Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches > Volume 1 Issue 3 of Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches

القراءة الحداثية للسنة النبوية عرض ونقد لأطروحة محمد شحرور |
Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches
Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches

Article Info
Authors

Volume

1

Issue

3

Year

2021

ARI Id

1682060055167_1827

PDF URL

https://www.benkjournal.com/archives/1561

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

ABSTRACT

Innovation in Islamic thought as a way to bridge the gap between the Islamic and western worlds has always been considered as one of the controversial issues among the Islamic elites. Endeavors and approaches to innovate the Islamic heritage were diverse and modeled to stem either from within the religion and only through its tools or from the western civilization and through its ideals. This article is an attempt to understand one of the most eminent, 21st-century, modernist projects which advocates the renewal and innovation of Islamic thought through a reinterpretation and, hence, a contemporary understanding of the Islamic fundamentals in the light of western epistemological values. Muhammad Shahrour´s thesis on the prophetic Sunnah has provoked a massive and wide-ranging contemporary intellectual controversy. The beautifully-modeled thesis has raised serious questions and has aimed at reshaping our concept towards the status of the Sunnah through minimizing and reducing its role in the daily lives of contemporary Muslims. We aim here at both displaying and criticizing Shahrour´s perspective through de-structuring its evidentiary foundations, on the one hand (an analysis and critique of the book: "Al-Kitab Wal Quran"), and through spotting its shortcomings and anomalies as well as the contradictions into its fabric. As to the exterior sources, we have noted the critical foundations and principles espoused by Shahrour to deconstruct the Sunnah, through his attempt to inspire the current, contemporary Islamic applications, mainly prevailing in the orientalist thinking, and to use western critical and materialistic approaches, including among others, philology and historicism. We have also noted the position statement of Islamic scholars, and their radically critical views on Shahrour´s thesis, stressing that early Muslims were initially aware of such issues to which they offered innovative solutions.

Key Words: Critique - Sunnah - Approaches - Interpretation - Modernism

 



المقدمة:

لم تزل السنّة النبوية هي الضامن الأساسي لمعاني القرآن الكريم، والموجه لمقاصده الكبرى في تحقيق مناطها في الواقع التاريخي الإنساني. فهي التطبيق العملي للبيان القرآني؛ المفصّلة لمجمله والمخصِّصة لعمومه والمقيدة لمطلقه... لذلك اشتدت عناية المسلمين بتراث النبوة المحمدية منذ البدايات الأولى للدعوة الإسلامية. وكما استطاعوا خلق ثورة علمية في علوم الحديث والفقه وأصوله غير أنه بعد القرن الرابع الهجري ستشهد هذه العلوم تدهورا كبيرا سيعرف لدى الباحثين بعصر التقليد والجمود. وقد أحدثت الصدمة الحضارية التي واجهت المسلمين بعد غزو نابليون لمصر سنة 1798م وعيا ذاتيا وتاريخيا بالفجوة الشاسعة بين العالم الاسلامي وأوروبا الغربية باعتبارها الشريك الأساسي في الدين والحضارة والعلوم والجغرافيا (ثقافة حوض البحر الأبيض المتوسط) بل والثقافة الانسانية بشكل عام. وفي سياق التدهور العام للمعارف الاسلامية ظهرت دعاوى التجديد والإصلاح الدينيين ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر، فانبرت مشاريع نقدية لم تكتف بالدعوة إلى هدم الفروع الفقهية الاجتهادية فقط بل امتدت إلى هدم المصادر التأسيسية للإسلام والتشكيك في مصداقيتها.

طالت القراءات الحداثية للثراث الاسلامي كل المستويات المعرفية للعلوم الشرعية الكلاسيكية سواء على مستوى ثبوتها التاريخي، وعلى مستوى تداولها التأويلي والرمزي، بالإضافة إلى تحوير وظيفتها التشريعية التي تحدد منزلتها داخل المنظومة الشرعية. ويعد كل من أحمد أمين في كتابه «فجر الاسلام» صادر سنة 1933م وإسماعيل أدهم في رسالة له نشرت عام 1934م ومحمود أبوريّة في كتابه «أضواء على السنة المحمدية» المنشور سنة 1957م من أوائل الذين أعملوا منهج النقد التاريخي في علوم السنّة استكمالا للنقد الذي بدأه المستشرقون الأوروبيون من قبل؛ من حيث التشكيكُ في عدالة الرواة وتعدد أسباب الوضع، كما شككوا في متانة منهج علماء الجرح والتعديل في تمحيص الرواة ورواياتهم وتمييز الأحاديث المكذوبة عن غيرها. وإن كان أحمد أمين ومحمود أبو ريّة ناقشا قضايا التدقيق التاريخي للأحاديث المنقولة عن النبي، فإنهما لم يحرفا الاعتقاد في طبيعتها القدسية وفي وظيفتها التشريعية. لم يكتف الفكر الوضعي إلا بالدفع بالنقد التاريخاني إلى منتهاه من خلال توسيع المنهجية النقدية للسنة لتدخل مرحلة جديدة وهي مرحلة تفكيك المسلمات الاسلامية من الداخل فيما سمِّيَ بالتأسيس لـ«مرحلة ما بعد ارسالات السماوية». وفي هذه المرحلة ثمَّ مراجعة وظيفة السنة التشريعية باعتبارها اجتهادات الرسول في فهم الوحي، لا تختلف بأي حال من الأحوال عن باقي اجتهادات المجتهدين المطلقين في الإسلام كمالك والشافعي وابن حنبل وغيرهم! وكانت الغاية من ذلك اعادة فهم تموضع الأحاديث تجاه القرآن من جهة، ثم تجاه العلوم الإنسانية من جهة ثانية لإخراج بالفكر الإسلامي-زعموا- من حالة المحلية إلى حالة العالمية!

من أهم القراءات الحداثية للسنة النبوية نقف على مشروع الدكتور محمد شحرور. وتأتي أهمية هذا المشروع في كونه نموذجا أمثل للمشاريع الجذرية في الفكر الإسلامي المعاصر، نظرا لطبيعته الجدلية الكبيرة التي تدعو إلى القطيعة الابستمولوجية مع التراث الإسلامي، وإقامة بديل معرفي قرآني بناء على الأرضية المعرفية الوضعية للفكر الغربي بالاستعانة بالديالكتيك المادي الماركسي. لقد وجّه شحرور ترسانته التحليلية والتأويلية نحو النصوص المؤسسة للإسلام قصد التشويش على الفاهمة الجمعية للمسلمين التي ورثوها عن السلف؛ مستخدما مسالك منهجية لا يمكن أن تقوم على أساسا متينة أمام البحث العلمي الرصين، فجعل منها براديغمات مؤسسة لقراءته الحداثية. تُرجمة تلك المسالك النقدية في مواقف جذرية من السنة في دعوته إلى تهميشها واعتبارها مصدرا تشريعيا وضعيا لا إلهيا من حيث كونها نتاج البيئة العربية البدائية في تزمنها ومحدوديتها. كما نظر إلى الفهومات النبوية للنص القرآني كظواهر فهمية بدائية لا ترقى إلى التوسع الدقيق للعلوم الكونية الحديثة مما كان غائبا عن علم النبي الأمي.

ومن المعلوم أن الدراسات النقدية شديدة الأهمية والراهنية؛ نظرا لما تساهم به في خلق وعي نقدي لدى المتلقين، وتساعدهم على تلقي الأفكار بحس نقدي قبل اعتمادها كحقائق مسلَّمة. كما تساهم في توسيع النقاش بين المختصين حول فاعلية النزعة الجذرية في الفكر الإسلامي المعاصر في مواجهة تحديات التجديد والإصلاح في العالم الإسلامي. كما ستضع هذه الدراسة المتواضعة مشروع محمد شحرور موضع المسائلة الحضارية أمام العقل المسلم بعد تهاوي المادية في مجالها التداولي سواء مع التجربة الشيوعية أو مع الفلسفات الماركسية الأوروبية. وهي مدارس فكرية طالما غذت النزعة الوضعية في فكر صاحب هذه الأطروحة محل العرض والنقد التي تسعى إلى تحرير الانسان من كل القيود مطلقا، وعلى رأسها القيد الدّين والغيب وكل معنى خارج الوعي الانساني. إن الأحدية المادية كامنة خلف مشروع الدكتور شحرور هي التي حالت بينه وبين التوغل في أعماق الوجدان الإسلامي المتعدد المشارب والموارد، وهي التي قوضت تحقيق أهدافه التحررية المزعومة.

تولت دراسات سابقة نقد وتمحيص القراءات الوضعية الحداثية للفكر الاسلامي؛ منها كتاب الأكاديمي الجيلاني مفتاح المسمى «الحداثيون العرب في العقود الثلاثة الأخيرة والقرآن الكريم: دراسة نقدية» وكتاب «القراءات الجديدة للقصة القرآنية دراسة تحليلية نقدية تكميلية» لمحمد الكنفودي، وكتاب «النزعة المادية في العالم الإسلامي: نقد كتابات جودت، محمد اقبال، محمد شحرور على ضوء الكتاب والسنة» لعادل التل، وكتاب « بحوث مؤتمر (الانتصار للصحيحين): نحو منهجية علمية للتعامل مع الصحيحين» الذي نشرته الجامعة الأردنية، وغيرها من الدراسات التي رامت نقد الرؤية الحداثية في شموليتها، غير أننا سلكنا في هذه الدراسة منحى أكثر خصوصية بالتركيز على مشروع معين وهو أطروحة الدكتور شحرور الحداثية في قضية معينة أيضا وهي موقفه الابستمولوجي من السنة التي تعتبر العمود الثاني الذي تتأسس عليها نظرية المعرفة الاسلامية. وغايتنا من ذلك المساهمة في تدعيم البحث العلمي في تجديد الفكر الاسلامي المعاصر، وهذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية: البحث عن الجذور التأسيسية التي انطلق منها محمد شحرور في بناء مرجعيته الفكرية سواء في تنزيلها النقدي للثراث أو في تقديم البدائل التأويلية للنص الشرعي. ومن جهة ثالثة: الكشف عن سوء فهم صاحب الأطروحة لمناهج علماء الإسلام خصوصا المحدِّثين والأصوليين منهم، وعدم استيعابه لطرقهم المختلفة في فهم الإشكاليات التي صاحبت الأحاديث النبوية في مسيرتها التاريخية. كما رمنا التأكيد على زمرة المقترحات والحلول الناجعة التي سجلها علماؤنا في مصادرهم وأنزلوا القواعد المصطلحية منزلة العلوم التمحيصية المعتمدة. وفي نفس الإطار فقد اعتمدنا في هذه المقالة على ما أصدره محمد شحرور من كتب قيد حياته، خصوصا كتابه التأسيسي المسمى بـــ « الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة» وكتاب «تجفيف منابع الإرهاب» وكتاب « نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي» وهي كتب مرجعية في مشروعه النقدي، توزّعت بين التنظير المعرفي حول(الكتاب والقرآن) وبين تقديم البديل التطبيق للفقه التراثي (نحو اصول الجديدة للفقه الإسلامي) وبين التأصيل السياسي(تجفيف منابع الارهاب).

