للترغيب والترهيب، والقصص ينبني عليها الأحكام فلا بد من قطع الثبوت فيها أيضا، وكما نعلم أن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها، تستنبط منها الأحكام، فلا بد لإستنباط الأحكام من المرويات أن تكون تلك المرويات قطعاً صحة وثبوتاً، والله أعلم.
3- أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله،بل يعتقد الاحتياط ([140]).
وهذا الشرط، لو نشاهد فلا أصل له، لأن العامل عند ما يعمل فيجب أن يعتقد صحته، ولو يعمل ولا يعتقد صحته فلما ذا يعمل.
4- وزاد بعض أهل العلم شرطاً آخر،وهو أن يكون الحديث في الترغيب والترهيب([141]).
فالاستدلال بالضعيف في فضائل الأعمال إن كان المراد به إثبات استحبابها، فالاستحباب حكم شرعي، والأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل صحيح أو حسن، وإن كان المراد به إثبات ما هو ثابت بدليل صحيح فوجود الضعيف وعدمه سيان.
الخاتمة:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فبعد هذه الجولة العلمية مع هذا البحث المتواضع وصلنا الآن إلى خاتمته فهي تشتمل على النتائج:
وأهم النتائج التي توصلت إليها كما يلي:
إن المحدثين الكرام سلكوا جميع السبل الممكنة واستخدموا كل الطرق العلمية التي يمكن أن تخطر على قلب بشر استخدامها لحفظ السنة النبوية وتمييزها مما ليس منها من المفتريات والأكاذيب واهتموا بنقد المتن تماماً كما اهتموا بنقد السند من دون أي تفريق بينهما حتى جاءت السنة نقية صافية لا يعتريها شك، فقد حفظت السنة النبوية بحفظ الله إياها وبتهيئته سبحانه لها أولئك العلماء والمحدثين الذين أفنوا أعمارهم في سبيل حفظها.
فذكروا تعريف الحديث الضعيف وكيف يصبح الحديث ضعيفاً، وكم من شروط يجب توافرها لكون الحديث صحيحاً ومقبولاً؟
ذكرت تلك الشروط وآراء العلماء كلها في تعريف الحديث الضعيف.
أثبت أن نقد الحديث اعتمد على أمرين أساسيين: دراسة حال الراوي ودراسة حال المروي وأن منهج المحدثين كان منهجاً شاملاً دقيقاً، لم يدع جانبا من جوانب الحديث سنداً ومتناً إلا وقد اعتنى به.
ذكرت أهم قواعد النقد التي وضعها النقاد لنقد الراوي والمروي، وبهذا وصلت إلى منهج العلماء المحدثين في تضعيفهم للرواة والأحاديث.
وكذلك ذكرت مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة، أما الحسنة فتعتضد بمثلها أو بأعلى منها، أي بالصحيح. وأما الضعيفة فتعتضد أيضاً بمثلها أو بأعلى منها أي بالحسن.
وذكرت مثالاً شافياً في توضيح هذه المسألة وبينت كيف يرتقي الحديث الضعيف بالشواهد والمتابعات إلى درجة الحسن لغيره.
إن العلماء متفقون على عدم الاحتجاج بالحديث الضعيف، وذكرت قول شيخ الإسلام ابن تيمية في إجماع العلماء المتقدمين على هذا ثم ذكرت اختلاف العلماء المتأخرين في هذا وبينت مذاهبهم في هذه المسألة، مع الشروط في قبول الحديث الضعيف ومناقشة تلك الشروط في مكانها، ومن خلالها يترجح عدم الأخذ بالحديث الضعيف مطلقاً، لا في الأحكام ولا في غيرها لما يلي:* لاتفاق علماء الحديث على تسمية الضعيف بالمردود.
- ولأن الظن لا يفيد إلا الظن المرجوح، والظن لا يغني من الحق شيئاً.
- لما ترتب على تجويز الاحتجاج به من ترك للبحث عن الأحاديث الصحيحة.
وأن ما نسب إلى الفقهاء من الاحتجاج بالضعيف في الأحكام لوجوده في كتبهم غير صحيح لوجود الأحاديث الموضوعة فيها، ولا قائل بالاحتجاج به ([142]).
أما ذكر الضعيف في كلام المحدثين في الأحكام، بل في كلام الفقهاء يوجد شديد الضعف، أو ساقط موضوع فهذا بسبب كون الحكم ثابتاً بدليل غير ذلك الضعيف، فيأتي ذكره على سبيل الاستئناس.
