31
2
2015
1682060034497_475
326-338
http://www.al-idah.pk/index.php/al-idah/article/download/177/169
ولد محمود تيمور بن أحمد باشا بن اسماعيل في 16 يونيو 1894م في ’’درب سعادة‘‘ الكائن بين الموسكى وباب الخلق بالقاهرة1. وكان من اصل كردى، ونشأ في أسرة أرستقراطية ميالة إلى العلم2.
تلقى محمود تيمور تعليم الأول بالمدرسة الناصرية الابتدائية ثم الثانوية، قرأ الأدب وحفظ معلقة امرؤ القيس.وأخذ يصدر مع آخيه محمد تيمور أخبارا من بيتهم، وكان يكتبان أحوال البيت والأصدقاء، ثم أسسا مسرحا صغيرا، وكانا يقدمان فيه المسرحيات، ودفعها ذلك إلى الإقبال على قراءة الروايات والقصص المترجمة3.
تزوج سنة 1920، وأخذ فى الكتابه بعد وفاة شقيقه محمد تيمور (1892-1921) وكتب أولى قصصه القصيرة: ’’الشيخ جمعة‘‘ التى نشرت عام 1922 في مجلة ’’السفور‘‘ وما ان أقبل عام 1925 حتى اصدر كتابه الأول ’’الشيخ جمعه وقصص آخرى‘‘ ثم لم يلبث أن تبع كتابه الثانى: ’’عم متولى وقصص آخرى‘‘4.
كان محمود تيمور غزير الإنتاج في ميادين الصحافة والمحاضرات فى الجامعة المصرية ومعاهدة الدراسات المصرية والعربية والجامعة الأمريكية والندوات الأدبية كنادى القصه ونقابة الصحفية وغيرهما5.
ان حياة محمود تيمور كانت حافلة بالعطاءات الأدبية وقد خلد بقلمه آثاراً قيمة، نالت الاعتراف من رجال الفكر والأدب منها (1) النبي الانسان ومقالات آخر (2) شفاء الروح (3) اتجاهات الأدب العربي فى السنين المائة الأخيرة وغيرهم.
نال محمود تيمور جوائز كثيرة مثل: جائزة ’’فواد الأول‘‘ للأدب سنة 1950 عن كتابيه: ’’كل عام وانتم بخير‘‘ و’’إحسان لله‘‘ وجائزة واصف غالى بباريس سنة 1951 عن كتابه ’’عزرائيل القرية‘‘ الذى ترجمة إلى الفرنسية6.
شارك فى المؤتمرات العديدة مثل مؤتمرالأدباء فى بيروت ممثلة مصرية 1954 ومؤتمر القلم أيضا فى بيروت سنة 1954، ومؤتمر الدراسات الاسلامية فى جامعة بشاور سنة 1952 وما إلى ذلك7. وانتقل من هذه الدنيا الفانية إلى دارالبقاء فى يوم 25 أغسطس 19738.
المقال لغةً:
إن لمحمود تيمور مساهمات كبيرة فى المقالات، ونخص هذا البحث بمقال الدينى، ولكن قبل أن نكتب بعض الأسطر عن المقال الدينى عنده نحب أن نشرح المقال لغة واصطلاحا. فالمقال لغة مصدر من قال يقول قولاً ومقالاً ومقالةً: بمعنى تكلم واسم الفاعل منه قائلٌ وقال وجمع قائلٍ قالةٌ والمقالة ايضاً، القول والمذهب وبحثٌ قصيرٌ في العلم والأدب او السياسة أو الاجتماع ينشر في صحيفة أو مجلة9.
وذكر بطرس البستاني10 ما ذكره صاحب المعجم الوسيط إلا أنه اضاف: ’’و قد يستعمل القول لغير ذي لفظ تجوزاً كقوله : فقالت له العيّنان سمعاً وطاعةً، وقال الحائط: سقط، وقال به: حكم واعتقد، وغلب11.
