3
2
2019
1682060040263_791
175-204
http://www.alilmjournal-gcwus.com/index.php/al-ilm/article/download/34/34
http://www.alilmjournal-gcwus.com/index.php/al-ilm/article/view/34
مقدمة
وسوف يُعتمد في هذه الدراسة المنهج الاستقرائي الوصفي حسب منهجية التفسير الموضوعي المعاصر.وانطلاقاً من هدف البحث وغايته ستكون هذه الدراسة في
مقدمة، وتمهيد، وأربعة مباحث، وخاتمة، وذلك كما يلي:
المقدمة: وفيها هدف البحث وغايته، مع بيان هيكلية الدراسة.
التمهيد: وفيه تعريف الوسطية في اللغة والاصطلاح
المبحث الأول: الوسطية في العقيدة والعبادات
المبحث الثاني: الوسطية في العلاقات والمعاملات
المبحث الثالث: الوسطية في الأفكار والتصورات
المبحث الرابع: الوسطية في النفقات والمطعومات
الخاتمة: وفيها خلاصة البحث وأهم النتائج والتوصيات
التمهيد
تعريف الوسطية لغة واصطلاحاً
أولاً: تعريف الوسطية لغة
وسـط : الواو والسين والطاء: بناء صحيح يدل على العدل والنًّصَفِ، وأعدل الشيء: أوسطه ووسطه، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً... ([2]).
ويقولون: ضربت وَسَط رأسه بفتح السين، ووسْط القوم بسكونها، وهو أوسطهم حَسَباً إذا كان من واسطة قومه وأرفعهم محلاً"([3]).
ووسط الشيء ما له طرفان متساويا القدر، ويقال ذلك في الكمية المتصلة كالجسم الواحد، والوسط تارة يُقال فيما له طرفان مذمومان، يقال هذا أوسطهم حسباً إذا كان في واسطة قومه، وأرفعهم محلاً، وتارة يقال فيما له طرف محمود وطرف مذموم كالخير والشر([4]).
يقول أبو البقاء الكفوي: "والوسط في الأصل هو اسم للمكان الذي يستوي إليه المساحة من الجوانب ... ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط، ثم أطلق على المتصف بها مستوياً منه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث كسائر الأسماء التي يوصف بها"([5]).
والوَسَط محركة: المعتدل، يقال: "شيء وسط" بين الجيد والرديء، ووسط الشيء اسم لما بين طرفيه، وهو منه كقولك: قبضت وسط الحبل، وكسرت وسط الرمح، وجلست وسط الدار، والوسيط: المتوسط بين المتشاغبين، وجمعه وُسطاء، والوسيطة: مؤنث الوسيط([6]).
ثانياً : تعريف الوسطية في الاصطلاح الشرعي
يقول محمد المناوي: "الوسط: العدل الذي نسبة الجوانب إليه كلها على السواء، فهو خيار الشيء، ومتى زاغ عن الوسط حصل الجَوْر الموقع في الضلال عن القصد"([7]).
ويعرفها الدكتور أحمد عمر هاشم بقوله: "فالمراد بالوسطية: التوازن والتعادل بين طرفيـن بحيث لا يطغى طرف على آخر، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تقصير، وإنما اتباع للأفضل والأعدل، والأجود والأكمل"([8]).
واستئناساً بما سبق من المعنى اللغوي وغيره فقد اجتهد الباحثان في إحداث معنى شرعياً اصطلاحياً للوسطية، وذلك فيما يلي:
"هو الاعتـدال والخيرية والإنصاف والرفعة بسبب الصفات المحمودة التي لا إفراط فيها ولا تفريط".
وإذا أضيفت هـذه الوسطية بمعناها الذي عرفناه إلى الأمة المسلمة فيكون المراد بذلك: أن الأمة الإسلامية قد بلغت بصفاتها المحمودة المكتسبة من شرع الله مكانة في الاعتدال والخيرية والإنصاف والرفعة ما يجعلها سيدة الأمم، وقائدة الشعوب، وشاهدة عليهم يوم يقوم الأشهاد.
فليس المراد إذن بالوسطية أن يكـون الإنسان في درجة متوسطة في عبادته أو عمله أو سلوكه، ولا أن يكون متوسط العلم أو العمل أو السعي، بمعنى أن لا يكون متقدماً ومتميزاً في هذه الأمور، بل المراد بالوسطية الأجود والأفضل والأكملُ والأعدل، وخير الأمور أوسطها أي: أعدلها. والوسطية في قوله وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ([9]) أي: عدولاً خياراً ([10]).
الـمبحث الأول: الوسطية في العقيدة والعبادات
إن الوسطية خير وعدل في كل شيء، سواء أكان ذلك في العقيدة أم في العبادات أم في غيرها
مما سيأتي بيانه.
والمراد بوسطية العقيدة أي اتصافها بالخيرية والسماحة والوضوح والاستقامة والعدالة، عقيدة لا إكراه فيها ولا تعقيد، ولا تمثيل فيها ولا تعطيل.
وتظهـر هذه الوسطية العقائدية في الإيمان بالله تعالى والملائكة كما وصفهم الله، فلا
ننزلهم عن مكانتهم، ولا نغالي في شأنهم فيصل الحال بالأمة المسلمة أن يعبدوهم
ويؤلهوهم وإنما هم عباد الله خلقهم لمهمة سامية، وجعل لهم وظائف وأعمالاً كلفهم
بها.
وسطية كذلك في الإيمان بالرسل فلا غلو في الإيمان بهم لدرجة أن يُعتقدوا بأنهم آلهة أو أبناء الإله كما فعلت النصارى مع نبي الله عيسى عليه السلام ([11]) , ولا تقليلا من شأنهم وقتلهم كما فعلت اليهود.
وهكـذا العبـادات يجـب ان تخلـو من الغلو، فلا رهبانية كما فعل النصارى، ولا تقصير ولا تهاون، بل وسطية واعتدال.
إنها وسطية بكل ما تعني الكلمة من معنى، فتعني: شرفاً، وإحساناً، وفضلاً، وتوازناً، واعتدالاً، وقصداً وعقيدة، ونظاماً، وشريعة، ومنهاجاً، ومناخاً، وموقعاً في الأرض، وتاريخاً، إنها الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعاً، فتقيم فيهم العدل والقسط، وتضع لهم الموازين والقيم([12]). وسنتناول هذا المبحث في مطلبين رئيسيين، وذلك فيما يلي:
الـمطلب الأول: الوسطية في العقيدة
لا شك أن الغلو والمغالاة في العقيدة هو مرض خطير، وهو محرم شرعاً لأنه يؤدي إلى نتائج سيئة على الفرد والمجتمع والأمة، وأي غلو أو مغالاة في الاعتقاد يترتب عليـه غلو ومغالاة في العبادات، حيث يصرفها عن حقيقتها وأصالتها التي أرادها الله سبحانه وتعالى([13]).
