Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches > Volume 2 Issue 6 of Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches

الرؤية الإصلاحية للإمام النورسي: أثرها وامتدادها في العالم |
Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches
Ibn Khaldoun Journal for Studies and Researches

Article Info
Authors

Volume

2

Issue

6

Year

2022

ARI Id

1682060055167_2340

PDF URL

https://drive.google.com/file/d/1qEB9xMb_fO9FHEiF1wrp9Rpxuh1NiK2L/view?usp=sharing

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

The reformist vision of Imam Nursi، impact and extension in the world

د. حنان خياطي: باحثة في الفكر الإسلامي، مختبر دراسات الفكر والمجتمع، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الجديدة، المغرب.

 

Abstract:

Reform is a process that requires a holistic approach in terms of its meaning, where the theoretical aspect of application meets, with clarity of vision and approach. This scientific paper comes to highlight the thought of Al-Norsi, in order to understand his reform project, and to study its impact on the intellectual, political or civilized level, his idea went beyond the limits of time and space, and constituted an important cultural turning point in his comprehensive treatment of the concepts of this great religion, and in presenting the pioneering reform projects needed by reformers, and therefore the need for in-depth studies, for his reform project.

Keywords: Imam Nursi، renewal، reform، reformist approach.


الإطار المنهجي للدراسة:

المقدمة:

يعد سعيد النورسي المعروف ببديع الزمان (1294هـ – 1877م) / (1379هـ-1960م) أحد أهم أقطاب الفكر الإصلاحي التجديدي الإسلامي في تاريخ العالم الإسلامي. إذ قدم أفكارا ورؤى إصلاحية شكلت منهجا فكريا للإصلاح عرف فيما بعد ب «الفكر النورسي "أو" المدرسة النورية". وهو منهج توخى تحديد مكامن الخلل في جسم الأمة الإسلامية، والسعي للخروج بها من حالة الانحطاط والجمود الفكريين، واللحاق بركب الحضارة الغربية عبر جملة من المرتكزات، كان أبرز معالمها الاستفادة -قدر الإمكان- من العلوم والتكنولوجيا الغربية في إطار الخصوصية الإسلامية، والسعي لبناء شخصية المسلم المثقف، وتقوية الوعي الذاتي لدى المسلمين كأساس لبناء المجتمع وتحريره من سيطرة الأفكار" المادية "والعلمانية و" اللادينية"، وجعله قادرا على مواجهة تحديات العصر الحديث.

كانت رؤى وأفكار النورسي ومنهجه الإصلاحي التجديدي وليدة مسار معاناة أحاطت بشخص النورسي وفي علاقته بجهات عديدة، تعرض فيها لشتى أنواع القمع والاضطهاد والسجون والمنافي. كما كانت محكومة بظروف سياسية واجتماعية وحضارية ارتبطت بواقع الضعف الذي عرفته الأمة الإسلامية والتحولات السياسية التي طبعت العهد الأخير من عمر الدولة العثمانية، فشكلت كل هذه الظروف دافعا قويا للنورسي للتفكير في مسالك جديدة لحمل لواء الدفاع عن الإسلام أمام مختلف التحديات، والسعي لإخراج المسلمين من حالة الانتكاسة والهزيمة وقيادتهم للنهوض الحضاري والثقافي، وذلك بوضع منهج دعوي بأبعاد تربوية فكرية خطت أسسه ومعالمه في" رسائل النور".

مشكلة الدراسة:

انطلاقا من المدخل أعلاه فإن الإشكال الذي نود مقاربته والاشتغال عليه هو:

 

  • معرفة من هو النورسي؟ ما هي سياقات ظهوره؟ ما هي المنطلقات الفكرية والموضوعية المؤطرة لفكره النقدي والإصلاحي؟

  • ما مدى إسهام تجربة النورسي في بلورة رؤية إصلاحية تشكل قاعدة فكرية للنهوض والتغيير المنشود؟

  • ما مدى استفادته من الإمكانيات المعرفية والواقعية لعصره لتأسيس رؤية إصلاحية تكاملية؟

    منهج الدراسة:

    نظرا لطبيعة هذه الدراسة فإن المنهج الذي سأعتمده وأسير عليه هو:

    • المنهج التاريخي: لأطوار النشأة وسيرورة الأحداث التاريخية التي تعاقبت على حياة النورسي.

    • والمنهج الوصفي الاستقرائي: في أثناء عملية جمع أقوال النورسي القديمة والحديثة وإحداث المقارنة بينها.

    أهمية الدراسة:

    لهذا الموضوع أهمية بالغة تمثلت فيما يلي:

    • التعرف على واحد من أعلام الفكر الإسلامي الحديث من خلال الكشف عن مسيرته الإحيائية وبرنامجه الدعوي وجهوده الفكرية الدعوية التي قلد فيها أو انفرد بها.

    • محاولة عرض الأسس التي يقوم عليها منهجه الفكري وسمات هذا المنهج ومعالمه من خلال آثار النورسي العلمية.

    • بيان منهج العمل الدعوي في فكر النورسي من خلال تحديد المجالات التي تصورها للدعوة والتغيير، وهي الحياة والشريعة والإيمان.

    • إعادة بعض التعاليم الدينية والعلمية في نفوس المسلمين، من أجل مقاومة ومواجهة كل التأويلات المنحرفة.

    • فيه دعوة إلى الانفتاح على مستجدات العصر، والاندماج الصحيح في الحضارة الغربية دون الانجراف التام فيها.

    المطلب الأول: معالم الدعوة الفكرية الإصلاحية عند بديع الزمان النورسي:

    تنبع قيمة المنهج الإصلاحي للإمام النورسي من رصانة ودقة إدراكه لحقيقة المواقف والتحولات والمشاكل التي واجهته طيلة حياته. ومن عبقريته في الربط بين الواقع ومصادر التقدم، وثوابت الأمة الإسلامية كالدين واللغة والمصير المشترك والوحدة. فلا تجد في فكر النورسي ما ينفي على الناس الأخذ بما ينفعهم في حل المشاكل المعاصرة، لكن في إطار المرجعية الإسلامية التي تنضبط عبرها حركة التطور والنهضة والتقدم، إذ يرى النورسي أن الانتماء المشترك بين الإنسانية أبوابه متعددة وأن "الانغلاق ليس لائق بالعقلاء... والعزلة الحضارية والجهل صنوان كلاهما تخلف وكلاهما حجاب يمنع وصول الضوء، وعقبة في طريق التقدم والتطور0 ،وكل هذا فيما لا يعارض لب المرجعية الاسلامية.

