مقدمة
بعث الله عز وجل سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام الخالدة لكي يخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وأما سنته العطرة الخالدة فهي كل ما ورد إلينا من أحداث وأقوال وأفعال تختص بنبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي السبيل إلى فهم شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، من خلال حياته وظروفه التي عاش فيه، وأما الترجمة فكانت ولا تزال تعتبر أهم وسائل نقل أفكار الإسلام السامية إلى مختلف شعوب العالم ، وتم سد حاجة الأمة الإسلامية إلى الغذا الأيدلوجي والثقافي عبر الاهتمام بالترجمة ، و تمت ترجمة عدة كتب السنة النبوية إلى لغات مختلفة بما فيها اللغة الأردية والإنجليزية وغيرها، فلعبت الترجمة دوراً ريادياً في نقل تعاليم السنة النبوية إلى مختلف شعوب العالم وتعزيز الاهتمام بحقل السنة النبوية في العالم كله. فإن للترجمة أهمية بالغة في حياة مختلف الشعوب؛ لاسيما في هذا العصر الحديث الذي اتسع فيه مجال الاتصال بين أفراد المجتمع البشري، وأصبحت الترجمة أبرز الوسائل في نقل العلوم والثقافات من شعب لآخر، ولم تقتصر الترجمة على مجال معين، بل شملت جميع المجالات بما فيهاالسياسة والاقتصاد والدين وتقنية المعلومات والأدب وغيرها.ولأهمية الترجمة في إبلاغ رسالة الإسلام إلى مختلف شعوب العالم استخدمها صلى الله عليه وسلم؛ روى الإمام البخاري في صحيحه معلقًا عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابتأن النبي صلى الله عليه وسلمأمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبتُ للنبي صلى الله عليه وسلمكتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه([1]).
1. المفهوم اللغوي للترجمة
ترد كلمة الترجمة في اللغة بمعنى التفسير، ونقل الكلام من لغة إلى أخرى حيث يقول ابن منظور في لسان العرب: التَّرجُمان والتُرجمان -بفتح التاء وضمها -المفسر لِلِّسان، وفي حديث هرقل: قال لترجمانه. والترجمان بالضم والفتح: هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى أخرى، والترجمان: المفسِّر، وقد تَرْجَمَه، وتَرْجَمَ عنه([2]).ويقول الفيروز آبادي فيالقاموس المحيط: الترجمان: المفسِّر لِلِّسان، وقد تَرْجَمَه، وعنه([3]).ويقول الزبيدي في تاج العروس: ويُقال تَرْجُمان. المفسر للسان وقد ترجمه، وترجم عنه، إذا فسر كلامه بلسان آخر([4]).
2. المفهوم الاصطلاحي للترجمة
اختلف العلماء في تحديد المفهوم الاصطلاحي للترجمة حيث ظهرت مختلف الآراء و وجهات النظر في هذا الشأن فيتحدث الزرقاني عن الترجمة بقولههي التعبير من معنى كلام في لغة بكلام آخر في لغة أخرى مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده([5]) وتوضح د. سعيدة كحيل الترجمة " الترجمة هي نقل الألفاظ والمعاني والأساليب من لغة إلى أخرى مع المحافظة على التكافؤ. ([6]). ويقول جرمي مندي: " الترجمة هي عملية تحويل نص أصلي مكتوب إلى نص مكتوب في لغة أخرى" ([7]) ويتحدث جورج ستاينر عن الترجمة بقوله: " لا تكون الترجمة مجرد نقل كل كلمة بما يقابلها في لغة الهدف ولكن نقل لقواعد اللغة التي توصل المعلومة ونقل للمعلومة ذاتها ونقل لفكر الكاتب وثقافته وأسلوبه أيضاً، لكن اختلفت النظريات في الترجمة على كيف تنقل هذه المعلومات من لغة المصدر إلى لغة الهدف" ([8]) ويعرف بيترنيومارك الترجمة قائلاً: " هي مهارة تتمثل في محاولة إحلال رسالة أو بيان مكتوب بإحدى اللغات برسالة أو بيان مكتوب بلغة أخرى"([9]) ويقول كاتفورد: الترجمة هي عملية إحلال النص المكتوب بإحدى اللغات ويسميها لغة المصدر إلى نص يعادله مكتوب بلغة أخرى ويسميها لغة الهدف"([10]) فقال الدكتور سالم عيس: هي نقل ما يقوله الآخر ويكتبه من لغته إلى لغة المتلقي أو المستمع([11]).
