36
2
2018
1682060034497_931
80-100
http://www.al-idah.pk/index.php/al-idah/article/download/17/8
تشكل العتبات النصية مفاتيح إجرائية فاعلة للولوج في فضاء النص والتأثير في متلقيه، يهدف هذا البحث إلى دراسة عتبات النص الروائي في رواية غاردينا للوقوف على طبيعية اشتغالاتها، واستثمار الروائي لها في التعبير عن رؤيته وتجاربه، والكشف عن دورها في جذب اهتمام المتلقي للدخول في فضاء الرواية، فتثور عنده رغبة تدفعه إلى قراءتها وتفهم مقولاتها وتأويلها، ويسعى البحث في دراستها الاعتماد على المنهج السيميولوجي لتجلية اشتغالاتها، وقد خلص البحث إلى أن الرواية زاخرة بهذه العتبات بأبعادها الدلالية والإيديولوجية والجمالية، وارتكزت في عتبة: عنوان الرواية الخارجي، والعناوين الداخلية وصورة الغلاف ولونها، والتصديرات، والهامش، والإهداء، والإضاءة، والتقديم، وقائمة الأحداث، والخاتمة، فقد أضاءت النص وحققت غواية المتلقي للغوص في متن الرواية، كما حققت مقصدية الروائي الفنية والدلالية في تخيره لها.
يسعى هذا البحث من خلال رواية "غاردينا"([1])إلى فك شيفرة عتبات النص المحيطة والفوقية، بحسب تقسيمات (جيرار جينيت) لها، والوقوف على دلالاتها والعلاقة الجامعة بينها، وعلاقتها مع المتن، لأنه لا يوجد في النص الأدبي مادة لا لزوم لها، فكل مادة مقصودة لذاتها، وهما مساران للدراسة يقتضيان الإجابة عن سؤالين:
الأول: هل العتبات مدخل نصي للمتن مستقل؟
الثاني: هل من علاقة بين العتبات ومستويات التوقع لقراءة النص؟
اتخذ البحث رواية "غارينا" للدراسة نظراً لخصوصية بناء عتباتها المرتبة بتشكيلات حِرفية دقيقة تجعلها صالحة للإجابة عن أسئلة البحث، الذي سيعرض إلى مفهوم العتبات ووظائفها، والنص المحيط والهوامش والتنويه والخاتمة، ودراسة العنوان الخارجي والفرعي والعناوين الداخلية لفصول الرواية ومعمارية هندسة غلاف الرواية من: صورة الغلاف وعلاقتها بالمتن وألوان صفحة الغلاف، وترتيب العناوين، واسم الروائي.
ولتجلية جماليات الرواية ومقولاتها فقد توسل البحث بالمنهج السيميائي، حيث إنه الأمثل لتحليل ودراسة العتبات، فقد افتتح الفضاءات التي مكنت البحث من تتبع الدلالة وسيرورتها، وتناميها في النص مما أثرى القراءة التأويلية لاشتغال العتبات.
تُعِدُّ الدراسات الأدبية العتبات مداخل مؤطرة لاشتغالات النص وتداوله، بما تحويه من عناوين رئيسة وفرعية، وتصديرات وإهداءات وابستمولوجية الغلاف، بوابات يمكن الدخول عبرها إلى عالم النص، بما لها من تأثيرات انطباعية مباشرة، إذ تضع النص في بدايات دائرة ثقافية وفكرية فتوجهه وتؤثر فيه، وتمنحه تصورا إدراكيا سابقا لعملية استقراء النص، وهذا ما قصده (جيرار جينيت) في تسميتها بالعتبات، لقراءة النص وعلاقاته بالنص الموازي([2]).
لقد قسم (جينيت) العتبات قسمين: الأول: النص المحيط، وهو كل ما يتعلق بالمظهر الخارجي للكتاب، وهو نوعان: النص المحيط التأليفي ويندرج تحته اسم الكاتب، والعنوان الرئيس والفرعي، والعناوين الداخلية والاستهلال، والمقدمة والإهداء والتصدير والملاحظات والحواشي والهوامش، والنص المحيط النثري وكلمة الناشر، والقسم الثاني: النص الفوقي وهو نص غالبا لا "يوجد ماديا ملحقا بالنص ضمن الكتاب، ولكن ينتشر في فضاء فيزيائي واجتماعي غير محدد بالقوة"([3]) .
يتضح من ذلك أن العنوان من العناصر المهمة في دراسة النصوص الموازية التي تحيط بالنص: " فالنص المحيط يتضمن فضاء النص من عنوان ومقدمة وعناوين فرعية داخلية للفصول، بالإضافة إلى الملاحظات التي يمكن للكاتب أن يشير إليها، وكل ما يتعلق بالمظهر الخارجي للكتاب، كالصورة المصاحبة للغلاف، أو كلمة الناشر على ظهر الغلاف أو مقطع من المحكي"([4]). أما النص الفوقي، فهو كل ما جاء خارج المتن من مطالعات الآخرين والشهادات والآراء التي تصب في قراءة النص([5]).
والأديب إذ يضع نصه محاطا بالنصوص الموازية، فإنه يقدم رؤيته حول النص مشيرا إلى أهميته، مكثفا ومفسراً ومنبئاً المتلقي برؤيته محاولا وضعه في هيمنته وسلطته، حيث لعبة الأديب، وبإمكان المتلقي أن يمتلك الخيوط الأولية والأساسية للنص([6]).
إن اهتمام الأديب بنصوصه يفرض على المتلقي اهتماما موازيا أيضا، حتى تأتلف أطراف المعادلة معا، حول هذه العلامات، إذ ينطوي النص على كثافة إشارية لافتة للمعاني المثارة لها، تستفز المتلقي والدارس للتأويل والوقوف على عتبات النص والكشف الدلالي عنها، وبيان علاقتها بالنسيج الروائي.
إن أول ما يقع عليه نظر المتلقي على عنوان الكتاب، لأنه يكثف النص ويشير إليه،" فالعناوين عبارة عن علامات (سيميوطيقية)، تقوم بوظيفة الاحتواء لمدلول النص، كما تؤدي وظيفة تناصية، إذا كان العنوان يحيل عن نص خارجي يتناسل معه ويتلامح شكلا و فكراً "([7])، وللعنوان وظائف متنوعة أهمها الدلالية، فقد تأتي دلالة العنوان رمزية أو إيحائية نحتاج معها إلى حسن تلطف في التأويل، وقد تكون إحالية أو مرجعية، أو غير ذلك([8]).
ويخلق العنوان عند المتلقي أفق توقع وانتظار، وهو حين يمضي في قراءة النص يبحث عن العلاقة التي تربط النص بعنوانه، في هذه الحالة قد يوافق النص أفق توقعه، وقد يخالفه ويكسره فيخلق لديه توترا ويكشف له عن دلالة لم يكن يتوقعها، فالعنوان عتبة النص الأولى، وعنصر مهم في تشكيل الدلالة، وتفكيك الدوال الرمزية لإيضاح العنوان قصد إيضاح المتن، ولكن ثمة عناوين لا تتضح بسهولة وتظل محتجبة وتتكشف بعد قراءة النص، وهذا يعني القدرة على التمييز القرائي والتأويل من النص إلى النص الموازي، فهو دعوة إلى التأمل فيما يمكن أن تثيره النصوص الموازية لكيفية الانحرافات الدلالية الموجهة إلى المتلقي والدارس، وبحسب رأي (يمنى العيد)، فإن " التأويل هو إدخال العمل الأدبي في علاقة مع القراءة"([9]).
