Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches > Volume 2 Issue 8 of Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches

الإمام القرطبي وكتابه الجامع لأحكام القرآن الكريم |
Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches
Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches

Article Info
Authors

Volume

2

Issue

8

Year

2022

ARI Id

1682060055167_2278

PDF URL

https://drive.google.com/file/d/1snxPgkt4uUHXoyLQpJOHgyviynSETwql/view?usp=sharing

Subjects

الإمام القرطبي كتاب الجامع لأحكام القرآن الكريم

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

 

AL-Qurtubi Imam and his book compilation of the provisions of the Noble Quraan


د. ذو الأذهان بن عبدالحليم: جامعة السلطان زين العابدين، كوالاترنجانو، ماليزيا

الباحثة: هدى محمد عبدالرزاق حصن: طالبة في جامعة السلطان زين العابدين، كوالاترنجانو، ماليزيا

 

Abstract:

This research aims to introduce Imam Al-Qurtubi and his book, which accumulates the provisions of the Noble Qur'an, as the Noble Qur'an is regarded as one of greatest sources in knowledge of grammar and defining its secret information, as well as the sciences pertaining to it, particularly the science of interpretation. Additionally, Imam Al-Qurtubi has provided us with a rich workbook on the level of quantity and quality, as it is a complete and accurate information resource

Keywords: Imam Al-Qurtubi, The Book of the Compilation of the Provisions of the Noble Qur'an.

 

المقدمة:

لقد نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين، لذلك اكتسبت هذه اللغة شرفا عظيما، ونالت منزلة رفيعة، فأقبل العلماء على القرآن الكريم ينهلون من عجائبه، فارتبطت هذه العلوم بخدمة كتاب الله العزيز فصار المحور الذي دارت حوله الدراسات اللغوية بمختلف فروعها، وتناوله الباحثون من جوانب مختلفة.

فإن أعظم مصدر في معرفة اللغة والوقوف على أسرارها كتاب الله تعالى وما يتعلق به من علوم وخصوصا علم التفسير، ومن بين هذه التفاسير تفسير القرطبي المسمى: الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد، شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ)، وإنه قد وضع لنا مصنفا ثريا على مستوى الكم والكيف، فهو موسوعة جامعة لكل مايتعلق بالقرآن الكريم ويبدو هذا واضحا من تسميته لتفسيره (الجامع لأحكام القرآن)، والمبيّن لما تضمنه من السنة والقرآن، فقد جمع بين دفتيه علوما شتّى، بينها مسائل نحوية جمة، تشدّ الانتباه إليها، لما فيها من اهتمام مستفيض، ومتقن بقضايا النحو، وماينبع ذلك من قضايا ووسائل وتحقيقات تشكل مادة ثرية تستحق البحث والدراسة.

حياة الإمام القرطبي:

القرطبي اسمه ونسبه وولادته:

اسمه ونسبه: هو الإمام العلامة أبو عبدالله محمد أحمد بن أبي بكر فَرْح –بسكون الراء والحاء- الأنصاري الخزرجي القرطبي الأندلسي، السني المعتقد، المالكي المذهب(1).

ولادته:

ولد الإمام القرطبي في الأندلس بقرطبة، في عصر الموحدين، ولم تشر كتب التراجم والأعلام إلى سنة ولادته، ولكن توقع بعض المتأخرين ممن ترجموا له أن ولادته كانت في بداية القرن السابع الهجري، وذلك بناء على بعض الحداث التي ذكرها القرطبي في بعض كتبه، والتي توحي بأنه في حينها كان صغيرا لايزال يطلب العلم.(2)


نشأته العلمية:

نشأ أبو عبدالله في قرطبة، ونسب إليها، وأصبح من أشهر علمائها، وقد تلقى بعض العلوم بها، وكان يعيش آنذاك في كنف أبيه ورعايته، وكان يغلب على حال أسرته الفقر والبساطة، فكان والده فلاحا، يباشر حصاد بعض المحاصيل بنفسه يوم قتل مع غيره من المسلمين على أيدي النصارى بقرطبة سنة 627هـ، فلم يكن والده من ذوي الجاه والسلطان، ولا من ذوي العلم والمعرفة، ولم يتبؤأ مكانة اجتماعية مرموقة، ولعل الظروف الصعبة الشاقة التي ولد فيها القرطبي، وعدم شهرته في عصره من الأسباب التي أسهمت في صرف الناس عن الاهتمام برصد شيء يتعلق بمولده وحياته وطفولته، وصباه، فلم يحظ بعناية المترجمين والمؤرخين الذين يتناقلون أخباره، ونشأته إلا بشذرات يسيرة متناثرة في كتب التراجم والطبقات، وفي حديثه عن نفسه وعن عمله بقرطبة في شبابه يقول: "ولقد كنت في زمن الشباب أنا وغيري ننقل التراب من مقبرة عندنا تسمى بمقبرة اليهود، خارج قرطبة"(1).

وكانت قرطبة آنذاك قلعة من قلاع العلم، وفيها نشأ كبار العلماء في مختلف الفنون، كما انتشرت المدارس والمكتبات العلمية في أرجائها آنذاك، وقد قيل عن مدينة قرطبة أنها كانت: أكثر بلاد الأندلس كتبا، وأشد الناس اعتناء بخزائن الكتب(2).

ففي هذا الجو العلمي نشأ القرطبي واستفاد من جل علماء قرطبة في شتى الفنون، ولذلك نجده في كتبه كثيرا ما يتعرض لذكرهم، فيقول: (سمعت شيخنا)، و(أخبرني مني عليه)، وكان ذلك بقرطبة في مرحلة الطلب للعلم (3).

شيوخه وتلاميذه:

لقد تتلمذ الإمام القرطبي على كبار علماء الإسلام واللغة والأدب، الذين سجل لهم تاريخ التربية الإسلامية أنصع الصفحات وأشرقها، ولقد تلقى الإمام القرطبي من هؤلاء الشيوخ ثقافة إسلامية، وتأثر بهم وتزود بما عندهم من فقه وتفسير وحديث ولغة، والذين كان لهم أثر واضح في صياغة شخصيته وتكوينه الثقافي والديني، وخاصة وقد تعددت بيآته ما بين الأندلس، والمغرب، ومصر، وأشهر معظم شيوخه بالترحال في حواضر العالم الإسلامي شرقا وغربا، فأخذ عنهم العلم والتجارب.(4)

ومن هؤلاء الشيوخ الذين تتلمذ عليهم في الأندلس:

 

  • أحمد بن محمد بن محمد القيسي، من أهل قرطبة، ويعرف بابن أبي حجّة.

  • ربيع بن عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالرحمن بن ربيع الأشعري، من أهل قرطبة وقاضيها.

  • ابن قُطْرال أبو الحسن علي بن عبدالله بن محمد النصاري القرطبي، القاضي، العلامة، القدوة، الأنصاري، القرطبي، المالكي.

  • أبو عامر يحي بن عبدالرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري(1).

    أما الشيوخ الذين تتلمذ عليهم القرطبي في مصر فمنهم:

    • أبو العباس القرطبي: هو أبو العباس ضياء الدين أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر الأنصاري القرطبي المالكي، عرف بــــ(ابن المزيِّن)، نزل الإسكندرية واستوطنها.(2)

    • أبو محمد بن رواج: هو الإمام المحدث أبو محمد عبدالوهاب ظافر بن علي بن الحسين بن رواج القرشي المالكي(3).

    • الحسن بن محمد البكري: هو الإمام المحدث أبو علي الحسن بن محمد الشيخ أبو الفتوح محمد بن محمد بن عمروك القرشي التيميّ البكري(4).

    • أبو الحسن علي هبة الله اللخمي، المعروف بــــ(ابن الجُمَّيزِي): هو شيخ الديار المصرية العلامة أبو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلّم اللّخمي المصري الشافعي(5).

    تلاميذه:

    لم تذكر كتب التراجم التي ترجمت للإمام القرطبي شيئا كبيرا من تلاميذه، ولعل السر في ذلك هو اعتزال القرطبي في آخر حياته، وتفرغه للتصنيف، ويمكن أن يعد من تلاميذه: (6)

    • ابنه، شهاب الدين أحمد: قال السيوطي: وروى عنه، أي القرطبي: بالإجازة، ولده شهاب الدين أحمد.

    • أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي.

    • إسماعيل بن محمد بن عبدالكريم بن عبدالصمد الخراساني. (7)

    • أبو بكر محمد بن الإمام كمال الدين أبي العباس أحمد أمين الدين القسطلاني.

    مكانته العلمية وعلاقته بعلم النحو:

    أولا: مكانته العلمية:

    كان نظام التعليم في البلاد الإسلامية في عصر القرطبي يبدأ فيه الولدان بحفظ القرآن الكريم، إلى جانب تعليم مبادئ القراءة والكتابة، وبعد أن يتم الطالب حفظ القرآن الكري، وبعد أن يتم الطالب حفظ القرآن الكريم يتجه إلى دراسة القراءات والحديث والفقه واللغة والنحو... إلخ، إلى أن تتكون له شخصية ثقافية عظيمة لها وزنها في المجال العلمي.(1).

    ولقد تبؤّأ الإمام القرطبي مكانة عظيمة في العلم بشتى فنونه، وكرّس حياته للعلم والمطالعة والتأليف، وألزم نفسه الجدّ والمصابرة عليه حتى استقامت له، وقد وصفه من ترجم له (بأن أوقاته معمورة مابين توجه وعبادة وتصنيف) (2).

    وقد نتج عن مثابرته في طلب العلم وسعة اطلاعه كثرة تصانيفه في شتى العلوم كما قيل عنه إنه: (إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة تدل على كثرة اطلاعه).(3)

    وقد وصفه الشيخ صلاح الدين الصفدي بأنه أستاذ عصره في فنَّيْ التفسير والحديث.

    وقد حظي القرطبي بمنزلة رفيعة عند العلماء والباحثين –قديما وحديثا- الذين جعلوا تفسيره الجامع لأحكام القرآن في مقدمة مراجع أبحاثهم ودراساتهم، ثقة في مؤلفه، وشهادة منهم على اتساع باعه في العلوم، ورسوخ قدمه فيها، فهو من العلماء العاملين والأئمة المعتمدين، وعلى الرغم من أن القرطبي مالكي المذهب إلا أنه لم يكن متعصبا لمذهبه، بل كان يذهب مع الدليل حيث ذهب، وأحيانا ينفرد بآراء هي أقرب للصواب في نظره، وعلى الجملة فإن القرطبي -رحمه الله- حر في بحثه، نزيه في نقده، عفٌّ في مناقشته وجدله، ملمٌّ بالعلم من جميع نواحيه، بارع في كل فن استطرد إليه وتكلم فيه.(4)

    ثانيا: علاقة الإمام القرطبي بعلم النحو:

    في مجال العربية بعامة نجده يناقش اللفظ اللغوي من وجوهه المتعددة، من حيث اشتقاقه وتصريفه وما يتضمنه من المعاني المختلفة ذات الدلالات الحسية والمعنوية، وبيان المذاهب النحوية ذات الاتجاهات المتباينة، وهو في هذا كله ينقل عن أئمة العربية أساطينها، سواء من كان منهم في شرق بلاد الإسلام أو غربها، ويستشهد بكلام العرب شعرها ونثرها وأمثالها ولغات قبائلها في عصور الجاهلية وصدر الإسلام وبني أمية وبني العباس، ليؤكد ما ذهب إليه من إيضاح اللفظ، وتصريفه وإعرابه، وينسب مايستشهد به -في أغلب الأحيان- إلى أصحابه، فهو ينقل عن امرئ القيس، وسيبويه، والخليل بن أحمد، والكسائي، وكعب بن مالك، والكميت، وابن فارس، والجوهري، والفرزدق، وابن سيدة الأندلسي صاحب المعجم اللغوي (المحكم)، وشيخه أبي جعفر أحمد بن محمد القيسي القرطبي وغيرهم.

    وأنه لايكتفي بالنقل دون أن يكون له رأي فيما ينقله، فهو –أحيانا- بعد انتهائه مما ينقله في موضوع بحثه الذي يعالجه، يدلي برأيه وما وصل إليه فهمه، وهو تارة يؤيد ويدعم ما ينقله بالشواهد والأدلة ويستحسنه، وأخرى يقف منه موقف العالم الناقد الذي يفند بالحجج والبراهين ما يراه غيره ويذهب إليه(1).