المقال اصطلاحاً:
إن المقال قالبٌ قصيرٌ12، ويطلق في الحديث على الموضوع المكتوب الذي يوضح رأيا خاصاً وفكرةً عامةً، أو مسألة علمية أو اقتصادية أو اجتماعية يشرحها الكاتب ويؤيدها بالبراهين13.
مفهوم المقال الديني:
إن المقال الديني يتناول موضوعات دينية، بحيث تبين للناس أهمية التمسك بالدين والاعتزاز به للوصول إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، وهو اسمى هدف يناله الإنسان في حياته وبعد وفاته14.
المقال الديني عند محمود تيمور:
كان محمود تيمور يتمتع بوجود نزعة صوفية التي تبدو جذورها في ميل الأسرة إلى العزلة وهذه النزعة الصوفية كانت سبباً من اسباب محافظته ايمانه الديني وأنه يكتب صفحات طويلة عن الإيمان والدين15، وإن مقاله الديني يحتوي على ما يلي:
1-حب الدين:
نشأ محمود تيمور في بيئة دينية، وتعلم مراسم الدين وتفقه الأصول الدينية، حيث يقول:
"نشأت فألفيت نفسي مسلماً في بيئة مسلمة، أتلقى مراسم الدين، تلقينا دراسة، وأمارس شعائره تقليداً أو محاكاةً... وعلى تعاقب الملابسات تفقهت في كثير من الأصول الدينية ما وسعني أن أتفقه، وأصبحت بهذا أخاً في الإسلام لأهل الإسلام"16.
و لذا يعرف محمود تيمور الدين وفلسفته بعمقٍ، ينتقد هنا الاستعمال الخاطئ للدين وما يولده من آفات، فيهدم كل الأسس التي يراها ماثلة أمامه ليبني على أنقاضها أسساً جديدة، مستعيّناً بالفعل والعلم، ومستلهماً جوهر الدين الصحيح17 ويكتب في "النبي الإنسان":
"لقد مر بي حينٌ من الدهر، قضيته في محنة واختبار، أسائل النفس في شأن هذا الدين الذي تلقاني فتلقيته يوم ولدت، إذ فرضته على البيئة فيها فرضت من أحكام العيش... وكنت فيما أسائل به نفسي، أطلق لعقلي حرية المحاورة والنقاش، ويتعلق بما شاء أن يتعلق به من آراء وأفكار، ويتصفح من وجود النظر ما يتاح له أن يتصفح لعله ينأى بي عن موقف الشك والحيرة والتردد"18.
و يقول:
"و لم أترك العقل وحده يقضي قضاءه، وإنما استكملت وسائل الهداية من طريق التأمل، واستجلاء البصيرة والوجدان، وما هذا التأمل، والاستبصار إلا أن تدع روحك محلقة في غير المنظور، محاولة أن تستشف سرائر الوجود ... وإن في ذلك كله لتهذيباً للعقل وصقلاً لمعرفة، ووقوفاً بالعلم عند حدٍ، ولا بغي فيه ولا طغيان"19.
وكانت هذه التي وصل إليها جاءت بعد فترة حيرة مرت به ساءل نفسه عن الدين الذي ولد معه وفرضته عليه البيئة وانتهى الأمر إلى20:
"تلمست عقيدتي أتعرف: كيف صارت؟... فإذا أنا –كما أنا- مسلم، أشهد أن لا إله إلا الله! ولكن إيماني ساعتئذ بالإسلام ويقيني به، كان قد اتخذ في قرارة قلبي صورة جديدة لم تكن على هذا الوضوح من قبل"21.
وتناول محمود تيمور موضوع الدين فهو يرى أن الدين كالوطنية، كلاهما يوسم به الطفل يوم يولد22.