والخطورة في الاحتجاج بالحديث الضعيف تأتي من جهة بناء شيء من الشرائع على الظن المرجوح، كما فيه نسبة تشريع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه جزماً، أو غالباً، ونسبة قول أو فعل لم يثبت عنه جزماً أو غالباً، وهذا لا يسلم صاحبه من الدخول في الوعيد الوارد في القول عليه صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.
المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم
- الإحكام في أصول الأحكام لعلي بن أحمد بن حزم الأندلسي أبي محمد، دار الحديث – القاهرة، الطبعة الأولى، 1404هـ.
- اختصار علوم الحديث لأبي الفداء إسماعيل بن أبي حفص عمر بن كثير مع (الباعث الحثيث)، مكتبة دار التراث – القاهرة، الطبعة الثالثة 1399هـ.
- أصول الحديث علومه ومصطلحه، للدكتور محمد عجاج الخطيب، دار الفكر الحديث- لبنان.
- ألفية العراقي في علوم الحديث للشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي بتحقيق الدكتور ماهر ياسين الفحل، ملتقى أهل الحديث.
- البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر للحافظ جلال الدين السيوطي بتحقيق أنيس بن أحمد الأندونوسي، رسالة الماجستير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1406هـ.
- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للحافظ جلال الدين السيوطي بتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الكتب الحديثة- القاهرة 1966هـ.
- التذكرة في علوم الحديث لسراج الدين عمر بن علي المعروف بابن الملقن بتحقيق عبد الرحمن محمد يوسف بالجامعة الإسلامية المدينة المنورة.
- تقريب التهذيب: للحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلاني، بتحقيق محمد عوامة، دار الرشيد - سوريا حلب، الطبعة الرابعة.
- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الكتب الحديثة- القاهرة، الطبعة الثانية 1966هـ.
- تهذيب الكمال للإمام يوسف بن الزكي عبدالرحمن أبي الحجاج المزي، بتحقيق الدكتور بشارعواد معروف، مؤسسة الرسالة بيروت،الطبعة الأولى.
- تيسير مصطلح الحديث للدكتور محمود الطحان، مكتبة المعارف – الرياض، الطبعة السابعة 1405هـ.
- جامع التحصيل في أحكام المراسيل للإمام أبي سعيد بن خليل بن كيكلدي العلائي، بتحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، عالم الكتب – بيروت، الطبعة الثانية 1407هـ- 1986م.
- جامع الترمذي للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى، بإشراف فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، دار السلام للنشر و التوزيع الرياض، الطبعة الأولى محرم 1420هـ ـ أبريل 1999م.
- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي بتحقيق الدكتور محمود الطحان، مكتبة المعارف- الرياض، 1403هـ.
- الجرح والتعديل للحافظ أبي محمد عبد الرحمان بن أبي حاتم بن إدريس الرازي، دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة الأولى.
- الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به للشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع – الرياض، الطبعة الثالثة 1426هـ.
- الخلاصة في أصول الحديث للحسين بن محمد الطيبي بتحقيق صبحي السامرائي، ديوان الأوقاف- بغداد 1391هـ.
- الرسالة للإمام محمد بن إدريس الشافعي بتحقيق أحمد محمد شاكر، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.
- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، للشيخ ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية 1420هـ-2000م.
References
- ↑ () الكفاية في علم الرواية (ص34)
- ↑ ()الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (2/ 68-70 ) وتدريب الراوي( 2/ 143).
- ↑ ()مقدمة مسلم (1/ 12).
- ↑ ()مقدمة مسلم (1/ 12).
- ↑ ()مقدمة مسلم (1/ 11).
- ↑ () لسان العرب لابن منظور (9/203) مادة: (ضعف).
- ↑ ()تيسير مصطلح الحديث، ص: (62). وأيضا: مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة للدكتور المرتضى الزين أحمد (ص: 69)
- ↑ () الرسالة 370.
- ↑ ()مقدمة ابن الصلاح (1/6)
- ↑ () كتاب إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق 1/153.
- ↑ () المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي ص38.
- ↑ () الخلاصة في أصول الحديث ص44.
- ↑ () اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث ص 5.
- ↑ () التذكرة في علوم الحديث ص15.
- ↑ () المختصر في أصول الحديث ص47.
- ↑ ()منهج النقد في علوم الحديث للعترص286.