    ففي المسألة الثالثة وعند تفسيره لقوله تعالى: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)(التوبة: 3).

    يوضح القرطبي ما في هذه الآية من وجوه الإعراب، فيقول: (أن) بالفتح في موضع نصب، والتقدير: بأن الله، ومن قرأ بالكسر قدره بمعنى قال: إن الله، (بريء) خبر أن، و(رسوله) عطف على الموضع، وإن شئت على المضمر المرفوع في (بريء) كلاهما حسن، لأنه قد طال الكلام، وإن شئت على الابتداء والخبر المحذوف، والتقدير: ورسوله بريء منهم، ومن قرأ ورسوله بالنصب -وهو الحسن وغيره- عطفه على اسم الله عز وجل على اللفظ، وفي الشواذ و(رسوله) بالخفض على القسم، أي وحق رسوله(3).

    آثاره ومؤلفاته:

    اهتم الإمام القرطبي –رحمه الله- بالعلم وعكف على تحقيق مسائله، وكان له مصنفات وتآليف أَثْرَت الحركة العلمية، ويرى المتمعن فيها أن صاحبها ذو ذوق مرهف، وحس علمي نقي، ورقّة نادرة في الفهم، وقوة بالغة في الحفظ، وقدرة عجيبة على التأليف بأنصع أسلوب، ومن أهم المؤلفات التي ألفها القرطبي هي:

    • الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان: وهو تفسيره المعروف بـ(تفسير القرطبي)، والذي عليه مدار هذا البحث، وقد وجد هذا الكتاب قبولا كبيرا عند المتقدمين والمتأخرين، واستفاد منه العلماء، فقد أكثر من النقل عنه ابن كثير في تفسير القرآن العظيم(4).

    • التذكار في أفضل الأذكار (القرآن الكريم): وموضوع هذا الكتاب هو القرآن الكريم.(5)

    • التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة: وقد كتبه في مجلدين، وهو كتاب مشهور جمعه من كتب الأخبار والآثار، ومايتعلق بذكر الموت والموتى والحشر والجنة والنار والفتن.(1)

    • قمع الحرص بالزهد والقناعة ورد ذل السؤال بالكسب والصناعة: وهذا الكتاب من الكتب المخطوطة.

    • الإعلام في معرفة مولد المصطفى علية الصلاة والسلام.

    • الأسنى في شرح الأسماء الحسنى وصفاته العليا.

    • المقتبس في شرح الموطأ مالك بن أنس.

    • أرجوزة في أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- مع شرحه: ذكرها له ابن فرحون، والداودي، وقال عنها صاحب كشف الظنون: (أرجوزة فيها أسماء النبي –صلى الله عليه وسلم- لأبي عبدالله القرطبي ثم شرحها، فذكر فيها مازاد على الثلاثمائة) (2).

    • التقريب لكتاب التمهيد: وهو مختصر لكتاب (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد).

    • رسالة في القاب الحديث.

    • الانتهاز في قراءة أهل الكوفة والبصرة والشام وأهل الحجاز.

    • اللّمع اللّؤلؤيّة في شرح العشرينيّات النبوية.

    • منهج العبّاد ومحجّة السّالكين الزّهّاد.

    • المصباح في الجمع بين الفعال الصحاح.

    • كتاب الأقضية.

    • كتاب شرح التقصي لما في الموطأ من حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم. (3)

    وفاته:

    بعد أن استقر القرطبي بمصر قرابة ثمانية وثلاثين عاما بعد رحلة طويلة، وبعد خروجه من مسقط رأسه من قرطبة بعد سقوطها، توفاه الله تعالى بمنية بني خصيب، وهي المعروفة اليوم بالمنيا، وكان ذلك ليلة الإثنين التاسع من شوال، سنة إحدى وسبعين وستمائة (671هـ)، وقبره معروف اليوم بمكان يسمى (أرض سلطان) بالمنيا، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته(4).