من هنا تأتي أهمية العناوين، لأن النص يتولد من العنوان الذي يفرض وجوده، فيغدو وكأنه بنية رحمية تقوم بتوليد النص، فتبدأ خيوطه بالتجمع والانضمام معا، مشكلة نسيجا للعنوان، وبحسب قول (جميل حمداوي): " يستطيع العنوان أن يقوم بتفكيك النص من أجل تركيبه عبر استكناه بنياته الدلالية والرمزية، وأن يضيء لنا في بداية الأمر ما أشكل من النص وغمض"([10])، ويضيف بأن العنوان مفتاح تقني يجس به السيميولوجي نبض النص، ويستكشف تضاريسه التركيبة على المستويين الدلالي والرمزي([11])، لذلك فإن أول عتبة يستنطقها الدارس هو العنوان لأهميته، فيستقرؤه بصريا ولسانيا أفقيا وعموديا.
جاء التفات البحث إلى النصوص الموازية في الرواية، وبيان علاقتها بالنسيج الروائي كاملا، وأولها العنوان الرئيسي " غاردينا"، ولحظ البحث اهتمام الروائي بالتصديرات والعناوين الفرعية لكل قسم.
أولا: عتبة العنوان:
يشكل العنوان مفهوما تركيبيا على صعيد المصطلح الإبستمولوجي المعرفي، كما يعتبر رمزا غنيا بالدلالة، لما يمكن أن يتحقق فيه، على صعيد الإيديولوجيا، ورؤية المبدع لعالمه، فالعنوان كما حدده (رولان بارت) هو: " أنظمة دلالية سيميولوجية تحمل في طياتها قيما أخلاقية واجتماعية وإيديولوجية"([12]).
وسيعمل البحث على استنطاق العنوان الرئيس، منطلقا من أن سيمياء العنوان تنبع من اعتباره أشد تكثيف لغوي ممكن، فارضا على النص أعلى فعالية دلالية ليشكل أول اتصال نوعي بين المرسل والمرسل إليه، وعلى المرسل إليه أن يستنطق العنوان ببعديه:
الأول: فهم العنوان بنية مستقلة لها اشتغالاتها الدلالية.
الثاني: تخطي الانتاجية الدلالية فيه، فهذه البنية بمسارها متجهة إلى النص، ومتعالقة مع دلالته محفزة الرؤية الخاصة بها([13]) .
وهذان البعدان اللذان ستتم بهما دراسة العنوان، إنها إمبراطوية العلامات التي يفرضها الأديب على نصه، وعلى القارئ أن يلج إلى عالم النص مركزا على الرمز والإيحاء ليؤديا وظيفة التواصل الإيديولوجي وعصرنة الإحتكاك والمثقافة"([14]).
بدءاً من العنوان الرئيسي للرواية تشكلت لحظة تأسسية أولية تم العبور منها إلى النص الروائي والنصوص الموازية، وهي الإشكالية التي تضع الباحث أمام تحليل العنوان الذي هو (المفتاح التأويلي) برأي (أمبرتو إيكو)([15])، والعناوين تتراوح بين سياقات النص وضمير القارئ فإنها تُكون دلالات سيميائية تلح على الدارس فتدفعه للعبور إلى عوالمها، مثورة الوعي عنده ليفهم إيحاءاتها، فتتم المواجهة مع المرسل إليه في اختزال مفهوم (غاردينا) عبر العنوان عندما يكون علاقة إشارية دلالية في وجوده الفيزيقي المادي، فهو أول تماس شعوري بكثافة الدلالة متبنيا فعل الانزياح لمعنى المفردة التي كانت مدخلا إلى فضائية النص لإزاحة الستار عند دلالته فهو يحقق هوية النص، ذلك أن الهوية تُعطى له من هويات متعددة لنصوص متباينة ومتفاوتة من مشاركتها إياه قاسم الأدبية ([16]).
معمارية الغلاف عتبة العنوان الخارجي: ==
إن مَنْ يدرس هذه الرواية مستأنسا بالمنهج السيميائي، سيلحظ بأنها تبنت منهجا إقناعيا، شكل العنوان محورها الأول، والتشكيل الكتابي (البصري) محورها الثاني، ففيما يتعلق بالعنوان نجدنا أمام (شيفرة أدبية)، توسل بها الروائي لصنع مفارقة دلالية، أساسها التعالق بين مضمون العنوان وبين القضية الفنية لبنية الرواية، وفي ذلك جزء تعتمد عليه خطة النص الروائي.
وفي الدراسات الأدبية تُعد إحالة العنوان ذات بعد تداولي، وفي عنوان الرواية هذه تسمية مباشرة (غاردينا)، فإذا كان النص يصنع عالما موازيا لواقعه، فإن العنوان يميل أيضاً إلى لغة موازية للغة النص الذي يتربع على غلافه. فالرواية تتطلب عنوانا إشكاليا وإيحائيا يختزل جُلَّ قضاياها المطروحة فيها، فقد يكون العنوان نصا، أو قد يكون "كلمة ومركبا وصفيا ومركبا إضافيا، كما يكون جملة فعلية أو إسمية، وأيضاً قد يكون أكثر من جملة، وتتكافأ كل صور التنوع التركيبي من الكلمة المفردة إلى المتتالية من الجمل، وهذا التكافؤ يعني أن إفادة العنوان تتكئ إلى وظيفته الإحالية إلى ما يعنونه، بينما إفادة التنفيذات اللغوية كافة تتكئ إلى اكتمالها التركيبي، ثمة إذن مسافة اختلاف بين لغة العنوان واللغة وحتى الوظيفة الإحالية، وهي وظيفة تستند في فلسفتها إلى اللغة، وتؤكد على هذه المسافة "([17])
لقد عنون الروائي النص بالاسم المباشر (غاردينا)* لكنه لم يحدد ماهية اللفظة بلفظة أخرى تسندها، وبقي السؤال محيرا ما(غاردينا) وماذا تعني؟، لقد أراد الروائي إشراك مضمون العنوان الفعلي في النقد، وتقديم الرؤية للنص على مستوى الخطاب والرؤية.