    لقد ارتكز فكر الإمام النورسي الإصلاحي التربوي على "أصالة المنهج الإسلامي المنبثق من القرآن الكريم، مع الأخذ الواعي بثمار العلم الحديث ومنجزاته الحضارية النافعة، استفادة من منجزات الحضارة الغربية وخبراتها وإفرازاتها ومعطياتها خصوصا تلك الخبرات التي تتسق مع المنهج القرآني، وتعتمد على أبعاد إنسانية واضحة، ُتعلي قيمة الإنسان، لاسيما وأن ديننا أكد أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها0".

    وعليه نحاول في هذا المحور، إبراز معالم المنهج الإصلاحي الذي سلكه الإمام النورسي في الدفاع عن موقفه الأساسي من التغيير وتحصين ثغور الإسلام من المد الغربي المادي.

  • التعريف بالعلامة النورسي:

    ولد بديع الزمان النورسي سنة (1294ه-1877م) في قرية نورس 0 ،ينتسب إلى اسرة كردية، وهذه الأسرة متدينة من مشتغلي الزراعة، لا تملك ما تعتز به من الأنساب، والده ميرزا لقب بالصوفي، أما بالنسبة إلى والدته نورية بنت الملا طاهر تميزت بالتقوى والعمل الصالح 0

    ميز بديع الزمان، النورسي الذكاء والنبوغ الخارق وهذا ما دفعه إلى البحث والكشف عن كل ما استصعب عليه، وحتى يفسر كل تساؤلاته، كان يصغي إلى أهم ما يلقى في محاضر الكبار، ولقد استمر معه هذا الحب للاستطلاع إلى أن أصبح في مرحلة من النضج، خاصة ميزة الأخلاق التي زرعت فيه منذ الصبا0.

    تميزت حياته بمرحلتين اثنين، تختلف كل مرحلة عن الأخرى:

  • سعيد القديم: في هذه المرحلة خصص سعيد اسما له باسم سعيد القديم، ولقد استمر معه هذا حتى إقامته الجبرية في بارلا، إلى هنا نجد سعيد القديم سعى بكل جهوده الجبارة لنشر الإسلام والعمل لأجله، كما كان يهدف إلى معارضة وهدم كل ما يتعارض مع الإسلام بالصراع بهدف التأثير وترك الجانب الإيجابي للإسلام في رجال الترقي والإلحاد حتى يقنعهم بأن الإسلام هو غاية الأمة العربية الإسلامية.

    يعد انتقال بديع الزمان النورسي من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية، لم يكن بسهولة فهذه المرحلة لم تتجاوز ثمانية سنوات، فقبل خروجه منها صادف أساتذة مختصين في العلوم الحديثة نظرا لقلة إلمامه بهذه العلوم دفعه ذلك إلى تعلمها والسير بها.

    وفي سنة (1324 ه-1906م) بحيث يدل هذا التاريخ منطلقا للنورسي في تسخير نفسه وبكل ما يملك من قوة من أجل خدمة القرآن الكريم، نظرا لما كانت تسعى إليه السياسة في إبعاد القرآن الكريم، لكنه استطاع أن يناقضها برفض الاستبداد في الإسلام.

  • سعيد الجديد: هي امتداد للمرحلة السابقة وفي هذه المرحلة بالتحديد وفي هذه المرحلة بالتحديد أراد بديع الزمان تغيير اسم له حيث أطلق على نفسه اسم سعيد الجديد، بقي يلازمه هذا الاسم إلى أن رحمه الله سنة 1960، وهنا أخذ على عاتقه مسألة إنقاذ الإيمان في تركيا0.

    لقد ابتعد سعيد النورسي عن السياسة، واعتنق حقائق ايمانية، ولكن الدولة العلمانية سعت وراء هذه الشخصية من أجل جعل حياته سلسلة من العذاب 0.

    ونظرا لما عاش العالم الإسلامي من تحولات سياسية واجتماعية، كل هذه العوامل أثرت في شخصيته مما دفعه إلى انتهاج منهج جديد، لما رآه في عمق أسلوب السياسة وذلك بسبب انعدام مصطلح الحرية وانتشار المعادين للدين0،فبذل كلما في بوسعه لتجديد أمر الدين.

    اهتم النورسي بالتدريس الجماعي لرسائل النور، ولم يتوقف النورسي عند هذا الأمر بل دعا السياسيين كذلك إلى تبني الإسلام دون أن يوقع نفسه في السياسة ونص على طلبته الأخذ بالعمل الإيجابي بدل من استخدام العنف.

    توفي الأستاذ النور سي في 25 من رمضان سنة 1839 ه -1960، بحيث دفن في مدينة أورفة وما عملته المحاكمات لم يكن في الحسبان، حيث نقلت جثته من قبره إلى مكان ما زال مجهولا0.

  • الفكر الإصلاحي عند الإمام النورسي:

    اعتمد الإمام النورسي على القرآن الكريم بشكل أساسي في تأليفه لرسائل النور وجعل من تربية النفوس على الإيمان ميدان جهاده ومجاهدته، واتسمت جهوده الإصلاحية بالتدرج في طلب التغيير، ناظرا لصلاح الأفراد كمدخل لإصلاح المجتمع، الأمر الذي أهله لاعتماد الوسطية وعدم التعصب في تبليغ دعوته، مستجلبا معاني الوحدة المتمثلة في توحيد الصفوف ونبذ الإقليمية تماشيا مع عالمية الإسلام ووحدة الأمة الإسلامي، ناهيك عن حزمه وسعيه للملمة جراح البلاد الإسلامية وتقديم مصلحتها على كل مصلحة خاصة أو ضيقة0.

    حرص الإمام النورسي من خلال دعوته التي دامت أكثر من 50سنة، على إثبات ما يسميه "الحقائق الإيمانية" التي "تزود الفرد بمضادات ذات قيم فعالة تعالج ما قد يبتلى به من إصابة سلوكية0، يقول: «منهجنا في ذلك هو إظهار الحقائق الإيمانية الناصعة المدعمة بالألة" 0.