    التعريف بكتاب الجامع لأحكام القرآن:

    كتاب الجامع لأحكام القرآن، والمعروف بتفسير القرطبي ىمن أجلّ التفاسير، لما اشتمل عليه من بسط لمعاني القرآن، وتفصيل لأحكامه، ثم لما ورد فيه من قراءات وإعراب، وشواهد شعرية، ومباحث لغوية، ونكت نحوية وصرفية، وردّ على أهل البدع والأهواء(1).

    موضوعه:

    موضوعه أحكام القرآن الكريم، وقد صنف القرطبي –رحمه الله- هذا التفسير، وجمع فيه أكثر العلوم، وكان لأحكام القرآن الحظ الأوفى منه، فسماه "الجامع لأحكام القرآن"، فأضحى غنيا في مضمونه، شاملا في موضوعه، فقد قال فيه الدكتور حسين الذهبي –رحمه الله- في كتابه "التفسير والمفسرون": وعلى الجملة، فإن القرطبي –رحمه الله- في تفسيره هذا حرّ في بحثه، نزيه في نقده، عفّ في مناقشته وجدله، ملم بالتفسير من جميع نواحيه، بارع في كل فن استطرد إليه وتكلم فيه. (2)




    سبب تأليفه:

    ويقول القرطبي في كتابه: وسميته "الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان"، جعله الله خالصا لوجهه، وأن ينفعني به ووالدي، ومن أراده بمنّه إنه سميع الدعاء قريب مجيب(3).

    وأفصح القرطبي أيضا عن سبب تأليفه لهذا الكتاب، والذي قال عنه في مقدمته: (وعملته تذكرة لنفسي، وذخيرة ليوم رمسي، وعملا صالحا بعد موتي، قال الله تعالى: (يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ)(القيامة: 13).

    شرط مؤلفه فيه:

    وقال القرطبي في كتابه، وشرطي في هذا الكتاب:

    • إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله، وكثيرا مايجيء الحديث في كتب الفقه ةالتفسير مبهما لا يعرف من أخرجه إلا من اطلع على كتب الحديث، فيبقى من لا خبرة له بذلك حائرا، لا يعرف الصحيح من السقيم.

    • أضرب عن كثير من قصص المفسرين، واخبار المؤرخين، إلا ما لابد منه، ولا غنى عنه للتبيين، واعتضت من ذلك تبيين آي الحكام بمسائل تفسر عن معناها.

    القيمة العلمية للكتاب:

    • كتاب الجامع لما قال علماء التفسير المتقدمين على مؤلفه.

    • الكتاب حصيلة فقهية في معرفة مسائل الخلاف.

    • يعد الكتاب ضمن التفسير المأثور لقول مؤلفه بأقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف.

    • مراعاة الدليل وعدم التعصب للمذهب، وهذا مما زاد من قيمة هذا التفسير.

    • الكتاب نفيس أيضا في الرد على أهل البدع مثل المعتزلة، والكرامية، والصوفية، والرافضة.

    • يمكن القول بأن هذا الكتاب مرجع في معرفة حالة الندلس في بداية القرن السابع، وماحال بها من المصائب واستيلاء العدو النصراني على بلاد المسلمين.(1)

    ثناء العلماء على كتاب الجامع لأحكام القرآن:

    لقد أثنى العلماء على هذا الكتاب ثناء عاطرا، يدل على أهمية وجودة مادته، وقد كثرت نقول العلماء من هذا التفسير العظيم، ووجد قبولا كبيرا عند المتقدمين والمتأخرين، فقال عنه ابن فرحون: (هو من اجل ّ التفاسير وأعظمها نفعا، أسقط منه القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن، واستنباط الأدلة، وذكر القراءات والإعراب والناسخ والمنسوخ.(2)

    وقال عنه الذهبي: (وقد سارت بتفسيره العظيم الشأن الركبان، وهو كامل في معناه)، وذكر ابن خلدون في مقدمته، أن تفسير القرطبي له شهرة عريضة بالمشرق (3)، وقال ابن العماد: (والتفسير الجامع لأحكام القرآن الحاكي مذاهب. السلف كلها، وما أكثر فوائده)(4)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض حديثه عن تفسير (الكشاف) للزمخشري: (وتفسير القرطبي خير منه بكثير، وأقرب إلى طريقة أهل الكتاب والسنة، وأبعد من البدع) (5).