لذلك فإن دراسة العنوان تنصب على قيمته الصوتية والدلالية والتصويرية، ومن ثم على علاقته بالقارئ وعلاقته بنص الرواية، يتكون عنوان رواية (غاردينا) من لفظة واحدة، وقد أحسن الروائي في اختيار اسم وهمي لسرد أحداث مملكة ليست موجودة إلا على أرض الخيال، فالعنوان من أهم العتبات النصية الموازية المحيطة بالنص الرئيس،لأنه يساهم في توضيح دلالته، واستكشاف معانيه الظاهرة والمضمرة تفسيراً وفهما وتأويلا، فتبرز مقروئية النص، ومقصديات الروائي، ويستطيع العنوان أن يعمل على تفكيك النص ليصار إلى تركيبه والاستدلال على بنياته الرمزية والدلالية، فيضئ النص، لذلك فإن الباحث السيميولوجي يستنطق العنوان بصريا ولسانيا، لأن العنوان يسمُ النص ويُعينه ويصفه، ويقدم مشروعيته القرائية.
يأتي العنوان في مقدمة الرواية، ويحتل جزءا من حيز الغلاف، ويكون عادة لافتا للنظر في شكله الأيقوني، ونوعية الخط ولونه وسماكته، وبذلك فهو يؤدي وظائف سيميائية مثل وظيفة : التعيين والتسمية والوصف والإشهار النصي للرواية، ولا نبعد عن الوظيفة الدلالية للنص الروائي، فيلخص أحيانا مغزى النص ليشوق القارئ ويغويه بالاطلاع.
تمركز عنوان (غاردينا) بسماكة خط كبير، وباللون الأحمر، الذي يعد من الألوان النارية، ولون الدماء الحمراء، الثورات والتضحيات ، وبذلك فإن العنوان الرئيس بحسب رؤية (جيرار جينيت) الذي يعده: "نصا موازياً يندرج ضمن النص المحيط، والنص الموازي لديه هو ما يصنع به النص من نفسه كتابا، ويقترح ذاته بهذه الصفة على قرائه، وعموما على الجمهور، أي ما يحيط بالكتاب من سياج أولي وعتبات بصرية ولغوية "([18]) ،ويعتبر (جيرار جينيت) أن العنوان بنية رحمية تتولد منه دلالات النص ومقولاته ومجمل أفكاره وأيديولوجية.
وبالعودة إلى العنوان (غاردينا)، فقد تحقق الانسجام بين النص وسيمياء العنوان منطقيا وجاء دالا على محتوى الرواية، وبحسب تحديد (جون كوهن) لوظيفة العنوان الأساسية: الإسناد والوصل والتعبير المنطقي عن مضمون الرواية، فأسند النص الروائي إلى العنوان المسند إليه، وحقق الخطاب بعموميته، وقد تكرر العنوان مرارا في مقاطع الرواية وإسنادها تحديدا إلى لفظة مملكة غاردينا، وأول ما ورد في إضاءة الروائي التي قدمها بقوله: " من غاردينا مملكة الأحزان"([19]) ليوحي إلى كنه وجوهر النص، لكنه يخصها لاحقا بقوله: "غاردينا.. مملكة الزمان ومركز المكان وموئل الإنسان"([20])، وبذلك فإن الروائي يثير التناقضات ما بين الأحزان واعتبار غاردينا مملكة بزمانها ومكانها وأبديتها، وموطن الإنسانية مُعليا من شأنها آملا لها التغيير مهما انتابها من صروف الزمن والأحداث.
إنها المواجهة مع المرسل إليه ليشوقه إلى عبور النص وسبر أغواره ،(فغاردينا) مفردة واحدة لكنها حملت معاني ومواجهات تكوينية كثيرة، فاختزال العنوان يثير جدلية في نفس المتلقي بكونه علامة إشارية دلالية في وجوده الفيزيقي المادي، لأنه على تماس أولي شعوري بكثافة دلالته، متبنيا فعل الإنزياح المدخل إلى فضاء النص الروائي فقد حقق هوية النص، وخلق العنوان أجواءها التناصية عبر السياقات الداخلية في الرواية، وعمل على تعيين وتسمية الرواية وإشهارها بهذا الاسم. الذي قصد به الروائي المكان وما كان فيه من مملكة غاردينا، وبذلك فإن العنوان (غاردينا) اللفظة المفردة شكل صورة رمزية، تماهى فيها البعد المرجعي مع البعد الإيحائي الرمزي، فنهضت الرواية بعلاقة المرجعية للعنوان الذي كان علامة أولى لبداية النص، ولم يتمنع على الفهم إذ فصلت الرواية رمزيته، وانعكس عنوانها على مضمونها تعميما وتخصيصا، في إشارته إلى زمان ومكان الحدث الروائي.
عتبة العنوان الفرعي:
أما العنوان التجنيسي الذي وضعه الروائي علامة إشارية "رواية سياسية"، فقد أدى رسالته في تحديد جنس العمل والتلميح والإيحاء بنوع النص، ليثير فضول القارئ للاطلاع على النص، " إذا كان العنوان، يعين طبيعة النص، ويحدد نوع القراءة المناسبة للنص، فهو يعلن كذلك مقصدية ونوايا المبدع، ومراميه الأيديولوجية. إن العنوان، إحالة تناصية وتوضيح للمعنى، وتفصيل لما هو غامض، وغير مبين"([21])، وبذلك فإن العنوان على تنوعه هو إغراء وإيحاء ووصف وتعيين يجذب المتلقي، وهو رسالة متبادلة بين المرسل والمرسل إليه، يتبادلان المعرفة لفك شيفرات النص عند القراءة، فيثير في المتلقي جماليات وانفعالات النص الروائي الذي يحققه العنوان في بنيته ودلالته ووظيفته في قراءة السياق الروائي، حيث شكل العنوان دلالة كلية على محتوى نص الرواية بأنها رواية سياسية فشوق المتلقي وجذبه لقراءة مضمونها، ويلحظ البحث أن غلاف غاردينا، فضاء باذخ بدوال تحركت وفق رؤية محددة حاولت الكشف عن المسكوت عنه، وأوحى للمتلقي والناقد استكناه حدوده وتفكيك تمفصلاته الداخلية.
ويتمركز اسم الروائي مبدع النص" عبد الرزاق بني هاني" تحت صورة الغلاف باللون الأسود، وينتهي حدود غلاف الرواية الأمامي بأيقونة الناشر (دار فضاءات ) بسماكة خط صغير في آخر الصفحة.