3. المفهوم اللغوي للسنة
قال ابن منظور الأفريقي: السنة هي السيرة حسنة كانت أو قبيحة ([12]) وفي الموسوعة الفقهية الكويتية المراد بالسنة هي المنهج والطريقة والسبيل، ويتساوى في ذلك الطريقة المحمودة والمذمومة ([13])وتم استخدامها في القرآن الكريم بمعنى الطريقة. وقال الإمام الراغب الأصفهاني: سنة النبي طريقته التي كان يتحراها، وسنة الله تعالى قد تقال لطريقة حكمته، وطريقة طاعته مثل قوله تعالى: سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا([14])
4. المفهوم الاصطلاحي للسنة
أما في الاصطلاح: فعرف السنة المحدثون بأنها كل ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتقرير، وصفات خلقية وخلقية، سواء أكان ذلك قبل البعثة أو بعدها ([15]) وأما الفقهاء فعرفوا السنة بأنها ما طلب من المكلف فعله طلباً غير جازم، أي ما كان مطلوباً من المسلمين أن يفعلوه ولكن دون إلزام لهم على فعله، وقيل أيضاً بأنها ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ([16]) وذكر الشاطبي إطلاقات السنة بقوله: يطلق لفظ السنة على ما جاء منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص، مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز، بل إنما نص عليه من جهته عليه الصلاة والسلام كان بياناً للكتاب أو لا، ويطلق أيضاً في مقابلة البدع، ويطلق على ما عمل عليه الصحابة، وجد في الكتاب أو السنة أو لم يوجد.([17]) وأضاف ابن تيمية بقوله إنه يدخل في تعريف السنة ما يتعلق بسيرته وحسن أخلاقه، فقال: بعد أن تحدث عن بعض أفعاله وتقريراته، فهذا كله يدخل في مسمى الحديث وقد يدخل فيها بعض أخباره قبل النبوة، وبعض سيرته قبل ا لنبوة مثل تحنثه بغار حراء ومثل حسن سيرته كقول خديجة له: كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك تصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق.([18])
5. أهمية ترجمة السنة النبوية
بلاريب أن الإنسان بطبيعته الاجتماعية في حاجة ماسة إلى التفاعل والتواصل و تنظيم العلاقات مع آخرين في المجتمع البشري ولا يكتفي بالتفاعل مع من حوله الذي يتحدث بلسان مشترك فحسب إنما يرغب في التعرف على آخرين يتحدثون بلغات مختلفة من مختلف شعوب العالم ، وأدى ذلك إلى خلق حاجة إلى النشاط الترجمي بين مختلف أفراد المجتمع الإنساني ، وأن الترجمة ليست نشاط العهد الجديد إنما هي مرتبطة بالحاجة إلى التواصل والتعارف منذ القديم، فجعلنا الله عزوجلشعوباً وقبائل لكي نتعارف كما ورد في القرآن الكريم " وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا([19]) وأن حركة الترجمة ترجع إلى صدر الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن أشهر من تعلم السريانية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو زيد بن ثابت رضي الله عنه، وفي مسند الإمام أحمد أن رسول الله لما قدم المدينة ذهب بزيد إلى رسول الله وقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك رسول الله وقال: «يا زيد تعلّم لي كتاب يهود، فإني والله ما امن يهود على كتاب» ، قال زيد: فتعلمت له كتابهم، ما مرّت خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب.وهذا ذكاء مفرط، وقوة حافظة، ومن لوازم تعلّم الكتابة تعلم اللسان، وقد ثبت أنه كان يعرف السريانية والعبرانية ([20])
فالترجمة لها دور كبير في نشر الثقافات والحضارات وتلاقح الأفكار والأيدولوجيات من مجتمع إلى آخر بشكل عام، وأما ترجمة السنة النبوية فلها أهمية كبيرة في نشر تعاليم السنة النبوية ونقل معارفها إلى شعوب العالم بلغات مختلفة. ونعيش اليوم في عالم تتعدد فيه لغات ويبرز دور الترجمة في نقل تعاليم وأفكار السنة النبوية إلى آخرين يتحدثون بلغات غير العربية لكي يتم تقديم الصورة الصحيحة عن تعاليم السنة النبوية إضافة إلى إزالة مفاهيم خاطئة ذكرها مستشرقون عن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وهنا يأتي دور النشاط الترجمي لنقل أفكار السنة النبوية لتصويب معتقدات خاطئة وتفنيد ادعاءات مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولذا أنه من الضروري أن يتم زيادة الاهتمام بدور الترجمة لكتب السيرة النبوية إلى لغات مختلفة لنقل أفكار السنة النبوية ومعارفها وتقديم الصورة الصحيحة للتعاليم النبوية إلى آخرين في مختلف شعوب العالم عبر اتخاذ خطوات تجاه دفع الشبهات والأباطيل التي ألصقها أعداء الإسلام بالسنة النبوية.
6. مشروعية ترجمة السنة النبوية
تعتبر السنة النبوية المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، فهي مكملة للقرآن، ومفصّلة لما يحتاج إلى تفصيل، وموضحة لما يحتاج إلى إيضاح،
ولاقت اهتماماً كبيراً من قبل علماء دين الإسلام حيث بذلوا جهوداً كبيرة في فهمها ونقل تعاليمها لكل من العرب والعجم بلغات أخرى، وتبرز مشروعية ترجمة السنة النبوية من رسالة الإسلام التي ليست مختصة بقوم أو فئة كما قال تعالىوَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كافّةً للنّاسِ بَشيراًوَنَذِيرا([21]) وقال تعالى في موضع آخر وَما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌلِلْعالَمين([22]) فيفهم من هنا بأنه من الضروري أن ينذر النبي صلى الله عليه وسلم أو من يأتي بعده من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعين وأتباعهم الإنسانية كلها، وهذا لا يمكن في حالة كون عملية تبليغ الرسالة مقصورة على لسان واحد ولذا لابد من تعدد الألسنة واللغات لتحقيق أهداف متمثلة في تبليغ رسالة إلهية إلى مختلف الأقوام والأمم في العالم، فلا يتم ذلك بدون الترجمة، وبناء عليه يمكن القول أن الترجمة لا بد منها لتبليغ رسالة الله تعالى إلى الخلق ونقل تعاليم السنة النبوية إلى مختلف شعوب العالم، وتم توضيح ذلك في الأحاديث النبوية أيضاً حيث قال النبي صلى الله عليه وسلمبُعِثْتُ إلى الناس عَامَّةً([23]) وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً وَأُرْسِلْتُ إلى الْخَلْقِ كَافَّةً([24])
يتضح من هنا بأن الدين الإسلامي دين عالمي لا يختص بقوم أو فئة أو منطقة فقط ويشهد تاريخ الإسلام على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل دعوة هذا الدين مقصورة على قبائل العرب فحسب إنما اهتم بنقل تعاليمه إلى الإنسانية كلها وخير مثال لذلك إرسال رسائل إلى ملوك مناطق مختلفة لدعوتهم إلى هذا الدين، فكلف الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالة إلهية إلى أقوام العالم بما يفهمهم من لغات مختلفة، فهنا يطرح السؤال نفسه هو: بأية لغة من اللغات قام النبي صلى الله عليه وسلم بأداء مسؤوليته تجاه تبليغ رسالة الدين إلى الأعاجم؟ ويمكننا نجد الإجابة عن هذا السؤال من أقوال المفسرين التي وردت في تفسير قوله تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه([25]) حيث قال الجمل: والأولى أن يُحمل القوم على من أرسل إليهم الرسول أياً كان، وهم بالنسبة لغير سيدنا محمد خصوص عشيرة رسولهم، وبالنسبة إليه كل من أرسل إليهم من سائر القبائل وأصناف الخلق، وهو صلى الله عليه وسلم كان يُخاطب كل قوم بلغتهم، وإن لم يثبت أنه تكلم باللغة التركية، لأنه لم يتفق له أنه خاطب أحداً من أهلها، ولو خاطبه لكلَّمه بها([26]) وقال أحمد الصاوي: إن الله علَّمه جميع اللغات، فكان يُخاطب كل قوم بلغتهم([27]) فيتضح هنا بأن الترجمة لا بد منها نظراً إلى شمولية وعالمية دين الإسلام ونقل تعاليم السيرة النبوية إلى كل من العرب والعجم فيجب أن يتم الاهتمام بترجمة أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ونقلها إلى أقوام أخرى بلغات مختلفة.