وقد تهيكل هذا البحث في ثلاثة مباحث أساسية يتقدمها تمهيد عام كما يلي:

 

  • المبحث الأول: تمهيد عام في اختراق الأصول الإسلامية: نحو مرحلة ما بعد الرسالات السماوية

  • المبحث الثاني: محمد الرسول ومحمد النبي

  • المبحث الثالث: الموقف من فهم النبي للوحي في زمن ما بعد الرسالات

  • المبحث الرابع: السنّة وآفات النقل والرواة

    المبحث الأول: تمهيد عام: اختراق الأصول الإسلامية: نحو مرحلة ما بعد الرسالات السماوية

    دعا الدكتور محمد شحرور إلى اختراق المسلمات الإسلامية معتبرا إياه المدخل المنهجي الوحيد لتجديد الفكر الإسلامي وعالميته. ومن أجل تحقيق هذه الغاية نادى إلى تفكيك الأصول الإسلامية التي يقوم عليها الإسلام التاريخي، كمدخل لتجديد وتنمية الوعي الديني للمسلمين لـ «ينتج عن ذلك فكر إسلامي معاصر يحمل مقومات المعاصرة شكلا ومضمونا دون الخروج عن المقومات الأساسية للعقيدة الإسلامية في أبسط اشكالها وهي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر»(0). وبغضِّ النظر عن سبب استثناء المسلَّمات الايمانية الستّ من التفكيك دون غيرها من المسلَّمات الأخرى، فيحق لنا أن نتساءل عما يعنيه باختراق هذه المسلَّمات الإسلاميةّ؟ وماذا يريد صاحبها أن ينتهي إليه الفكر الإسلامي المعاصر في شكله ومضمونه؟

  • مرحلة ما بعد الرسالات في فكر محمد شحرور

    يؤكد محمد شحرور على أن مراجعة الثوابت الاسلامية أمر ضروري وملح حتى نصل بالإسلام والمسلمين إلى ما يسميه بـ « مرحلة ما بعد الرسالات». والمقصود ب الثوابت الاسلامية /المسلمات؛ القضايا التي تعتبر أساس الدين ومحل إجماع المسلمين ولا يقبل التشكيك فيها بأي حال من الأحوال في مجال العلوم الإسلامية. وكل تجديد يدخل على هذه المسلمات سواء أكان إعادة قراءة وتأويل أو تبديل وتغيير فإنه يعتبر خطوة نحو زحزحة الحالة المعرفية الراهنة في اتجاه مرحلة سيتجاوز فيها العقل المسلم حاجته إلى الوحي كلية. يقول شحرور: « ... (وهي المرحلة) التي نعيشها نحن. أي أن الإنسانية الآن لا تحتاج الى أية رسالة أو نبوة بل هي قادرة على اكتشاف الوجود بنفسها دون نبوات وقادرة على التشريع وبنفسها دون رسالات»(0). وكأننا أمام أطروحة ترمي إلى إحداث شرخ بين المسلم ونموذجه المعرفي الذي يحدِّد هويته الحضارية. والحضارة الإسلامية تدخل ضمن نسق الحضارات النصية؛ أي أنها تتمركز حول الوحي (قرآنا وسنة) لتستمد منه رؤيتها للوجود والتفريق بين الحق والباطل وفي سياسة الحياة ككل؛ وأي تهميش لدور الوحي يعني تهديمٌ لروح الحضارة الإسلامية وضربها في مقتل، لأنه طريق نحو هدم كل مشروعية حضارية قامت على هذا المركز. كما يؤكد الدكتور شحرور على أن الغاية من هذا الشرخ هو إيجاد مساحة ليستعيد فيها المسلم ذاته، ويمارس حريته في إقامة تشريع متغيِّر لنفسه، وهذا يعني تنزيل الإنسان مقام الإله في المعرفة وزعم امتلاكه المقدرة على ادراك حقائق الأشياء في ذاتها؛ سواء في شقها التشريعي والمعرفي والأخلاقي بل وحتى الشعائري؛ يقول شحرور في هذا الصدد «... فالبكاء على عصر الرسالات لا جدوى منه، لأننا الآن في مستوى أرقى معرفيا وتشريعيا وأخلاقيا وشعائريا»(0). وهذا الرقي الإنساني-في مفهوم شحرور للإنسانية- ليس الا رقي الإنسانية الغربية العلمانية المادية، أما الإنسانية في الشرق الأقصى وأمريكا الجنوبية وسيبيريا وفي افريقيا فليست إنسانية متقدمة بل هي إنسانية متخلفة ولا يمكنه القبول بإدراجها ضمن مسمى «الإنسانية الراقية» المتفوقة على هدي النبوات! وهذا يعني فيما يعنيه إحلال النموذج الفكري الأوروبي الغربي بديلا عن الفكر الاسلامي النابع من أحضان الثقافة العربية الاسلامية في روافدها الثقافية والعرفية المختلفة.

  • شحرور بين نظرية المعرفة المادية ونظيرة المعرفة القرآنية

    إن مشكلة الديالكتيكيين الإسلاميين في علاقتهم بمنظومة العلوم الحديثة هو سوء فهمهم لمنظومة القيم خلف نظرية المعرفة الغربية، الذي يوقعهم في سوء تقدير الأمور ومعرفتها ويعميهم عن حقائق الأمور. لم يكن شحرور الا واحدا ممن سلك مسلك البعد الواحد في المعرفة حيث تأثر بالديالكتيك الماركسي للتاريخ لما كان يدرس في الاتحاد السوفياتي وأراد نقله إلى نظرية المعرفة الإسلامية. أسس صاحب هذه الأطروحة نظريته على مسلمة مفادها أن «خط سير التاريخ هو إلى الأمام لا إلى الوراء، وكل محاولة لتثبيت هذا الخط هي وقوع في شَرَك مهلك هو تحنيط المجتمع وإيقاف عجلة الزمن. وهناك من يحاول أن يرجع الزمن إلى الوراء ضد سير التاريخ وهذا مهلك أيضا. وفي هذه الناحية يظهر دور الفرد في صنع التاريخ وفي قيادة المجتمع نحو الرقي والتقدم أو نحو الهلاك ... وهنا ندرس القصص القرآني على أنه خط سير التاريخ وتطور الرسالات والنبوات. أي تطور المعرفة بالنبوات والمثل العليا والتشريع بالرسالات. وإننا الآن نعيش عصر ما بعد الرسالات (اليوم أكملت لكم دينكم )المائدة3 فعلينا ألا نتوقع أي رسل أو صحابة أو تابعين. وبالتالي فإن أهل هذا العصر هم أفضل حالا من الناس في عصور الرسالات لأننا لسنا بحاجة إلى رسل وهذا قرار رب العالمين وليس قرارنا نحن» (0). صحيح أن الدكتور شحرور قد انتقد الحتمية التاريخية للديالكتيك الماركسي لكنه في نفس الآن قد قام بعملية تحوير بسيط في لاسترجاعها من جديد لكن هذه المرة داخل المعرفة الاسلامية. فعندما جعل «الانسان هو العامل الفاعل والرئيسي في حركة التاريخ »(0) فهو بذلك يعيد صياغة الحتمية الماركسية التي تحصر الفاعلية التاريخية في العامل الاقتصادي حيث تتحكم وسائل الانتاج في علاقات الإنتاج الاجتماعية، وتحدد بشكل أساسي تنظيم المجتمع وتطوره. وهما سيان تقريبا لأن الاقتصاد ووسائل إنتاجه في نهاية الأمر من اختراع الانسان، فهي أدوات ابيستمولوجية انسانية لذلك قالوا عن الماركسية بأنها "مذهب إنساني" بامتياز. ومع أن شحرور يقصر الفاعلية التاريخية على الانسان فإنه ينافي أي تدخل لسلطة الله الخالق في تدبير التاريخ وحركيته. يقول « أما علم الله المستقبلي فهو احتمالي رياضي لا يوجد فيه مفاجآت بالنسبة إلى الله لوجود مشترك بين الله والانسان وهو الروح. ونبني على ذلك قولنا بأن خيار الإنسان الواعي خيار حر يستلزم الثواب والعقاب. وعلم الله بكافة الاحتمالات التي يمكن أن تؤول إليها خيارات الانسان يُدخل في علم الله العلم بكافة الاحتمالات الممكنة للسلوك الانساني. ولذلك لا يدخل في علم الله مسبقا أي الاختيارات أو الاحتمالات سيسلك هذا الانسان على وجه التحديد»(0). وبناء عدم معرفة الله بالجزئيات في هذا العالم يكون تدخله في سيرورة التاريخ وصيرورته أمرا غير ممكن بل هو « نقصان معرفة الله. ولو آمنا بأن معرفة الله محددة بمعرفة هذا الاحتمال الواحد حصرا لما جاز لنا أن نقول إن الانسان حر في ما يختاره»(0). قلت: هذا منطق غريب، عندما يؤسس شحرور لضرورة سببية بين علم الله بالاحتمال الذي سيختاره العبد زمن الفعل ذي الاحتمالات المتعددة وبين قضية الجبر، رغم أن الجبر لا يرتبط بقضية العلم أصلا وإنما يرتبط بتوجيه الانسان إلى احتمال ما بغير ارادته. وإذا نظرنا إلى محركات التاريخ في نظرية المعرفة عند محمد شحرور وهي الانسان الحر الواعي وهو مكون مادي والسيرورة "تشكل حركة الزمن" والصيرورة وهي "بُعد التطور فيها" فكل هذه القوانين المتحكمة في البعد التاريخي تجعل منه كيانا منفصلا عن باقي الكيانات الوجودية الأخرى حتى داخل النسق المادي. فهذه الأحدية في النموذج التفسيري دفع بمفكرنا إلى نفي كل ميتافيزيقا في التاريخ ما يعني نفي الطبيعة التعددية في نظرية المعرفة القرآنية. ونقصد بتعددية نظرية المعرفة القرآنية أنها تنفي كل حتمية مادية أو ميتافيزيقية بحيث يمكن أن يؤثر في سيرورة التاريخ وصيرورته كل عنصر وجودي مهما كان حجمه لكن تحت مظلة الغيب وتدبيره. ولا يمكن أن تصير جزئية صغيرة ولا كبيرة في نسق احتمالات الفعل الانساني إلا بأمر الله؛ لذلك شنع المتكلمون من شتى الطوائف الإسلامية على القدرية الذين قالوا «... بأن الله لا يعلم الأشياء قبل وقوعها وإن ما يفعله العباد أيضا" لا يعلم به إلا بعد وقوعه فلا تأثير له في أي فعل يفعله العبد وهذا مذهب غلاة القدرية»(0) كما شنعوا على الفلاسفة قولَهم (إن الله لا يعلم الجزئيات) الذي حصروا علمه تعالى بالكليات وحدها كالرئيس أبي علي بن سينا وأبي نصر الفارابي وغيرهم. قال الامام أبي حامد الغزالي « ... وهؤلاء هم الفلاسفة. ويجب القطع بتكفيرهم في ثلاثة مسائل وهي: إنكارهم لحشر الأجساد والتعذيب بالنار، والتنعيم في الجنة بالحور بالعين والمأكول والمشروب والملبوس. والأخرى: قولهم إن الله لا يعلم الجزئيات وتفصيل الحوادث وإنما يعلم الكليات، وإنما الجزئيات تعلمها الملائكة السماوية. »(0).