    ميزات الكتاب ومثالبه:

    يعتبر تفسير الفقرطبي موسوعة عظيمة حوت كثيرا من العلوم، وأهم ما يميزه:

    • تضمنه أحكام القرآن بتوسع.

    • تميز الجامع لأحكام القرآن بحسن التنظيم في ترتيب المسائل، فإنه يتسلسل ويتنقل بين الفوائد والمسائل، فلا تتداخل بعضها في بعض، ولا يستشكل الباحث أو القارئ في هذا الكتاب مسألة دخلت في مسألة.

    • تخريج الأحاديث وعزوها إلى من رووها، ونسبة القوال إلى أصحابها.

    • الكتاب موسوعة علمية جمع فيه مؤلفه إلى جانب التفسير والفقه فنونا أخرى يستفيد منها طالب العلم.

    • التقليل من إيراد القصص والإسرائيليات.

    • الرد على الفرق المنحرفة.

    مثالب الكتاب:

    مع أن تفسير القرطبي –رحمه الله- من أعظم التفاسير نفعا، إلا أن العلماء لاحظوا عليه بعض المآخذ من بينها:

    • إيراده بعض الأحاديث الضعيفة، والواهية، حتى الموضوعة والإسرائيليات بلا بيبان.

    • استطراده أحيانا في التفسير بما لاعلاقة له بالآية المفسرة.

    • دفاعه عن المذهب الأشعري.

    • يسكت أحيانا عن ذكر موضوع النقل.

    طبعات الكتاب:

    يوجد في المكتبات ثلاث طبعات للكتاب وهي:

    • طبعة دار الحديث بمراجعة وضبط وتعليق د/محمد إبراهيم الحفناوي، وآخر الطبعة الأولى سنة 1414هجرية، في عشرين مجلدا ومجلدان للفهارس.

    • طبعة عالم الكتب –الرياض- بتصحيح الشيخ هشام سمير البخاري، طبع عام 1423هجرية، في عشر مجلدات ومجلدين للفهارس.

    • طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق د/ عبدالله بن عبدالمحسن التركي، طبع عام 1427هجرية، في أربعة وعشرين مجلدا مع الفهارس، وهي أحسن الطبعات وأجودها تحقيق.






    وصف الكتاب:

    طبعة عبدالله بن عبدالمحسن التركي في أربعة وعشرين مجلدا، بتجليد جيد واوراق فاخرة، وتتميز هذه الطبعة بجودة الإخراج وضبط النصوص، وحجم المجلدات المناسبة، فليست بالثقيلة ولا الخفيفة، بل هي متوسطة.

    مختصرات الكتاب:

    • قال الأدنروي: وقد اختصره سراج الدين الشيخ عمر بن علي الشهيثر بابن الملقن، المتوفى سنة 804هجرية.

    • مختصر تفسير القرطبي: اختصار ودراسة وتعليق الشيخ محمد كريم راجح في خمسة أجزاء، طبعة دار الكتاب العربي سنة 1407هجرية. (1)

    جوانب استفادة الباحث من الكتاب تربويا:

    إن موسوعية مؤلف هذا الكتاب وشمولية مؤلفه داعيان للباحثين إلى الاستفادة من هذا التراث في فنون عدة، وقد تطرق الإمام القرطبي في كتابه إلى بعض الموضوعات التربوية مثل: الفضائل، وآداب القرآن وحقوقه في التدبر والعمل، تفسير القرآن وإعرابه، لغة القرآن، جمع القرآن وترتيبه، إعجاز القرآن.

    ومن الجوانب التي يستفيد منها الباحث هي:

    تحدث القرطبي عن أسلوب الترغيب والترهيب، وأثره الواضح، فيقول: " لأنه لما كان في اتصافه بــــــــ(رب العالمين) ترهيب، قرنه بــــــــ(الرحمن الرحيم) لما تتضمن من الترغيب، ليجمع في صفاته بين الرهبة منه، والرغبة إليه، فيكون أعون على طاعته وأمنع(2) ،كما قال الله تعالى: ﴿ غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [ غافر: 3]

    • التربية التعبدية: فيقول: (قلت: وفي هذه الأحاديث دليل على أن المفروض أو المندوبات متى اجتمعت قدم الأهم منها).(4)

    • ويعالج الإمام القرطبي النسيان وكثرة الغلط بتقييد العام فيقول: (الثانية: هذه الآية ونظائرها، تدل على تدوين العلوم وكتبها لئلاّ تنسى، فإن الحفظ قد تعتريه الآفات من الغلط والنسيان، وقد لا يحفظ الإنسان مايسمع، فيقيّده لئلا يذهب عنه).