وأيضاً ثبتت مشروعية ترجمة السنة النبوية من الأحاديث النبوية بما فيها الحديث عن زيد بن ثابت الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم السريانية حيث قال: أمرني رسول الله عليه وسلم أن أتعلم له كتاب يهود،قال:إني والله ما آمن يهود على كتاب،قال:فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له،قال:فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأته كتابهم.([28]) ويتضح من هنا بأن كان النبيصل الله عليه وسلم يُملى على زيد ما يريده بالعربية، وزيد يترجم هذا وينقله إلى لغة اليهود، والتي هي العبرانية أو السريانية.
يشهد التاريخ على أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا حريصين على نقل رسالة الدي وتعاليم السنة النبوية بما يفهمه آخرون من لغات مختلفة اتباعاً بالنبي صلى الله عليه وسلم متوجهين إلى مختلف مناطق العجم من فرس ورومان وغيرهم وتشير إلى ذلك عدة نصوص بما فيها ما رواه أبو داود عن هِلَالِ بن أُسَامَةَ أَنَّ أَبَا مَيْمُونَةَ سَلْمَى مَوْلًى من أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَجُلَ صِدْقٍ قال بَيْنَمَا أنا جَالِسٌ مع أبي هُرَيْرَةَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَارِسِيَّةٌ مَعَهَا بن لها فَادَّعَيَاهُ وقد طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فقالت يا أَبَا هُرَيْرَةَ وَرَطَنَتْ له بِالْفَارِسِيَّةِ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي فقال أبو هُرَيْرَةَ:اسْتَهِمَا عليه،وَرَطَنَ لها بِذَلِكَ،فَجَاءَ زَوْجُهَا فقال: من يُحَاقُّنِي في وَلَدِي ؟ فقال أبو هُرَيْرَةَ:اللهم إني لَا أَقُولُ هذا،إلا أَنِّي سمعت امْرَأَةً جَاءَتْ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأنا قَاعِدٌ عِنْدَهُ،فقالت:يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وقد سَقَانِي من بِئْرِ أبي عِنَبَةَ وقد نَفَعَنِي،فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَهِمَا عليه،فقال زَوْجُهَا:من يُحَاقُّنِي في وَلَدِي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ،فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ([29]) ويتضح من هذا الحديث بأن المرآة ما كانت تعرف اللغة العربية لأنها رطنت بالفارسية، وأما سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه فكان يعرف اللغة الفارسية، فأوضح لها الحكم بالفارسية مترجماً أحاديث وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وتحدث الدكتور لطفي بن محمد الزغير عن ترجمة السنة والسيرة النبوية بقوله إن الترجمة تكون حتمية واقعية، لأن هذا الدين دين عالمي، مخاطب به كل البشر، بل كل الخلائق، من خلال قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ([30]) ، وهذه العالمية تقتضي أن يُبلَّغ الدين بكامله قرآن، وسنة وما تفرَّع عنهما إلى كل الناس ، ولما لم يكن الناس جميعاً يتخاطبون بلسان واحد، بل بألسنة متنوعة، فكان لا بد من وجود ترجمات لهذه الألسنة المخاطبة والتي نطلق على أهلها أمة الدعوة، وهذا يمثل الحجر الأول في حتمية الترجمة للسنة والسيرة النبوية. ([31]) وأضاف بقوله: من خلال أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وصنيعه وصنيع خلفائه من بعده، إذ إنه صلى الله عليه وردت عنه بعض الآثار في ترجمته لبعض الكلمات أو لنقل في تكلمه ببعض الكلمات الأعجمية مما يعني أن هذه الكلمات ستخضع للترجمة والتعريب، بالإضافة إلى إرساله عدداً من الرسائل للملوك من فرس وروم وأحباش وقبط، وكل هؤلاء لهم لغاتهم الخاصة بهم، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما خاطبهم باللغة العربية كما استفاضت بذلك الأخبار والدلائل، مما يعني أن هؤلاء الملوك سيقومون بترجمة رسائله صلى الله عليه وسلم وما صدر عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم يعي ذلك ويعرفه، مما يعني إجازته صلى الله عليه وسلم لهذه الترجمات، وهذا هو الحجر الثاني في مشروعية الترجمة ([32])
وأيضاً تبرز مشروعية ترجمة السنة النبوية من خلال القواعد الفقهية بما فيها " الوسائل لها أحكام المقاصد " حيث نرى أن ترجمة السنة من أعظم الوسائل وأفضلها لأنها وسيلة إلى تحقيق مقصد عظيم متمثل في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعتبر الترجمة وسيلة لنشر سنته صلى الله عليه وسلم بين أفراد المجتمع البشري، وكما يظهر تأصيل ترجمة السنة النبوية من خلال قاعدة فقهية أخرى هي " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" وبناء عليه نقول إن من الواجب على المسلمين إبلاغ رسالة السنة النبوية إلى كل من العرب والأعاجم ولا يتم ذلك بدون الترجمة ولذا يجب اتخاذ خطوات تجاه ترجمة السنة النبوية لكي يتم نقل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل من العرب والعجم، وكذلك تبرز أهمية ترجمة السنة النبوية من خلال التأصيل الذي يثبت بالقاعدة الفقهية هي " الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة " حيث أن ترجمة السنة النبوية من الضروريات لنقل رسالة السنة النبوية إلى الأعاجم ولا يتم سد هذه الضرورة بدون الترجمة.