    ولما تبين للنورسي أن الحقائق الإيمانية مقدمات لتحصين النفوس مما قد يتسرب اليها من القيم المادية الهدامة، فقد عمل على أن ينير للأمة الإسلامية منهجها الذي تستقيم به على الطريق بوصفه منهجا ينطلق من القرآن الكريم وتعاليمه وأسلوبه ترسيخ وتثبيت لهذه القيم ولهذه الثقافة القرآنية في النفوس.

    إن منطلق الدعوة لدى الإمام بديع الزمان سعيد النورسي هي "دعوة إلى طاعة أوامر الله، وإسعاد الناس بالسعادة الدائمة للإسلام 0ومصدر منطلقها، بحسبه، أنها دعوة إلهية" نبعت من القرآن الكريم، وتبلورت في بحر نوره، فمنه تستمد الوجود وبه تحيا"0،مقصدها أنها "غاية كل الكتب السماوية، والدعوة الفريدة للأنبياء كافة وهي إعلان الوهية خالق الكائنات ووحدانيته، وإثبات هذه الدعوة بالدلائل العلمية المنطقية والفلسفية0.

    وبذلك كان منهج دعوته منهج وسط يسلك فيه طريقا وسطا، قوامه استحضار هذه المعاني السامية للدين في كل وقت وحين، وترشيد القوة العقلية بالمنهج التربوي السليم، لتسير في الحد الوسط، وهو الحكمة والاستقامة، السهلة النافعة، حتى لا "تهوي بالإفراط والتفريط في مكان بعيد، فتعاني المهالك في طرقها الطويلة. وهكذا وقياسا على ما ذكر، فإن الوسطية والاستقامة هي أنفع طريق وأيسرها وأقصرها من بين جميع الطرق المسلوكة في حياة الإنسان الشخصية والاجتماعية0"، وهكذا كانت موازنته بين العلوم الدينية والمدنية، وتوجيه خطابه إلى العقل والقلب والروح معا، وُبعده عن الإفراط والتفريط، وتركيز فلسفته التربوية على هذه المبادئ، صلب دعوته ومنهجه في إصلاح وتربية النفوس.

    ولعل دعوة النورسي إلى استنباط الحكم والعبر من آيات الله في الكون، ومن كتابه، دعوة مستوحاة من منهجه الحاكم القاصد لغرس اليقين الحقيقي بالنفوس، وتحصينها مما قد يتسرب إليها من القيم الدهرانية والمادية التي تعيق مساره في التطور واكتشاف النواميس والوصول إلى الغاية من الخلق. يقول في تعظيمه لقيمة التدبر في الكون وأثرها في النفوس: "هذا الكتاب الكبير للكون الذي ُيكتب في صحيفة واحدة منه -وهي سطح الأرض- وُيكتب في ملزمة واحدة منه - وهي الربيع- ثلاث مائة ألف نوع من الكتب المختلفة، وهي طوائف الحيوانات وأجناس النباتات كلمنها بمثابة كتاب.. ُيكتب كل ذلك معا ومتداخلة بعضها ببعض دون اختلاط، ولا خطأ، ولا نسيان، وفي منتهى الانتظام والكمال بل ُيكتب في كل كلمة منه - كالشجرة- قصيدة كاملة رائعة، وفي كل نقطة منه -كالبذرة- فهرس كتاب كامل. وإن هذا مشاهد وماثل أمامنا، وُيرينا بالتأكيد وراءه قلما سيالا يسطر. فلكم أن تقدروا مدى دلالة كتاب الكون الكبير العظيم الذي في كل كلمة منه معان جمة وحكم شتى، ومدى دلالة هذا الكتاب الأكبر المجسم -وهو العالم- إلى بارئه سبحانه وإلى كاتبه جل وعلا، وهكذا فإن كل علم من العلوم العديدة جّدا، يدل على خالق الكون ذي الجلال، ويعرفه لنا سبحانه بأسمائه الحسنى، ويعلمه إيانا بصفاته الجليلة وكمالاته العظيمة. وذلك بما يملك من مقاييس واسعة، ومرايا خاصة، وعيون حادة باصرة، ونظرات ذات عبرة"0.

    ولقد ركز الإمام سعيد النورسي في فلسفته التربوية والإصلاحية على أسلوب المثال واستحضار العبر، تأسيا بمنهج السلف الصالح في التبليغ وتبسيط الدعوة. إذ يستند لتوضيح عظمة الخلق والغاية من الوجود وإبراز الدلالات القرآنية على منهجية التقريب الوصفي التفسيري، بما يسهل إظهار الحقائق الإيمانية للمتعلمين، ويؤكد على أهمية ضرب الأمثال في العملية التعليمية بقوله: "فبمنظار ضرب الأمثال قد ُأظهرت الحقائق البعيدة جدا أنها قريبة جدا، وبوحدة الموضوع في ضرب الأمثال قد ُجمعْت أكثر المسائل تشتتا وتفرًقا، وبسّلم ضرب الأمثال قد ُتوِّصل إلى أسمى الحقائق ؤ وأعلاها بسهولة وُيسر، ومن نافذة ضرب الأمثال قد ُحّصل اليقين الإيماني بحقائق الغيب وأسس رغم الوهم والعقل إلى الرضوخ، بُوأ الإسلام مما يقرب من الشهود. فاضطر الخيال إلى الاستسلام النفس والهوى كما اضطر الشيطان إلى إلقاء السلاح"0.

    تتميز أيضا دعوة الإمام النورسي ومنهجه الإصلاحي بشمولية القضايا ووحدة المواضيع، إذ تعتبر دعوة جامعة ومانعة لكل القضايا التي عاصرته وأثارت اهتماماته. ولقد عني بجميع الفئات داخل المجتمع مع تركيزه على أهمية المرأة داخل المجتمع باعتبارها "مخلوقة طيبة مباركة خلقت لأجل قضاء حياة أ َسرّية سعيدة ضمن نطاق التربية الإسلامية 0 "فحث في دعوته إلى تعزيز مكانتها في المجتمع وتيسير... كل سبل التعلم والسداد، باعتبارها لبنة أساسية في بناء أجيال الأمة الإسلامية وتربيتها قياسا على منهج أمهات المسلمين في التربية رضوان الله عليهم ".