    اعتبر المتكلمون الإسلاميون مقالة القدرية (استثنى بعضهم القدريين المقرين بالعلم)(0) والفلاسفة، تستوجب التكفير لأنها تقتضي النقص في كمال العلم الالهي كما تقتضي نقض الطبيعة الإلهية التي توجب في ذاتها لذاتها أن لا يخفى على الله من العالم شيء. كما أن مقالة الفلاسفة الاسلاميون هذه تستوجب انفصال الإله عن العالم وبالتالي خروجه عن التاريخ وإن بقي ضمنه ظاهريا، وهو أمر يتناقض مع ظاهر نصوص القرآن الكريم التي تدل على سعة علم الله بكل جزئيات الوجود؛ قال تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء)آل عمران5، وقال (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)الأنعام59. كما أخبر الله في كتابه عن أحداث كثيرة الاحتمالات، فأخبر ما سيقع في مستقبل التاريخ قبل حدوثها كإخباره تعالى عن فوز الروم المسيحيين على الفرس الوثنيين بعد بضع سنين من هزيمتهم أمامهم، كما قال تعالى (غُلِبَتِ الرُّوم. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{, وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)الروم2-3-4-5.

    وفي نفس السياق نقول، بأنه ليس في التاريخ نمط واحد للتطور نحو الأمام بل تقبل النظرية القرآنية التطور نحو الخلف أيضا كما تقبل الستاتيكية التاريخية المناقضة لمنطق التطور والتغير، واستحضار منطق السير في الأرض والبحث في سنن الأولين أكبر دليل على ذلك. قال تعالى (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ)آل عمران137، وقال (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)الأنعام11 ، وقال(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)يوسف109 وقال عز من قائل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)النمل69، (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ)الروم42. وتقوم فلسفة السير في الأرض على تتبع قوانين التاريخ وتدبر حكمة الله في تدبير احتمالاتها وفق أنساق معينة لا يمكن للإنسان أن يتحكم في سيرورتها فضلا على أن يتنبأ في صيرورتها. والاسترجاعية التاريخية كما هي ظاهرة في الرؤية القرآنية فإنها أيضا حاضرة في الرؤية الوثنية للتاريخ والوجود من خلال النزعة الآبائية التاريخية التي نقلها القرآن نفسه عن الوثنيين المشركين. قال تعالى (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) الزخرف22 (قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) البقرة 170. فمنطق التاريخ في الفكر الوثني –كما ينقله القرآن-منطق استرجاعي للخلف تدافع مع منطق التطور الرسالي التقدمي بطبيعته المتجلي في دعوة الرسل للوثنيين إلى الإيمان فتبلورت الاستاتيكية التاريخية في أبهى تجلياتها.

    كما أن الستاتيكية السالفة الذكر دليل على وجود نزعة تاريخية نحو الخلف لكن داخل النسق الانساني الذي لا يجوز -في منطق شحرور- إلا أن يكون تطورا نحو الأمام، لذلك لا يمكننا أن نقبل بالأحادية المادية قانون الحركة في التاريخ لأنه مقوض لنظريتنا في المعرفة الاسلامية ومفارق لها عن التماهي مع محيطها الوجودي. يقول الدكتور أحمد الدغشي « يبدو أن من المناسب –قبل الدخول مباشرة في الموضوع- الاشارة إلى أن تقسيم ميدان المعرفة في القرآن إلى ميدانين هما: الغيب والشهادة، أمر ينسجم وثنائية الوجود أساسا، تلك التي تقوم على مسلمة مفادها أن الله تعالى يمثل الطرف الأول في الوجود، في حين تمثل عناصر هذا الكون طرفه الثاني»(0). إنَّ قوانين الوجود التي يسميها القرآن بــ "السنن" لا يمكن أن تستقل بذاتها لأنها ليس من صنع نفسها، بل هي من صنع الله قال تعالى(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)فاطر41. فقوانين العالم الطبيعي (عالم الشهادة) يمسكها الله بمعنى أنه يمسك وجودها الفيزيائي فلا تزول، ويمسك وجودها الوظيفي فلا تعبثُ ولا تختلُّ موازينها (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر49، فالعلاقة بين الحقلين الدلاليين في القرآن الكريم وطيدة تنساق نحو التكامل والتعاضد والتطابق.

    كما أن مقارنة الشريعة الإسلامية بالتشريعات الوضعية أمر لا يمكن أن يستقيم نظرا لما تتسم به شريعة الوحي من عوامل الثبات والهداية العابرة للتاريخ والحضارات نظرا لطبيعتها الكونية؛ يقول الدكتور محمد عمارة «... كما جاءت هذه الشريعة الاسلامية الخاتمة بالانتقال بنطاق التشريع الإلهي من المحلية إلى العالمية .. ومن التوقيت إلى الخلود .. ومن مجرد الدعوة الدينية إلى المنهاج الشامل للدين والدولة والأمة والحضارة والاجتماع.. وذلك حتى تحرس الدولة الدين، ويسوس الدين الدولة.. فلم تقف هذه الشريعة-فقط- عند مملكة السماء- خارج هذا العالم وغنما شملت الدنيا والآخرة، والفرد والمجموع، والآخر مع الذات .. (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)الأنعام162»(0).

    وفي نفس السياق قد يكون الرقي الذي يريده شحرور هو سياق العقل الحداثي الذي صار «أرقى معرفيا وتشريعيا وأخلاقيا وشعائريا» من الله نفسه، ورغم خطورة هذا الادعاء فإنه من الناحية المعرفية يفترض أن بينهما (التشريع الوضعي والتشريع الالهي) تعارضا، والواقع خلاف ذلك لأن العقل والوحي الالهي متلازمان يكمل بعضهما البعض؛ يقول الشيخ رفاعة الطهطاوي «إن تحسين النواميس الطبيعية لا يعتد به إلا إذا قرره الشارع .. وليس لنا أن نعتمد على ما يحسنه العقل أو يقبحه إلا إذا ورد الشرع بتحسينه وتقبيحه .. فكل رياضة لم تكن بسياسة الشرع لا تثمر العاقبة الحسنى..»(0). وقد رأينا الآثار المدمرة للعقلانية الغربية على الإنسان الغربي حتى صار «ذو البعد الواحد» كما قال هربرت ماركيوز، وسببه مصيبة «الاغتراب» على حد تعبير ايريك فروم، لينتهي بـ«موت الغرب» كما قال ايريك بوكانن وبالتالي «سقوط الحضارة الغربية» كما تنبأ بذلك شبلنغر وكولن وسلون وغيرهم. وليس هذا فحسب فهذا الرقي المعرفي المزعوم لم يدمّر الحياة الغربية فحسب بل هو سائر نحو تدمير العالم بأسره من خلال فلسفة الاستهلاك النيوليبرالية المستنزفة للطبيعة ومنتجات الحداثة التكنولوجية اللاتربوية وآثارها المدمرة لعقول ملايير من أطفال العالمين الذين عليهم المعول في إصلاح ما دمرته النماذج المعرفية الغربية (الراقية)، فعلى من المعول إذن بعد أن صار ما صار؟؟

  • نقض المسلمات واجندات دوائر الاستشراق الغربية

    قد يكون شحرور بدعواه هدم المسلمات الاسلامية يخدم اجندات استشراقية استعمارية جديدة وُجدت لتفكيك وحدة المسلمين، واضعاف انتمائهم العقدي للإسلام وتقويض حركة الوعي الاسلامي المتنامية بين شباب المسلمين التوَّاقين إلى التغيير والاصلاح في إطار الهوية الحضارية والتاريخية للأمة الاسلامية. ويمكن أن تنجح هذه الأجندات إذا تمكنت في نقض هذه المسلّمات، وعلى رأسها السنّة النبوية باعتبارها المصدر الثاني لأكثر من ثمانين بالمائة (80%) من القيم الأخلاقية والأحكام الشرعية الإسلامية. وفصلها عن القرآن تارة، أو تقويض وظيفتها التشريعية تارة أخرى هو عين ما وصى به تقرير وليام كليفورد (1976) مدير معهد علوم الإجرام في استراليا الذي قدمه إلى دوائر أمريكية تعنى بالشرق الأوسط بعد وفادته من لدن الأمم المتحدة ممثلا لها لحضور سلسلة مؤتمرات «المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة» المنبثقة عن جامعة الدول العربية بصفة مراقب. ويوصي كليفورد في تقريره -ذي الثلاثين صفحة- لمواجهة مدّ الوعي الاسلامي بــ

    « 1- فصل القرآن عن السنة وإقناع المسلمين بأن ما يسمى سنة ليس إلا اجتهادات شخصية من النبي والتشكيك في مصادر السنة والكتب التي احتوت الأحاديث الشريفة. 2- إخضاع القرآن للاجتهادات والتأويلات المفتوحة الكفيلة بمسايرة الاسلام للحضارة الغربية واندماجها في سياسة الغرب...»(0). وكيف يمكن اقناع المسلمين بالتخلي عن المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، بينما نجد الجامعات الغربية إلى يومنا هذا تدرس وبحرص وتفان شديدين التراث اليوناني الاغريقي والروماني الهلينستي كمراجع اصيلة للثقافة الغربية المعاصرة؛ رغم اندثار وثائقها الأصلية منذ آلاف السنين، ومع ما في هذه المصادر التراثية من أساطير وخرافات أكثر ما تعاديه في تعاليمها العقل والعلم والتجربة؟ وكيف يمكننا التخلي عن تراث المسلمين الأوائل المنقول في ضوء أقوى علوم الاحتياط التاريخية (علم الجرح والتعديل، الأسانيد، علم الرواية والدراية) مما تفرد به المسلمون عما سواهم من الأمم والشعوب في سبيل الحفاظ على تراثهم الديني المجموع بين دفتي القرآن الكريم وكتب السنة النبوية المختلفة؟ لقد عكست المصادر الاسلامية النموذج الرباني للإنسان وحددت المنهاج الذي يجب أن يسير عليه بعيدا عن أهواء الزمان والمكان والتاريخ، وهي الهداية التي ترجمتها الشريعة الاسلامية من خلال الشعائر الدينية ومنظومة القيم الأخلاقية وسيرورة الأعراف الاسلامية النبيلة المتوارثة من جيل إلى جيل.