ويوضح شيخالإسلامابن تيمية أهمية الترجمة عند الحاجة إليها بقوله:
يجوز ترجمة القرآن والحديث للحاجة إلى الإفهام وكيثر ممن قد تعود عبارة معينة إن لم يخاطب بها لم يفهم، ولم يظهر له صحة القول وفساده، ورما نسب المخاطب إلى أنه لا يفم ما يقول، وأكثر الخائفين في الكلام والفلسفة من هذا الضرب، نرى أحدهم يذكر له المعاني الصحيحة بالنصوص الشرعية فلا يقبلونها، لظنهم أن في عباراتهم من المعني ما ليس في تلك، فإذا أخذ المعنى الذي دل عليه الشرع وصيغ بلغتهم، وبين به بطلان قولهم المناقض للمعنى الشرعي خضعوا لذلك وأذعنوا له، كالتركي والبربري والرومي والفارسي الذي يخاطبه بالقرآن العربي ويفسره فلا يفهمه، حتى يترجم له شيئاً بلغته، فيعظم سروره وفرحه، بها الرسول أكمل المعاني وأحسنها وأصحها، لكن هذا يحتاج إلى كمال المعرفة لهذا، كالترجمان الذي يريد أن يكون حاذقاً في فهم اللغتين.([33])
7. تحديات ترجمة السنة النبوية
يرى بعض الباحثين أن الترجمة عملية بسيطة لا تحتاج إلى دراسة عميقة ولكن في الواقع ليس الأمر كذلك حيث نلاحظ أن المترجم يعاني من مشكلات عديدة خلال قيامه بعملية الترجمة حيث لا ينقل من لغة إلى أخرى فقط بل ينقل أفكاراً وثقافة ومشاعر من شعب إلى آخر، ومن حضارة إلى أخرى، وبدون شك أن المترجم يحمل أمانة يجب تأديتها بشكل تام وصحيح بعيداً عن مشاعر شخصية قد تلعب دورها في تغيير مجرى الأحداث والأمور خلال عملية الترجمة،
ويوضح علي سداد جعفر بقوله: إن الصعوبات والتحديات الأساسية في هذا الفن متأتية من وجود ألفاظ معينة في كل لغة لا مقابل لها في اللغات الأخرى ومن هذا القبيل معظم الألفاظ الدالة على الأخلاق والعواطف والمشاعر المنعكسة أو الذاتية ، لذا يجب أن تتوافر شروط عدة في المترجم أهمها تمكن المترجم من اللغتين لغة النص الأصليواللغة المراد الترجمة إليها وكذلك أن يكون على دراية ومعرفة كبيرة بشعبي اللغتين هذا بشكل عام ، أما في يومنا الحاضر فلابد أن يكون المترجم متخصصاًفي جانب علمي أو أدبي وذلك لاتساع العلوم وتنوعها مما يرهق المترجم الذي يجب عليه أن يكون ملماً بما يستحدث من اصطلاحات علمية أو أدبيةفعليه أن يكون ذا ثقافة عالية ومتابعا لكل ما يستجد منها وأن يكون ذا فكر نير واحساس عال بالمسؤولية ولذا نلاحظ التفاوت بين العديد من الترجمات ، لأن الفكر الإنساني وثقافاته مختلفة من شخص لآخر ، وكذلك التطور الحضاري والمتنوع في كافة مجالات الحياة والتفاوت بين شعب وآخر وبين أمة وأخرى ، كل ذلك أدى أيضاً إلى تفاوت مستوى الترجمات بسبب ازدياد مشاكل الترجمة ً ([34])
8. أسباب وقوع الأخطاء في ترجمة السنة النبوية
هناك عدة أسباب تقف وراء وقوع الأخطاء في عملية ترجمة السنة النبوية وأبرزها ضعف المستوى العلمي للمترجم، وعدم معرفة مصطلحات الحديث، وضعف الجانب العقدي للمترجم، وعدم معرفة ثقافة اللغة المصدر واللغة الهدف، وعدم اللجوء إلى العلماء المعتمدين عند أهل الفن والمختصين الخبراء، وعدم الرجوع إلى الكتب المعاصرة المتعلقة بتحديد المعالم الجغرافية والوحدات في الكيل والوزن المذكورة في كتب السنة النبوية، وعدم وجود خبرة ضرورية لمعرفة ما يحتاج إلى ترجمته إلى لغة أجنبية، ونستعرض أبرزها بإيجاز فيما يلي:
أ. عدم الإلمام باللغة العربية
أنزل الله تعالى القرآن الكريم على حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بلغة عربية فصيحة كقوله تعالى: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ([35])، وبدون شك أن اللغة العربية مليئة بالبلاغة والفصاحة والبيان ولذا تعتبر أعمق وأوسع الألسنة في العالم ويشير إلى ذلك الإمام الشافعي بقوله: ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، لكنه لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه([36])، ونرى أيضاً بأن كلمة واحدة في اللغة العربية قد تحمل عدة معان ومفاهيم ولذا يجب فهم سياق الكلام وقرائن تساعد في تحديد المعنى المطلوب، ونظراً إلى طبيعة اللغة العربية الحافلة بالفصاحة والبلاغة أنه من الضروري أن يتمكن المترجم من اللغة العربية بشكل تام عند قيامه بترجمة السنة النبوية بهدف إلى الوصول إلى الصواب تجنباً من أخطاء تقع خلال عملية ترجمة السنة النبوية ولذا يجب على المترجم أن يكون ملماً باللغة العربية بشكل تام وبناء عليه اعتبر العلماء الإلمام باللغة العربية شرطاً أساسياً لمشروعية الترجمة حيث قال مجاهد رحمه الله: لا يحل لأحد يؤمن بالله واليومالآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب ([37]).
يتضح من هنا بأن ذلك لا يتحقق سوى الاهتمام بالأمانة في نقل العلم والإجادة التامة في اللغتين اللغة المصدر واللغة الهدف لاسيما الاهتمام بالمصطلحات الشرعية المتعلقة بعلوم الحديث إضافة إلى الدقة في الترجمة مع الحفاظ على رسالة اللغة المصدر والاستفادة من أعمال المستشرقين والابتعاد عن الأغراض التجارية والمادية والتجنب من الأمور التي تعرقل عملية وصول رسالة اللغة المصدر إلى القاري خلال العملية الترجمية للسنة النبوية وبذل الجهود المكثفة في ضمان الوصول إلى الصواب بعيداً من أخطاء خلال الترجمة، ومن الواضح يساهم هذا الاهتمام الكبير في تحقيق الأهداف المتمثلة في نقل رسالة السنة النبوية إلى الآخرين عبر التركيز على الترجمة للسنة النبوية.