يقول القرطبي في تفسير قوله تعالى
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً([14]). "ولما كان الوسط مجانباً للغلو والتقصير كان محموداً، أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم"([15]).
والبعد عن هذه الوسطية يوصل الإنسان إلى ضلال السعي والعمل، وانحراف التصور والعبادة، وصدق الله حيث يقول:
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً([16]).
وأوجه الانحراف والضلال الذي هو نقيض الوسطية كثيرة في واقعنا وفي أحوال الشعوب
من حولنا، مما يخرج الإنسان عن دين الله تعالى، وخير مثال على هذا الغلو والانحراف ما وقع
فيه أهل الكتاب من يهود ونصارى، حيث اعتقدوا أنبياءهم أرباباً وآلهة من دون الله، قال
تعالى:
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ([17]).
وقال تعالى:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً([18]).
"والمنهج الوسطي يوازن بين الجانب الروحي والجانب المادي، ويعطي كلاً حسب حاجته دون إفراط أو تفريط، "وكان المذهب الشائع عند النصارى أن أقرب ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى تعذيب النفس واحتقارها، وحرمانها من جميع الطيبات المستلذة، واعتقاده أنه لا حياة (للروح) إلا بتعذيب الجسد، وكل هذه الأحكام والشرائع قد وضعها الرؤساء، وليس لها أثر في شريعة الله، وقد تفضل الله على هذه الأمة بجعلها أمة وسطاً، تعطي الجسد حقه، والروح حقها، فأحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، وأمرنا بالشكر عليها، ولم يجعلنا جثمانيين خلّصاً كالأنعام، ولا روحانيين خلّصاً كالملائكة ، بل جعلنا أناسيّ كله بهذه الشريعة المعتدلة"([19]).
فقد بيّن الله حقيقة عيسى بن مريم عليه السلام بأنه لا يعدوا أن يكون رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ونهاهم عن القول بالتثليث المتمثل في الأب والإبن وروح القدس، واعتبار أن المسيح هو الإبن، وأثبت سبحانه أن الإله واحد لا يكون له ولد.
ولذلك حكم الله بالكفر على من اعتقد بعقيدة التثليث التي نهى الله عنها في الآية السابقة، فقال تعالى:
، وحكم أيضاً بالكفر على مَنْ قال بأن المسيح هو الله، قال تعالى:
ليست النصارى فقط هم الذين انحرفوا وغالوا في عقيدتهم، فاليهود من قبلهم فعلوا
ذلك أيضاً حيث اعتقدوا أن عَزير هو ابن الله، قال تعالـى فـي بيان ضلالهم وانحرافهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ([22]).
ومن هذا الغلو الذي اتصف به أهل الكتاب أنهم اتخذوا الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله، قال تعالى:
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[23]).
فالله يريد أن يُعبد وحده ، ولا يُشرك به أحدٌ سواه، فهو الإله المعبود بحق وهو منزهٌ عن شركهم وانحرافهم وضلالتهم، إذ كيف يُنزلون الأحبار والرهبان منزلة الإله في عبادتهم وطاعتهم وتحليلهم وتحريمهم.
ولذلك جاءت الآيات القرآنية بغلو أهل الكتاب، ليحذر المسلمون الوقوع فيما وقع فيه اليهود والنصارى من انحراف وضلال، وبُعدٍ عن الاستقامة والاعتدال في أمور العقيدة.
"ويكون التفريط في العقائد أو في المفاهيم الدينية الأساسية بالتهاون في القضايا التي تدخل في هذه المجالات، والتسامح في عدم الأخذ بها ... هذا التهاون من شأنه أن يفسد هذه العقائد والمفاهيم، ويجعلها عرضة للتحريف أو الابتداع، وبمرور الزمن يدخل في مفاهيم الدين وعقائده ما ليس منها، ويخرج من مفاهيم الدين وعقائده ما هو منحط، ويتحول الدين فيكون أوضاعاً بشرية تعبث بها الأهواء، ويتلاعب بها الشياطين وأصحاب المصالح الخاصة وأهل الأهواء ... فلا يجوز التهاون في عقدية ثابتة عقلاً أو شرعاً بصفة قطعية كالإيمان بالله وصفاته وكمالاته وأسمائه الحسنى ، وكالإيمان بالملائكة والج ، والإيمان بسائر الأخبار القطعية من أنباء الغيب الحاضرة أو الغيوب الماضية أو الآتية"([24]).
وهكذا نرى كيف يكون الإفراط يؤدي إلى ضلال السعي وانحراف العمل، وكذلك التفريط والتهاون يؤدي إلى ضياع الأحكام الشرعية واستبدالها بالأهواء والرغبات والأمزجة والمصالح الخاصة مما يؤدي إلى انحراف العقيدة وضلال السعي، وخسران العمل في العاجل والآجل، ولذلك لا خلاص من الإفراط والتفريط إلا بالوسطية التي أرادها الله لهذه الأمة من خلال صراط الله المستقيم، الذي أمر باتباعه والسير عليه، وحذَّر من غيره، فقال
تعالى:
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ([25]).
يقول سيد قطب: "إنه صراط واحد – صراط الله – وسبيل واحدة تؤدي إلى الله، أن يفـرد الناس الله – سبحانـه – بالربوبيـة، ويدينوا له وحده بالعبودية، وأن يعلمـوا أن الحاكمية لله وحده، وأن يدينوا لهذه الحاكمية في حياتهم الواقعية. هذا هو صراط الله، وهذا هو سبيله، وليس وراء ذلك إلا السبل التي تتفرق بمن يسلكونها عن سبيله"([26]).
الـمطلب الثاني: الوسطية في العبادات
إن الوسطية في العبادات مترتبة على وسطية العقيدة، فالعقيدة هي الأساس والعبادات ثمرة من ثمراتها، ونتيجة من نتائجها، فمن اعتدل وتوازن، ولم يغالي أو يتهاون في الجانب العقائدي، فلا شك أنه سيعتدل ويتوازن، ويتصف بما هو أعدل وأجود وأكمل في عباداته، وبالتالي لا يقع في إفراط أو تفريط.
ومما يدل على ضرورة الوسطية والاعتدال في العبادات ما رواه أنس رضي الله عنه قال:
"جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج رسول الله , يسألون عن عبادته، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها، قالوا: أين نحن من رسول الله , وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر أبداً ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله , فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"([27]).