    المبحث الثاني: محمد الرسول ومحمد النبي

    أسس محمد شحرور نظريته حول السنة النبوية على براديغم يفرق به بين القرآن والكتاب. وقد لا تُلاحظ العلاقة بين جدلية القرآن والكتاب ومنزلة الأحاديث النبوية والسيرة في الاسلام من ظاهر القول، غير أن صاحب هذه النظرية يعتقد أن العلاقة بين الحقلين المعرفيين وطيدة وتكاملية. يقول الدكتور شحرور « القرآن حقيقة موضوعية مطلقة في وجودها خارج الوعي الانساني. وفهم هذه الحقيقة لا يخضع إلا لقواعد البحث العلمي الموضوعي وعلى رأسها الفلسفة وكل العلوم الموضوعية...»(0). والحقائق الموضوعية خارج الوعي الانساني هي مجمل الظواهر الطبيعية والنواميس الفيزيائية التي بثها الله في عالم الشهادة (الكون)، وهي حقائق وجودية نهائية لا يمكن أن تتغير بعلم الناس أو بجهلهم بها، وكل الآيات الواردة في المصحف تتطرق للنواميس الكونية الوجودية هي مجمل ما يصطلح عليها شحرور بــ «القرآن». والقرآن « هو نبوة محمد ، والآيات البينات وهو الحق خارج الوعي الإنساني»(0). أما الكتاب فهو مجموع الآيات الدالة على الحقيقة داخل الوعي الإنساني، و« ليس لها وجود قائم في ذاته ومنفصل عن الإنسان»(0)، وهي أيضا ترتبط بمفهوم الرسالة التي هي أيضا« ذاتية» وليست موضوعية. وبمعنى آخر فأحكام الرسالة «قابلة للأخذ بها أو تركها، لذا فهي مناط التكليف وفيها القضاء أي 'الاختيار' الإنساني. أي أن الإنسان يقضي فيها بنَعَمٍ أو لا، وله ملء الخيار فيها (لا إكراه في الدين) » (0). وتظهر تعاليم الكتاب في التكاليف الشرعية كــ «الشريعة والأخلاق والعبادات والقانون والسياسة والتربية، فليس لها علاقة بالقرآن من قريب ولا بعيد...»(0). فهي تكاليف ليس لها وجود مادي مشهود، كما أن المكلّف مخير في الاتيان بها، كما أنها معدومة التأثير في الوجود الموضوعي خارج الوعي. فلو « قامت حرب ذرية وفني الجنس البشري فإن هذا لا يؤثر على الشمس والمريخ... ولا يؤثر على نواميس الكون والوجود لأن الانفجار الذري هو من نواميس الوجودي المادي. ولكن في الوقت نفسه إذا فني الانسان ولم يبق هناك جنس إنساني فتذهب معه الصلاة والصوم والحج والزكاة وبر الوالدين ...»(0). ومحصل هذه الأطروحة منهجيا يرجع إلى « أن النبوة مربوطة بالعلوم الموضوعية والتاريخية. والرسالة مربوطة بالعلوم الاجتماعية والشرعية»(0).

    وبناء على ما سبق رفَضَ الكاتب عصمة النبي مؤكدا على عصمة الرسول في شخص محمد بن عبد الله بن عبد المطلب  فـ «محمد الإنسان ليس معصوما ومحمد النبي ليس معصوما، ومحمد الرسول هو المعصوم في حدود رسالته حصرا الموجودة في التنزيل، وأدلتنا من التنزيل والأخبار أكثر من أن تحصى... إن النبوة تحتمل التصديق والتكذيب فهي حقل (يكون أو لا يكون) أما الرسالة فتحتمل الطاعة باعتبارها من حقل (أقبل أو لا أقبل). ومن هنا نجد أن النبي حين يبلغ للناس مثلا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)الحج1، أو يبلغ مثلا (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )البقرة255 يكون جواب السامع صدقت أو كذبت أما حين يبلغ الرسول (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)البقرة184 فلا محل هنا للتصديق والتكذيب وعلى السامع إما أن يقبل ويطيع أو أن لا يقبل ويعصي»(0). لكن ما المستند التنزيلي الذي استند عليه شحرور في التفريق بين النبي والرسول؟ أجاب قائلا: « ولكن أقول إن هذه الرسالة بها أصبح محمد رسولا ولها الطاعة المنفصلة والمتصلة لذا قال (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ )آل عمران3. وطاعة متصلة (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ)المائدة92. طاعة منفصلة ولم يقل أبدا وأطيعوا النبي لأن الرسالة أحكام والنبوة علوم»(0).

    وفي الرد على هذه النظرية نقول: ربطُ مفهوم «القرآن/ النبوة» في التنزيل الحكيم بعالم الشهادة وقوانينه الفيزيائية مجرد تحكم لا حقيقة له في المصحف الشريف. ذلكم أننا وجدنا الكثير من الآيات التي تأتي على ذكر القرآن في سياقات معرفية غيبية ورمزية وذاتية وتشريعية مثلها من الكتاب/ الرسالة. ومن الأمثلة على ذلك ربط القرآن بالقلوب وذكر الله سراَّ كقوله تعالى (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً )الإسراء46. وربطه بالرؤيا المنامية وهي ذاتية غيبية وليس شهودية وجودية كقوله (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً) الإسراء60. ربطه بالسؤال عن الأحكام التي جعلها من علامات الرسالة والكتاب كقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ )المائدة101، وكقوله (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ)التوبة111. ربطه بقصِّ القصص القرآني للأمم الغابرة وهي معاني اعتبارية مجردة تتناقلها أجيال الناس قد تصدق أو تكذب كقوله (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ )يوسف3. وربطه القرآن بالهداية كقوله (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً )الإسراء9، والحاصل أن مفهوم « القرآن» في التنزيل الحكيم من المفاهيم الشمولية التي يأتي على ذكرها في العديد من الأنساق المعرفية سواء منها ما كان موضوعيا وأيضا ما كان منها ذاتيا؛ وإلى ذلك يشير قوله تعالى (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ )الروم58. إن القرآن من حيث هو قرآن شمولي في الأمثال الهدائية التي يقدمها للناس، وحصره بنمط معين من الأمثال يعني اختزال هذه الشمولية التي تؤسس لعالميته وربانيته. وبناء عليه فالقرآن أيضا يعطي العصمة مثل الكتاب نظرا لارتباطه أيضا بالأحكام والأخلاق التي يكون المكلف إزائها في حالة اختيار لا إكراه فيه. كما أن النبوة في الشخصية المحمدية أيضا مثل الرسالة من حيث ذاتيها وارتباطه الوثيق بالدلالات الرمزية في المصحف الشريف(القصص القرآني، الهداية، الايمان، الرؤية المنامية...) وغيرها.

    كما أن آيات وجوب طاعة الرسول لا تشير إلى عدم وجوب طاعة النبي؛ لأن ارتباط مقام النبوة بالأحكام وثيق في نصوص مصحفية كثيرة؛ كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)التحريم9 ، وقوله(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)التحريم1، وقوله(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق 1، وقوله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الممتحنة12 وقوله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) الأحزاب 59 وغيرها من الآيات التي يخاطب الله فيها النبي بالأحكام الشرعية. ويجيب شحرور عليها بأن هذه الأحكام « ليست أحكاما شرعية، بل هي تعليمات أو حالات خاصة للنبي أو هي تعليمات عامة وليست تشريعات، أي أنها ولله المثل الأعلى تعليمات إجرائية وليست مراسيم تشريعية»(0). قلت: هذا الجواب متكلف لم يقدم عليه صاحب النظرية دليلا واحدا، من حيث التفريقُ بين الأحكام الشرعية التفصيلية الالهية المصدر وبين التعليمات الالهية في منشئها أيضا. وفي هذا السياق ينبغي أن نتذكر أن التعليمات ترتبط أساسا بالبيداغوجيا وهي الكفايات المعرفية البشرية الموجهة للجمهور من أجل العمل بها وإصلاح الاحوال بتوجيهاتها، أما الشرائع فهي خطاب الله للعالمين قصد إصلاح معاشهم ومعادهم يقول حميدة الأعرجي « إن الشرائع السماوية هي: (التعاليم والأحكام النازلة من الله تعالى على رسله الكرام بوحي منه). والهدف منها اطلاع المكلفين عليها والعمل بها وكما تقدم فإن هذه الأحكام شاملة للعقيدة والفقه والأخلاق»(0) والعقيدة تنقسم إلى إلهيات غيبية ترتبط بالرسالة وطبيعيات وجودية ترتبط بالنبوة -على حد تعبير صاحب هذا التفريق المعرفي- وكلامهما خاص بالقرآن تعطيه في نظرنا العصمة مثله مثل الكتاب. وإذا كانت التعليمات مصدرها الله فهي لها نفس معنى الشرائع، غير أن صاحب النظرية يريد أن يجعل من الأحكام الالهية تعاليم تاريخانية أي لا تصلح أن تكون صالحة لكل زمان ومكان وأقوام ولا مصلحة لهم. وهذا التفريق بين ما كان تشريعا وما كان تعليما يستقيم مع النظرة الغنوصية التي سادت آسيا الوسطى والبلاد اليونانية نهاية العصر الهلنستي وبداية بزوغ مدرسة اللاهوتية المسيحية الجدلية. فأراد منظرنا أن يدرجها ضمن نسق نظرية المعرفة الاسلامية؛ غير أنها نظرية لا يمكن أن تستقيم مع طبيعة القرآن الكريم العربي الأمي في منطقه، مع أن مفهوم التعليمات في حد ذاته غير عربي فضلا أن يكون قرآنيا فإن كل ما يأمر به الله لا يمكن أن نميز بعضه عن بعض؛ طالما هو خطاب الله لعباده بالتكليف في تنزيل عمل ما في الوجود الحق الذي سخره الله لهم. وخطاب الله للمؤمنين أن يفعلوا كذا وكذا هل هو كالأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة؟ إنها تكاليف من مكلِّفٍ واحدٍ أراد أن ينزل التكاليف بناء على صيغ تكليفية تختلف مراتبها بحسب سياقها وروح الشريعة الاسلامية (مقاصد الوحي العليا). وكما أن النبوة تتضمن أحكاما مثلها مثل الرسالة لا فرق، فلا يمكن للنبي أن يمارس نبوته بمعزل عن شرائعه، كما أن الرسول لا يمكن أن يقوم برسالته بمعزل عن البراهين الموضوعية الدالة على صدق رسالته. والذي درج عليه علماء الاسلام في التفريق بين الرسول والنبي؛ هو أن الرسول مكلَّف بتشريع مستقل والنبي مكلف بتشريع تابع للرسول أو يبعث مجدِّدا لتشريع رسول قبله؛ «وذهب جماهير العلماء إلى أن الرسول من أوحي إليه وأمر بتبليغ الأحكام، وإن النبي أعم منه، فيشمل كل من أوحي إليه، سواء أمر بالتبليغ أم لم يؤمر»(0). وكلاهما متصف بوصف العصمة من الزلل والخطأ في التبليغ وسوء الفهم عن المبلَّغ عنه؛ قال ابن تيمية «النبي هو المنبئ عن الله، و«الرسول» هو الذي أرسله الله تعالى، وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا، والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين»(0). كما أن الأمر بطاعة الرسول لا ينافي الأمر بطاعة النبي وإن لم يصدر له أمر صريح بالطاعة كما هو الحال بالنسبة للرسول؛ لأن الآيات كما سنوردها تشير إلى أن النبي مطالب بإصدار أوامر للمؤمنين به لا يمكنهم التخلف عنها مطلقا من قبيل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً)الأحزاب28 وقوله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )الأحزاب59 ، وقوله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً)الطلاق1.