    إن المقصد الأساسي من فكرة الدعوة والإصلاح عند الإمام النورسي، يتمثل في إعادة العزة والكرامة للأمة الإسلامية التي سرقها بريق الحضارة الغربية الزائف. فمقصد كل دعوة هو إقرار الشريعة والاحتكام إليها، ولما كان الفكر والروح هما مجال الجهاد ورهان العودة، نجده يركز في خدمته "الحقائق الإيمانية" على البعد الروحي والتربوي أكثر من انشغاله بأمور السياسية، إذ يعتبرها قضية لحظية مفارقة ومغايرة لفلسفته الإصلاحية ذات المدى البعيد، فيقول فيها: "طلقت السياسة وتجردت عن الدنيا منشغل بأمور آخرتي"0.

    لذلك تنصرف منهجيته إلى القضية المركزية المتعلقة بالإنسان وحاله ومصيره، ومكانته في مسار التطور لأنه المعني بقيادة حركة التطور والتغيير. وهكذا فقد كرس الإمام النورسي حياته لتبيان حقائق القرآن الكريم وصور إعجازه وصلاحيته لكل زمان ومكان، وجعل من المجتمع الإسلامي ميدانا لنشر رسائل القرآن، وإرسال شعاعاتها الى العالمين، لتدفع إدعاءات الزنادقة والدهرانيين ومغالطاتهم. فسعادة الاجتماع البشري في تمثله لحقائق القرآن وقيمه، ودعوته إلى التعاضد والتآخي والتآزر والنصح ونداء الى الحق 0يقول النورسي: "إن شأن الحق هو الاتفاق، وشأن الفضيلة هو التساند، وشأن دستور التعاون هو إغاثة كل للآخر، وشأن الدين هو الأخوة والتالف... وشأن إلجام النفس وكبح جماحها إطلاق الروح وحثها نحو الكمال هو سعادة الدارين"0.

    لكن هذا لم يكن يعني عدم انشغاله بأمور السياسة0،حيث واكب بفكره ورؤيته كل التحولات السياسية داخل تركيا والعالم الإسلامي وانشغل بمواجهة الاستبداد السياسي ومحاربته.

    لقد خلص النورسي بعد الأحداث التي شهدها العالم الإسلامي، إلى أن دعوة إصلاح المجتمع لا يمكن أن تتم في مرحلة واحدة َبل َهي أن يقوم بها شخص بمفرده، وأن هناك أولويات لابد من تحقيقها في مسيرة الإصلاح.0

    أولها: العمل على ترسيخ قاعدة الإيمان التحقيقي، وهي وظيفة لا تحتاج إلى القدرة المادية، ولكنها تحتاج إلى القوة المعنوية المتمثلة في الإخلاص والوفاء وقوة العقيدة.

    ثانيهما: تنفيذ الشريعة وتطبيق أحكامها، وهي وظيفة تحتاج إلى قوة مادية عظيمة وسلطة ذات شأن.

    ثالثها: خدمة الإسلام بإعلان الخلافة الإسلامية، والاستناد إلى الوحدة الإسلامية، وتحتاج هذه الوظيفة إلى سلطة عظيمة وقوة هائلة وملايين الفدائيين. (أولوية إعلان الخلافة، والدعوة للفدائيين لتقوية السلطة مفارق تماما لتطليقه للسياسة).

    ولقد استطاع النورسي عبر رسائله أن يبني في تركيا كما في خارجها مدرسة إيمانية قرآنية، امتدت بعد وفاته عبر الجيل الكبير الذي كونه الإمام النورسي وحملوا على عاتقهم استمرارية هذه الدعوة وهذه المدرسة، التي أنقذت الناس من التيه والحيرة والصراع والجهل والوقوع في براثن الشرك الجلي والخفي في فترة كان من أشد الفترات على الأمة الإسلامية. ذلك لأنها مدرسة نابعة من القرآن الكريم وإدراكا لطبيعة العصر وحركته، وصراعات أفكاره بأسلوب مطابق لروح العصر يفهمه الخاص والعام، فلم يتناول صاحب الدعوة النورسية مشاكل بلاده الإقليمية فقط، إنما كان خطابه خطابا إسلاميا عاما لفائدة كل المسلمين، واتسمت رؤيته وفلسفاته بالجدة في الموضوعات وأساليب تناولها بحيث يمكن وصفها بالجديدة. وهذا ما ميز حركته ودعوته عن باقي نماذج حركات التحرر والإصلاح في العالم الإسلامي في فترة المد الاستعماري وبعده. بحيث لم ينشغل فقط بالداخل التركي وإنما كان همه الأكبر مواجهة كل التحديات التي تواجهها الأمة الإسلامية شرقا وغربا.

    3.الملامح الكبرى لمنهج الاصلاح ومقوماته عند النورسي:

    نشأ مع مشروع الشيخ النورسي مدّ فكري جديد، من سماته الأساسية صياغة الكليات، وعدم الوقوف عند الفروع والجزيئات، والتأكيد على الموضوعية والعلمية في النظرة إلى الأحداث والأشياء. والتركيز على الإيمان بالحقائق: الإنسان، الغيب، الوجود، المصير، والجمع بين العلوم العقلية والروحية ولقد أحدث هذا ثورة في الفكر البشري كله، غيرت المسار الحضاري للإنسان المسلم.

    إن صياغة الكليات لضبط حركة العقل واجتهاده في فهم الوحي وتطبيقه على الواقع، هو نفسه وضع المنهج لحركة الفكر والحضارة، وبالفعل فإنه المشروع التجديدي للشيخ النورسي عرف امتدادات معرفية ومنهجية وإيمانية وحضارية تقاطعت بقايا الإنسان الكبرى وبمجالات معاشه ومعاده. ونقتصر على أهم مقومات التجديد عند الأستاذ النورسي:

    1- المرجعية القرآنية حاكمة وناظمة: إن النص القرآني هو بمثابة قطب الرحى بين جميع النصوص الدينية ومنزلته مثل منزلة الكعبة بين البيوت، لذا يجب أن نتوجه إليه بالفكر والعقل والقلب، ونتخذ منه قبلة للمعرفة ورجعا للتميز بين الحق والباطل، باعتباره المنطلق، من أجل الاستئناف والتجديد وتقديم أجوبة كافية لمشكلات الإنسان المعاصر يقول الشيخ النورسي: "فطريق المعراج القرآني الذي يعلنه ببلاغته المعجزة، لا يوازيه طريق في الاستقامة والشمول، فهو أقصر طريق وأوضحه وأقربه الى الله وأشمله لبنى الإنسان ونحن قد اخترنا هذا الطريق ".