    • كما أن الإمام القرطبي –رحمه الله- حث على طلب العلم، وان العلم شرف وفضيلة، وأنه لا يوازيه عمل، فيقول: (طلب العلم فضيلة عظيمة، ومرتبة شريفة لا يوازيها عمل).

    • جماعة الرفاق وتأثير الفرد بصحبتهم، قال: (ويصاحب من يعاونه على الخير، ويدله على الصدق ومكارم الخلاق، ويزينه ولايشينه).

    • التربية الاجتماعية: قال القرطبي فيها: (الهدية مندوب إليها، وهي مما تورث الفمودة وتذهب العداوة).

    الخاتمة:

    تحدثت الباحثة في هذا الباب عن حياة الإمام القرطبي –رحمه الله- بشيء من الإيجاز، ومن خلال ذلك عرفنا أن الإمام القرطبي ولد في قرطبة ونشأ فيها، ولم يكن من أسرة ميسورة الحال، فكان والده فلاحا، وقد رحل من قرطبة بعدما احتلها الصهاينة طلبا للعم، وتنقل بين البلدان العربية حيث استقر في مصر وتوفي فيها، وكان الإمام القرطبي –رحمه الله- واسع العلم والاطلاع، وقد تبحر في كثير من العلوم، كالتفسير والفقه والأصول واللغة وغيرها، حيث تميز في تفسيره هذا باستخدام ألفاظ الترجيح، وكذلك اهتم بأفضل وأوضح أنواع التفسير، وهو تفسير القرأن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة والتابعين، وكان متبحر في علم النحو أيضا، وبالإضافة إلى نقله من علماء العربية، فقد كان يدلي برأيه الذي توصل إليه في تفسيره للمسائل، وقد أثنى عليه وعلى تفسيره الجامع لأحكام القرآن الكريم كثير من العلماء.

    قائمة المراجع والمصادر:

    1. ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد. 13349ه. الدرالكامنة في أعيان المائة الثامنة. دار المعارف.

    2. ابن خلدون، عبدالرحمن بن محمد. 1858م. المقدمة. ط3. دار الكتاب الثقافي. بيروت. لبنان.

    3. بلعم. مفتاح السنوسي. القرطبي حياته وآثاره العلمية ومنهجه في التفسير. ط1. بنغازي. ليبيا.

    4. التلمساني، محمد المقري. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب. ط1. دار الكتاب العربي. بيروت. لبنان.

    5. الجزري، محمد بن محمد بن محمد بن علي. 2006م. غاية النهاية في طبقات القراء. ط1. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان.

    6. الحنبلي، عبدالحي بن أحمد بن محمد بن العماد. 1986م. شذرات الذهب في أخبار من ذهب. 7

    7. الذهبي، شمس الدين أبي عبدالله بن محمد. 1990م. تاريخ الإسلام. ط2. دار الكتاب العربي. بيروت لبنان

    8. الذهبي، شمس الدين أبي عبدالله بن محمد. سير أعلام النبلاء. ط7. مؤسسة الرسالة. بيروت لبنان.

    9. الذهبي، محمد حسين. 2000م. التفسير والمفسرون. دار وهبة. القاهرة. مصر.

    10. السيوطي، عبدالرحمن بن أبي بكر جلال الدين. 1396هجري. طبقات المفسرين. ط1. مكتبة وهبة. القاهرة. مصر.

    11. الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبدالله. 2000م. الوافي بالوفيات. فراتز تشايز.

    12. القرطبي، أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة. مطبعة مدكور وأولاده. القاهرة. مصر.

    13. القرطبي، أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر. الجامع لأحكام القرآن. مؤسسة الرسالة. بيروت. لبنان.

    14. القسطنطيني، مصطفى بن عبدالله حاجي خليفة. 1941م. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. مكتبة المثنى. بيروت. لبنان.