    إن من أنكر العلوم الموضوعية والتاريخية الواردة في القرآن لا يمكن أن يؤاخذ على ذلك -بحسب هذه النظرية- لأنه أنكر ما ضمن النبوة للناس جميعا لهم أن يأخذوا منها ما يشاؤون ويذروا منها يشاؤون ولو كانوا مؤمنين طالما هم مؤمنين برسالة محمد! وهذا كلام يضرب الإسلام في صميمه لأن تلكم الحقائق الكونية إنما هي إخبارات الإلهية نهائية أنزلها الله في القرآن كحجج وبراهين للعالمين على صدق نبوة محمد وتكذيبها يعني تكذيب الله فيما أخبر به من حقائق ما خلق. وهي أيضا هدم لبعض براهين صدق الرسالة المحمدية لذلك اعتبرت لدى علماء المسلمين جزءا لا يتجزأ من صميم العقيدة البرهانية.

    المبحث الثالث: الموقف من فهم النبي للوحي في زمن ما بعد الرسالات

    يقول شحرور « أما موقفنا من النبي مشرعا فهو موقف دقيق جدا؛ إذ كيف يمكن أن نقول إن ما فعله النبي هو الاحتمال الأول لتطبيق الإسلام في القرن السابع، وفي شبه جزيرة العرب وبالوقت نفسه نقرأ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)الأحزاب21. لقد بحثنا في السنّة فوجدنا أن تعريف السنّة بأنها «كل قول أو فعل أو إقرار أو نهي قام به النبي إنما جاء من قبل الفقهاء وليس من قبل النبي نفسه، ... فمن هذا خلصنا إلى مفهوم معاصر للسنة النبوية، حيث كان دور النبي هو تحويل المطلق إلى نسبي والحركة ضمن حدود الله في القرن السابع في شبه جزيرة العرب...»(0). أي أن دور محمد نبيا هو ممارسة فعل الاجتهاد المناسب لزمانه ومكانه من أجل الانتهاء إلى تاريخية الفعل النبوي وعدم الزاميته للمسلمين المعاصرين (زمن ما بعد الرسالات). وهذا الموقف الشحروري يتماشى مع المقصد الكلي من نظريته وهو فتح المجال للتشريع الانساني بديلا عن التشريع الالهي، على اعتبار أن « تعامل الرسول مع التنزيل الحكيم من خلال السيرورة والصيرورة التاريخية البحثة للعرب في شبه جزيرتهم، أي في حدود التاريخ والجغرافيا، ضمن مستواهم الاجتماعي والمعرفي وضمن الاشكاليات المطروحة أمامه، ... لقد كان تطبيق الرسول لآيات الأحكام على الواقع المعاش هو تطبيق نسبي تاريخي وبهذا يبطل القياس ويبقى الاجتهاد في آيات الأحكام هو الأساس هو العقل ومصداقية الاجتهاد في الواقع الموضوعي ضمن النظام المعرفي المتبع والإشكالية الموضوعية»(0). السبب في هذا الجهل بطبيعة الفهم النبوي للوحي التي كانت تنقسم إلى فهومات نبوية متحيزة زمنيا ومكانيا وتاريخيا، وفهومات نبوية عابرة للتاريخ كلية في مقاصدها ونهائية في تجلياتها. أما النوع الأول من الفهومات النبوية فهو الذي يصدق عليه ما قاله محمد شحرور: « أما أقوال النبي حول المجتمع والسياسة والتنظيم والعادات واللباس والأخلاقيات التي وردت تحت عنوان الحكمة، فهو سنة نبوية ظرفية غير ملزمة ولا تحمل الطابع الأبدي، ويمكن الاستئناس بها ولكنها لا تشكل أحكاما شرعية»(0) . أما النوع الثاني فــ «هي ثابتة شكلا ومحتوى على مرّ الزمان»(0).

    لقد كان المسلمون منذ زمن النبي والصحابة على وعي تام بجدل الإنساني والإلهي في ما يصدر عن النبي خارج النص القرآني؛ وهي أسئلة سبق إلى الاختلاف فيها الفكر اللاهوتي المبكر في الديانة المسيحية في إطار نظرية اللاهوت والناسوت وعلاقتهما بطبيعة المسيح عليه السلام، الأمر الذي انتهى بهم إلى تأليه المسيح باعتباره كلمة الآب والناطق به! وظهور تيارات لاهوتية كثيرة جدا تفسر العلاقة التفاعلية بين الطبيعتين، فضاعت الحقيقة المسيحية من خلال هذا الكم الهائل المتراكم من المجامع المسكونية. وقد انتقد الله تعالى المسحيين في اختلافهم في طبيعة المسيح فقال(وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً )النساء157. ولتفادي ما وقع في المسيحية من ضياع للأصول العقدية فقد قطع المسلمون مع أي شبهة قد تعتري عقل المسلم فيما يصدر عن النبي من أقوال وأفعال وتقريرات قد تتسرب إليها الطبيعة الإلهية ما لم تضبط علاقة الالهي والإنساني في تصرفاته. فعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، قال: كنتُ أَكتُبُ كلَّ شيءٍ أَسمَعُهُ مِن رسولِ اللهِ  ، أُرِيدُ حِفْظَهُ، فنَهَتْنِي قُرَيشٌ، وقالوا: أَتكتُبُ كلَّ شيءٍ تَسمَعُهُ ورسولُ اللهِ  بَشَرٌ يَتكلَّمُ في الغضبِ والرِّضا؟ فأَمسَكْتُ عن الكِتابِ، فذَكَرْتُ ذلكَ لرسولِ اللهِ  ، فأَوْمأَ بأُصبُعِهِ إلى فيه، فقال: « اكتُبْ؛ فوالَّذي نفْسي بيدِهِ، ما يَخْرُجُ منه إلَّا حقٌّ»0. ومعنى قوله« فنَهَتْنِي قُرَيشٌ» أي مسلمي قريش؛ وفيه دليل على قدم الوعي بهذه القضية منذ زمن التأسيس الأول للإسلام خلال العهد المكي.

    كان الصحابة الأوائل يفرقون في تصرفاته  بين ما كان وحيا إلهيا وما كان عملا اجتهاديا، وإذا استشكل عليهم الأمر سألوا النبي كما فعل الحباب بن المنذر بن الجموح يوم بدر قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال : يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله ، ثم نُغَوِّر ما وراءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ، ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون؛ فقال رسول الله  : لقد أشرت بالرأي ...»0. ومن نماذج اجتهاده  بالقياس: «سؤال عمر عن قبلة الصائم وتحريمه الصدقة على بني هاشم وحكم ملامسة النساء. ومن اجتهاده بالرأي: تأبير النخل، المصالحة في غزوة الخندق على ثلث ثمار المدينة»(0). لذلك نجد علماء أصول الفقه قد أفردوا أبوابا في كتبهم لما أسموه باجتهادات الرسول أو اجتهادات الأنبياء حتى تنضبط علاقة الرسول بالله عز وجل، وقد كان « تحديد هذه العلاقة بالذات كما جاء بها القرآن كانت من الآيات الواضحة -كما أسلفنا- على أن الإسلام دين الله الحق لا دخل لإنسان فيه ... ووجودها واضحة في جيل من أجيال المسلمين أمارة على أنهم لم ينحرفوا عن الإسلام الذي هو دين الله. كما أن وجودها مشوهة في جيل آخر علامة على أن هذا الجيل له من الإسلام اسمه فحسب»(0).