والمتصفح لما بين دفتي الغلاف، يلحظ حرص الروائي على تثبيت الإهداء والمقدمة والإضاءة، وقائمة توثيقية بالأحداث التاريخية، وقراءات الآخرين، وشهاداتهم على قراءة النص الروائي وهذا ما يعرف بالنص المحيط، "بمعنى أن النص المحيط يتضمن فضاء النص من عنوان ومقدمة وعناوين فرعية داخلية للفصول،... أو كلمة الناشر على ظهر الغلاف أو مقطع من المحكي، أما النص الفوقي فتندرج تحته كل الخطابات الموجودة خارج الكتاب متعلقة به، وتدور في فلكه مثل: الاستجوابات والمراسلات الخاصة والشهادات وكذلك التعليقات والقراءات التي تصب في هذا المجال"([22])
عتبة الغلاف الخارجي:
تعد كلمة الغلاف الخارجي من المصاحبات النصية، فتنير النص، وقد تكون كلمة لناقد أو لناشر، وهي بذلك تلفت نظر المتلقي وتوجه قراءته للنص الروائي، وتشكل في بعض الأحيان خطورة في أنها:
" عادة ما يرتبط وضعها بتقديم الرواية، وتقريب عالمها الحكائي من القارئ المحتمل"([23])
لذلك يستكمل البحث النظرة إلى الغلاف الخارجي الخلفي للرواية، فقد تمركز فيه تسجيل رأي (د. نادية سعد الدين)([24]). في قراءتها لنص الرواية فقالت: "... هذه رواية سياسية بامتياز.. ترصد علاقة الإنسان بالسلطة المتحكمة المستبدة، وتتوقف عند محك القضايا الخلافية القديمة الجديدة من خلال معالجة فنية رصينة وتقنيات وأدوات جمالية أسهمت في إثراء التعبير الإنساني عن الأفكار وتجارب الواقع، وأفسحت المجال أمام مجادلات سياسية على حساب التقليل من السرد ومن رؤية الكاتب السياسية،..." وفي هذا الرأي تبئير لموضوع الرواية وتوجيه مباشر للمتلقي، وتشويق له للبحث عن العلاقة التناصية بين المضمون ونص الغلاف، فالنص يشغل المتلقي ويغريه لمعرفة المزيد عن النص الحكائي.
عتبة سيمياء صورة الغلاف:
شكلت لوحة الغلاف رؤية قرائية بصرية، وكونت سيمائية عالية الدلالة بما أوحته الصورة من فخامة الشخصية الأنثى التي باللوحة ولون ملابسها الحمراء، وهنا يحتمل تأويل المُراد بالشخصية، فهي الملكة منيعة التي أسست ونهضت بمملكة غاردينا، منيعة التي دل اسمها على تمنعها من التبعية للأوروبيين، منيعة بصرامتها وجديتها في إدارة البلاد التي قادت غاردينا إلى الحرية و إلى شاطئ الأمان" فخصصت كل وقتها المتاح لإدارة البلاد، ومحاولة الانتقال بها من فضاء التخلف والفساد إلى مصاف دولة عصرية متقدمة"([25])،وعملت جاهدة على إنهاء ديون غاردينا بموجب الاتفاقيات، وسحبت الامتيازات التي منحتها حكومات غاردينا السابقة إلى شركات التنقيب عن النفط والمعادن فأعلت من شأن مملكتها حتى أصبحت من الممالك التي ينظر إليها جيرانها باحتراس.([26]) تلك هي صورة الغلاف بألوانها وسيميائيتها، تعالقت مع النص متماهية مع مقولات المتن، لتثير المتلقي لمعرفة مَنْ هي شخصية اللوحة.
عتبة التشكيل اللوني للغلاف:
أما اللون الغالب على غلاف الرواية الأمامي والخلفي، فهو اللون الأبيض الذي جاء متناسقا مع لون لوحة الغلاف، فالأبيض يشارك لون الصورة الأحمر الملوكي، ومن دلالات اللون الأبيض ما يوحيه من الصفاء والنقاء والطهارة وعدم الخضوع، وهذه العلامات اللونية تبدو بصفات سامية وخاصة بما تمتعت به الملكة منيعة التي اتسمت بصفاء النوايا والخيرية والروح الإيجابية ذات الأمل اللامتناهي في كبح جماح الفساد، وتطهير غاردينا من التبعية للأوروبيين.
عتبة الإهداء:
إن هذه العتبة أخذت مكانا أثيرا عند الروائي (أو الكاتب) عموما، وهو الإهداء الحميمي الذي غالبا ما يستهدف جماعة أثيرة لديه أو حيزا مكانيا أو حالة معينة، فالإهداء الذي قدمه( بني هاني) هو إهداء خاص جاء فيه: "... إلى العزيزة المرابطة، ومساهمتي إلى الجيل القادم: الدكتورة فاطمة وعبد الرحمن والدكتورة نور ومحمد، وإلى ما قد يأتي سلمى وكريم..."([27]) وهنا إثبات العرفان بالفضل والجميل لكل مَنْ هم حول الروائي منتظرا الآتي منهم ومن يحمل لواء مملكته وأسرته، لقد تمظهر الإهداء في حيز الرواية ليمثل صيغة للعرفان والود التي تملكت الروائي.
عتبة الإضاءة:
الإضاءة كلمة يكتبها الروائي، لينبه القارئ إلى ناحية ما، تتعلق بشيء من داخل النص الروائي، وهي محاولة لتوجيه القارئ قبل قراءة النص إلى حيث يريد الروائي دفع المتلقي، سعيا للتحكم بعملية القراءة وإبعاد قارئه عن تأويل النص بعيدا عما يريده .
لقد أثبت الروائي كلماته في الإضاءة اللطيفة بقوله: " من غاردينا مملكة الأحزان إلى المعذبين في الأرض أينما كانوا لا تحزنوا... ولا تقنطوا غاردينا مملكة الزمان ومركز المكان وموئل الإنسان"([28]) لكن الجملة الأخيرة هي من أقوال الجد داهي دائما([29])، فماذا قصد الروائي بمضمون هذه الإضاءة؟ هل يريد تأكيد حقيقة كيان غاردينا على أرض الواقع، أم يريد مشروع أيديولوجي يبثه ليقنع القارئ بأن الأحداث حقيقة لا خيال؟ فالإضاءة في مضمونها رسالة من مملكة غاردينا إلى المعذبين في الأرض، وتحمل دعوة إلى المعذبين في أرض الفساد، محملة بمقولات قصدها الروائي للأمل القادم، فمهما حل بغاردينا سيبقى الأمل فيها، والروائي هنا يتغيا إثبات حقيقة تفاؤلية لا تشاؤمية، وتأكيد واقعية الأحداث الروائية لا خياليتها، منبها القارئ إلى واقعيتها في تعرية أحداث الزمان في فضاء المكان التخيلي للنص الروائي.
عتبة التقديم:
قدمت ( السيدة عزيزة بني هاني) قراءتها للرواية ولخصتها برؤية متفهمة لطبيعة أهل صحراء غاردينا وصراعهم وولاءاتهم للأجنبي، الذي تسلل إلى هذه المجتمعات، وقضى على وجودها الأصلي ثم امتصها بأطماعه، وأضاءت النص بتقديمها وخوفها على أهل الصحراء الذين وقفوا أمام المستعمر بعبارة مؤلمة" وربما إلى الآن". التي فتحت النص على مزيد من الآلام لشحذ فهم القارئ وتوجيه نظرته إلى التطلع لرؤية الواقع، وربما أثارت فيه نقطة جدلية حول تأكيد هذه الأحداث في مكان وزمان ما إلى الآن.
عتبة الفهرسة:
تعد الفهارس من هوامش النص، وعتباته المحيطة به من داخل النص وغالبا ما يُعدها الروائي في آخر نصه بعد خاتمة العمل، وقد ترد في بعض الأحيان في بداية العمل([30]).