ب. عدم الدراية التامة للغة الهدف
يقع المترجم في أخطاء خلال ترجمته السنة النبوية بسبب عدم إدراكه اللغة الهدف ويجب عليه أن يكون مدرك كافة جوانب اللغة الهدف سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو تاريخية أو دينية، وأن أهلية الترجمة ليست مقصورة في معرفة جوانب لغوية بل يجب التمكن من معرفة جوانب أخرى تؤثر على تحديد معنى مطلوب لدى مترجم خلال قيامه بترجمة السنة النبوية ولذا يجب على المترجم أن يكون ملماً بثقافة اللغة الهدف لكي يتمكن من تعبير كلمات اللغة المصدر باللغة الهدف بدقة عبر اختيار كلمة ملائمة من الكلمات التي قد تتضمن فروقاً دقيقة، وبناء عليه يمكن القول بأن مراعاة مختلف الجوانب بما فيها الجانب الثقافي والديني والاجتماعي والتاريخي وغيره خلال القيام بترجمة السنة النبوية إلى أية لغة من لغات العالم.
ج. عدم الاهتمام بمراجعة الترجمة بدقة
تمر عملية الترجمة بمراحل عديدة بما فيها نقل رسالة النص المصدر إلى النص الهدف، مراجعة النص المترجم بدقة وعمق من قبل مراجعين لديهم خبرة عميقة في مجال الحديث لاسيما في اللغتين اللغة المصدر واللغة الهدف إضافة إلى العلوم الشرعية، وأن المراجعة الدقيقة لها مساهمة في تقليل وقوع الأخطاء في الترجمة ولذا يجب على المترجم أن يهتم بالمراجعة الدقيقة لأعمال ترجمة السنة النبوية.
د. الضعف العلمي للمترجم
يعتبر ضعف المترجم العلمي وجهله الشرعي وعدم تلقيه العلم على يد العلماء الخبراء الثقات في مجال أصول الحديث ضمن أهم الأسباب التي تتسبب في الأخطاء خلال ترجمة السنة النبوية ولذا يجب على المترجم أن يتلقى معرفة كافية لأصول الحديث قبل الشروع في أي مشروع من مشاريع أعمال الترجمة للسنة النبوية لكي تتم حماية النص المترجم من أخطاء علمية يرتكبها المترجم الذي يوجد لديه ضعف علمي في مجال أصول الحديث والمصطلحات الحديثية.
هـ. عدم الإلمام بمصطلحات أصول الحديث
تحدث الأخطاء خلال عملية ترجمة السنة النبوية بسبب عدم الإلمام بمفاهيم ودلالات وإطلاقات مصطلحات ذكرها الأئمة في كتبهم حول أصول الحديث ولذا أنه من الضروري أن يكون المترجم على معرفة دلالات المصطلحات الحديثية وفهم علم الحديث كما تمت الإشارة إلى ذلك في أصول التفسير بأن ترجمة السنة لا يمكن أن تتم إلا بفهم الحديث([38])ولذا يجب الالمام بالمصطلحات والإحاطة بمدلولاتها حسب القواعد العلمية الصحيحة.
9. شروط وضوابط ترجمة السنة النبوية
هناك عدة شروط للقيام بترجمة السنة النبوية بما فيها التمكن من اللغتين أي اللغة المصدر واللغة الهدف، والإلمام بالمصطلحات الشرعية لاسيما المعرفة التامة عن الفروق اللغوية التي له دور تام في رفع المستوى الترجمي،كما أنه من الضروري أن يتم إتخاذ خطوات تجاه عقد دورات مكثفة في الترجمة للسنة النبوية نظراً إلى أن الترجمة أصبحت أهم وسائل الدعوة إلى الله تعالى ونقل رسالة السنة النبوية إلى الإنسانية في العالم خاصة نقل الرسالة إلى أفراد الشعوب الذين لا يفهمون لغة القرآن الكريم والسنة النبوية، وبلاريب تزداد الحاجة إلى الترجمة في عصرنا الحاضر بسبب استخدام التكنولوجيات الحديثة وتقنية المعلومات والشبكات العالمية للمعلومات التي تلعب دوراً هاماً قي تحقيق التقارب بين مختلف الثقافات والحضارات، وفي ظل هذا الوضع الراهن يجب أن يتم اغتنمام الفرصة لنقل رسالة السنة النبوية إلى آخرين ولا يمكن ذلك بدون الاهتمام بالترجمة للسنة النبوية ولذا يجب على المترجم أن يركز على تحسين وتعزيز مهاراته الترجمية نظراً إلى متطلبات الترجمة للسنة النبوية بما فيها الالمام بمصطلحات علوم الحديث التي لا بد من معرفتها خلال العملية الترجمية بهدف إلى نقل المفهوم السليم إلى آخرين.
بدون شك أن مجال الترجمة للسنة النبوية واسع ويختص بالعلماء الذين لديه معرفة تامة عن علوم الحديث واللغة العربية والتفقه في علوم أخرى مثل الحديث وأصوله، والفقه وأصوله، وعلوم القرآن والتفسير، و أن هؤلاء العلماء والدعاة لديهم إمكانية تامة في نقل رسالة السنة النبوية عبر الترجمة شريطة بأنهم يكونون خبراء ولديهم مهارات ترجمية إضافة إلى المعرفة عن الثقافات والحضارات والإطلاع على مختلف الكتب المترجمة في مجال السنة النبوية.
ويوضح الدكتور المهدي بن محمد السعيدي ذلك بقوله: أن مجال الموضوع هو عمل العلماء عبر التاريخ على تقريب المعرفة الإسلامية إلى عموم الناس الذين لم يتمكنوا من تعلم اللغة العربية والتفقه فيها، فترجمت كتب الفقه والحديث والسنة إلى لغاتهم الأصلية، ومنها بالمغرب الأمازيغية، واستطاع الدعاة بواسطة هذه الترجمات تفقيه الناس في دينهم وتقريب سنة النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه الشريف إليهم، ومن أهم الكتب التي ترجمت إلى الأمازيغية كتاب رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين للإمام النووي، والأربعون حديثا النووية له أيضا والأنوار السنية لابن جزيء وغيرها وكان لهذه الترجمات حظ وافر في تمكين العوام من التمسك بدينهم والتففه في عقيدته وأركانه.([39])
من المؤكد أن الترجمة ليست مجرد عملية نقل كلمات من لغة إلى أخرى بل أنها عملية نقل رسالة اللغة المصدر مع المحافظة على المفهوم السليم إضافة إلى ثقافة اللغة المصدر، ولذا يجب على المترجم أن يقوم بتحقيق كافة المتطلبات لمجال الترجمة بما فيها الحصول على المخزون اللغوي عبر الاستفادة من المعاجم المعتمدة، والثقافة التي لا بد من المعرفة عنها خلال الترجمة، كما أنه من الضروري للمترجم أن يقوم بمراعاة السياقات المختلفة للغة والثقافة.