    ميّز علماء أصول الفقه في الحديث النبوي بين ما كان وحيا من الله وبين ما كان اجتهادا بشريا تاريخانيا يعتريه ما يعتري سائر أعمال البشر النسبية، غير أنهم أحالوا وقوع الخطأ منه؛ لأنه –كما قال إمام الحرمين أبي المعالي الجويني- «واجِب الْعِصْمَة فيتنزل فِي اجْتِهَاده منزلَة مَا لَو اجْتمع كَافَّة الْأمة على ضرب من الِاجْتِهَاد « إِجْمَاعًا « مِنْهُم فَلَا يسوغ خطاؤهم»(0). ويقول الإمام الشاطبي الغرناطي « الْحَدِيثَ إِمَّا وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ صِرْفٌ، وَإِمَّا اجْتِهَادٌ مِنَ الرَّسُولِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مُعْتَبَرٌ بِوَحْيٍ صَحِيحٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ. وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّنَاقُضُ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، وَإِذَا فُرِّعَ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْخَطَأِ فِي حَقِّهِ؛ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ؛ فَلَا بُدَّ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الصَّوَابِ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِ الْخَطَأِ أَوْلَى أَنْ لَا يَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ حُكْمًا يُعَارِضُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَيُخَالِفُهُ. نَعَمْ، يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَ السُّنَّةُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ وَلَا مُوَافَقَةٌ، بَلْ بِمَا يَكُونُ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ؛ إِلَّا إِذَا قَامَ الْبُرْهَانُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْجَائِزِ، وَهُوَ الَّذِي تَرْجَمَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنَ الْمُوَافَقَة لِكِتَابِ اللَّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ؛ فَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ صَحَّ سَنَدُهُ أَوْ لَا»(0). وقد مثل الفقهاء لتصرفات النبي القولية والفعلية والتقريرية الاجتهادية بأمثلة كثيرة ذكروها في كتب الفقه وأصوله؛ ككتاب الاجتهاد من كتاب التلخيص لإمام الحرمين، وبعضهم أفرد لها كتبا خاصة ككتاب « اجتهاد الرسول» لنادية الشريف العمري(0) وكتاب الشيخ عيسى أبو النصر، عبد الجليل، «اجتهاد الرسول  «(0). وعلامة هذا النوع من السنة أن يأتي التصريح بذلك في النص أو علامة تدل على أن مصدر المعنى فيه الفهم الذاتي للرسول وليس وحيا إلهيا، قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي المالكي « الذي يظهر أن التحقيق في هذه المسألة أنه  ربما فعل بعض المسائل من غير وحي في خصوصه، كإذنه للمتخلفين عن غزوة تبوك قبل أن يتبين صادقهم من كاذبهم ، وكأسره لأسارى بدر [وأخذ الفداء منهم] ، وكأمره بترك تأبير النخل ، وكقوله: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت...) الحديث. . إلى غير ذلك .وأن معنى قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ) لا إشكال فيه ؛ لأن النبي  لا ينطق بشيء من أجل الهوى ، ولا يتكلم بالهوى ، وقوله تعالى (إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) يعني أن كل ما يبلغه عن الله فهو وحي من الله، لا بهوى، ولا بكذب، ولا افتراء، والعلم عند الله تعالى»(0). والنبي  لم يكن مشرّعا، بمعنى أنه يأتي بالأحكام من عند نفسه، ولكنه كان بحسب حالاته إما ناقلا لتشريعات الله التي أراد أن لا يوردها في القرآن تسهيلا على الأمة حفظه، وتيسيرا عليهم كتابته وتدوينه أو صادرا عن كونه قاضيا أو قائدا سياسيا وعسكريا أو رب أسرة غيور على أهل بيته... الخ، يقول الدكتور محمد عمارة: « «نحن مطالبون حتى نكون متبعين للرسول الله  بالتزام سنته التشريعية -أي تفسير القرآن- لأنها دين، أما سنته غير التشريعية، ومنها تصرفاته في السياسة والحرب والسلم والمال والاجتماع، والقضاء ومثلها ما شابهها من أمور الدنيا، فإن اقتداءنا به يتحقق بالتزامنا بالمعيار الذي حكم تصرفه ، فهو كقائد للدولة كان يحكم فيها على النحو الذي يحقق المصلحة للأمة، فإذا حكمنا كساسة بما يحقق مصلحة الأمة وكنا مقتدين بالرسول  حتى ولو خالفت نظمنا وقوانينا ما روي عنه في السياسة من أحاديث، لأن المصلحة بطبيعتها متغيرة ومتطورة»(0).

    أما عن عدم كفايات الأحكام على اعتبار –كما قال شحرور- أن الرسول عاش «في يثرب مدة عشر سنوات فقط فهل هذه السنوات العشر في يثرب كافية لاستنفاذ كل احتمالات آيات الأحكام جميعها على أرض الواقع المعاش؟ علما بأنه النبي والرسول الخاتم، وجاء لكل أهل الأرض وإلى أن تقوم الساعة. فلو كان هناك رسول بعده قلنا إن عشر سنوات كافية ...»(0). أما عن إشكالية عدم كفاية الأحكام لاستيعاب المستجدات الإنسانية عبر الزمان أو كفايتها فهي محل نظر قديم واختلاف تليد بين الأصوليين؛ وبينما يرى الظاهريون من أصحاب داود بن علي في المشرق وابن حزم الأندلسي في المغرب القول بوفاء النصوص بالأحكام من غير حاجة إلى القياس ولا إلى غيره من مسالك الاستنباط؛ بناء على مذهبهم في توسيع الإباحة الأصلية إلا بدليل صحيح صريح يخرج الحكم عنها، يرى الجمهور من الفقهاء القياسيين «أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَنُصَّ عَلَى حُكْمِ كُلِّ جُزْئِيَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا، وَإِنَّمَا أَتَتْ بِأُمُورٍ كُلِّيَّةٍ وَعِبَارَاتٍ مُطْلَقَةٍ تَتَنَاوَلُ أَعْدَادًا لَا تَنْحَصِرُ، وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَلِكُلِّ مُعَيَّنٍ خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِ وَلَوْ فِي نَفْسِ التَّعْيِينِ...»(0). وهذا يعني تعقد انشاء الحكم الشرعي حول النازلة الواحدة وفقا لهذه النظرية، فتم ابتداع منهجية القياس ومسالك العلة والمصالح المرسلة وعلم المقاصد الشرعية وغيرها من الأصول العقلية للمذاهب القياسية التي يرام بها تخريج مناط الحكم وتنقيحه ثم تحقيقه على أرض الواقع. والغاية من هذه الأصول الاستدلالية أن يكون المسلم في حياته «تَابِعًا لِوَضْعِ الشَّارِعِ، وَغَرَضُهُ مَأْخُوذًا مِنْ تَحْتِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ لَا بِالِاسْتِرْسَالِ الطَّبِيعِيِّ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ إِخْرَاجِ الْمُكَلَّفِ عَنْ دَاعِيَةِ هَوَاهُ حَتَّى يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ»(0).

    المبحث الرابع: السنّة وآفات النقل والرواة

    كانت إشكالية الوضع إحدى الذرائع التي اعتمدها شحرور والمستشرقون من قبله للطعن في السنة وردها، « ومنذ ذلك الوقت.. وقت الخليفة المتوكل.. تم وضع الصحابة خارج التاريخ، وولدت مصطلحات (إجماع أهل السنّة) و(إجماع الصحابة) و(عدالة الصحابة). وتمت فبركة الأحاديث النبوية التي تدعم ذلك كله، ومنذ ذلك الوقت صار علماء السنّة النبوية علماء السلطة، وأصبح الفقه والسلطة توأمين لا يفترقان، وأصبح الإرهاب ومصادرة العقل وتفويض الآخر بالتفكير هو الأساس، وغدت شعارات الردة والزندقة والهرطقة والخروج عن الإجماع هي معايير التعامل مع الآخر حتى يومنا هذا. فتحولت الثقافة العربية الإسلامية بالتدريج منذ عهد المتوكل إلى ثقافة مسطحة لا محل فيها لبعد الصيرورة، وإلى ثقافة ضعيفة هشة الصمود أمام الثقافات ذات الثلاثة أبعاد إلا بالقوة والعنف (افغانستان) أو بمصادرة العقل (المؤسسات الدينية) التي لا تسمح لأحد أن يقول شيئا إلا بموافقتها ومباركتها»(0). وفي هذا الكلام تعميمات غير موضوعية تضرب في مصداقية المسلمين الأوائل وإخلاصهم لدينهم وهم الذين علَّموا العالم حب الله والأنبياء وبناء الحضارة والتقانة والسمو الأخلاقي والرُّقي المدني. أما وضع المصطلحات التي أشار إليها الكاتب فذلك ناتج حركة تقعيد العلوم الاسلامية الناشئة ما أدّى إلى ظهور معجم مفاهيمي يعبر عن مقاصد هذه العلوم التي هي ركن أصيل في نظرية المعرفة الاسلامية. أما عن إشكالية الوضع في الروايات الحديثية فهي ظاهرة ظهرت متأخرا؛ يقول الدكتور مصطفى السباعي «أما التاريخ، فقاطع بأنه لم يقع في حياة الرسول أَنَّ أحدًا مِمَّنْ أسلم وَصَحِبَهُ زَوَّرَ عليه كلاماً ورواه على أنه حديثه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، ولو وقع مثل هذا لتوافر الصحابة على نقله لشناعته وفضاعته...»(0). نشطت حركة الوضع في المجتمعات الإسلامية لأسباب كثيرة منها ما هو ديني كما فعل أتباع عبد الله بن سبأ في اتفاقهم « .. على وضع الأحاديث المفتراة، لكن كان هذا الوضع في نطاق ضيق»(0)، ومنها ما كان سياسيا، وهذا النوع استفحل بداية القرن الثاني الهجري جراء «الاختلاف السياسي بين الصحابة، وما أدى إليه من انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة وخوارج، وأصبح كل فريق يحاول أن يدعم مركزه السياسي بكل الوسائل... »(0) بعد أن عجزوا عن الوصول إلى مبتغاهم عن طريق التأويل المتحيز؛ لذلك «قرر العلماء أن الحد الفاصل بين نقاء الشريعة ووضع الأحاديث هي سنة 41 للهجرة فما بعدها»(0).

    لكن هل يمكننا اعتبار انتعاش حركة الوضع أمرا سلبيا على السنة؟

    يقول الدكتور محمد فاروق النهبان في حديثه عن انتعاش حركة الوضع بأنه « كان يمكن لهذا العامل أن يقضي على السنة النبوية كمصدر للتشريع، وبخاصة عندما اختطلت الروايات المكذوبة بالروايات الصحيحة» (0). لكن حركة الوضع هذه كانت لها في المقابل «... نتائج إيجابية في إشادة صرح السنة وبناء علوم الحديث، فقد دفعت العلماء لاتخاذ ما يلزم لحفظ الحديث وتنقيته ومنع التلاعب فيه نشطوا في تدوينه بنطاق واسع في فترة مبكرة منذ أواخر القرن الأول وخلال القرن الثاني الهجري، وخلال جهود بذلت في فترة التدوين لتمييز الأحاديث ظهرت قواعد نقد الحديث ثم تبلورت هذه القواعد على مرِّ الزمن حيث ظهرت بشكل منسق ودقيق في كتب الحديث، كما تجمعت الملاحظات المنوعة عن رواة الحديث في كتب الرجال»(0). فما كان حركة الوضع أن تنتهي إلى تحريف السنة أو ضياع أصولها بأي حال من الأحوال نظرا لتصدي جهابذة علم الجرح والتعديل للوضاعين بمختلف المناهج العقلية والعلمية الإفتحاصية والسَّبرية. ومن أمثلة الدِّقة عند صيارفة الحديث ما ذكره الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي يقول« كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا (يقصد أهل الجرح والتعديل) كما يعرض الدرهم الزيف على الصيارفة، فما عرفوا أخذنا وما تركوا تركنا»(0). أما عن الرواة الذين لم يعاصرهم النقاد وكثيرا ما يكون حديثهم مثار شكوك على صدقية سنة النبي الموروثة، فقد وضح هذه الإشكالية العلامة يحي المعلمي مبينا مناهج المحدثين في صيرفة حديث هؤلاء بقوله: « من الأئمة من لا يوثق من تقدمه حتى يطلع على عدة أحاديث له تكون مستقيمة وتكثر حتى يغلب على ظنه أن الاستقامة كانت ملكة لذاك الراوي، وهذا كله يدل على أن جل اعتمادهم في التوثيق والجرح إنما هو على سبر حديث الراوي، وقد صرّح ابن حبان بأن المسلمين على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح. نصَّ على ذلك في (الثقات) وذكره ابن حجر في (لسان الميزان)(0) واستغربه، ولو تدبر لوجد كثيراً من الأئمة يبنون عليه؛ فإذا تتبع أحدهم أحاديث الراوي فوجدها مستقيمة تدل على صدقه وضبطه ولَم يبلغه وما يوجب طعناً في دينه وثقه. وربما تجاوز بعضهم هذا كما سلف، وربما يبنى بعضهم على هذا حتى في أهل عصره»(0). لذلك قلنا إن علماء الجرح والتعديل لم يكونوا ينطلقون عن هوى مطاع أو عن سياسة غاشمة يبتغون بها عرض الدنيا بل كانوا يسلكون مناهج علمية دقيقة في تمحيص الأحاديث وتمييز صحيحها عن ضعيفها لا يوجد لها مثيل في باقي الأمم السالفة. ولا يعني هذا عصمة أحد من الرواة عن المآرب السياسية وابتغاء المصالح الخاصة غير أنها تصرفات كانت سهلة التمييز والاستيعاب من لدن صيارفة علم الرجال وأئمة الجرح والتعديل الذين غلب عليهم النقد الموضوعي وقلَّ فيهم التحيز السياسي.