ويضم الفهرس محتويات الكتاب وعناوينه الداخلية والفرعية وتسميات الفصول، وبالتالي فهي عبارة عن عملية تضيء النص الروائي وتوضحه وتنظمه لتسهل عملية القراءة والتصفح المنهجي. وإذا كانت رواية غاردينا قد ضمت في آخر صفحاتها هذا الفهرس، مفصلا بعنوان الفصل وامتدادا لصفحاته في المتن الروائي بشكل علمي أكاديمي ودلالي على موضوعات العناوين بدءاً من الإهداء والإضاءة والمقدمة حتى آخر الفصول([31]).
عتبة الهوامش:
وهذه العتبة من العتبات التوضيحية في النص، وقد أحسن الروائي في الإضاءة على جميع التواريخ التي استعارها في النص، وعرّف بأسماء الأعلام والأماكن والأحداث التاريخية، فكانت هذه الهوامش وسيلة يهتدي بها القارئ ليتابع استنطاق النص، والتماس الواقع في المنطوق التخييلي.
عتبة قائمة الأحداث:
اجتهد الروائي في هذه العتبة لعمل مسرد بالأحداث التاريخية، التي وقعت في التاريخ الافتراضي في زمن أحداث النص الذي اختطه لغاردينا، فسجل في هذه الببليوغرافيا جميع الأحداث وكأنها الكشاف لمجريات واقع الأحداث العظام التي حدثت في زمن غاردينا، فكان لها الأثر في تنوير السرد الروائي وأحداثه.([32])
عتبة التصديرات والعناويين الداخلية:
التصدير، هو تركيب لغوي يقوم على الاقتباس أو الاستشهاد بنص من ثقافة معينه، أو مصاغ صياغة تتكئ على معطى من معطيات تلك الثقافة. والتصدير بتعريف (جيرار جينيت) هو: " اقتباس يتموضع عامة على رأس الكتاب، أو في جزء منه"([33]) ويكون غالبا حكمة، أو شعرا أو قولا مأثورا من الحضارات الأخرى أو من الأقوال الدينية والكتب السماوية أو من أقوال العظماء، يتوسل الكاتب بها لمقولاتها وتعالقها بالنص الروائي.
ويفسر التصدير النص، فهو ذو قيمة تداولية، والتصديرات عتبة استباقية دلالية لهوية النص الذي تتصدره فهي ابتدائية دعوية للنص، ويكون التصدير ذاتيا، يلجأ فيه الأديب إلى تصديرات من أدبه، أو تصديرات لغيره يتلمس فيها ما يخدم نصه، وتعين القارئ على تكثيف مقولات النص، وينهض التصدير بوظائف عدة، حددها ( جينيت) وهي:([34])
- التعليق على العنوان وتفسيره إذا كان كنائيا قائما على التعبير المجازي أو التلميح.
- التعليق على النص، حيث يقوم النص بتدقيق دلالاته وتوضيحها، فلا يتضح إلا بعد القراءة الكاملة له.
- الكفالة النصية، لأن أهمية التصديرات تعود إلى أهمية مؤلفها وترتبط باسمه، فتوفر للمؤلف شهرة لنصه.
- وظيفة الحضور والغياب، لأن وقع حضور التصدير أو غيابه يدل على جنسه أو عصره أو مذهبه الكتابي.
وفي رواية ( غاردينا) نجد هندسة تصديرية واعية لمضامين النص/ والفصل، إذ تطالعنا تصديرات ذاتية للروائي، استشهد بها من نص الرواية ليدل على أهمية الأقوال، وتشير إلى مقولات النص وتنبه إليه وإلى ما يريده الروائي من تعيين مقصديته داخل النص.
ويلحظ البحث اعتماد الروائي في كل فصل على التصديرات المناسبة، حتى غدت هذه التصديرات تشكل عتبة الجزء الحكائي فتنير للمتلقي طريق قراءته للنص.
لقد جاءت الرواية بأحد عشر فصلا، وبعناوين دالة مستوحاة ومختزلة للنص، فجاء:
الفصل الأول بعنوان( الغرابة)([35]) وهنا يعرض الروائي التعريف بالغرابة وبفضائها المكاني وبأهلها والتقديم للشخصيات الفاعلة في الغرابة. وفي هذا العنوان مهمة عظيمة تعريفية يتعرف المتلقي على تكوين مجتمع الغرابة وصراعاته الصحراوية.
وبنظرة إلى التصدير الذي استبق النص من قول(أريب) شيخ الغرابة ومؤسسها بقوله:" ...نحن أهل الصحراء لا بواكي لنا إلا آلامنا ومعاناتنا... ولا ينبغي أن نركن إلا إلى إرادتنا وإيماننا بالنهوض والتقدم إلى الأمام"([36]) فهذه رؤية الشيخ أريب الذي عده الروائي، حكيم وعظيم الغرابة، فقد وضع أريب حكمته في هذا القول، ولخص فكرة النص وموعظته لقومه ورؤيته المستقبلية في عدم التسليم الكلي للأوروبيين، وأسدى نصيحته لهم بوعي ونظرة إلى المستقبل، لأن نهوض الأمة بمجتمعها لا يكون إلا عبر الإرادة والإيمان واعتزازها بنفسها، لا بالاعتماد على الأجنبي، وبهذا التصدير فقد أوجز أريب مشروعه الوطني.
الفصل الثاني" مملكة غاردينا"([37]) ،التي أسسها الملك داهي بعد وفاة والده أريب وأعلنها في يوم 23 أبريل من عام 1822 وعاصمتها البصيرة، وفي هذا الفصل يعلن الروائي كاشفا السر عن تسمية المملكة بـ(غاردينا)، فقد اختاره الأوربيون اسما للمملكة الجديدة لأسباب سياسية محصنة، فغاردينا: هو اسم الحوض الذي تقع فيه الواحات العظمى وكان مسرحا لخلافات قاتلة بين قبائل الغرابة الغربية والممالك القريبة من جهة قبائل السونيين المهاجرة من الجنوب الأفريقي من جهة أخرى"([38])
لقد كانت رؤية الملك داهي تختلف تماما عن رؤية والده تجاه الوطن، وإدارة العلاقات مع الأوروبيين الذين تحالف معهم، وقد جاء تصدير هذا الفصل بمقتطف حواري كان قد دار بين ريحان والملك داهي، أراد الروائي به عرض أفكار ومبادئ داهي في هذا التصدير الذي اقتطعه من النص وصدر به الفصل، في حين كان داهي يعتقد بالنظر إلى الأمام وينتهز الفرص مهما كانت الظروف المحيطة.
في الفصل الثالث، تربع على عنوانه" الملك بحر"([39]) الذي حكم البلاد بعد وفاة جده داهي، فقد أعلن نفسه ملكا وأعلن سياسته في أول خطبة له، ولم يكن عمره يزيد على تسع سنوات، لكن حنكته السياسية وإدراكه للواقع يفوق عمره الزمني، وكناقد قرأ وتفهم كتاب جده داهي ( كتاب الصحراء والغابة)، ترسخت في ذهنه معظم الأفكار التي هضمها في خلوته مع جده. وبذلك فقد صدّر الروائي الفصل بقول من أقوال الجد داهي فقال:" ...كن كالنار الملتهبة التي يحتاجها كل الناس وكأنهم في ليل شديد البرد في وسط صحراء قاسية... إذا اقترب منها المرء اكتوى... وإذا ابتعد عنها ذوى"([40]) وهذا ما تمثله ( بحر) في تصرفاته، فقد تمكن من جعل الأهالي في أشد الحاجة له، ويرى في مقولة جده أساساً يرضيه لتأليف ولاءات الأهالي حوله.