    ويقول: "لأبرهنن للعالم أجمع، أن القرآن العظيم شمس معنوية لا يخبو سناها، ولا يمكن إطفاء نورها"، هذه المقولة تختزل وتختزن المشروع التجديدي والإحيائي للإمام المجدد، والمتمثل أساسا في إعادة الاعتبار لرسالة القرآن في حياة الناس، وإخراجهم من ظلمات الجهل والجور والتفرقة والحقد إلى نور العلم والعدل والمحبة والقرآن"0.

    2- عدم التقيد بالتجربة الصوفية الضيقة ذات الطريق الواحد، يقول: " لقد كنت أقول إن هذا الزمان ليس زمان الطريقة، فالبدع تحول دون ذلك "، ويقول: "لا يمكن دخول الجنة بدون إيمان، بينما يدخلها كثيرون بدون تصوف، فالتصوف فاكهة، والحقائق الإيمانية خبز "0.

    3- إعطاء مساحة للأخر، يقول النورسي: " إن من يعرف سعيد عن كثب يعلم أنه يتجنب تكفير الآخرين تجنباً شديداً ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بل يحاول أن يجد تأويلاً حتى لو رأى كفراً بواحا"، فهو يوصي طلبته ومتبعيه بشأن مخالفيهم ويقول: " إن واجبنا نحوهم طلب الهداية لهم فحسب، فلا يرد في قلب أي طالب من طلاب النور الثأر ولو بمقدار ذرة... "0. ويقول: "... إن طالب الحق المنصف يُسخط نفسه لأجل الحق، وإذا ما رأى الحق لدى خصمه رضي به وارتاح إليه "0.

    -الإيمان والسعي لوحدة المجتمع الإسلامي، ومعارضة كل ما يخل بنظامه الداخلي. بل الدعوة للتقريب ما بين جميع المذاهب الإسلامية، والتوحد تحت راية الإسلام. فهو يقول: " أن مشربنا: محبة المحبة، ومخاصمة الخصوم، أي إمداد جنود المحبة بين المسلمين، وتشتيت عساكر الخصومة فيما بينهم"0.

    5ـ- نظرته الخاصة حول الجهاد: إذ يقول النورسي: " بأن الجهاد في الشريعة لا يوجه إلى المسلمين داخل العالم الإسلامي ، وإنما يوجه إلى العالم الخارجي ، أما في داخل العالم الإسلامي فإن الجهاد يكون جهاد دعوة وعلم ونصيحة لإعادة المسلمين إلى حظيرة الإسلام حسب قانون التدرج الكوني "0.

    6-اهتمامه الكبير بالتوجه العلمي والتقني للأمة وبالسير على نظام اقتصادي متوازن: من أجل الوصول إلى البناء السليم للأمة وإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى ، فالإسلام بأمس الحاجة إلى إعلاء كلمة الله ، ولا تستطيع الأمة المحافظة على عزة الإسلام وإعلاء كلمة الله إلا بأن تعيد بناءها العلمي والتقني والصناعة التخصصية بتحكيم دستور تقسيم العمل وإبعاد العشوائية والفوضى من حياتها.

    7-تحديد المكانة الحقيقية لأهل البيت عليهم السلام في الإسلام: " إن الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام رأى بنظره الأنيس للغيب ، أن آل بيته سيصبح في حكم شجرة نورانية بين عالم الإسلام ، وأن الذين يؤدون وظيفة الهداية والإرشاد في درس الكمالات الإنسانية في كل طبقات عالم الإسلام سيخرجون من آل البيت على الأكثرية المطلقة ، وكشف أن دعاء الأمة في حق الآل في التشهد ، وهو "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد" سيكون ذلك الدعاء مقبولا.0

    وقال: "إن ما أظهره الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام من الشفقة الفائقة على العادة والاهتمام العظيم إزاء الحسن والحسين في صبوتهما ليس شفقة جبلية ومحبة ناشئة عن حس القرابة، بل ذلك من حيث إن كلاً منهما رأس حبل نوراني من حبال وظيفة النبوة ".0

    ويقول: "إن حمل الرسول (ص) الحسن في حضنه وتقبيله رأسه بكامل الشفقة والرحمة هو لأجل الكثيرين من ورثة النبوة الشبيهين بالمهدي الحاملين للشريعة الغراء المتسلسلين من سلالة الحسن المنحدرين من نسله النوراني المبارك...، فلقد شاهد الرسول الكريم (ص) ببصيرة النبوة ما يضطلع به هؤلاء الأكارم في المستقبل من مهام مقدسة جليلة، فاستحسن خدماتهم وقدر أعمالهم، فقبل رأس الحسن علامة على التقدير والحب. ثم أن الاهتمام العظيم الذي أولاه الرسول الكريم (ص) بالحسين وعطفه الشديد نحوه إنما هو للذين يتسلسلون من نسله النوراني من أئمة عظام وارثي النبوة الحقيقيين الشبيهين بالمهدي أمثال زين العابدين وجعفر الصادق"0.

    8- أما في مجال الاقتصاد: يقدم النورسي مخططاً دقيقاً وعميقاً لإيصال الأمة إلى نظام اقتصادي متوازن من الممكن أن نسميه ( اقتصاد القناعة ) مع الحركة الدائبة في الحياة والاشتغال بالحرف التي توافق قابليات واستعدادات الناس.لذا يقول: "... فليس المال إلا مال الله ، وما الأغنياء إلا أن ينفقوه باسم الله "0.فهو وفي أماكن كثيرة حول القضايا الاقتصادية يحدد أن من أسباب زوال العدالة الاقتصادية هو: "شياع الربا ، وعدم أداء الزكاة ، وعدم القناعة ".0 وإن تطبيق العدالة الاقتصادية يتم عن طريق: " القناعة ، ومنع الربا ، وفرض الزكاة فرضاً".