إن النبي , لم يُقر هؤلاء النفر على ما أرادوا، لأنه رأى فيما ذهبوا إليه مغالاة وإفراط في العبادة، تبعدهم عن طبيعة هذا الدين، فالله عز وجل لا يريد بالعبادة أن يحرم الإنسان نفسه من المتع الحلال والمباحة له شرعاً، ولذلك يقول تعالى:
يقول سيد قطب: "وفي هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم، المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة، ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة، بل يحضه على هذا ويكلفه إياه تكليفاً، كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها ... وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان، ويمكنـه من الارتقـاء الروحي الدائم من خلال حياتـه الطبيعية المتعادلة، التي لا حرمان فيها ، ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية السليمة"([29]).
وإن الوسطية التي جعلها الله سمة لهذه الأمة الإسلامية تشمل كل شيء، بما في ذلك الأمور التعبدية، قال تعالى:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً([30]).
يقول ابن كثير: "ولما جعل الله هذه الأمة وسطاً، خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب"([31]).
وقد أشار الدكتور أحمد هاشم إلى الوسطية في العبادات فقال: "من العبادات التي تتجلى فيها الوسطية: الصلاة، فليست كثيرة شاقة، ولا قليلة لا تترك أثراً، بل هي خمس صلوات في اليوم والليلة، ولا تعارض بين أدائها وبين العمل في الصلاة، والسعي على الرزق، فالمسلم يعمل ويكدح، ويسعى، فإذا نودي للصلاة، أجاب ثم يعود إلى عمله وهكذا فهو يعمل لدنياه، ويعمل لآخرته، ولا تستغرق مساحة كبيرة من اليوم، وإنما حددها رب العزة سبحانه في مواقيت معينة دون إفراط أو تفريط، ولا مشـقة في أدائهـا ولا حـرج، قـال تعالى :
، ونلاحظ الوسطية أيضاً في الزكـاة فلم تفرض في كل وقت، ولكن
، وعند بلوغ النصاب، وفي النقدين بعد مرور حول ... وإذا نظرنا إلى الصيام وجدنا أنه يرخص بالفطر للمريض والمسافر والحامل والمرضع، وعليهم القضاء بعد ذلك، وأن الحج إنما يجب مرة واحدة في العمر كله، وهو على المستطيع.
وهكذا نرى أن العبادات لا مشقة فيها ولا حرج، قال تعالى:
، وقال سبحانه: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ([35]) ([36]).
ومما يؤكـد هـذه الوسطية في الأمـور التعبدية ما رواه البخاري عن أبي جحيفة عن أبيـه قال: آخـى النبي ، بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أمّ الدرداء مُتَبَتِّلَةً فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال له: كُلْ، قال: إني صائـم، قال: ما أنـا بآكـل حتـى تأكل، فأكـل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فَصَلَّيا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسـك عليـك حقـاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كلَّ ذي حق حقه، فأتى أبو الدرداء النبي ، فذكر له ذلك، فقال النبي " صدق سلمان"([37]).
نقول: لقد أقرَّ النبي ، سلمان على ما صنع مع أخيه أبي الدرداء فلم يأذن له في صيام وقيام يؤديان إلى ضياع حق الأهل والنفس، إنها سماحة الإسلام ويسره وعدالته ووسطيته.
روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ، دخل عليها وعندها امرأة فقـال: "من هذه ؟ قالت: فلانة، تذكر من صلاتها فقال: مَهْ، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يَمَلُّ الله حتى تملوا"([38]).
وروى أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل النبي ، فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقـال: ما هـذا الحبـل؟ قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت، فقال النبي:
لا، حلّوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد ([39]).
هذا كله يؤكد يسر الدين ووسطيته، وأنه لم يشرع الإفراط في العبادة إلى حد قد يصل فيه الإنسان إلى شيء من الكلل والملل، ولذلك فإن خيـر الأعمال أدومها وإن قل، ولم يُشرع في هذا الدين "الرهبانية التي ابتدعها النصارى بعد عيسى عليه الصلاة والسلام وهي تعني عندهم الانقطاع للعبادة والطاعة والانعزال عن الناس والحياة والزهد في الدنيا والما، والتخلي عن الطيبات والشهوات والغرائـز، وحرّمـوا الزواج على الرهبـان ليتفرغـوا للعبادة وفرضوا ذلك على أنفسهم"([40]).
فالاعتدال بالبعد عن الإفراط والتفريط في العبادة هو الحل، وفيه السلامة والاستقامة والمداومة على العبادة.
ونختم هذا المطلب بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: إن الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَة وشيءٍ من الدُّلْجَة([41]).
الـمبحث الثاني: الوسطية في العلاقات والمعاملات:
يحرص الإسلام على العلاقات الاجتماعية الإيمانية الطيبة بين أبناء المجتمع الإسلامي، ليكون بينهم التعاون والتراحم والتآخي والمحبة والتكافل والتسامح والعفو والإحسان، لأن مجتمعاً هـذه سماته لهو مجتمع فاضل، ولذلك أمر الله عباده بالمسارعة إلى المغفرة والجنة التي لا تنال إلا بمثل هذه الأوصاف، قال تعالى:
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّـةٍ عَرْضُهَـا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِـدَّتْ لِلْمُتَّقِيـنَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ([42]).
فهذه هي سمات المجتمع الإسلامي الفاضل وخصائصه المثالية، وعناصر تقواه، " كما أن التفريط في الدين، والتقصير في أحكامه ينتج عنه الكثير من الأمراض الاجتماعية التي تعشعش بينهم، وتفتك بهم، وتمزق شملهم، وتفرق جمعهم، وتعطي صورة سيئة عن المسلمين، وتنفر الناس منهم، وتدفع غير المسلمين في الشك في الإسلام نفسه، وفي صلاحيته لإصلاح الفرد والمجتمع، ويتخذ أعداء الإسلام من هذه الأمراض أسلحة للهدم، وبراهين للطعن([43]).
فالمسلم الحقيقي هو الذي يردعه إسلامه عن الظلم والعدوان وسوء الأخلاق مع غيره سواء أكان ذلك بيده أم بلسانه، ويجتنب ما نهى الله عنه من المحظورات والمفاسد، ويدفعه دينه وإيمانه إلى المحافظة على أموال الناس وأعراضهم ودمائهم لأنه يحب لهم ما يحبه لنفسه، يكره لهم ما يكره لنفسه.