الفصل الرابع" ثورة غاردينا"([41]) وفي التصدير إثارة لذهن المتلقي بما جاء في التصدير الذي يشير إلى صرح ( غاردينا) وحرص بحر على حمايته فجاء فيه "... أنت في الدنيا نبراس للوفاء ومنار في صحراء من ظلام..."([42]) فقد كان بحر يرى في غاردينا عاصمته الأثيرة، لكن أحداث الثورة أذهلته فوقف مستثيرا همم القادة حاثاً إياهم لاسترداد هيبة غاردينا وثقة الممالك بها([43]).
وفي الفصل الخامس الذي كان بعنوان:" معركة القصر ودمار بصيرة([44])، تعمد الروائي التصدير بدعاء ابتهالي جاء فيه "... يا رافع القبة الزرقاء... لكل بيت بان!... وأنت لكل شيء... بان... عمِّر بصيرة ثانية... وارفع شأنها في الأكوان..."([45])، وهذا إشعار من الروائي بحلول نكسة في غاردينا، فقد بدأت المناوشات مع شباب الحركة الثورية على مشارف القصر، واستمرت الثورة لأشهر طوال، وشهدت البصيرة دمارا شاملا في كل مرافقها، لكن إرادة الملك بحر مكنته من إعادة بناء البصيرة بمساندة رعيته والعمال والبنائين على حد سواء([46]).
يعلن الروائي في الفصل السادس عن " حرب القرم، وموت ترياق القرمية"([47]) ويُستدرجنا العنوان إلى موضوع الحرب العالمية والتحالفات مع الأوروبيين التي استجاب لها الملك بحر طمعا بالعوائد والمكتسبات التي سيغتنمها الحلفاء([48]) وفي التصدير إشارة واضحة لمصير( ترياق القرمية) إذ سجل الروائي كلماتها واعترافها بقولها: "... يا منْ رفع القبة الزرقاء... إرحمني... غدرتُ داهي إذ أطعمت لحمه لثعبان... وها أنت تطعم لحمي، انتقاما للسمك والحيتان.."([49])، وفيه إشارة لمآل وعاقبة ترياق التي استقلت سفينة من ميناء مينروفيا وأبحرت صوب البحر الأسود، وما أن وصلت السفينة المياه القريبة من العنق الأسفل للبحر الأسود حتى أمطرتها بوابل من البارود فأشعلت النيران فيها، فكان مصير (ترياق) الهلاك في باطن البحر وهي تقول قولتها معترفة نادمة مما أقدمت عليه من قتل داهي، وبذلك فقد جاء نص التصدير الذي تخيره الروائي تشويقا ودلالة على نهاية ترياق.([50])
الفصل السابع ، يعلن النص عن عنوانه بـ " غاردينا الجديدة"([51]) وفيه تشويق للمتلقي ليجوس في محيط النص، ويشي عنوان الفصل بالتجديد ، لكنه التجديد بالسياسيات التي جعلت من غاردينا كيانا عجيباً، " يزيد فيه الساخطين على الراضين، والفقراء على الأغنياء والجهلة على المثقفين والفاسدين على الشرفاء"([52])، وازداد الاستياء من سياسة الملك بحر، حتى أنه تمرد على الأب سابا، أما التصدير الذي استهل به الروائي الفصل فكان مسامحته لوالدته ترياق إذ كان على خصام معها ولم يكلمها منذ أن أخبرته بفعلتها ووضع الثعبان في كنانة جده بغية قتله. فجاء في التصدير:
"... يا رافع القبة الزرقاء، يا خالق القبح والجمال... اصفح عن ترياق... وجمل أفعالها القبيحة... في الأرض وفي السماء... قد تابت إليك لشنيع فعلها... وندمت عليه قبل أن تغرقها... فأدخلها في رحمتك..."([53]) ، وقد ورد هذا التصدير للمرة الثانية في النص في ابتهال الملك بحر ودعائه لأمه وتأبينه لها عند إعلان وفاتها.([54])
تمركز الفصل الثامن بعنوان" رحلة مستعمرة رأس الرجاء الصالح"([55]) تلك الرحلة التي قام بها بحر وسارة إلى كيبتاون وجوهانزبيرغ لزيارة صهره ديفيد هاميلتون، ومن مثيرات الرحلة ومفاجآتها تعرفه على مونيكا (منيعة)عمته التي كانت قد فقدت منذ طفولتها، ومن الملاحظ بأن هذا الفصل يخلو من التصدير.
الفصل التاسع يؤرخ لـــ " حرب البوير ومعسكرات الاعتقال" ([56]) ،وقد حشد الروائي في هذا الفصل لبداية أحداث الحرب، حيث بدأت الجيوش الأوروبية باقتحام القارة الأفريقية من شمالها إلى جنوبها، وظهرت التحالفات في هذا الفصل ، وإكراه الملك بحر للتحالف مع بريطانيا، وتقديم الدعم اللوجستي لبريطانيا ضد الأوروبيين، فإذا لم يتعاون بحر معهم ستطالبه بريطانيا بدفع كامل الدين الذي منحوه لغاردينا، وقطع المساعدات عنهم، وفي نهاية المطاف أذعن الملك بحر لكلام (بيلسان)،([57]) كما أذعن لطلبات السفير الفرنسي، في جعل غاردينا مركزا لتدريب المتعاونين والعسكر الفرنسيين والبلجيك([58])، واكتشاف عسكر الملك بحر بأن هذه المعسكرات ما هي إلا معتقلات لتعذيب الجزائريين والكونغوليين، فيستدرك الملك هذه الاتفاقيات بعد صحوة حيث ضاعت منه غاردينا.([59]) وبعد حياة الفساد والخيانة التي عاشها بحر، وعدم تنفيذ الوعود التي وعد شعبه بها لكي يجعل من غاردينا مملكة العدل([60]).
الفصل العاشر، "الملكة منيعة"([61]) كان عنوانه من الأهمية والوضوح والمباشرة، ما يستهل به أحداث نهاية الملك بحر ومقتله وزوجته على يدي أحد الجنود المشوهين العائدين من مدينة الكيب([62]) وبداية لعهد جديد بقيادة الملكة منيعة، وعزمها لخوض معركة البناء والعدالة.
أما الفصل الحادي عشر، المعنون بــ " النهاية"([63])، فقد اتضحت فيه الأحداث الجسام، انتهت فيه حياة منيعة بعد سنوات حكم عامرة بالانجازات، وانتقالها بغاردينا إلى مصاف الممالك التي ينظر إليها باحتراس، ولكن المرض كان لها بالمرصاد فقد أنهى مرض السل حياتها([64]). وكذلك سقط الزامر قتيلا على يدي أحد الجند المدسوسين من قبل ( هاملتون)، وقتل معه كل أمراء المكاسير، وسقطت البصيرة بعد أن شهدت دمارا واسعا.