ولكنه مر به حين من الدهر قضاه في محنة واختبار، يسائل نفسه في شأن هذا الدين، فقد تمثل له الدين جوهراً وروحاً أكثر منه رسوماً وقواعد ومعنى جليلاً أكثر منه لفظاً محدوداً، لقد أصبح عنده فكرة عميقة تسرى في شرايين الحياة مسرى الدم في شرايين الإنسان، حتى لقد استبان له هذا الدين فوق الأوامر والنواهي، وفوق الرسوم والتعاليم23، ويقول:
"كان مفتاح فهمي لرسالة الإسلام أني تصفحت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم جانباً بعد جانبٍ، فتجلت لي شخصية عامرة بالعظائم في بناء كيان الأمة، وفي تقويم خلق الفرد، وفي نهج الحياة لسالكيها من سائر الناس"24.
ثم يقول:
" أخذت بيدي هذه الشخصية الفذة، تهديني طريق الحق والدين، فوجدتني أحب هذا الدين، وأحب فيه رسالته التي جاء بها رحمةً وهدىً"25.
وبذلك يكون المؤمن على بصيرة في هذا الدين، ويعرف أن لا إله إلا الله هي أصل الدين، وهي أساس الملة مع شهادة أن محمداً رسول الله، وأنه لا إسلام ولا إيمان، ولا دين إلا بهاتين الشهادتين مع الإيمان بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزام بذلك مع الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ومع الإيمان بفرائض الله ومع الإيمان بمحارم الله ومع الوقوف عند حدود الله"26.
2-حب الله:
اشدة في حب الله من الإيمان وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ"27. ولحديث أنس بن مالك : "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"28.
وإن حب الله ومعرفته هما المرتكز الذي عليه الإسلام، وبدون هذه المعرفة وهذا الحب يكون كل عمل في الإسلام أو للإسلام غير ذي قيمة حقيقية، إذ أنه في هذه الحالة يكون ناقصاً روحه، وما قيمة عملٍ لا روح فيه29.
والتصوف علم يعرف به كيفية تصفية الباطن من كدورات النفس أي عيوبها وصفاتها المذمومة30 –كما ينصح محمود تيمور قارءاً رتل في مطلع كل يوم هذا الدعاء، ويقول:
"أحمدك يا رب على أن وهبتني الحياة، فما الحياة إلا نغمة تهبها عبادك، سبيلاً إلى عملٍ صالحٍ ووسيلة لبلوغ هدفٍ رفيعٍ. ليكن هذا الدعاء أول ما تحرك به لسانك في نهارك مستمداً من روحانيته السامية ثقة بالنفس، وعز ما على الكفاح، إن الدنيا كلها من حولك تعلن لك أن هذا يوم جديدٌ، وأن الجدة فيه تتغلغل في كل شيئ، ولست أنت إلا بعض هذه الدنيا فلا يفوتنك أن تأخذ حظك من هذا التجديد بأوسع معانيه"31.
ونشعر أنه تصدر منه دعوات تحس بأنه يذوب فيها كما يفعل المتصوفة ويقول:
"يا رب!... ما أسعدني بحبي إياك... أنا لا أخشى أعاصير الحياة ؛ لأني في عصمة منها بالطلاسم، وليست هذه الطلاسم إلا أجد لك في قلبي من حب دائم موصول، أنا لا أضيق بالآلام ذرعاً؛ لأني أجد في نسمة رضاك ما يمحو الآلام، ويأسو الجراح.. يا رب!.. لم أعد أعرف إلا وجودك معي، حتى الموت لا أرهبه، ولا أتهيبه، فهو يدنيني منك، ويجلو لي وجهك الوضاح، أنا –إذا نمت – مطمئناً رخيّ البال، فاسمك آخر ما تلفظ شفتاي. وأصحو –إذا صحوت- متفائلاً طلق الأسارير، فندائي لك أول ما يلهج به لساني"32.