وأوضح الدكتور فهد بن سليمان الفهيد الضوابط التي يجب مراعاتها أثناء ترجمة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يتعلق بالألفاظ والمسائل العقدية والموقف الصحيح الذي يلتزم به المترجم في نقل الألفاظ الشرعية نظراً لكونها مما يتلقى بالتسليم والقبول، ونظراً لوجود تأثر كثير ممن يشتغل بالترجمة بمسالك أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية ونحوهم. مضيفاً بقوله: يتعين الاهتمام بالضوابط العقدية في هذا الباب وذلك من خلال السياق وأثره في فهم المعنى، وفقه اللغة والمعاني وأثره في تحديد المعنى، وقاعدة باب الأسماء والصفات. أنها توقيفية) مشيراً إلى كيفية ترجمة اللفظ الذي ليس في اللغة المترجم عليها ما يدل عليه مطابقة، وأوجه التشابه بين هذا الأمر وبين ترجمة معاني القرآن وكذلك أذكار الصلاة ونحوها، ثم أورد أمثلة للأخطاء الواردة في هذا الأمر ([40])
وبإيجاز يمكن القول بأن الضوابط والشروط لترجمة نصوص السنة النبوية لا بد من الاهتمام بها خلال العملية الترجمية لاسيما الاهتمام بالتوعية عن المصطلحات الحديثية إضافة إلى الإلمام باللغتين اللغة المصدر واللغة الهدف إضافة إلى الثقافة وذلك لانجاز الترجمة السلمية للسنة النبوية عبر تحقيق أهداف متمثلة في نقل رسالة السنة النبوية إلى آخرين خاصة إلى الناس الذين ليس لديهم معرفة عن اللغة العربية، وبلاريب أن الترجمة لها مساهمة كبيرة لنقل رسالة السنة النبوية إلى مختلف شعوب العالم، ولذا يجب على المترجم أن يضع كافة الضوابط والشروط بعين الاعتبار نظراً إلى أن نصوص السنة النبوية ليست نصوص عادية إنما لها تعبيرات ومفاهيم ومعاني كثيرة ولا يمكن لفهم ذلك بدون الخبرة العميقة في مجال الترجمة والمعرفة التامة عن مجال الترجمة ما يتعلق به من المهارات الترجمية واستراتيجات الترجمة التي يتم الاهتمام بها من قبل علماء دراسات الترجمة في كتبهم، ويجب على المترجم أن يهتم بكل ما تتطلب متطلبات الترجمة، ويهدف ذلك إلى تحقيق التكافؤ بين النص المصدر والنص الهدف إضافة إلى تحقيق أهداف أخرى متعلقة بعملية نقل رسالة النص المصدر.
10. مسؤوليات المترجم تجاه ترجمة نصوص السنة النبوية
1. يجب على المترجم أن يمتلك كفاءة واحترافية ومهارات ترجمية عالية الجودة لكي لا تحدث أية مغالطة خلال عملية الترجمة للسنة النبوية.
2. إنه من الضروري أن يهتم المترجم بالشمولية عبر نقل كافة مفاهيم النص المصدر إلى النص الهدف دون حذف وتغيير أي شيء منه.
3. لا بد من أن يكون المترجم محافظاً على أسلوب النص المصدر، فمثلاً لو كان النص المصدر قائماً على الأسلوب البلاغي فيجب عليه أن يقوم بنقل نفس الأسلوب البلاغي إلى النص الهدف، ولا يمكن ذلك إلا إذا كان المترجم على دراية كافية ومعرفة تامة بمجال السنة النبوية.
4 . يجب على المترجم أن يكون محايداً ولا يعكس موقفه الشخصي خلال القيام بترجمة نصوص السنة النبوية لكي يتم نقل مفهوم النص المصدر إلى النص الهدف بأمانة ودقة.
5. يجب على المترجم أن يهتم بتوضيح وحدات الكيل والوزن المذكورة في نصوص السنة النبوية مثل " الصاع" و" المد" وغيرها بمصطلحات العصر الحديث ولا يتم ذلك سوى اهتمام المترجمة بدراسة واسعة ومكثفة للكتب المختلفة بما فيها " الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان لابن الرفعة الأنصاري.
6. إنه من الضروري أن يتم الاهتمام باختيار الأسلوب العلمي الذي يتناسب مع عصر المترجم بهدف إلى نقل رسالة النص المصدر إلى النص الهدف بشكل واضح.
7. التأكد من دلالات المصطلحات الحديثية نظراً إلى أن بعض المصطلحات قد تحمل دلالات عديدة عند علماء الحديث في كتبهم وعلى سبيل المثال أن مصطلح " لا أصل له “و" لا بأس به " و" منكر الحديث" وغيره من المصطلحات حيث نرى أن هذه المصطلحات لها عدة استخدامات ودلالات وإطلاقات لدى أئمة الحديث.
8. التمكن التام من معرفة ضوابط وقواعد الشريعة الإسلامية بهدف إلى تأدية المعنى الشرعي بأسلوب تام دون تعرض أية مخالفة لمقاصد الشريعة الإسلامية.
9. يجب على المترجم معرفة مصطلحات مختصة بالجرح والتعديل عند المحدثين في كتبهم مثل ميزان الاعتدال للذهبي، وتقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني، وكذلك يجب على المترجم أن يكون واعياً عن مراتب وضوابط الجرح والتعديل المعروفة لدى الأئمة.
10. يجب التجنب من تبني استراتيجية الترجمة الحرفية نظراً إلى أن ذلك قد يؤدي إلى معنى مغاير للمراد ولذا أنه من الضروري أن يتم الاهتمام بالترجمة التواصلية مع مراعاة المعنى التام للمصطلح.