والنهاية كانت لغاردينا التي دخلها الأمير(هاميلتون) ومعه المرتزقة والباهي شاه وبيلسان، واستلمت غاردينا طغمة الفساد وعادت " إلى ملك لا يثق إلا بالغرباء والمنافقين الذين التفوا حوله" ([65]).
وانتهت الرواية بتأكيد الويلات، والدعاء من قبل قسيس الملكة منيعة أن لا يكون الفساد قدرا مكتوبا على غاردينا.
لحظ البحث أن الروائي استبعد التصديرات بدءا من الفصل الثامن حتى الفصل الحادي عشر، مركزا على أحداث النص، وتاركا فسحة للمتلقي يستشف منها المرتكزات التي لوّح لها بالنص، ليستخلص ما يراه بفطنته وحصافته، أما عناويين الفصول فكانت متناغمة ودالة على مضمون الفصل ومشوقة للقارئ لمعرفة مجريات أحداث النص.
عتبة الخاتمة:
الخاتمة عتبة خروج للنص، وتتميز عن المدخل فبلوغ الرواية خاتمتها لا يعني نهايتها، ليظل القارئ مشغولا بالنص حتى بعد الخروج من عتبة النهاية، فالخاتمة تغلق النص ، ولكنها لا تعني مطلقا إغلاق اشتغالات النص في تفكير المتلقي، وبحسب تعريف (عبد اللطيف زيتوني) لها: " لكل نص مكتوب نهاية (fin) أي نقطة يتوقف عندها الكاتب عن متابعة الرواية، ولكن هذه النهاية ليست حكما الخاتمة التي يمكن تعريفها بأنها وسيلة فنية وبلاغية وفكرية تولد في القارئ الإحساس ببلوغ الغاية"([66]) .
لقد جاءت خاتمة رواية غاردينا لتخرج القارئ من فصل جميل تفاءل به بحكم الملكة منيعة وعودة الهيبة إلى غاردينا، لكن نهاية الرواية وظهور الأمير هاملتون على ساحة الأحداث النهائية، تغيا بها الروائي مفاجأة المتلقي وإدهاشه وكسر توقعه، فالخاتمة جاءت كما أرادها حملت موقفه ورؤاه بموضوع فكرة الرواية وحكمه على واقع حال حكم الفاسدين، فالخاتمة هي حصيلة لتطور الأحداث والصراعات، وبذلك فإن الخاتمة هي" هي نتيجة النص ونهايته"([67])، وتعود على بدء النص تحاوره وتتناغم مع مضمون الرواية وعنوانها الذي يمد المتلقي، بزاد ثمين لتفكيك النص ودراسته وتكشف النهاية بؤرة العمل الفني والهدف منه.
وفي نهاية رواية (غاردينا) أغلق الروائي النص، متوقعا حياة الفساد التي ستعم مملكة غاردينا مع القادمين الجدد الذين سيحكمونها، واختتمتْ الرواية بمخاوف القسيس بأن يكون الفساد مكتوبا عليها،إنها خاتمة الرواية وعتبة الخروج منها، أخرجت المتلقي وحاورته في المتن والعناوين التي أمدت النص برؤى كشفت عن بؤرة النص الروائي وهدفه.
خاتمة البحث:
عنوان الرواية (غاردينا)، عنوان له دلالته، ضارع النص في بنية الانتاجية التوليدية لمعاني الرواية، وتفاعل مع العناصر والمكونات الدلالية، فقد شكل أولى محطات الصراع مع القارئ متحديا لتأويلاته، فكان الواجهة الحجاجية للنص.
- مثـْل العنوان آلية سيميولوجية بحمولاته لوعي الروائي بروافده التناصية، وبدرجات وعي مخاطبيه وتوجيهه الرسالة الروائية لهم، ولم يتفرد الروائي بدلالة العنوان بل تناص معه في متن الرواية التي أدرجت معه الأحداث وتفاعلها الدلالي لمكوناته، واتسع لمقولات النص، لذلك فقد أسس العنوان البداية التي تصل إلى فكر المتلقي حيث تحول من كونه أيقونة لغوية ليصعد إلى مستوى النص.
- مثلث التصديرات التي استهلها الروائي لبداية كل فصل عتبة مهمة دونت تحت كل عنوان فصل، فكانت منتزعة جميعها من النص الروائي لتبئر حدثا أو قولا أو مشهدا عرضت لقضية من رؤية الرواية، فقد حددها الروائي بكلمات تقود لمحتوى النص واشتغالاته مما جعلها مفتاحا وتبئيرا لنص لاحق.
- أدت العتبات في النص: عناوين داخلية وتنويهات وإضاءة وهوامش وفهارس وكلمة الغلاف والتقديم والخاتمة، بتعريف النص الروائي من الداخل وأنارته، كما أثارت في ذهن المتلقي أسئلة دفعت به ليشتجر مع النص، فقد ساهمت في تفكيك النص واستنطاقه والكشف عن مكنوناته الداخلية.
- تغيا الروائي في عتبة الخاتمة" النهاية"، كسر توقع المتلقي، فكانت عتبة الخروج من النص تؤيد وجهة نظره لتأكيد مقولاته في الفساد والتبعية للأوروبيين، فكانت عتبة انغلاق النص وانفتاحه بآن واحد على بداية النص الروائي في بدايات غاردينا.
- على أن عتبة الخاتمة تشي عن قرب لاستكمال منطقي لأحداث الواقع الذي لن يتوقف عند الطغمة الحاكمة الجديدة التي استلمت مملكة غاردينا، وإنما استشعر الباحث قرب متابعة الأحداث الرواية واستكمالها في نص روائي آخر.
- استكملت العناوين الداخلية لفصول الرواية العنوان الرئيس" غاردينا" فهي منبثقة عنه وصبت تعالقها مع المنبع الأول، وأظهرت الصلة الوثيقة لبنية الرواية وانسلالها عن العنوان الرئيس.
- استكمل الروائي العتبات الفوقية بعمل مسرد للأحداث الزمنية الروائية التي حدثت في زمن غاردينا وأثرت على تاريخها، وقد تغيا بذلك أن يفرض حقيقة الأحداث بزمانها ومكانها المشار إليها في قائمة الأحداث.
وهذا ما توصل إليه البحث من دراسة حقائق قارة قدمتها رواية غاردينا.
حوالہ جات
- ↑ ()بني هاني، عبدالرزاق، أكاديمي واقتصادي وباحث وكاتب وروائي أردني، له 30 مؤلفا علميا في الإدارة والإقتصاد والرياضيات، أربعة منها في اللغة الإنجليزية، ومعجم، فضلا عن رواية غاردينا التي صدرت بطبعتين2011و2017، *رواية غاردينا،ط1، دار فضاءات، عمان، 2011.
- ↑ () بلعابد، عبد الحق. عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص)، تقديم: سعيد يقطين، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2008، ص19-22.