ثم يقول:
"يا رب!... إنك لتسمع دعائي وإنك ليجيب ندائي.. كلماتك تتأدى إلي، بلا واسطة من أصوات، فإن الأصوات تطرق الآذان، ولكن كلماتك تنفذ تواً إلى القلوب، أسمعني صوتك يا رب!.... أَنِرْ بصيرتي لرؤيتك يا ربّ!... اسقني من فيض رحمتك يا أرحم الراحمين"33.
و ينصح محمود الناس أن يستيقظوا صباحاً، وأن يبدأوا يومهم ناشيطين بهيجين كهذه القبسة الناشطة البهيجة من ضوء الصبح وكلما ازدادت القبسة من نماء وبسطة34. ويقول:
"بادر يومك مع الفجر فإنك إن فعلت أهديت إلى روحك طمانينة وثقةً، وأسبغت عليها تفاؤلاً ورضاً... أرهف سمعك لأذان الفجر... أرتقبه بيحث يبلغك دعاؤه... ما أجمل أن تستهل نهارك بذلك الهتاف الخالد: الله أكبر... في هذا الهتاف يكمن سر الحياة... حقاً، الله أكبر من كل كبير، فإنه يبسط سلطانه على الكون من حول، بيده الحركة وبيده السكون، فأسأله عوناً على أن تكون في يومك موفقاً، تعمل الخير، وتجزئ جزاء الخير، حقاً، الله على عرشه، أكبر من كل كبير، وانت على هذه الأرض بعونه كبير!.. أودعك من قوته ونفخ فيك من روحه، وحملك رسالة الحياة، ورسالة الحق، والخير والعمران"35.
إن الصلاة طهارة للقلب ونظافة للبدن والثوب وتهذيبٌ للسلوك وغفرانٌ للذنوب وتكفير للسيئات، والتقارب بين الأفراد وجوهر الطاعة والتعبد والاندماج بين الخالق والمخلوق حيث يقول:
"بالصلاة تتخلص النفس من شوائبها، فتتسامى إلى آفاق علوية صافية، وبالعمل تتجرد النفس للأهداف المرسومة، وتتحرر من تلك النوازع والنزوات التي تَجُرّ إلى الشرور والآثام...إذا كانت الصلاة مظهراً لطاعة الله، بها يستمد الإنسان على ظهر الأرض قبساً من نور السماء، فالعمل هو جوهر الطاعة والتعبد والاندماج بين الخالق والمخلوق"36.
يؤمن "تيمور" بمذهب التربية بالقصص والمقالات، وفي قصصه ومقالاته صور واضحة للإيمان بالفضيلة وإيثار الخير وحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
3-حب الرسول صلى الله عليه وسلم:
لابد أن تكون حياة المسلم حافلة يحب الرسول صلى الله عليه وسلم بحيث أوجب الله تعزير رسوله ونصرته وخفض الصوت عنده وتلقى التبليغ منه والصلاة عليه ومع الحب أيضاً ينصرف إلى محبة ما يأمر به وإنقاذه ثم الدفاع عنه، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فيكون التعظيم بالصلاة والسلام عليه عند ذكره، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"37. وقال صلى الله عليه وسلم: من صلى علي واحدةً صلى الله عليه بها عشراً38، وذكره صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه فيهما بركة عظيمة إذا داوم عليهما الإنسان، كما يكون التعظيم بمتابعته في سنته في الأقوال والأفعال واتخاذه أسوةً حسنةً39.
وكان محمود تيمور يكتب مقالاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يتميز بروح صافية، وكان يسعى إلى إبراز صفات سيد الخلق العظيمة، وقد ألقى الضوء على شخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:
"لعمر الحق إن محمداً كان بشخصيته وبخصائصه قوة للدين، ومدداً للإيمان، ومناراً يرفع الغشاوات ويكشف الحجب!... أ ينبعث النور وضاحاً من مصباح أقتم أغبر؟.... لقد حمل "محمد" شعلة الإسلام، فأضاء ت في يده، وازدادت من توهج، وأشاعت من حوله الدفء والضياء"40.
وكانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ترجمة حية لكتاب الله قال الله تعالى: إنك لعلى خلقٍ عظيم41، عن عائشة رضي الله عنها قالت "كان خلقه القرآن42، وكان أخلاقه وأعماله نموذجاً بشرياً ويقول محمود تيمور:
"شخصية محمد ترجمة حية لكتاب الله، إذا قرأت قرآنه طالعتك الصحائف الغر من حياة رسوله، ومن ميزاته، وكأنما شاء الله أن يسوق لنا منهج الدين في كتابه، أن يتبعه تطبيقاً عملياً ونموذجاً بشرياً في حياة "محمد" وفيما أثر عنه من ألوان التصرفات في شتى شؤون الحياة"43.
ثم يقول:
"كان محمد صلى الله عليه وسلم إنساناً قبل أن يكون نبياً ، فلما أظلته نبوته لم تبرحه إنسانيته، بل لقد زكت وتوهجت، وبقي إنساناً في جوانب حياته" تتصل أرومته بأرض البشر، وتسمو روحه إلى الملأ الأعلى"44.
ويقول:
" كذلك كان دين "محمد" إنسانيا مثله، من فهم أسراره من فهم الناس لم يربه منه شيئ، فإنه واجد فيه وشائج النفس البشرية في أطوارها ومنازعها، وواجدٌ فيه مع ذلك سُموّاً بهذه النفس البشرية إلى الأوج الرفيع"45.
وفي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وظهور الثورة في الأخلاق والعقائد وبروز نماذج إنسانية عملية من أروع ما شاهد التاريخ من نماذج وأجملها –يشق الطريق للإسلام، وتترامى بفضله وتأثيره أمم وأقطار في إحضان الإسلام... ويتكون مجمتع كامل حتى يعتبر مجتمعاً مثالياً نموذجاً من كل جهة46.
4-حب القرآن الكريم:
القرآن الكريم دستور المسلمين في كل زمان ومكان وهو الصراط المستقيم الذي يجب أن يسلكه المسلم في عقيدته وعبادته وأخلاقه ومعاملاته، ولذا يجب على المسلم أن يسترشد بمبادئه العامة التي جاءت لإنقاذ البشرية من ويلاتها وضلالها، قال الله : كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ47 وقوله: هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ48، وتلك شروط الله عزوجل من أجل تعقله وتدبره والتفكر فيه، وهو نورٌ ورحمةٌ ينال به الخير والسعادة لأنه يخرج الإنسان من ظلمة الجهل إلى نور العلم ومن الشك إلى اليقين ومن الضلال إلى الرشاد49، والقرآن الكريم كان ولا يزال المثال الأعلى للأسلوب العربي الفصيح، هذا المثال الذي لا يطاول ولا يبارى، يستهدي به البلغاء والخطباء والكتّاب، ويغرفون من معيّنة اللفظ الفصيح الجزل، والعبارة القومية المتماسكة والمعنى المؤثر50.
إن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم كانت القرآن، لقد أجرى الله تعالى على يديه خوارق عادات أخرى مثل إخباره عن بعض ما يغيب عن حسه، وو مثل حنين الجذاع إليه، ومثل بكاء الناقة عنده، ومثل الإسراء والمعراج، ولكن لم يتحد إلا بالقرآن الكريم، ولم ير المشركون صرحاً شامخاً يتحداهم به سوى القرآن الكريم51، يقول محمود تيمور:
"القرآن حقاً أكبر معجزة.... إنه ذروة الفن الرفيع صاغه الله من نورٍ وأرسله شعاعاً نفاذاً لا يمتنع عليه شغاف القلوب"52.