وسنذكر نماذج لهذه الوسطية في العلاقات والمعاملات الاجتماعية سواء أكان ذلك بين الزوجين لبناء الأسرة المسلمة أم كان ذلك في الإحسان والترفق بالوالديـن، أم كان ذلـك في التعامل بين أفراد الأسرة والمجتمع، أم كان ذلك في التعامل مع غير المسلمين، وبيان ذلك بإيجاز فيما يلي:
أولاً: الوسطية في العلاقات الاجتماعية في بناء الأسرة
حث الإسـلام علـى الزواج ورغب فيـه، وذلـك حفاظاً على النوع البشري، وقد ذكر القرآن الكريـم أسس هـذا الاختيـار، يقول تعالى:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجـاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَـا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ([44])
فأسس هـذه العلاقة قائمة على السكن والمودة والرحمة.
كذلـك وضـع لنـا الشـرع الحكيم صفات الزوجة الصالحة، فقال : تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك([45]).
وحـذر الشـرع الحكيـم أيضاً من المرأة التي لم يحسـن تربيتهـا، قال إياكم وخضراء الدمن قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء([46]).
أما عند غير المسلمين فمنهم من لا يتزوج كالنصارى الذين ابتدعوا الرهبانية، ومنهم من يتجاوز حدود شرع الله، فيقع بالإباحية بانتهاك الحرمات وضياع الأنساب، يقول تعالى:
وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَـا فَآتَيْنَا الَّذِيـنَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ([47]).
كذلـك وضـع الشرع الحكيم صفات الزوج الصالح، فيقول رسول الله إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانة فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ([48]).
هـذه الأسس في اختيار الزوج الصالح غير متوفرة في الأمم غير الإسلامية، فاختيار الزوج يكون فقط للمتعة الجنسية، دون مراعاة تلك الضوابط والأسس التي وضعها الشرع الحكيم.
والعلاقة بين الزوجين في الإسلام قائمة على الخصوصية والستر والتكامل والتعاون على القيام بحقوق الزوجية، وتربية الأبناء تربية صالحة، قائمة على دين الله تعالى.
ثانياً: الوسطية في البر والإحسان إلى الوالدين
البر كلمة جامعة لكل خير، يقول تعالى:
وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَـنَّ عِنْـدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً([49])
تشير هذه الآية إلى أسس التعامل مع الوالدين، وذلك عن طريق تقديم كل أنواع الإحسان للوالدين في الأقوال، والأفعال والمعاملة، بحيث تشمل كل أنواع العطف والرحمة والمودة والحب والتقدير والاحترام في جميع مراحل حياة الآباء وخاصة مرحلة الكبـر، وذلـك لأن الكبـر له إيحاؤه وضعفه، ففي هذه المرحلة يفقد الأبوان الأهلية ويصبحان عالة علـى أبنائهما لذلك تأمر الآية الأبناء ألا يضيقوا ذرعاً بآبائهم ، فلا يصـدر عنهم ما ينبئ عن الإهانة وسوء الأدب، بل عليهم أن يدخلوا السرور والبهجة على آبائهم([50]).
ومن الوسطية مع الوالدين عدم طاعتهما على حساب طاعة الله تعالى، لقوله تعالى:
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً([51])، وكذلك يجب أن تتحقق الوسطية فى معاملة الآباء للأبناء، فلا ظلم ولا محاباة لبعض الأبناء على حساب البعض الآخر، مع اختيار الأم الصالحة لأبنائه، واختيار الأسماء المحببة، مع العدل في النفقة والميراث والتربية الحسنة.
أما إذا نظرنا إلى العالم غير الإسلامي نجد أن هذه المفاهيم الوسطية غير موجودة، بل نجد عدم الاحترام والمعاملة السيئة والإهانة، حتى إذا بلغ الأبوان سن الشيخوخة وضع الابن أبويه في بيت العجزة والمسنين، دون مراعاة لعاطفة الأبوة، فعلى الرغم من توفر كل سبل الراحة والرعاية لهؤلاء المسنين إلا أنهم يخرجون من تلك البيوت يبحثون عن عاطفة الأبوة، كذلـك ابتدعـوا ما يسمى بعيـد الأم، حيث يتعرف الإبن على أمه في ذلك اليوم، أما في باقي أيام السنة فإنه لا يعرفها.
ثالثاً: الوسطية في التعامل بين أفراد الأسرة والمجتمع
الأسرة هي نواة المجتمع، هذه الأسرة قائمة على الحب والتعاون والمساواة والمحبة فأفراد الأسرة يعملون مثل خلية النحل، كلٌ يقوم بواجبه، فالأب يعمل ويكدح من أجل توفير الرزق لأبنائه، والأم كالشمعة تضيء على الآخرين، والأبناء كلٌ ينصرف إلى دراسته وعمله، أما علاقة أفراد المجتمع بعضهم مع بعض فقد أرسى القرآن قواعد في التعامل، يقول تعالى:
ويقول تعالى:
فعلاقة أفراد المجتمع قائمة على الرحمة، فهم أذلة على المؤمنين، أشداء على الكافريـن، وقد حافظ القرآن الكريم على أسرار الناس، فأمر بغض البصر لأفراد المجتمع وأمر بعدم دخول بيوت الغير إلا بعد الاستئذان ، وذلك محافظة على أعراض الناس، يقول تعالى:
،يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ([55]).
هذه هي الوسطية المتمثلة في الحفاظ على أعراض الناس وأسرارهم، أما المجتمعات غير الإسلامية فهي قائمة على الإباحية المطلقة.
وقـد أمـر الله بالتعـاون بيـن أفـراد المجتمع الإسلامي فقال تعالى:
، وأمر بأداء الأمانات إلى أصحابها، بقوله تعالى:
أيضاً من ملامح الوسطية التواضـع بيـن أفراد المجتمع الإسلامي، يقول تعالى:
وتتجلى الوسطية في التعامل بين أفراد المجتمع الإسلامي باعتبار جميع أفراده عبارة عن أسرة واحدة متكافلة .
وقد أرسى القرآن الكريم أسس التعامل بين أفراد المجتمع فحرم السخرية والتنابز بالألقاب بين أفراد المجتمع حتى يعيش في أمان واطمئنان، يقول تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ([59]).
وحرم النميمة على أفراد المجتمع حتى يكون كل إنسان أميناً على أسرار الناس([60])، يقول تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ([61]).
ثم أمر بالإصلاح بين أفراد المجتمع، قال تعالى:
أما المجتمعات غير الإسلامية فإنها قائمة على الأنانية وحب الذات والحقد والكراهية والغش والخداع والاستكبار.