11. يجب عليه أن يهتم بالترابط والتناسق بين الكلمات والجمل خلال قيامه بترجمة نصوص السنة النبوية بهدف إلى نقل معارف ومفاهيم وتعاليم إلى القاري بشكل منسق.
12. لابد من أن يمتلك المترجمذخيرة كبيرة من الكلمات والمصطلحات المتعلقة بمجال علوم الحديث لكي لا يعاني من أية مشكلة خلال قيامه بترجمة مصطلحات حديثية.
13. يجب على المترجم اللجوء إلى مراجع ومصادر علوم الحديث لاسيما الكتب التي تم تأليفها حول المصطلحات الخاصة بالسنة النبوية.
14. . يجب على المترجم أن يعرف طبقات الصحابة والرواة بالتركيز على معرفة المواليد والوفيات إضافة إلى معرفة شيوخ الراوي وتلاميذه.
15. لابد من أن يكون المترجم على علم ومعرفة الرموز المستخدمة في مختلف كتب الحديث وعلى سبيل المثال رمز (ق) الذي يشير إلى أن هذا الحديث متفق عليه أي رواه البخاري ومسلم.
16. إنه من الضروري أن يكون المترجم على علم ومعرفة أسماء مختلف البقاع والأماكن المذكورة في نصوص السنة النبوية بالتركيز على تقسيمات إقليمية قديمة مثل بلاد الشام وغيرها، والمترجم بإمكانه أن يستفيد من الكتب المختلفة مثل بلدان الخلافة الشرقية لكي لسترنج، والمعالم الأثيرة في السنة النبوية لمحمد محمد حسن شراب وغيرها.
11. آليات لإيجاد حل مشاكل ترجمة السنة النبوية
هناك عدة آليات تساهم في إيجاد حلول ممكنةلمشكلات وصعوبات ترجمة السنة النبوية ويمكن تقسيم هذه الآليات إلى قسمين هما فيما يلي:
أ. آليا ت على المستوى الفردي
1. لابد من أن يتولى أعمال ترجمة السنة النبوية كل من يكون لديه دراية تامة باللغة المصدر واللغة الهدف ويكون له خبرة عميقة في التعامل مع أعمال الترجمة بالتركيز على مختلف الأساليب اللغوية.
2. يجب أن تتم ترجمة السنة النبوية من قبل باحث متمكن من فهم المصطلحات الحديثية إضافة إلى المصطلحات المعاصرة لكي لا تحدث أخطاء تؤثر على نقل رسالة اللغة المصدر إلى رسالة اللغة الهدف تأثيراً سلبياً.
3. إنه من الضروري أن يقوم المترجم بالاهتمام باستشارة مختصي علوم الحديث بصفة مستمرة خلال قيامه بترجمة أعمال السنة النبوية.
ب. آليات على المستوى الجماعي
1. يجب أن يتم الاهتمام باستشارة أهل العلم قبل بدء أي مشروع من مشاريع الترجمة المتعلقة بالسنة النبوية لاسيما مشروع الترجمة التي تتضمن مصطلحات حديثية لكي يبتعد المترجم من وقوع أخطاء قد تحدث بسبب عدم المعرفة في مجال السنة النبوية.
2. يجب إنجاز مشروع ترجمة السنة النبوية بشكل جماعي عبر تشكيل لجنة علمية تدير مشروع الترجمة وتهتم بمراجعتها أو من الأفضل أن تشرف مؤسسة علمية أكاديمية موثوق بها على أعمال الترجمة بهدف إلى ضمان سلامة نصوص السنة النبوية من الأخطاء.
3. يتم الاهتمام بتنظيم دورات علمية حول علوم الحديث بهدف إلى خلق توعية بمصطلحات متعلقة بعلوم الحديث حيث تساهم هذه الدورات في تمكين المترجمين من القيام بأعمال ترجمة السنة النبوية مراعاة المصطلحات الحديثية بدقة.
4. إنه من الضروري أن يتم الاهتمام بدراسات تحليلية للترجمات المشوبة بالأخطاء للسنة النبوية وذلك لمزيد من رفع مستوى تلك الترجمات وسلامتها من الأخطاء، وقد يتم ذلك من قبل إدارة مؤسسات أكاديمية وطلاب الجامعات لاسيما المترجمون الخبراء في مجال دراسات الترجمة والعلماء لديهم خبرة عميقة في مجال علوم الحديث وبالتالي يجب الاهتمام بتأليف رسائل علمية بهدف إلى تحليل الأخطاء والتحذير منها.
5. يتم إنشاء أقسام متخصصة بدراسات الترجمة في الجامعات لكي بتم الاهتمام بالقيام بدراسة تحليلية لترجمات السنة النبوية والكشف عن أخطائها، وتقوم هذه الأقسام بمراجعة ترجمات كتب السنة النبوية.
12. الاستنتاجات
1. تعتبر السنة النبوية المصدر الثاني لدين الإسلام، وطبيعة هذا الدين عالمية ولذا يجب نقل رسالة هذا الدين إلى آخرين.
2. ثبتت مشروعية ترجمة السنة النبوية من نصوص القرآن والسنة والسلوك العملي للصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين والخلفاء وأقوال مختلف الأئمة والمحدثين إضافة إلى القواعد الفقهية.
3. إن ترجمة السنة النبوية لها أهمية كبيرة في نشر أفكار السنة النبوية ونقل معارفها إلى شعوب العالم بلغات مختلفة.
4. يعاني المترجم من عدة التحديات والصعوبات خلال قيامه بترجمة السنة النبوية بما فيها
5. هناك عدة أسباب تقف وراء وقوع الأخطاء في عملية ترجمة السنة النبوية وأبرزها عدم الإلمام باللغة العربية، وعدم الدراية التامة للغة الهدف، وعدم الإلمام بمصطلحات أصول الحديث، والضعف العلمي للمترجم، وعدم الاهتمام بمراجعة الترجمة بدقة.
6. يجب مراعاة بعض الضوابط والشروط للقيام بترجمة السنة النبوية بما فيها التمكن التام من اللغتين أي اللغة المصدر واللغة الهدف باعتبار جوانبها العلمية والثقافية واللغوية، والإلمام بالمصطلحات الشرعية لاسيما المصطلحات الحديثية المذكورة في كتب السنة النبوية.