    إن أهمية المنهج الإصلاحي والدعوي للإمام النورسي تأتي من كونه قدم محاولة تجديدية في الفكر الإسلامي، حين استطاع على ضوء المنظور القرآني تشخيص أهم المشكلات التي تعاني منها الأمة الإسلامية، وحاول عبر حواره الحضاري أن يجيب عن أهم القضايا التي أثارتها وتثيرها عملية الالتقاء مع الحضارة الغربية. وأظهر بأدلة واضحة أن الإسلام عقيدة وشريعة وسلوك. ومن معالم النورسي التجديدية، أنه ركز على وحدة المجتمع الإسلامي، وعارض الإخلال بنظامه الداخلي، واستعمال العنف في سبيل زعزعة أركانه، تحت مظلة إعلان الجهاد على الملاحدة. وأكد أن الجهاد في الشريعة لا يوجه إلى المسلمين داخل العالم الإسلامي، إنما يوجه إلى العالم الخارجي، أما داخل العالم الإسلامي، فإن الجهاد يكون جهاد دعوة وعلم، وبذل ونصيحة، لإعادة المسلمين إلى حظيرة الإسلام.

    يقول محسن عبد الحميد: وقارئ رسائل النور يدرك هذا تمام الإدراك، ويستطيع أن يميز مؤلفها الإمام النورسي عن بقية المجددين في زمانه، كالأفغاني ومحمد عبده ومحمد إقبال وحسن البنا وعبد الحميد بن باديس رحمهم الله تعالى.

    فهؤلاء لم تلجئهم ظروفهم الزمانية والمكانية إلى معالجة كل جزئية من جزئيات الإسلام بأدلتها التفصيلية وقواعدها المنطقية، ولا ردوا كل الشبهات المثارة في زمانهم حول الإسلام، ولا دخلوا في صراع فكري تفصيلي مع الكفر، وإنما حددوا المنهج والتوجه والحركة، وبينوا أسس الفكر الإسلامي الحديث، وتركوا لأتباعهم الكثيرين القيام بمثل تلك الدراسات والمواجهات والمعالجات. 0

    المطلب الثاني: رؤية النورسي في المنظور العالمي:

    لم يكن حدث وفاة النورسي سنة (1379هـ- 1960م) ليحول دون انتشار رسائل النور وامتداد المدرسة النورية. بل بالعكس من ذلك، عززت -بعد وفاة النورسي- قوتها ومكانتها ابتداء من عقد الستينيات، واكتسبت قوة أكبر في المشهدين الاجتماعي والديني لتركيا المعاصرة، بل وتجاوز حضورها وتأثيرها حدود تركيا فوصل إلى آسيا الوسطى وألمانيا وعدد من الدول الأوربية0. ففي سبيل تحقيق مشروعها المتمثل في توحيد المسلمين لتقودهم إلى المصادر الأصلية للإسلام من خلال رسائل النور، ومن أجل مواجهة الإصلاحات العلمانية للجمهورية الكمالية من جهة، والمد الشيوعي وتيارات" الالحاد" و "اللادينية "داخل المجتمع التركي من جهة ثانية، أطر طلاب النور أنفسهم بطريقة منظمة ومحكمة جدا في جميع مناطق تركيا، وعززوا حضورهم داخل المؤسسات العلمية بالبلاد لاسيما في مدارس الأئمة والخطباء وفي المعاهد الإسلامية العليا0. كما واصلوا العمل بقوة على نشر وتوزيع رسائل النور في كل أرجاء تركيا.

    إن حفاظ مدرسة النور على زخمها وتأثيرها القوي داخل المشهدين الديني والاجتماعي في تركيا المعاصرة، يرجع في المقام الأول إلى الارتباط الوثيق لطلاب النور برسائل النور التي شكلت النواة الفكرية والأخلاقية لتشكل المدرسة. فقد تحول طلاب النور بعد وفاة الشيخ المؤسس إلى ما أسماه الباحث ها كان ياووز" مجتمعات نصية 0متمحورة حول رسائل النور كـ " متن مرجعي" يشكل الإطار الفكري والعملي الذي يرسم ويأطر عمل وأنشطة طلاب النور في تحقيق أهدافهم الساعية إلى خدمة الإسلام. فقد انتظمت هذه المجتمعات النصية في حلقات دراسية" "Dershan بقصد قراءة وتفسير نصوص النورسي بشكل ساهم في تشكيل وعي سياسي واجتماعي إسلامي مشترك أفرز ولادة المدرسة النورية بشكلها المعروف حاليا. لقد أعطت أفكار النورسي معنى وغاية للحياة الفردية لدى أتباعه ووفرت لهم الموارد والدينامية والأرضية الفكرية للتحول لمدرسة اجتماعية ودينية رائد إن أول ما يثير أي متتبع لواقع الحركات الدينية في تركيا المعاصرة، ولاسيما المدرسة النورية، يلاحظ ميزة التعددية والتجزئة التي تطبعها، إذ يعرف المشهد الديني التركي في وقتنا الراهن العديد من الجماعات التي انبثقت وخرجت من صلب مدرسة النور، وكلها جماعات، وإن اشتركت في أصل المنشأ وفي ارتباطها بمتن مرجعي واحد وهو رسائل النور، إلا أنها تختلف من حيث قراءاتها وتفسيراتها لهذا المتن، مما ينعكس جليا باختلاف وتباين آرائها بشأن الواقع الاجتماعي والسياسي التركي وسبل وآليات الإصلاح والتغيير فيه.

    وبالنظر إلى حجم تأثيرها في الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية داخل المجتمع التركي، فهي تعد من أبرز المدارس التربوية المؤثرة في تركيا، وذلك بانتساب كثير من كبار المثقفين من ذوي المستويات العلمية والثقافية العالية خصوصا أساتذة الكليات ومؤسسات التعليم العالي وأصحاب مشاريع التجارة الصغيرة ومن الحرفيين والمهنيين وموظفي الخدمة المدنية.0

    في هذا الصدد يقول الصالحي، المُلقب بــ"سفير رسائل النور": "إن النورسي كان له أثر إيجابي على الساسة الأتراك؛ ما أثمر حكمة في قراراتهم، قادت إلى نهضة تركيّة تتلمسها الآن الأمم الأخرى" .