رابعاً: الوسطية في التعامل مع غير المسلمين
تظهر هذه الوسطية من خلال الأمور التالية:
عدم معاداة من لم يعادِ المسلمين، حيث يعتبر القرآن الكريم غير المسلمين شركاء في الإنسانية، وذلك إذا عاشوا في كنف الدولة الإسلامية، ولم يتعرضوا للمسلمين بالأذى، فلهم حق المواطنة، وعليهم واجب تجاه الدولة الإسلامية، فما داموا كذلك لا يجوز التعرض لهم بسوء يقول تعالى:
لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ([63]).
قال الطبري: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم"([64]).
قال ابن العربي: "قوله تعالى:
أي أعطوهـم قسطاً من أموالكم، وليس يريد به العدل، فإن العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل".([65])
دعوة غير المسلمين للإسلام ، وذلك عن طريق عرض الإسلام عليهم بالحكمة والموعظة الحسنة، يقول تعالى
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ([66]).
حسن الجوار والزيارة عند المرض، وذلك أن الإسلام قد حث على زيارة المريض حتى ولو كان المريض من أهل الكتاب، فهذا رسول الله كان له غلام يهودي يخدمه فمرض ذلك الغلام، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده([67]).
إعطاء غير المسلمين من بيت المال: لقد تكفلت الدولة الإسلامية بالإنفاق على رعاياها وإن كانوا أهل كتاب، فمن ذلك: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلاً ضرير البصر يسأل الناس، فقال من أنت؟ قال يهودي، فقال فما ألجأك إلى هذه؟ قال: الجزية والسن، فأخذ عمر بيده، وذهب إلى منزله فرضخ له([68]) بشئ من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال، وقال: انظر هذا وضرباءه فو الله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الهَرَمَ:
وتلا قوله تعالى:
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ([69]). والفقراء هـم المسـلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، وضع عنه الجزية وعن ضربائه([70]).
وقد حفظ عمر بن عبد العزيز لأهل الذمة حقوقهم أسوة بالمسلمين([71]). بهذا تبرز الوسطية في معاملة غير المسلمين، حيث عاش هؤلاء معززين مكرمين([72])، ولكن إذا نظرنا إلى الواقع عندما عاش المسلمون في ظل تلك الدول غير الإسلامية فقدوا حقوقهم، وقتّلوا، وشردوا.
وسطية القرآن الكريم المتمثلة في حفظ الحقوق لعامة الناس:
قـرر القـرآن الكريـم كرامـة الإنسانية، قال تعالى:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنـَاهُمْ فِـي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً([73]).
مع ضرورة أن لا يحملنا بغضنا لقوم على عدم العدل معهم، فالعدل هو الأقرب للحق والتقوى، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُـوا كُونُـوا قَوَّامِيـنَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ([74]).وبهذا ندرك وسطية الإسلام في التعامل مع غير المسلمين، دون إفراط أو تفريط، ودون ظلم أو محاباة على حساب دين الله تعالى.
الـمبحث الثالث: الوسطية في الأفكار والتصورات
إن التوسط والاعتدال جميل في كل شئ حتى في الأفكار والتصورات، وهذه شيمة العقلاء والحكماء والعلماء، أما سواهم فقد يقع في الغلو والتطرف تارةً، وقد يقع في التفريط والتهاون تارةً أخرى، فالتوازن والاعتدال يحافظ على هذه الوسطية، التي جعلها الله سمةً لهذه الأمة، ولذلك قالوا: "إن الجاهل إن مزج أسخط، وإن اعتذر أفرط، وإن حدَّث أسقط، وإن قدر تسلَّط، وإن عزم على أمر تورَّط، وإن جلس مجلس الوقار تبسَّط".([75])
وقد امتدح الله هذه الأمة بالوسطية، وأمرهم بالسير على صراطه المستقيم الذي يقودهم إلى التوازن والاعتدال، ويحقق لهم الوسطية في أفكارهم وتصوراتهم في كل الميادين والأصعدة، سواء أكانت هذه الأفكار والتصورات في الأمور الحياتية، أم كانت في الأمور العقائدية بما فيها أمور الغيب، كالبعث، والنشور، والجنة، والنار، وغيرها.
ولما جانب بعض المفكرين والفلاسفة هذه الوسطية وقعوا في ضلال السعي إذ ضل فكرهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وقد يدخلون في صنف الأخسرين أعمالاً إذا كان تفكيرهم وتصوراتهم تخرجهم عن دين الله، وقد يكون ذلك منهم ناتج عن المكر بالدين وأهله، وكم من بدع اعتقادية، وتصورات وأفكار ومفاهيم دينية باطلة دخلت على أفكار الناس فأبعدتهم عن دين الله، وصرفتهم عن صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، لا صراط المغضوب عليهم، ولا صراط الضالين.
وسوف نعرض بعض هذه الأفكار والتصورات التي انحرف أصحابها عن وسطية الإسلام وعدالته، لنرى ذلك الانحراف، وضلال السعي، وذلك فيما يلي:#
تلك الأفكار والتصورات قد انحرفت عن مسارها الطبيعي، ففيها من الإفراط والتفريط
والغلو ما يبعدها عن دين الله، لذلك أنزل تبارك وتعالى القرآن الكريم نظاماً شاملاً محكماً في جميع الميادين والأصعدة، ينظم الحياة الإنسانية على أساس الحق والعدل والاعتدال والحكمة والعقل، مع مراعاة أصول النظرة الإنسانية، وظروف الحياة الواقعية، لذا جذب هذا الدين أنظار المعتدلين في مشارق الأرض ومغاربها. ومع ذلك يوجد كثير من الناس يعبدون الطبيعة كالشمس والقمر والنجوم، ومنهم من يعبد الحيوانات كالبقر وغيرها، وقد يكون هذا العابد عالماً في الذرة أو غيرها، فيا له من غلو وانحراف وتفريط.
يقول سيد قطب: "التوازن والاعتدال الصفة البارزة للمنهج الإسلامي، وقد صان هذا المنهج الاندفاعات والغلو هنا وهناك، والتصادم هنا وهناك، هذه الآفة التي لم يسلم منها أي تصور آخر، سواء التصورات الفلسفية، أو التصورات الدينية التي شوهتها التصورات البشرية بما أضافته إليها أو نقصته منها، أو أوّلته تأويلاً خاطئاً، وأضافت هذا التأويل الخاطئ إلى صلب العقيدة "([82]).