    الخاتمة:

    لم تكن أطروحة الدكتور محمد شحرور في السنة إلا انعكاسا لواقع الأزمة التي يعاني منها الفكر الإسلامي المعاصر في محاولته البحث عن مخرج أيا كان للانعتاق من عنق الزجاجة. وما اختياره لمنهج التعميم في نفي الأحكام عن مقام النبوة وما ترتب عنه من أحكام معرفية تنفي حجية الفهم النبوي للرسالة وتقر بتاريخية الرسالة إلا انعكاس عن حالة نفسية أراد من خلالها الكاتب ايجاد منافذ معرفية قادرة على تحرير العقل الاسلامي من مخرجاته التي ابدعها بنفسه في التاريخ. ونحن في خاتمة مقالتنا هذه نؤكد على حاجتنا اليوم للاجتهاد في قراءة التراث الديني وتجديد العلوم الاسلامية أكثر من أي وقت مضى، غير أنه لابد من مراعاة أمر ضروري وهو أن التجديد الجذري لا يخلو من تأثير تجربة الآخر المهيمن ثقافيا على فكر النخب الاسلامية الحداثية، تلكم التجربة بما فيها من إيجابيات ونقائص سبق وأن مرت في مسيرتها التاريخية النهضوية على عبقة علمنة الشاملة التي تنزع القداسة والتقديس من كل نص وضع موضع التفكيك ومحاولة الفهم من جديد. ومعلوم أن القداسة والتقديس هما جزءان لا يتجزءان من طبيعة النص الشرعي نفسه؛ لذلك يحصل الخلل المنهجي عندما يتم الفصل بين المكونات البنيوية للدين الاسلامي عندما نعطي الأولوية لعالم الشهادة (العالم المادي المحسوس)على حساب عالم الغيب(العالم اللامحسوس). هذا الغيب الذي سعى محمد شحرور إلى تهميشه في أطروحته من خلال تهميش منزلة السنة وإحلال تفسير مادي للقرآن هو ذاته مصدر السلوان ومركز الإيقان وبؤرة الاستلهام والميزة الوجودية بالنسبة للتجربة الاسلامية المعاصرة المليئة بالتحديات.

    النتائج:

  • دعوة محمد شحرور إلى استقلال المسلم عن الوحي في ما سماه بمرحلة ما بعد الرسالات ضرب من ضروب الانقلاب عن الإسلام أراد التأسيس له من داخل الدين نفسه.

  • التفسير المادي للعلوم الشرعية نسق لا يتسق وطبيعة الاسلام المتعددة المشارب والتي تتخذ من الغيب جذورا ومن الشهادة فروعا.

  • النبوة والرسالة مفهومان قرآنيان متطابقان لا يمكن فصلهما عن سياقهما في النص الشرعي.

  • كما خوطب الرسول بالأحكام فقد خوطب النبي أيضا بها، فالأحكام العملية بنية فيهما معا.

  • كما تجب طاعة الرسول تجب أيضا طاعة النبي.

  • ضروري أمام المسلم طاعة النبي والرسول معا في شخص محمد  لأنهما صادران عن الوحي الإلهي نفسه.

  • السنة النبوية نقلت إلينا تحت رعاية جملة من العلوم التوثيقية (علم مصطلح الحديث والجرح والتعديل والتراجم والسير، وعلم الدراية ، علم الرواية...) مما يجعل التشكيك في وثوقيتها ضرب من عدم الوعي ومغالطة للواقع العلمي والتاريخي.

    التوصيات:

    • ضرورة توسيع حركة نقد النقد لتقويم المشاريع النقدية للتراث.

    • توجيه الدراسات النقدية للأصول الاسلامية إلى عدم التجذر في النقد حتى لا تفقد طبيعتها الإسلامية الربانية.

    • دعم الدراسات الكاشفة عن جوانب الاعجاز والهداية المتضمنة في السنة النبوية.

    • ضرورة إعادة قراءة السنة النبوية بتساوق مع القيم العمرانية المؤَسَّسة في القرآن الكريم فهما لا يختلفان أبدا.


    قائمة المصادر والمراجع:

    قائمة المصادر باللعة العربية

    القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم

  • اجتهاد الرسول ، عيسى أبو النصر، عبد الجليل، مكتبة الشروق، الطبعة الثانية، 2003.

  • إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني، تحقيق: الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا، قدم له: الشيخ خليل الميس والدكتور ولي الدين صالح فرفور، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1419هـ - 1999م.

  • الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، أحمد الناصري، تحقيق: جعفر الناصري/ محمد الناصري، دار الكتاب - الدار البيضاء.

  • مجموع الفتاوى، ابن تيمية، أحمد عبد الحليم، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية.

  • الأسرة المسلمة في مواجهة التحديات الحداثية المعاصرة، محمد بنتاجة، طبع مركز دراسات الأسرة والبحث في القيم والقانون، الطبعة الأولى، 2015، المغرب.

  • الإسلام وقضايا العصر، عمارة، محمد، بيروت، دار الوحدة، الطبعة الأولى، 1980.

  • الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل، الباجي، أبو الوليد، دراسة وتحقيق وتعليق: محمد علي فركوس [أستاذ بالمعهد الوطني العالي لأصول الدين (الخروبة - جامعة الجزائر)، المكتبة المكية (مكة المكرمة) دار البشائر الإسلامية (بيروت) الطبعة: الأولى، 1416 هـ - 1996م.

  • اشكاليات التجديد، ماجد الغرباوي، دار الهادي، الطبعة الأولى، 2001.

  • الاقتصاد في الاعتقاد، الغزالي، أبوحامد، وضع حواشيه: عبد الله محمد الخليلي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2004 م.

  • بحوث في تاريخ السنة المشرفة، العمري، أكرم ضياء، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الخامسة، دون تاريخ.

  • تجفيف منابع الارهاب، محمد شحرور، مؤسسة الدراسات الفكرية المعاصرة والأهالي للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 2008.

  • تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير أبو جعفر الطبري، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن يمامة، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى، 1422 هـ - 2001 م.

  • التقاث، ابن حبان البستي، طبع بإعانة: وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية، تحت مراقبة: الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف العثمانية، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، الطبعة الأولى، 1393 ه‍ = 1973.

  • التلخيص في أصول الفقه، الجويني، إمام الحرمين، حقيق: عبد الله جولم النبالي وبشير أحمد العمري، دار البشائر الإسلامية – بيروت.

  • التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، يحي المعلمي اليمني، تخريجات وتعليقات: محمد ناصر الدين الألباني - زهير الشاويش - عبد الرزاق حمزة، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1406 هـ - 1986 م.

  • الثقات، ابن حبان البستي، طبع بإعانة: وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية، تحت مراقبة: الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف العثمانية، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، الطبعة الأولى، 1393 ه‍ = 1973.

  • الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن – الهند، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة الأولى، 1271 هـ 1952م.

  • دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، محمد الأمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية - القاهرة ، مكتبة الخراز – جدة، الطبعة الأولى 1417 هـ - 1996م.

  • الدين والحضارة: عوامل الامتياز الإسلام(شهادة غربية)، عمارة، محمد، مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الأولى 2005.

  • الدين والحضارة: عوامل الامتياز الإسلام(شهادة غربية)، محمد عمارة، مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الأولى 2005.

  • السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، السباعي مصطفى، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت – لبنان، الطبعة الثالثة، 1402 هـ - 1982 م (بيروت).

  • سنن الترمذي، محمد بن عيسى ، الترمذي، أبو عيسى، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر (جـ 1، 2) ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ 3) وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف (جـ 4، 5)، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، الطبعة الثانية، 1395 هـ - 1975م.

  • شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، تحقيق: أحمد شاكر، وزارة الشؤون الإسلامية، والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة: الأولى - 1418 هـ.

  • الشريعة الاسلامية صالحة لكل زمان ومكان، محمد الخضر حسين، دار نهضة مصر، في التنوير الإسلامي، العدد: 37، يونيه1999.

  • صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت.

  • فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، ابن رشد، دراسة وتحقيق: محمد عمارة، دار المعارف، الطبعة الثانية.

  • فقه الأخلاق في الشرائع السماوية، حميدة الأعرجي، دار أمجد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2019.

  • القصص القرآني: الجزء الأول، مدخل إلى القصص وقصّة آدم، شحرور

  • الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة، محمد شحرور، الأهالي للطباعة والنشر، دمشق-سوريا، دون تاريخ.

  • كيف صنع الإسلام العالم الحديث، مارك غراهام، ترجمة: عدنان خالد عبد الله، الطبعة الأولى، 2010.

  • لسان العرب، ابن منظور الإفريقي، دار صادر – بيروت، الطبعة الثالثة - 1414هـ.

  • لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، الطبعة: الأولى، 2002 م، ج 1، ص: 14.

  • مجموع الفتاوى، ابن تيمية الحراني، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ/1995م.

  • محمد، دار الساقي ومؤسسة الدراسات الفكرية المعاصرة، الطبعة الأولى 2010.

  • المسند، ابن حنبل، أحمد، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الحديث – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1416 هـ - 1995م.

  • معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عبد الحميد عمر، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1429 هـ - 2008م.

  • نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، محمد شحرور، دار الأهالي، دراسات إسلامية، العدد:4، دون معلومات.

  • نظرية المعرفة في القرآن الكريم وتضميناتها التربوية، الدغشي، أحمد محمد، دار الفكر-دمشق، الطبعة الأولى.