- ↑ ()(التذكرة في علوم الحديث 11 جامع شيخ الإسلام ابن تيمية)
- ↑ ()التمييز للإمام مسلم ص2.
- ↑ ()شرح علل الترمذي ص37.
- ↑ ()منهج النقد عند المحدثين للأعظمي ص18.
- ↑ () منهج النقد عند المحدثين للأعظمي ص18.
- ↑ () الكفاية في علم الرواية ص101.
- ↑ () الجرح والتعديل 2/32.
- ↑ () مقدمة ابن الصلاح ص61.
- ↑ ()الجرح والتعديل 2/32.
- ↑ ()شرح علل الترمذي ص135.
- ↑ ()شرح علل الترمذي ص135.
- ↑ () الإحكام لابن حزم 1/136.
- ↑ () المجروحين ص93.
- ↑ ()الكفاية في علم الرواية ص101.
- ↑ () فتح الباري 1/384.
- ↑ () اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث ص11.
- ↑ () النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/322.
- ↑ () النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/322.
- ↑ () القول المسدد لابن حجر ص38.
- ↑ () الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 4/321.
- ↑ ()الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 4/321.
- ↑ ()شرح علل الترمذي ص130.
- ↑ ()مجموع الفتاوي 18/26.
- ↑ ()مقدمةابن الصلاح ص20.
- ↑ () تدريب الراوي 1/175.
- ↑ () النكت على مقدمة ابن الصلاح1/100.
- ↑ () نخبة الفكر ص1.
- ↑ () اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث ص5.
- ↑ () جامع التحصيل في أحكام المراسيل ص41.
- ↑ () مقدمة ابن الصلاح ص20.
- ↑ () البحر الذي زخر 3/1083.
- ↑ () البحر الذي زخر 3/1083.
- ↑ () تدريب الراوي 1/177.
- ↑ () الخلاصة في اصول الحديث ص44.
- ↑ () اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث ص5.
- ↑ () الفتاوى الكبرى 6/241.
- ↑ () نخبة الفكر ص230.
- ↑ () تدريب الراوي1/160.
- ↑ () شرح علل الترمذي ص209.
- ↑ () مقدمة ابن الصلاح ص19.
- ↑ () المنهل الروي ص36.
- ↑ () النكت على كتاب ابن الصلاح 1/407.
- ↑ () تحرير علوم الحديث للجديع ص1087إلى 1100.
- ↑ ()تحرير علوم الحديث للجديع ص1087إلى 1100.
- ↑ ()تحرير علوم الحديث للجديع ص1087إلى 1100.
- ↑ () سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني (1/ 145).
- ↑ () تحرير علوم الحديث للجديع ص1087إلى 1100.
- ↑ ()تحرير علوم الحديث للجديع ص1087إلى 1100.
- ↑ ()تحرير علوم الحديث للجديع ص1087إلى 1100.
- ↑ ()تحرير علوم الحديث للجديع ص1087إلى 1100.
- ↑ () سنن الترمذي، أبواب الصلوة، باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسيا 2/197.
- ↑ () تقريب التهذيب 1/578.
- ↑ () تهذيب الكمال 17/224.
- ↑ ()سنن الترمذي، أبواب الصلوة، باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسيا 2/197.
- ↑ ()تقريب التهذيب 1/ 461.
- ↑ ()تقريب التهذيب 2/105.
- ↑ () كما هو المعروف من اسمه بأنه الحافظ وهو من شيخ الإمام البيهقي .
- ↑ () هو الإمام المحدث سير اعلام النبلاء 15/453.
- ↑ () هو إمام حجة ثقة، سير أعلام النبلاء 12/503.
- ↑ ()الامام القدوة،سير أعلام النبلاء 10/165.
- ↑ ()ثقة ثبت (تقريب التهذيب 1/136.)
- ↑ ()ثقة فقيه، تقريب التهذيب 2/322.
- ↑ () ثقة، تقريب التهذيب 1/574.
- ↑ () السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الصلاة، باب مَنْ سَهَا فَلَمْ يَذْكُرْ2/344.
- ↑ () المستدرك للحاكم، كتاب السهو 1/471.
- ↑ () المعجم الكبير للطبراني 17/314.
- ↑ ()الحافظ الحجة، سير أعلام النبلاء 9/513.
- ↑ ()الامام الحافظ، سير أعلام النبلاء 8/136.
- ↑ ()المصنف لابن أبي شيبة 2/35.