ومعنى الآية (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً): إنها الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعاً. فتقيم بينهم العدل والقسط، وتضع الموازين والقيم، وتبدى فيهم رأيها فيكون هو الرأي المعتمد، وتزن قيمهم وتصوراتهم وتقاليدهم وشعاراتهم، وهي شهيدة على الناس، وفي مقام الحكم العدل بينهم..، وبينما هي تشهد على الناس هكذا، وتحكم على أعمالهم وتقاليدها، وتزن ما يصدر عنها، وتقول فيه الكلمة الأخيرة..، وبهذا تتحدد حقيقة هذه الأمة ووظيفتها، لتعرفها، ولتشعر بضخامتها، ولتقدر دورها حق قدره، وتستعد له استعداداً لائقاً، وإنها للأمة الوسط بكل معاني الوسط، سواء من الوساطة، بمعنى الحسن والفضل، أو من الوسط بمعنى الاعتدال والقصد، أو من الوسط بمعناه المادي الحسي، إنها أمة وسطاً في التصور والاعتقاد.. لا تغلو في التجرد الروحي ولا في الارتكاس المادي، إنما تتبع الفطرة المتمثلة في روح متلبس بجسد يعطى كل ذي حق حقه في تناسق واعتدال، وهي أمةٌ وسطاً في التفكير والشعور لا تجمد على ما علمت، وتغلق منافذ التجربة والمعرفة ولا تقلد المقلدين، ولكن تتمسك بما لدينها من تصورات ومناهج وأصول، ثم تنظر في كل نتاج للفكر والتجريب، وهي كذلك (أمة وسطاً) في التنظيم والتنسيق تنقـي الضمائـر بالتوجيه والتهذيب، وتكفل نظام المجتمع بالتشريع والتأديب([83]).
وبهذا فقد وضح القرآن الكريم بنصوصية المعجزة مقاصده النبيلة في حفظ القضايا
الكبرى التي تهم البشرية وهي خمسة: حفظ الدين، والنفس، العقل، والمال، العرض، ولتحقيق مصلحة الفرد والجماعة والأمة، وإيجاد التوازن والاعتدال على منهج واضح مستقر، لذلك فالتوسط في جميع القضايا لينسجم مع إمكانيات البشر وقدراتهم، في ظل هذه الوسطية تنعم البشرية بالاستقرار والحرية والإخاء والمساواة بعيداً على الظلم والصراع، وفي هذا المعنى يقول تعالى "
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ([84]).
وبهذا تظهر وسطية الأمة بخيريتها واعتدالها في قضية الإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعدها عن الانحراف في الأفكار والتصورات الضالة وأن تكون حياة الإنسان كلها لله، وصـدق الله حيث يقول "
الـمطلب الأول: الوسطية في النفقات
قال السدي: (جمع مالاً وعدده) ألهاه ماله في النهار، هذا إلى هذا، فإذا كان الليل نام كأنه
جيفة منتنة، يظن أن هذا المال الذي جمعه سيخلده في هذه الدار ولكن الأمر ليس كما
زعم ولا كما حسب([88]).
وقد قص علينا القرآن الكريم قصة قارون لأخذ العبرة والعظة من فتنة الدنيا، يقول تعالى:
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ، فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَـاءُ مِنْ عِبـَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ([89]). وقد بينت الآيات حالات بطر النعمة والغرور والزهو، حتى استكبر على عبادة الله وجحد نعمة الله، فكان نتيجة ذلك أن عاقبه الله بالخسف والدمار والهلاك فخسر الدنيا والآخرة، وهذه عاقبة البطر والكفر بالنعمة والاستكبار.
لذلك وضع القرآن الكريم القواعد الشرعية لكسب المال وإنفاقه، أما كسب المال فقد حرم القرآن الكريم الربا بكل أنواعه، يقول تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا([90]).
وحرم الميسر بصوره المتعددة، يقول تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ([91]).
وحرم الاحتكار، يقول الرسول r: (من احتكر فهو خاطئ)([92])، وحرم السرقة ووضع عقوبة لها، يقول تعالى:
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ([93])،
وحرم الغش في الكيـل والميـزان، يقـول تعالى:
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً([94]).كذلك نهى القرآن عن أكل المال بالباطل، وإعطائه إلى الحكام رشوة لهم، يقول تعالى:
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ([95]). وبعد أن وضع القرآن الكريم منهج الوسطية في جمع المال وكسبه، يضع القواعد المتوازنة في إنفاق المال، حيث يجب على من يمتلك المال ألا يبخل بماله على الفقراء والمساكين، وان يعطى الحق في ماله، يقول تعالى:
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُوراً([96]) وقد حذر من البخل، قال تعالى:
هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ([97]). وقد ذكر القرآن الكريم الآيات التي تدلل على الوسطية فـي الإنفاق، يقول تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَـانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً([98])، ويقـول تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً([99]).يقول سيد قطب: "التوازن هو القاعدة الكبرى في المنهج الإسلامي، والغلو كالتفريط يخل بالتوازن، والتعبير يجري على طريقة التصوير، فيرسم البخل يداً مغلولة إلى العنق، ويرسم الإسراف يداً مبسوطة كل البسط، لا تمسك شيئا، ويرسم نهاية البخل ونهاية الإسراف قعدة كقعدة الملوم المحسور، فيقف البخيل بحسرة بخله، وكذلك المسرف ينتهي به سرفه ملوماً في الحالتين، وخير الأمور الوسط"([100]).
هذه بعض القواعد التي أرساها القرآن الكريم في جمع المال وإنفاقه، وبذلك يتضح عدم صلاحية المنهج الرأسمالي والمنهج الاشتراكي للحياة، فالنظام الرأسمالي يقوم على الحرية المطلقة للفرد دون قيود، فالفرد له الحريـة أن يجمع المال بأي طريقة كانت حلالاً أم حراماً، فالغاية تبرر الوسيلة، حتى لو أدى ذلك إلى الاحتكار والغش والاستغلال، وغير ذلك، مما أدى إلى تكديس الأموال في أيدي أشخاص معدودين.
أما النظـام الاشتراكي فإنه يلغي الملكية مطلقاً، وبذلك يغلب المصلحة العامة على
الخاصة، فالفرد ليس له حرية التصرف في ماله، فالدولة هي التي تتصرف، وبذلك يذوب دور
الفرد([101]).
الـمطلب الثاني: الوسطية في الـمطعومات
لقد علمنا ديننا كيف نتبع الحق والعدل والوسطية في مطعوماتنا، فأحل لنا أموراً وحرّم علينا أموراً أخرى، وما كان التحليل والتحريم إلا لصالح الإنسان ومصلحته العاجلة والآجلة، فمثلاً أحلّ لنا الطيبات لأنها طيبة نافعة، وحرّم علينا الخبائث لأنها خبيثة ضارة، قال تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ([102])، وقال تعالى: يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ([103])، وقال: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ([104])، ولذلك نهى الله عباده المؤمنين أن يحرموا طيبات أحلها الله لهم فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ([105]).