- ↑ ()حمداوي، جميل. مناهج النقد العربي الحديث والمعاصر، إصدارات نادي القصيم الأدبي، السعودية، 2009، ص96.
- ↑ ()حمداوي، جميل. السيميوطيقا والعنونة، بحث منشور في مجلة عالم الفكر، الكويت، مجلد25، ع3، يناير/مارس، 1997، ص79-112.
- ↑ ()انظر: لحميداني، حميد ، عتبات النص الأدبي، مجلة علامات، ج46، م 12، شوال، 1423 (ديسمبر2002)، ص23.
- ↑ () انظر: قطوس، بسام. سيمياء العنوان، منشورات وزارة الثقافة الأردنية، عمان، 2001، ص46.
- ↑ ) ) المطوي، محمد الهادي. شعرية عنوان كتاب الساق على الساق في ما هو الفارياق، عالم الفكر، مجلد28،عدد1، 1999، ص458.
- ↑ () ينظر المطوي، شعرية عنوان كتاب الساق على الساق، ص458.
- ↑ ()العيد، يمنى، السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، دار الفارابي، بيروت،1990، ص22.
- ↑ ()حمداوي، جميل. السيميوطيقا والعنونة، ص96.
- ↑ ()انظر: حمداوي، جميل: المرجع نفسه، ص96.
- ↑ ()بارت، رولان: المغامرة السيميولوجية، ترجمة: عبد الرحيم حزل، دار تينمل للطباعة والنشر، مراكش، ط1، 1993، ص25، وانظر شعيب حليفي، النص الموازي للرواية، استراتيجية العنوان، مجلة الكرمل، ع46 ،1992، ص83.
- ↑ ()الجزار، محمد فكري. العنوان وسيميوطيقيا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998، ص8 وانظر: بسام قطوس، سيمياء العنوان، ص36.
- ↑ ()حمداوي، جميل. السيميوطيقيا والعنونة، ص97-99.
- ↑ ()إيكو، أمبرتو. آليات الكتابة السردية، ترجمة وتقديم: سعيد بنكَراد، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، سورية، ط1، 2009، ص20.
- ↑ () انظر: شولز، روبرت. السيمياء والتأويل، ترجمة: سعيد الغامدي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1994، ص71 وما بعدها.
- ↑ () الجزار، فكري، العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، ص39.
- ↑ () جميل حمداوي. السيميوطيقيا والعنونة، ص103. *. غاردينا : اسم مدينة في أمريكا
- ↑ ()الرواية، ص7.
- ↑ ()الرواية، ص7.
- ↑ ()حمداوي، جميل. السيميوطيقيا والعنونة، ص109.
- ↑ ()حمداوي، جميل. السيميوطيقيا والعنونة، ص 102.
- ↑ ()الحجمري، عبدالفتاح. عتبات النص، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، ط1، 1996، ص 22
- ↑ ()باحثة وصحفية في جريدة الغد الأردنية
- ↑ ()الرواية، ص 212
- ↑ ()الرواية، ص 211-218
- ↑ ()الرواية، ص5
- ↑ ((الرواية ص7
- ↑ ((الرواية ص 204
- ↑ ()انظر: حمداوي، جميل، سيميوطيقيا العنونة، ص79
- ↑ ()انظر: الرواية ص 219
- ↑ ()انظر: الرواية، ص 9- 10
- ↑ ()بلعابد، عبد الحق. عتبات، ص107
- ↑ ()انظر: بلعابد، عبد الحق. عتبات، ص111- 112
- ↑ ()الرواية، ص 15-32
- ↑ ()الرواية، ص 15
- ↑ ()الرواية، ص 33-56
- ↑ ()الرواية، ص 37- 38
- ↑ ()الرواية، ص 57 - 70
- ↑ ((الرواية، ص57، وجاء التصدير مكررا في نص الرواية ص64، وتكرر في ص: 68
- ↑ ((الرواية، ص 71 - 78
- ↑ (( الراوية، ص71
- ↑ ((الرواية، ص 76
- ↑ () الرواية، ص 79 - 86
- ↑ ((الرواية، ص 79
- ↑ () الرواية، ص 86
- ↑ () الرواية، ص 87 - 98
- ↑ () الرواية، ص 91-92
- ↑ () الرواية، ص 87
- ↑ ((الرواية، ص 94
- ↑ ()الرواية، ص 99-128
- ↑ ()الرواية، ص119
- ↑ ((الرواية، ص 99
- ↑ ((الرواية، ص101
- ↑ ((الرواية، ص 129- 146
- ↑ ()الرواية، ص 147- 190
- ↑ ()الرواية، ص 159- 160
- ↑ ((الرواية، ص 163
- ↑ ()الرواية، ص 183
- ↑ ()الرواية، ص204
- ↑ ((الرواية، ص 191 - 210
- ↑ ((الرواية، ص 205
- ↑ ()الرواية، ص 211-218
- ↑ ((الرواية، ص 215-217
- ↑ ((الرواية، ص 218
- ↑ ()زيتوني، لطيف، معجم مصطلحات نقد الرواية، مكتبة لبنان، دار النهار للنشر، لبنان، ط1، 2002، ص85
- ↑ ()الحمداوي، جميل. السيميوطيقيا والعنونة، ص 108
قائمة المصادر والمراجع:
- إيكو، أمبرتو. آليات الكتابة السردية، ترجمة وتقديم: سعيد بنكَراد، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، سورية، ط1، 2009
- بارت، رولان: المغامرة السيميولوجية، ترجمة: عبد الرحيم حزل، دار تينمل للطباعة والنشر، مراكش، ط1، 1993
- بلعابد، عبد الحق. عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص)، تقديم: سعيد يقطين، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2008
- بني هاني، عبد الرزاق. رواية غاردينا، دار فضاءات، عمان، 2011
- الجزار، محمد فكري. العنوان وسيميوطيقيا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998
- الحجمري، عبدالفتاح. عتبات النص، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، ط1، 1996
- حليفي، شعيب. النص الموازي للرواية، استراتيجية العنوان، مجلة الكرمل، ع46 ،1992
- حمداوي، جميل. السيميوطيقا والعنونة، بحث منشور في مجلة عالم الفكر، الكويت، مجلد25، ع3، يناير/مارس، 1997
- حمداوي، جميل. مناهج النقد العربي الحديث والمعاصر، إصدارات نادي القصيم الأدبي، السعودية، 2009
- شولز، روبرت. السيمياء والتأويل، ترجمة: سعيد الغامدي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1994
- العيد، يمنى، السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، دار الفارابي، بيروت،1990
- قطوس، بسام. سيمياء العنوان، منشورات وزارة الثقافة الأردنية، عمان، 2001
- لحميداني، حميد ، عتبات النص الأدبي، مجلة علامات، ج46، م 12، شوال، 1423 (ديسمبر2002)
- المطوي، محمد الهادي. شعرية عنوان كتاب الساق على الساق في ما هو الفارياق، عالم الفكر، مجلد28،عدد1، 1999
Article Title | Authors | Vol Info | Year |
Article Title | Authors | Vol Info | Year |