    ويقول، أنه "عندما ذاعت أفكار النورسي دفعت تركيا إلى الانفتاح على بقية العالم، فبدأت انتشار هذه الأفكار في الدول العربية والإسلامية الأخرى، واستشعار علماء ومفكرين في تلك الدول أهمية الأخذ بها".

    وموجها حديثه إلى العالم العربي، يضيف الصالحي أن "أغلب العاملين في مؤسسات الدولة بتركيا متشبعون بأفكار النورسي، ولو تلمس الساسة العرب هذه الأفكار لجعلت قراراتهم حكيمة ولساعدتهم على بلوغ النهضة التي تحتاجها الشعوب العربية".

    وأوضح أن "وحدة الأمة، التي نادى بها النورسي، تتمتع بأهمية في كل وقت.. والآن الأمة مبعثرة، ولابد من وحدة الإيمان والقلوب والهدف، وعدم السماح للأمور الجانبية والثانوية بأن تصبح مدعاة للتفرق والتشرذم".

    ومضى قائلا إن "النورسي تعايش مع الجماعة الإسلامية والفرق الأخرى، وكان رائدًا في العمل على الوحدة، بمعنى أن يقبل كل منها الآخر ويحترم خصائصه"0.

    ورغم تأثيرها في تركيا، إلا أن صالحي يرى أن "أفكار النورسي ورسائل النور لم تنتشر بعد بالشكل المطلوب في الدول العربية والإسلامية؛ بسبب التأخر في ترجمتها، ومن ثم نحتاج وقتا ليتلقى العرب هذه الأفكار بالشكل المطلوب".0

    الخاتمة:

    إن هذه الملامح التي انبنى عليها المنهج الإصلاحي للأستاذ النورسي، جعلت منه المفجّر الاساسي للإحياء الديني والعلمي والايماني في تركيا خصوصا وفي العالم الإسلامي عموما، فمن توجيه للعلوم العقلية لتحتكم إلى المرجعية القرآنية حتى ينخرط في ميدان إنتاجه الحقيقي، بعيداً عن الإلحاد والزندقة بل وبعيدا عن التهويم الخيالي في مجال التصوف، إلى التركيز على العمل، وحاجيات الواقع البشري، ومراعاة خصوصياته، إلى الاعتماد على الاستقراء لصياغة القواعد والقوانين الكلية التي تستجيب لتطلعات الإنسان المعاصر، مما يعتبر بحق انطلاقة جديدة لرسالة الإسلام.

    النتائج:

  • "رسائل النور" للإمام المجدِّد بديع الزمان النُورسي قد عَبَرَت بأفكارها ومُعطياتها حدود الزمان والمكان الذي كُتبت فيه، وشكّلت منعطفاً حضارياً هاماً في معالجاتها الشمولية لمفاهيم هذا الدين العظيم، وفي تقديمها لمشاريع إصلاحية رائدة يحتاج إليها المصلحون.

  • استجمع الإمام النورسي مشروعه التجديدي من القرآن والسنة، ومن عمل الصحابة والتابعين ومن كل ذلك أسس مشروعاً تربوياً نورانياً قلبياً ثم من بعد ذلك أقام عليه بنياناً فكرياً حركياً فاعلاً.

  • أرسى الإمام أسس منهجية قرآنية نبوية شاملة أسهمت في إعطاء التجديد معناه الرباني التعبدي، ودلالته الكونية الإنسانية.

  • لم يكن القصد من هذا البحث استقصاء جميع معالم التجديد، وهي عديدة ـ لدى الإمام، بل الاكتفاء بأهم أصوله وكلياته.

  • المشروع التجديدي عند الإمام قائم على التربية، فهي مقدمة التجديد وشرطه وأساسه.

  • التربية التي يقصدها الإمام سعيد النورسي رحمه الله تعالى من خلال مشروعه التجديدي هي تربية إيمانية إحسانية، منطلقها احتضان الفطرة، ومصدرها القرآن والسنة، ومنهاجها عمل النبوة، وغايتها إيقاظ قلب الإنسان وعقله بالعلم والإيمان، وبعث إرادته بتصفية رؤيته لنفسه ومصيره وللعالم، ليكون عبداً لله اعترافا وطاعة وتطلعاً إلى مقامات "المحبوبية الإلهية.

  • يَعُم التجديد التربوي عند الإمام في مدلول واحد التجديد الفردي الإيماني الذي رائده عبادة الله كأننا نراه، والتجديد الاجتماعي السياسي الاقتصادي. الذي رائده إتقان الأعمال الجماعية لتحقيق عمارة الأرض.

  • الرسائل النورانية ما زالت تحتاج إلى دارسات معمقة ومتتابعة ومن جوانب متعددة، لكشف المزيد من دُرَرِها الكامنة، لعلها ترشدنا في محاولاتنا للرقي الحضاري واستئناف حياتنا الإسلامية، وممارستها بصورة إيجابية ومعتدلة في ظل الواقع المعاصر وتوجيه النشء المسلم نحو مرامي الأخلاق السامية.

    التوصيات:

  • ضرورة دراسة مشروع النورسي بعمق أكبر، لأن كل عملية تجديد في الإسلام، لابد أن تراعي أسسه ومنطلقاته، والهدف أن يستوعب المشروع التجديدي حاجيات أمة تريد الانفلات من حالة التخلف والاستضعاف، إلى حياة العلم والعزة.

  • ملحاحية دراسة تأثير المشروع التجديدي للنورسي في الدوائر العلمية في العالم الإسلامي، ومن ثم في مسيرة الحضارة الإنسانية ككل. إنه قبس من الوحي ولا يمكن أن يتدخل الوحي في حياة البشر، إلا ليحدث تغييرات جذرية في مسار تاريخهم كله، وعلى كل مستوى، وهذا من بينها.

    قائمة المصادر والمراجع:

  • أحمد عبد الرحيم السايح، بحوث في فكر بديع الزمان سعيد النورسي القاهرة، مركز الكتاب للنشر، 1999

  • إحسان قاسم صالح، نظرة عامة عن حياة بديع الزمان النورسي، ط1، إستانبول، دار سولزر،2015.

  • أحمد علي سليمان، فلسفة الإصلاح التربوي عند الإمام سعيد النورسي (الملتقى الدولى حول: الفكر الإصلاحي عند الإمامين بديع الزمان سعيد النورسي، والإمام عبد الحميد بن باديس، الجزائر، جامعة الامير عبد القادر، أيام 17-16أبريل، 2013. بديع الزمان سعيد النورسي، الطلاسم، بديع الزمان سعيد النورسي، مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق.