وإن القرآن الكريم كان له كبير الأثر في نفس محمود تيمور وكان تأثيراً للبلاغة القرآنية عميقاً في نفسيته، بحيث كان يقف أمامها حائراً منبهراً، يقول:
"وما ظنك بامرئ يصاحب "القرآن" منذ نشأته! يسمعه لحناً عذباً يسحر السمع، وينظر لوحاً فنياً يبهر النظر، ويتذوقه معنى رفيعاً وحكمةً بالغةً.... ألا يكون خليقاً بأن تطهر روحه وتصفو نفسه، وتستنير بصيرته، ويعمق إيمانه، فيدرك حقائق الحياة على نحو كريم"53.
وكان من عادات محمود تيمور تلاوة جزء من كتاب الله العزيز بعد أداء صلاة الفجر ويتدبر معانيه كما يقدم في المقال "شفاء الروح" الوصفة السحرية للسعادة والسكينة وراحة البال، ويقول:
"أخي المؤمن! نصحي إليك أن تضع مصحفاً فوق وسادتك لا تتخذه من تميمة من التمائم، ولا تعويذة من التعاويذ، وإنما تتخذه نبغاً فياضاً تستقي منه لروحك صفاء ولنفسك شفاء"54.
ويقول: "ليكن من دأبك في إصباحك ألا تقع عينُك أول ما تقع إلا على هذا الكتاب الخالد، فرتل منه ما تيسر واملأ سمعك بتلك الآيات البينات، وتمتعك بسحر البيان، وروعة الإيقاع، واترك حكمتها البالغة تسري في وليجة نفسك، فتضيئ من جوانبها ما أظلم، وتجلو منها ما صدئ . فإنك لا تلبث أن تحس روحك قد انسكب عليها فيض يكفل لها الطهر، ويثير فيها الانتعاش"55.
تحث محمود تيمور على قراءة القرآن الكريم، ويقول:
"وليكن كذلك من دأبك في ليلك أن يكون ذلك المصحف آخر ما تقع عليه عيناك، وقبل أن تسلم أجفانهما للمنام، فرتل من أي القرآن ما وسعك أن ترتل، تطهيراً لنفسك مما علق بها من غبار يومك .. ونمْ على وقع تلك الأهازيج العلوية، سابحاً في أحلام طيبة كلها روحٌ وريحانٌ"56.
وينصح محمود بعمل بهذه السنة يقول: "اعمل بتلك السنة لا تتحرف عنها يوماً، واتخذها لك منهجاً وإماماً، وانظر كيف تصير من حالٍ إلى حالٍ، وكيف يتكامل لك حظك من سعادة النفس ونعيم الروح"57.
ويقول: "القرآن كنز المؤمن... فلنؤد له حقه التقديس الخالص، التقديس الحق، التقديس القائم على دعائم من الفهم والحب والانتفاع"58.
فخلاصة القول أن محمود تيمور نشأ في بيئة دينية صافية من أدران الفسق والفجور وكان قلبه مليئاً بحب الخالق عزوجل وحب بنبيه وكتابه، وهو كان أديباً مؤمناً مخلصاً لدينه، ولذلك نرى كل هذه الخصال الحميدة فى مقالاته التي جديرة بأن يقال لها مقالات محمود تيمور الدينية.
الهوامش:
- فتحى الأبيارى، عالم تيمور القصصي، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1994م دط، ص 64.
- محمد محمود الباوي، عمالقة الأدب العربى المعاصرة شركة دارالأرقم بن أبي الأرقم بيروت لبنان دط ت، ص54.
- شوقى ضيف، الأدب العربى المعاصر فى مصر، ط7، دارالمعارف بمصر، 1961م، ص300.
- د- بيار خباز، محمود تيمور وعالم الرواية فى مصر، ط1، دارالشرق بيروت، 1994م، ص108.
- د-محمد مهدى علام، المجمعينون فى خمسين عاماً، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1986، د ط، ص333.
- نفس المرجع والصفحة.
- نفس المرجع والصفحة.
- فتحى الأبيارى، عالم تيمور القصصى، ص69.