    15. المالكي، برهان الدين إبراهيم بن علي بن فرحون. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب. دار الكتب العلمية. بيروت لبنان.

    (1) القرطبي حياته وآثاره العلمية ومنهجه في التفسير، د/مفتاح السنوسي بلعم، ط1، بنغازي، ص85. (1)

    (2)(2) الجامع لأحكام القرآن الكريم، أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، مؤسسة الرسالة، ج4، ص256.

    (1)(1) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، أبو عبدالله محمد بن أحمد القرطبي، ت: أحمد محمد مرسي، القاهرة، ص38.

    (2) (2) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، محمد المقري التلمساني، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، ط:دار الكتاب العربي، بيروت، ج2، ص8.

    (3)(3) المرجع السابق، ج2، ص10.

    (4) (4) القرطبي حياته وآثاره ومنهجه في التفسير، د/ مفتاح السنوسي بلعم، ص65.

    (1) (1) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ج3، ص237.

    (2) (2) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي الدمشقي، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط ومحمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، ط1، ج5، ص273.

    (3)(3) سير أعلام النبلاء، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، ج23، ص237.

    (4)(4) المرجع السابق، ج23، ص326.

    (5)غاية النهاية في طبقات القراء، شمس الدين ابن الجزري، مكتبة المتنبي، القاهرة، ج1، ص583. (5)

    (6)طبقات المفسرين، جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، ص79. (6)

    (7)الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، أحمد بن علي بن محمد بن حجر، ج1، ص379. (7)

    (1)(1) الجامع لأحكام القرآن، أبو عبدالله القرطبي، ج10، ص323.

    (2)(2) الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، للإمام برهان الدين إبراهيم علي بن فرحون المالكي، دار الكتب العلمية، ص317.

    (3) الوافي بالوفيات، صلاح الدين الصفدي، تحقيق: إحسان عباس، دار النشر، فرانز شتايز، ج2، ص122. (3)

    (4)(4) التفسير والمفسرون، محمد حسين الذهبي، دار القلم، بيروت، ط1، ج2، ص324.

    (1) (1) القرطبي حياته وآثاره العلمية ومنهجه في التفسير، مفتاح السنوسي بلعم، ص174.

    (3) (3) القرطبي حياته وآثاره العلمية ومنهجه في التفسير، مرجع سبق ذكره، ص176.

    (4) (4) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، ج5، ص335.

    (5) (5) الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، برهان الدين إبراهيم، ص317.

    (1) (1) المقدمة، ابن خلدون، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط3، ص3.

    (2) (2) كشف الظنون، مصطفى عبدالله حاجي خليفة، مكتبة المثنى، بيروت، ج1، ص62.

    (3)(3) القرطبي حياته وآثاره العلمية ومنهجه في التفسير، سبق ذكره، ص149.

    (4)(4) الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، سبق ذكره، ج1، ص164.

    (1)(1) الجامع لأحكام القرآن، ج1، ص9.

    (2) (2) المرجع السابق، ج1، ص6.

    (3) (3) المرجع السابق، ج1، ص8.

    (1) الديباج المذهب، مرجع سبق ذكره، ص317. (1)

    (2)(2) تاريخ الإسلام، للإمام شمس الدين أبي عبدالله بن محمد الذهبي، تحقيق: عمر تدمري، دار الكتاب العربي، ج2، ص42.

    (3)المقدمة، لابن خلدون، ج4، ص92. (3)

    (4) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، سبق ذكره، ج5، ص535. (4)

    (5) (5) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب: عبدالرحمن بن قاسم، دار عالم الكتب، ج3، ص378.

    (1)(1) طبقات المفسرين، أحمد بن محمد الأدنروي، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ص246.

    (2) الجامع لأحكام القرآن، أبو عبدالله محمد بن أحمد القرطبي، ج1، ص215. (2)

    (4) (4) الجامع لأحكام القرآن، سبق ذكره، ج13، ص55.

    ZULAZHAN BIN AB. HALIM & HUDA M.A HUSSAN || AL-Qurtubi Imam and his book compilation of the provisions of the Noble Quraan || Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches || Volume 2 || Issue 8 || Pages 61 - 76.

    0



 

Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...