  • نفائس الأصول في شرح المحصول، القرافي شهاب الدين، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، الطبعة الأولى، 1416هـ - 1995م.

    قائمة المجلات

  • مجلة دعوة الحق، العددان 351-352 محرم-صفر ربيع 1 1421/ أبريل-مايو-يونيو 2000، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب.

  • مجلة الفكر الإسلامي المعاصر، العدد: 66، المعهد العالمي للفكر الاسلامي، أمريكا.

  • مجلة الفيصل، العدد 75، رمضان 1403هـ-السنة السابعة-حزيران يونيو/ تموز 1983.

    قائمة المواقع الالكترونية

  • http://www.noonpost.org/content/19574

  • https://menoflostglory.wordpress.com/2015/05/09/ تقرير-خطير-يكشف-عن-خطط-خبيثة-لفصل-القرآن/

  • www.menoflostglory.wordpress.com

    0() محمد شحرور، تجفيف منابع الارهاب، مؤسسة الدراسات الفكرية المعاصرة والأهالي للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 2008، ص: 26.

    0() المصدر السابق.

    0() محمد شحرور، تجفيف منابع الارهاب، ص: 26.

    0( ) شحرور، محمد، القصص القرآني: الجزء الأول، مدخل إلى القصص وقصّة آدم، دار الساقي ومؤسسة الدراسات الفكرية المعاصرة، الطبعة الأولى 2010، ص: 158.

    0( ) المرجع السابق، ص: 156.

    0( ) المرجع السابق.

    0( ) المرجع السابق.

    0( ) عواجي، غالب بن علي، فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام: وبيان موقف الإسلام منها، المكتبة العصرية الذهبية، جدة، الطبعة الرابعة، 2001، ج2، ص: 122. انظر كتاب أبي الحسن الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، تحقيق: د. فوقية حسين محمود، دار الأنصار – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1397، ج1، ص: 227.

    0( ) الغزالي، أبوحامد، الاقتصاد في الاعتقاد، وضع حواشيه: عبد الله محمد الخليلي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2004 م، ص: 134. دافع الفيلسوف المشائي ابي الوليد بن رشد الحفيد عن الفلاسفة فقال" والى هذا كله فقد نرى أن أبا حامد قد غلط على الحكماء المشائين بما نسب إليهم من أنهم يقولون أنه تقدس وتعالى لا يعلم الجزئيات أصلاً. بل يرون أنه تعالى يعلمها بعلم غير مجانس لعلمنا بها وذلك أن علمنا بها معلول للمعلوم به فهو محدث بحدوثه ومتغير بتغيره. وعلم الله سبحانه بالوجود على مقابل هذا، فإنه علة للمعلوم الذي هو الموجود. فمن شبه العلمين أحدهما بالآخر فقد جعل ذوات المتقابلات وخواصها واحداً، وذلك غاية الجهل..." انظر كتابه فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، دراسة وتحقيق: محمد عمارة، دار المعارف، الطبعة الثانية، ص: 36.

    0( ) انظر، ابن تيمية، أحمد عبد الحليم، مجموع الفتاوى، دار الكتب العلمية‎.، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ج7، ص: 215.

    0() الدغشي، أحمد محمد، نظرية المعرفة في القرآن الكريم وتضميناتها التربوية، دار الفكر-دمشق، الطبعة الأولى، 2002، ص: 135.

    0( ) عمارة، محمد، الدين والحضارة: عوامل الامتياز الإسلام(شهادة غربية)، مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الأولى 2005، ص: 10.

    0( ) نقلا عن تقديم الدكتور محمد عمارة، لكتاب الشيخ محمد الخضر حسين، الشريعة الاسلامية صالحة لكل زمان ومكان، دار نهضة مصر، في التنوير الإسلامي، العدد: 37، يونيه1999، ص: 6.

    0( ) مقال للدكتور خلدون مخلوطه بعنوان "تقرير خطير يكشف عن خطط خبيثة لفصل القرآن عن السنة النبوية والتشكيك في كتب السنة مثل صحيح البخاري وغيرها" على الرابط التالي: www.menoflostglory.wordpress.com

    0( ) شحرور، محمد، الكتاب والقرآن، الأهالي للطباعة والنشر، دمشق-سوريا، دون تاريخ، ص: 103.

    0( ) المصدر السابق، ص: 104.

    0( ) المصدر السابق، ص: 106.

    0( ) المصدر السابق ص: 105.

    0( ) شحرور، محمد، الكتاب والقرآن، ص:103.

    0( ) المصدر السابق، ص: 105.

    0( ) المصدر السابق، ص: 104.

    0() محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، دار الأهالي، دراسات إسلامية، العدد:4، دون معلومات، ص: 60.

    0() شحرور، محمد، الكتاب والقرآن، ص: 112.

    0() شحرور، محمد، الكتاب والقرآن، ص: 113.

    0( ) حميدة الأعرجي، فقه الأخلاق في الشرائع السماوية، دار أمجد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2019، ص: 51.

    0( ) محمد خارز المجالي، سليمان الدقور، مقالة بعنوان "النبوة في القرآن الكريم: دراسة في التأصيل المقاصدي والحاجة البشرية"، مجلة الفكر الإسلامي المعاصر، العدد: 66، ص:54.

    قال ابن أبي العز الحنفي " وَقَدْ ذَكَرُوا فُرُوقًا بَيْنَ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ، وَأَحْسَنُهَا. أَنَّ مَنْ نَبَّأَهُ اللَّهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ، إِنْ أَمَرَهُ أَنْ يُبَلِّغَ غَيْرَهُ، فَهُوَ نَبِيٌّ رَسُولٌ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُبَلِّغَ غَيْرَهُ، فَهُوَ نَبِيٌّ وَلَيْسَ بِرَسُولٍ. فَالرَّسُولُ أَخَصُّ مِنَ النَّبِيِّ، فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولًا، وَلَكِنَّ الرِّسَالَةَ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهَا، فَالنُّبُوَّةُ جُزْءٌ مِنَ الرِّسَالَةِ، إِذِ الرِّسَالَةُ تَتَنَاوَلُ النُّبُوَّةَ وَغَيْرَهَا، بِخِلَافِ الرُّسُلِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَتَنَاوَلُونَ الْأَنْبِيَاءَ وَغَيْرَهُمْ، بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ. فَالرِّسَالَةُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهَا، وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةِ أَهْلِهَا" انظر شرح العقيدة الطحاوية، تحقيق: أحمد شاكر، وزارة الشؤون الإسلامية، والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة: الأولى - 1418 هـ، ص: 117.

    0( ) ابن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ/1995م، ج10، ص: 290.

    0() شحرور، محمد، الكتاب والقرآن، ص: 39.

    0() شحرور، محمد، تجفيف منابع الإرهاب، ص: 41.

    0() المصدر السابق، ص: 42.

    0( ) شحرور، محمد، تجفيف منابع الإرهاب، ص: 42.

    0( ) ابن حنبل، أحمد، المسند، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الحديث – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1416 هـ - 1995 م، ج6، ص: 69.

    0() ابن حبان البستي، التقاث، طبع بإعانة: وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية، تحت مراقبة: الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف العثمانية، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، الطبعة الأولى، 1393 ه‍ = 1973. ج1، ص:161،

    0( ) محمد علوي بنصر، مقالة في موضوع " اجتهاد الرسول "، مجلة دعوة الحق، العددان 351-352 محرم-صفر ربيع 1 1421، أبريل-مايو-يونيو 2000، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب.

    0( ) عيسى أبو النصر، عبد الجليل، اجتهاد الرسول ، مكتبة الشروق، الطبعة الثانية، 2003، ص: 11.

    0( ) الجويني، إمام الحرمين، كتاب التلخيص في أصول الفقه، تحقيق: عبد الله جولم النبالي وبشير أحمد العمري، دار البشائر الإسلامية – بيروت، ج3، ص: 403.

    0( ) الشاطبي، ابراهيم اللخمي، الموافقات، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م. ج4،ص:335. انظر الشوكاني محمد بن علي، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، تحقيق: الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا، قدم له: الشيخ خليل الميس والدكتور ولي الدين صالح فرفور، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1419هـ - 1999م. ج2، ص: 218.

    0( ) مؤسسة الرسالة، 1981.

    0( ) سبق توثيقه.

    0( ) محمد الأمين الشنقيطي، دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، ص: 226.

    0( ) عمارة، محمد، الإسلام وقضايا العصر، بيروت، دار الوحدة، الطبعة الأولى، 1980، ص: 25.

    0( ) نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص: 63.

    0( ) الشاطبي، الموافقات، ج5، ص:14.

    0( ) المرجع السابق، ج2، ص:293-230

    0() –شحرور، محمد، الكتاب والقرآن، ص: 61.

    0() السباعي مصطفى، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت – لبنان، الطبعة الثالثة، 1402 هـ - 1982 م (بيروت)، ص: 239.

    0 -النعمة، ابراهيم، السنة النبوية في مواجهة التحديات: شبهات وردود، ص: 99.

    0 -النبهان، محمد فاروق، مقال بعنوان "أثر الامام مالك في المنهج الفقهي العام" مجلة الفيصل، العدد 75، رمضان 1403ه-السنة السابعة-حزيران يونيو/ تموز 1983، ص: 41-42.

    0( ) النعمة، ابراهيم، السنة النبوية في مواجهة التحديات: شبهات وردود، ص: 100.

    0() النبهان، محمد فاروق، مقال بعنوان "أثر الامام مالك في المنهج الفقهي العام" مجلة الفيصل، ص: 41.

    0( ) العمري، أكرم ضياء، بحوث في تاريخ السنة المشرفة، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الخامسة، دون تاريخ، ص: 12.

    0() ابن أبي حاتم، الرازي، الجرح والتعديل، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن – الهند، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة الأولى، 1271 هـ 1952م، ج2، ص: 21.

    0( ) انظر، ابن حجر، العسقلاني، لسان الميزان، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، 2002 م، ج1، ص: 14.

    0() يحي المعلمي اليمني، التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، تخريجات وتعليقات: محمد ناصر الدين الألباني - زهير الشاويش - عبد الرزاق حمزة، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1406 هـ - 1986 م، ج1، ص:256.

    Mohammed bentaja || The Modernist Approach to the Prophetic Sunnah: Muhammad Shahrour´s Thesis: A Presentation and Critique ||Ibn Khaldoun Journal for Studies and Research || Volume 1 || Issue 3|| part 2 || Pages 819 - 847.

    0

     

 

Loading...
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...
About Us

Asian Research Index (ARI) is an online indexing service for providing free access, peer reviewed, high quality literature.

Whatsapp group

asianindexing@gmail.com

Follow us

Copyright @2023 | Asian Research Index