7. تقع على عاتق المترجم مسؤوليات كبيرة تجاه عملية الترجمة للسنة النبوية وأبرزها الاهتمام بنقل كافة مفاهيم النص المصدر إلى النص الهدف دون حذف وتغيير أي شيء منه بأمانة تامة، وامتلاك كفاءة احترافية ومهارات ترجمية عالية الجودة للتجنب من حدوث أخطاء في الترجمة.
8. يتم وضع آليات لإيجاد حلول ممكنة للمشكلات والصعوبات على المستويين الفردي والجماعي مثل تمكن المترجم من الدراية التامة باللغتين اللغة المصدر واللغة الهدف، معرفة المصطلحات الحديثية بشكل تام، وأما المستوى الجماعي فيتم تشكيل لجنة علمية تدير مشروع الترجمة، وإشراف مؤسسة علمية أكاديمية موثوق بها على أعمال الترجمة بهدف إلى ضمان سلامة نصوص السنة النبوية من الأخطاء، والاهتمام بتنظيم دورات علمية حول علوم الحديث بهدف إلى خلق التوعية بمصطلحات علوم الحديث بين مترجمين راغبين في ترجمة السنة النبوية.
13. التوصيات والمقترحات
يمكن أن نحدد مجموعة من التوصيات والمقترحات ويمكن حصرها في النقط التالية:
1. يجب بذل الجهود المكثفة لترجمة السنة النبوية عبر التركيز على الاهتمام بضوابط وشروط الترجمة المعروفة لدى علماء دراسات الترجمة.
2. إنه من الضروري أن يتم الإلمام بمصطلحات الحديث من قبل المترجم عند قيامه لترجمة السنة النبوية لكي لا تقع أخطاء خلال عملية الترجمة للسنة النبوية.
3. لابد من الاهتمام بدراسات نقدية وتحليلية للترجمات المتداولة للسنة النبوية ومراجعتها لكي يتم التخلص من الأخطاء الموجودة في ترجمات السنة النبوية.
4. يجب إنشاء مركز لترجمة السنة والسيرة النبوية في مختلف الجامعات لتأهيل المترجمين الراغبين في أعمال الترجمة للسنة النبوية.
حوالہ جات
- ↑
() بخاری،محمد بن اسماعیل،الجامع الصحیح المسند المختصر من امور رسول اللہﷺ وسنن ہ وایامہ ،كتاب الأحكام، باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد؟ حديث رقم 7195، :600.
- ↑
() ابن منظور، الأفريقي، لسان العرب، مادة ترجم ، دار صادر بيروت،، لبنان ، 6: 12
- ↑
() الفيروز آبادي، القاموس المحيط، مادة ترجم ، مؤسسة الرسالة، القاهرة، مصر، 1:1399.
- ↑
(3) الزبيدي، تاج العروس، مادة ترجم ، دار الهداية، بيروت، لبنان ، 31:327.
- ↑
. الزرقاني،مناهل العرفان في علوم القرآن، مطبعة عيسى البابي الحلي، القاهرة، 1995م، 2 : 199
- ↑
. سعيدة كحيل، الدكتورة، تعليمية الترجمة دراسة تحليلية تطبيقية، عالم الكتب الحديث، الأردن، : 21
- ↑
. مندى، جرمي، مدخل إلى دراسات الترجمة: نظريات وتطبيقات، مؤسسة روتلج، 2013م، : 23
- ↑
. جورج ستاينر ما بعد بابل: أوجه اللغة والترجمة، مطبعة جامعة أوكسفورد، 1998م، : 45
- ↑
.نيو مارك، بيتر،اتجاهات في الترجمة، دار المريخ للنشر، الرياض، 1986م، : 67
- ↑
. كاتفورد، نظرية لغوية للترجمة، دار الكتب العلمية، البصرة،1983م، : 56
- ↑
. سالم، عيس، الترجمة في خدمة الثقافة الجماهيرية، لبنان، بيروت، اتحاد الكتاب، 1999م،: 15
- ↑
. ابن منظور، الأفريقي، لسان العرب،دار صادر، بيروت، لبنان
- ↑
. مجموعة مؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية مصر: مطابع دار الصفوة.۲۵: ۲۷۵
- ↑
. الفتح 48:23
- ↑
. ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، بيروت: مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع، ۱:۲۷۴
- ↑
. ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر بيروت: مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع،۱:۲۷۴
- ↑
. الشاطبي، الموافقات، لبنان، بيروت، مؤسسة الرسالة،۴:۴
- ↑
. مجموعة فتاوى ابن تيمية، 18:10
- ↑
.سورة الحجرات 49: 13
- ↑
. البداية والنهاية ۵:۳۴۶ ، فتح الباري ،۱۳: ۱۵۸۔۱۵۹
- ↑
. سبأ 34: 38
- ↑
. القلم68: 52
- ↑
. صحيح البخاري ، رقم: 328، ۱: ۱۲۸
- ↑
. مسلم بن الحجاج القشيري,الجامع الصحیح،رقم: 521، بيروت، دار إحياء التراث ، دون تاريخ. ۱: ۳۷۰
- ↑
. إبراهيم 14: 4
- ↑
. سليمان بن عمر الشهير بالجمل -الفتوحات الآلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ،دار إحياء التراث العربي، بيروت 2: 514.
- ↑
. حاشية الصاوي على الجلالين ، دار إحياء الكتب العربية،، القاهرة، دون تاريخ2 : 235.
- ↑
. الجامع الصحيح: 5/ 67، رقم 2715، و أحمد في مسنده،5:182-183.
- ↑
. السنن: 2 / 283 رقم: 2277، و الحاكم في المستدرك على الصحيحين، 4: 108 رقم 7039.
- ↑
. سبأ 34: 28
- ↑
- ↑
. المرجع السابق
- ↑
. ابن تيمية، منهاجالسّنّة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض 2 : 612.
- ↑
- ↑
. الشعراء، 26 : 195
- ↑
. الشافعي، الرسالة، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 42
- ↑
. الزركشي، البرهان في علوم القرآن، القاهرة، دار التراث،۱: ۲۹۲
- ↑
. العيثمين، محمد بن صالح، أصول التفسير، القاهرة، المكتبة الإسلامية ،۱: ۳۷
- ↑
. المصدر السابق
- ↑
. المصدر السابق