- إبراهيم مصطفى، أحمد حسن الزيات، المعجم الوسيط، ط 5، مؤسسة الصادق،1226ه، 2/767.
- بطرس بن بولس بن عبد الله البستاني (1819-1883م) صاحب "دائرة المعارف العربية" عالم ، واسع الاطلاع. ولد ونشأ في الدّبِّيّة، من قرى لبنان، وتعلم بها وببيروت آداب العربية توفي في بيروت. (انظر: الرزكلي، الأعلام، ط8، دارالعلم للملايين، بيروت، 2005م، 2/88)
- بطرس البستاني، محيط المحيط، 1829م، د ط، 2/1775.
- شوقي ضيف، الأدب العربي المعاصر، ص/205.
- أحمد الشائب، الأسلوب، ط 8، مكتبة النهضة المصريه القاهرة، 1988م، ص/94.
- د. داود سلام، النقد الأدبي، بغداد، 1967م، 2/33.
- حمزه محمد بوقرى، القصة القصيرة فى مصر ومحمود تيمور، ط1، الرياض، 1979، ص118.
- محمود تيمور، في مقال النبيّ الإنسان، المطبعة النموزجية 6، دط ت، ص/9.
- د. بياز خباز، محمود تيمور وعالم الرواية في مصر، ص/375.
- محمود تيمور، النبيّ الإنسان، ص/11.
- نفس المصدر والصفحة
- حمزة محمد بوقري، القصة القصيرة في مصرو محمود تيمور، ص/118.
- محمود تيمور، النبيّ الإنسان، ص/11-12.
- نفس المصدر، ص/10.
- محمود تيمور، النبيّ الإنسان ، ص/12
- نفس المصدر، والصفحه
- نفس المصدر، والصفحه
- عبد العزيز بن عبد الله بن باز، بيان معنى لا إله إلا الله، مجلة البحوث الإسلامية، ع:25، 1409ه،ص/110.
- سورة البقرة، آية:165.
- الإمام أحمد بن حنبل، المسند، دار صادر ، بيروت ، (د ط ت ) ، 3/174.
- سعيد حوي، الله جل جلاله، ط:3، 1972م، ص/9.
- أحمد عز الدين عبد الله، من قادة الفكر الصوفي السيد إبراهيم الدسوقي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1969م،ص/123.
- محمود تيمور، دستور المؤمن المواطن الصالح في ثلاث مواد، النبيّ الإنسان، ص/55-56.
- محمود تيمور، في مقال "قل يا رب!.... ابتهال"، النبيّ الإنسان، ص/7-8.
- محمود تيمور، في مقال "قل يا رب!.... ابتهال"، النبيّ الإنسان ، ص/9.
- محمود تيمور، في مقال" دستور المؤمن، النبيّ الإنسان، ص/55.
- نفس المصدر، ص/55-54.
- محمود تيمور، في مقال: كيف هزمت عدوي الأول، النبيّ الإنسان، ص/106.
- سورة الأحزاب، الأية:56.
- مشكاة المصابيح ، ص:935 بحوالة أبي هاجر محمد سعيد بن بسيوني زغلول، موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف، ط:1، دار الكتب العلمية ، بيروت، 1989م، 8/365.
- عبد الرحمن بن عبد الكريم، أصول المنهج الإسلامي، ط:1، 1983، ص/200.
- محمود تيمور، في مقال النبيّ الإنسان، ص/12-13.
- سورة القلم ، الآية:4.
- الإمام أحمد بن حنبل، المسند، 6/91، وعلي المتقي الهندي، كنز العمّال، رقم الحديث: 18378، مؤسسة الرسالة، بيروت ، 1979م، 7/137.
- محمود تيمور، النبيّ الإنسان، ص/13.
- نفس المصدر، ص/14.
- نفس المصدر، ص/15.
- أبو الحسن على الحسني الندوي، الرسول الأعظم بين السنة والشيعة الأمامية، 1985م، د ط، ص/19.