فقد نهانا ربنا أن نعتدي في تحليلنا وتحريمنا، إذ الأصل أن نحلَّ ما أحلَّ الله لنا من المطعومات، ونحرّم ما حرّم الله علينا من الخبائث.
وقد ذكـر القرآن جملـة من الآيـات التي تدل على الوسطية في المطعومات، وذلك من خلال عدم الإسراف والتجاوز، يقول تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ([106]).
ومن الوسطية والاعتدال الحرص على تناول الطيبات ، والابتعاد عن المحرمات من المأكولات والمشروبات التي نهى الله عنها لضررها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ([107])، ويقاس على هذا النص جميع المخدرات والمسكرات والمفترات مهما اختلفت أسماؤها وألوانها وأشكالها.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ([108]) .
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.([109]) هذه الآيات توضح معالم الوسطية في المنهج الإسلامي، فالأكل والشرب مشروع مما أباح الله، ويكون النهي عندما يكون هناك إسراف وتبذير، سواء أكان الإسراف في النوع أم الكم أم العادة، قال القرطبي: على المرء أن يأكل ما وجد، طيباً أو كان قفاراً، ولا يتكلف الطيب ويتخذه عادة وقد كان النبي يشبع إذا وجد، ويصبر إذا عدم، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها، ويشرب العسل إذا اتفق له، ويأكل اللحم إذا تيسر، ولا يعتمد أصلاً ولا يجعله ديدناً ومعيشة النبي معلومة وطريقة الصحابة منقولة([110]).
قال الطبري: يأيها الناس كلوا مما أحللت لكم من الأطعمة على لسان رسول الله فَطَيَّبْتُه لكم، مما تحرمونه على أنفسكم من البحائر والسوائب والوصائل، وما أشبه ذلك، مما لم أحرمه عليكم، دون ما حرمته عليكم من المطاعم والمآكل فنجسته، من ميتة ودم ولحم خنزير، وما أهل به لغيري، ودعوا خطوات الشيطان الذي يوبقكم، فيهلككم ويوردكم موارد العطب([111]).
ومن الوسطية في المطعومات دعوة النبي لعدم الإفراط في تناول الأطعمة ولو كانت حلالاً، لقوله : (ما ملأ ابن آدم وعاء قط شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان فاعلاً فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)([112]).
وقال أيضاً "نحن قوم لا نأكل حتي نجوع، وإن أكلنا لا نشبع"([113])، فيا له من تشريع يتصف بالوسطية والإعجاز في الاعتدال والتوازن في أكل الإنسان وشربه من حلال دون إسراف أو تبذير.
الـخاتـمة
أولاً : ظهر لنا المعنى اللغوي للوسطية بجميع صيغها واشتقاقاتها، كما اجتهد الباحثان في الوصول إلى معنى شرعياً للوسطية وهو "الاعتدال والخيرية والإنصاف والرفعة بسبب الصفات المحمودة التي لا إفراط فيها ولا تفريط".
اعتدل وتوازن في الجانب العقائدي، ولم يغالي أو يتهاون في ذلك، فلا شك أنه سيعتدل
حوالہ جات
- ↑
۔ البقرة،2:142
- ↑
()البقرة ،2: 143
- ↑
()أحمد بن فارس بن زكريا ،معجم مقاييس اللغة ، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1991م.، 6: 108 .
- ↑
()راغب الأصفهاني، لأبي القاسم الحسين بن محمد ،المفردات في غريب القرآن ، تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، لبنان. ، : 522 .
- ↑
()لأبي البقاء أيوب الكوفي ،مؤسسة الرسالة ،الكليات " معجم في المصطلحات والفروق اللغوية " ، بيروت، الطبعة الثانية 1993م.: 938 بتصرف .
- ↑
() عبد الله البستاني ،الوافي "معجم وسيط للغة العربية" ، مكتبة لبنان ، ص 701 ؛ الزمخشري، لأبي القاسم محمود بن عمر ،أساس البلاغة ، تحقيق الأستاذ عبد الرحيم محمود، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، طبعة 1983م ،: 498.
- ↑
()محمد عبد الرؤوف المناوي ،التوقيف على مهمات التعاريف "معجم لغوي مصطلحي"، المناوي تحقيق: د. محمد رضوان الداية، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1990م ،: 725 .
- ↑
()د. أحمـد عمـر هاشم، وسطية الإسلام، منشورات دار الرشاد، القاهرة، الطبعة الأولى 1419هـ-1998م، :7 .
- ↑
() البقرة2 : 143 .
- ↑
() وسطية الإسلام - للدكتور أحمد عمر هاشم ،: 7 .
- ↑
() ایضا، 17 .
- ↑
()د. محمد عبد اللطيف الفرفور ،الوسطية في الإسلام ، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م ، : 135 .
- ↑
()الدكتور محمد الزحيلي ،الاعتدال في التدين فكراً وسلوكاً ومنهجاً ، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، بيروت، الطبعة الثالثة، 1413هـ-1992م ، : 29 .
- ↑
() البقرة، :2148 .
- ↑
()القرطبي ،لأبي عبد الله محمد بن أحمد،,الجامع لأحكام القرآن,دار الأسماء للنشر ، 1 : 104 .
- ↑
()الكهف ،:18 103-106 .
- ↑
() المائدة ،:5 77 .
- ↑
() النساء، :4 171 .
- ↑
()محمد علي الصابوني، روائع البيان " تفسير آيات الأحكام، منشورات مكتبة الغزالي، دمشق ، الطبعة الثالثة، 1980م، 1 :166 .
- ↑
()المائدة، 73:5 .
- ↑
() ایضا، 72 .
- ↑
()التوبة ، :9 30 .
- ↑
() ایضا، 31
- ↑
() الوسطية في الإسلام - د. محمد عبد اللطيف الفرفور ،: 87 " بتصرف " .
- ↑
() الأنعام ،:6 153 .
- ↑
()سيد قطب، ظلال القرآن ,دار الشروق، بيروت، القاهرة، الطبعة الشرعية السابعة، 1398هـ-1978م ،3 : 1234 .
- ↑
()أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع الصحیح, دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، الطبعة الثالثة، 1992م .كتاب النكاح – باب الترغيب في النكاح –5 :1949 .
- ↑
() القصص ، :2877 .
- ↑
() ظلال القرآن ،5 :2711 .