- ↑ ()تقريب التهذيب 2/322.
- ↑ ()تقريب التهذيب 1/574.
- ↑ ()صدوق عابد، تقريب التهذيب 2/310.
- ↑ ()صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، تقريب التهذيب 1/134.
- ↑ ()ثقة حافظ متقن، تقريب التهذيب 1/418.
- ↑ ()ثقة، تقريب التهذيب 1/141.
- ↑ ()ثقة تقريب التهذيب 2/32.
- ↑ ()المعجم الأوسط للطبراني 2/110.
- ↑ ()روى شيئا كثيرا على سداد وصدق وصحة رواية، كان عدلا وقورا، سير أعلام النبلاء 17/312.
- ↑ () ثقة، سير أعلام النبلاء 15/385.
- ↑ () ضعيف، تقريب التهذيب 1/39.
- ↑ () ثقة تقريب التهذيب 2/70.
- ↑ () ثقة تقريب التهذيب 1/93.
- ↑ () السنن الكبرى للبيهقي، باب من سها فلم يذكر2/344.
- ↑ ()ثقة حافظ وهم في حديث، تقريب التهذيب 1/745.
- ↑ () مسند أبي يعلى 2/103.
- ↑ ()ثقة حافظ، تقريب التهذيب 2 / 121.
- ↑ ()مسند البزار 1/215.
- ↑ () ثقة تقريب التهذيب 2/32.
- ↑ ()صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، تقريب التهذيب 1/134.
- ↑ ()ضعيف، تقريب التهذيب 1/39.
- ↑ ()الصحيح للإمام البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب من لم ير التشهد الأول واجبا 1/256.
- ↑ ()الصحيح للإمام مسلم،كتاب المساجد، باب السَّهْوِ فِى الصَّلاَةِ وَالسُّجُودِ لَهُ. 2/83.
- ↑ ()سنن أبي داؤد، كتاب الصلاة، باب مَنْ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ، 1/397.
- ↑ ()سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب ما جاء فيمن قام من اثنتين ساهيا، 1/380.
- ↑ ()أصول الحديث ومصطلحه ص 353-354
- ↑ ()أفاده العلامة أحمد شاكر رحمه الله في الباعث الحثيث ص 91.
- ↑ ()محاضرات في علوم الحديث د: ماهر ياسين الفحل(1 / 14 )
- ↑ ()الجامع للإمام الترمذي، أبواب الجمعة، باب ماجاء من كم تؤتى الجمعة 2/376.
- ↑ ()الجامع للإمام الترمذي، أبواب الجمعة، باب ماجاء من كم تؤتى الجمعة 2/376.
- ↑ ()شرح علل الترمذي ص126.
- ↑ ()تحرير علوم الحديث للجديع ص1101إلى 1103
- ↑ ()مجموع الفتاوى 1/251.
- ↑ ()منهاج السنة النبوية 4/185.
- ↑ ()الكفاية في علم الرواية ص134.
- ↑ ()الجرح والتعديل 2/30.
- ↑ ()الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/91.
- ↑ ()الكفاية في علم الرواية ص134.
- ↑ ()الكفاية في علم الرواية ص134.
- ↑ ()الكفاية في علم الرواية ص134.
- ↑ ()هذا إذا تفردوا بما يخالف الثقات، ولم يتابعوا عليه.
- ↑ ()أصول الحديث ص 352- 354
- ↑ ()تحرير علوم الحديث للجديع ص1101إلى 1103
- ↑ () المفصل في علوم الحديث ص604.
- ↑ ()تدريب الراوي (1 / 232 ) ومجموع الفتاوى (18 / 65 )
- ↑ ()الفصل في الملل والأهواء والنحل ( 1 / 130 و180 )
- ↑ ()تدريب الراوي (1 / 233 ) .
- ↑ ()مجموع الفتاوى 1/251.
- ↑ () تحرير علوم الحديث 2/305.
- ↑ ()تحرير علوم الحديث 2/306.
- ↑ ()تحرير علوم الحديث 2/307.
- ↑ ()التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث (1 / 6 ) تدريب الراوي (1/298 )
- ↑ ()مقدمة ابن الصلاح ص 60
- ↑ ()تدريب الراوي (1/299 )
- ↑ ()تدريب الراوي (1/299 )
- ↑ ()المفصل في علوم الحديث ص609.
- ↑ ()الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به ص405.
Article Title | Authors | Vol Info | Year |
Article Title | Authors | Vol Info | Year |