- سورة إبراهيم، آية:1.
- سورة آل عمران، آية:138.
- عبد الرحمن بن عبد الكريم العبيد، أصول المنهج الإسلامي، ص/194.
- د. حبيب يوسف مغينة، الأدب العربي من ظهور الإسلام إلى نهاية العصر الراشدين، دار الهلال، بيروت، 2002م، ص/51.
- الإمام أبو زهرة، المعجزة الكبرى القرآن، دار الفكر العربي، 1970م، د ط، ص/12.
- محمود تيمور، في مقال: القرآن ملحمة الفن الرفيع، النبيّ الإنسان، ص/18.
- نفس المصدر، ص/28-29.
- محمود تيمور، في مقال: شفاء الروح، ط1، مطبعة دارالكتاب العربى القاهرة، 1951م، ص/25.
- نفس المصدر والصفخة.
- محمود تيمور، في مقال: شفاء الروح، ص/25.
- نفس المصدر، ص/25-26.
- محمود تيمور، في مقال"القرآن ملحمة الفن الرفيع"،النبيّ الإنسان، ص/29.
فهرست المصادر والمراجع:
- ابراهيم مصطفى، أحمد حسن الزيات، المعجم الوسيط، ط5، مؤسسة الصادق، 1226ﻫ.
- أبوالحسن على الحسينى الندوى، الرسول الأعظم بين السنة والشيعة الإمامية، 1985، دط.
- الإمام أبوزهرة، المعجزة الكبرى القرآن، دارالفكر العربى، 1970، دط.
- ابو هاجر محمد بسيونى زغلول، مؤسوعة أطراف الحديث النبيوي الشريف، ط1، دارالكتب العلمية بيروت، 1989م.
- الإمام أحمد بن حنبل، المسند، دارصادر بيروت، دط ت.
- أحمد الشائب، الأسلوب، ط8، مكتبة النهضة المصرية القاهرة، 1988م.
- أحمد عز الدين عبدالله، من قادة الفكر الصوفي السيد إبراهيم الدسوقي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1969م.
- بطرس بن بولس، محيط المحيط، 1829، دط.
- بيار خباز، محمود تيمور وعالم الرواية في مصر، ط1، دارالشرق بيروت، 1994 بالفجالة مصر، 1911م.
- حبيب يوسف معينة، الأدب العربي من ظهور الإسلام إلى نهاية العصر الراشدين، دارالهلال بيروت، 2002م.
- حمزه محمد بوقرى، القصة القصيرة فى مصر ومحمود تيمور، ط1، الرياض، 1979.
- خير الدين الزركلى، الأعلام، ط8، دارالعلم للملايين، بيروت، 2005م.
- داؤد سلام، النقد الأدبي، بغداد، 1967م.
- سعيد حوى، الله جل جلاله، ط3، 1972م.
- شوقى ضيف، الأدب العربى المعاصر في مصر، ط7، دارالمعارف بمصر، 1961.
- عبدالرحمن بن عبدالكريم، أصول المنهج الإسلامى، ط1، 1984م.
- عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، بيان معنى لا إله إلا الله، مجلة البحوث الإسلامية، ع:25، 1409ﻫ.
- على المتقى الهندى، كنز العمال، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1979م.
- فتحى الأبيارى، عالم تيمور القصصي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1994م، دط.
- محمد محمود الباوى، عمالقة الأدب العربى، شركة الدار الأرقم بن أبي الأرقم بيروت لبنان، دت.
- محمد مهدى علام، المجمعيون في خمسين عاماً، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1986، دط.
- محمود تيمور، النبي الإنسان ومقالات آخر، المطبعة النموذجية 6، دط ت.
- محمود تيمور، شفاء الروح، ط1، مطبعة دارالكتاب العربى القاهرة، 1951م.
References
Article Title | Authors | Vol Info | Year |
Article Title | Authors | Vol Info | Year |