- ↑
() البقرة -:2 143 .
- ↑
() أبي الفداء ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم ، ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ،284:1
- ↑
() البقرة ،:2 286 .
- ↑
() الأنعام ، :6 141 .
- ↑
() البقرة ،:2 185 .
- ↑
()الحج ، :2278 .
- ↑
() وسطية الإسلام ،: 21-25 " بتصرف " .
- ↑
()البخاري ،الجامع الصحیح،كتاب الأدب – باب صنع الطعام والتكلف للضيف –5 :2273 .
- ↑
()البخاري ،الجامع الصحیح، كتـاب الإيمـان - باب أحـب الدين إلى الله أدومه - حديث رقم 43 موسوعة الكتب الستة - ص 5 .
- ↑
()البخاري ،الجامع الصحیح ،كتاب التهجد - باب ما يكره من التشدد في العبادة - حديث رقم 1150 موسوعة الكتب الستة - ص 89 .
- ↑
() الاعتدال في التدين – فكراً وسلوكاً ومنهجاً - د. محمد الزحيلي - ص 91 ، 20 .
- ↑
() صحيح البخاري - كتاب الإيمان - باب الدين يُسر - حديث رقم 39 – موسـوعة الكتب الستـة - ص 5 .
- ↑
() سورة آل عمران - الآيات ( 133-136 ) .
- ↑
() الاعتدال في التدين " فكراً وسلوكاً ومنهجاً " - الدكتور محمد الزحيلي ،: 116 .
- ↑
() الروم - :30 25 .
- ↑
() صحيح البخاري – كتاب النكاح – باب الأكفاء في الدين –5 : 1985 .
- ↑
()الألباني، محمد بن ناصر الدين، السلسلة الضعيفة، مكتبة المعارف ، الرياض ،1 :69 .
- ↑
()الحديد -:57 27 .
- ↑
() سنن الترمذي – كتاب النكاح – باب إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه ،3 :395 .
- ↑
() الإسراء ،:17 23 .
- ↑
()- د. محمد حجازي ،التفسير الواضح ، دار الفكر، 15: 19 – " بتصرف "
- ↑
() لقمان، :3115 .
- ↑
()الفتح ، :48 29 .
- ↑
() المائدة ، :5 54 .
- ↑
() سورة النور، :24 30 .
- ↑
() ایضا 27 .
- ↑
()المائدة ،:5 2 .
- ↑
() سورة النساء ،:4 58 .
- ↑
()لقمان ،: :3118 ؛ وسورة الإسراء،37:17
- ↑
()الحجرات ، :49 11 .
- ↑
()القرطبي، عبد الله محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن ، دار الأسماء للنشر، " باختصار "
- ↑
()الحجرات ، 49: 12 .
- ↑
() ایضا، 10 .
- ↑
()الممتحنة ، :60 8 .
- ↑
()محمد بن جرير الطبري ،جامع البيان في تأويل القرآن ، دار الفكر ، 28:66 .
- ↑
() أحكام القرآن ، 2 :1785 .
- ↑
()النحل ،:16 125 .
- ↑
()لابن حجر العسقلاني ،فتح الباري شرح صحيح البخاري ، 3 : 513 - حديث رقم 3475 .
- ↑
()محمد بن أبي بكر الرازي ،أي : أعطاه قليلاً من المال . انظر : مختار الصحاح ، 1 : 267 .
- ↑
()التوبة، :9 60 .
- ↑
()للقاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة ، الخراج ، الطبعة السلفية ، الطبعة السادسة ، 1397هـ ،: 126 ۔
- ↑
() المرجع السابق ،:48.
- ↑
() فتح الباري،:1081 – ح رقم 3475 .
- ↑
()الإسراء ، :17 70 .
- ↑
()المائدة ،5 :8 .
- ↑
() الوسطية في الإسلام ،: 54 ،55 .
- ↑
() محمد قطب، مذاهب فكرية ،معاصرةدار الشروق، طبعة 1403هـ-1983م ،: 445
- ↑
()د. صالح الرقب،واقعنا المعاصر والغزو الفكري ، الطبعة السابعة ، 1425هـ-2004م ، :150 .
- ↑
() مذاهب فكرية معاصرة ،:178 .
- ↑
() ایضا، 259 .
- ↑
() واقعنا المعاصر والغزو الفكري – د. صالح الرقب،:260 .
- ↑
() المرجع السابق ، :276 " بتصرف " .
- ↑
()سيد قطب ،خصائص التصور الإسلامي ومقوماته ، طبعة دار الشروق، : 136 " بتصرف " .
- ↑
()سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، بيروت، القاهرة، الطبعة الشرعية السابعة، 1398هـ-1978م، 1 : 131 " بتصرف " .
- ↑
()آل عمران ،:3110 .
- ↑
()الأنعام ، :6162 .
- ↑
()العاديات ،:1008 .
- ↑
()الهمزة، :104 1-4 .
- ↑
() تفسير ابن كثير ،5 : 548 .
- ↑
()القصص:28 76 – 83 .
- ↑
()البقرة، :2 275 .
- ↑
()المائدة ،5 : 91-90
- ↑
() صحيح مسلم ، كتاب المساقاة ، باب تحريم الاحتكار في الأقوات ،3 :1227 .
- ↑
()المائدة ،:5 83 .
- ↑
()الإسراء ،:17 35 .
- ↑
()البقرة ،:2 188 .
- ↑
()الإسراء ، :17100 .
- ↑
()محمد ،:47 38 .
- ↑
(الفرقان ، :25 67 .
- ↑
()الإسراء، :17 29 .
- ↑
() في ظلال القرآن - سيد قطب ،4 : 2223 .
- ↑
() في ظلال القرآن – سيد قطب ، 4 :2224 .
- ↑
()الأعراف ،:7 157 .
- ↑
()المائدة، :5 4 .
- ↑
() ایضا، 5 .
- ↑
() ایضا، 87 .
- ↑
()الأعراف،:7 31 .
- ↑
()المائدة ،ا:590 .
- ↑
()البقرة ، ا:2 172 .
- ↑
() ایضا، 168 .
- ↑
() الجامع لأحكام القرآن ،16 :202 .
- ↑
() جامع البيان في تأويل القرآن – الطبري ،2 :76 .
- ↑
() سنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل –4 :590 – قال أبو عيسى : حديث حسن صحيح .
- ↑
() لا يوجد الا في : السيرة الحلبية – علي بن برهان الدين الحلبي–3 :299 .
Article Title | Authors | Vol Info | Year |
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2019 | ||
Article Title | Authors | Vol Info | Year |