  • بديع الزمان سعيد النورسي، إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، ط1، مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق، دار السنابل الذهبية 1431هـ ـ 2010م.

  • بديع الزمان سعيد النورسي، الكلمات، ط 2، مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق، إستانبول، دار السنابل الذهبية، 1433هـ ـ 2012م.

  • بديع الزمان سعيد النورسي، المثنوي العربي النوري، مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق، دار السنابل الذهبية.

  • بديع الزمان سعيد النورسي، المكتوبات، ط1، مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق، دار السنابل الذهبية، 1434هـ ـ 2013م.

  • بديع الزمان سعيد النورسي، الملاحق، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، ط2، القاهرة دار سوزلر،1416هـ ـ 1995م

  • بديع الزمان سعيد النورسى، «الآية الكبري»؛ مشاهدات سائح يسأل الكون عن خالقه، ترجمة: إحسان قاسم الصالحى، ط2، المنصورة مصر، 1988م.

  • هدى درويش،" الإسلاميون وتركيا العلمانية"، ط1، القاهرة، دار الأفاق العربية.

  • ورقة بعنوان «مكانة بديع الزمان النورسي في الفكر والحركة الإسلامية» قدمها الأستاذ سعاد ييلديرم، جامعة مرمرة، تركيا في المؤتمر الذي عقد في الأردن، 12/6/1997.

  • محسن عبد الحميد: النورسي متكلم العصر الحديث ط1، القاهرة، دار سوزلر، 1985.

  • محمد الصمدي، "تجديد التصوف عند بديع الزمان النورسي وأثره في تحقيق العدالة الانسانية"، المؤتمر العالمي الثامن لبديع الزمان لنورسي، اسطنبول،2007.

  • سعيد النورسي، الشعاعات، ترجمة: احسان الصالحي، ط4، إستانبول، دار سوزلر، 2005.

  • سعيد النورسي، سيرة ذاتية، ترجمة: إحسان الصالحي، ط4، إستانبول، دار سوزلر، 2004.

  • سعيد النورسي، الشعاعات، الشعاع الخامس عشر، ط4، إستانبول، دار سوزلر، 2004.

  • سعيد النورسي، المكتوبات، ط1، إستانبول، دار سوزلر، 1992.

  • سعيد النورسي، اللمعات، ط4، إستانبول، دار سوزلر،2005.

  • سعيد النورسي، الكلمات، ترجمة: إحسان الصالحي، ط1، إستانبول، دار سولز،2004.

  • سعيد النورسي، الملاحق في فقه دعوة النور ملحق قسطموني، ترجمة: إحسان الصالحي، ط4، إستانبول، دار سولز ،2004.

  • سليم أبو حليوة، بديع الزمان النورسي وتحديات عصره، ط1، بيروت، مكتبة نرجس،2010

  • عبد الله الطنطاوي: منهج الإصلاح والتغيير عند بديع الزمان الُنوْرسي، ط 1، دمشق، دار القلم، 1997.

  • علي عبد الحليم محمود. منهج التربية عند الإخوان المسلمين، ط 1، دار الوفاء المنصورة.

  • رضا هلال،" السيف والهلال: تركيا من أتاتورك إلى أربكان، الصراع بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي"، ط1، بيروت، دار الشروق، 1999.

  • شكران واحدة الإسلام في تركيا، ترجمة: إحسان قاسم الصالح، تنسيق: سعيد قيم اوغلو، 2007.

  • ذو الفقار، بديع الزمان سعيد النورسي، مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق، دار السنابل الذهبية.


    0 -أحمد عبد الرحيم السايح، بحوث في فكر بديع الزمان سعيد النورسي، القاهرة، مركز الكتاب للنشر، 1999م، ص18.

    0 -أحمد علي سليمان، فلسفة الإصلاح التربوي عند الإمام سعيد النورسي، الملتقى الدولى حول: الفكر الإصلاحي عند الإمامين بديع الزمان سعيد النورسي، والإمام عبد الحميد بن باديس، الجزائر، جامعة الامير عبد القادر، أيام 17-16أبريل، 2013 ص4.

    0 -إحسان قاسم صالح، نظرة عامة عن حياة بديع الزمان النورسي، ط1، إستانبول، دار سولزر،2015، ص14.

    0 - المرجع السابق 14.

    0 -المرجع السابق، ص14.

    0 - المرجع السابق ص70.

    0 -سليم أبو حليوة، بديع الزمان النورسي وتحديات عصره، ط1، بيروت، مكتبة نرجس،2010، ص48.

    0 -شكران واحدة الإسلام في تركيا، ترجمة: إحسان قاسم الصالح، تنسيق: سعيد قيم اوغلو،2007، ص17.

    0 - إحسان قاسم صالح، نظرة عامة عن حياة بديع الزمان النورسي، ص92.

    0 -عبد الله الطنطاوي: منهج الإصلاح والتغيير عند بديع الزمان الُنوْرسي، ط1، دمشق، دار القلم،1997 ص.139-148.

    0 -أحمد عبد الرحيم السايح، بحوث في فكر بديع الزمان سعيد النورسي، ط 1، القاهرة، مركز الكتاب للنشر، 1999، ص4.

    0 -سعيد النورسي ترجمة: احسان الصالحي): الشعاعات (، ط4، إستانبول دار سوزلر، 2005، ص105.

    0 - سعيد النورسي، سيرة ذاتية، ترجمة: إحسان الصالحي، ط4، إستانبول، دار سوزلر، 2004، ص601.

    0 - المرجع السابق، ص26.

    0 - المرجع السابق، ص30.

    0 -سعيد النورسي، الشعاعات، الشعاع الخامس عشر، ط4، إستانبول، دار سوزلر، 2004 م، ص65.

    0 -سعيد النورسي، الشعاع الحادي عشر، ص260.

    0- سعيد النورسي، المكتوبات، المكتوب الثامن والعشرين، ط1، إستانبول، دار سوزلر، 1992، ص487.

    0- سعيد النورسي، اللمعات، ط4، إستانبول، دار سوزلر، 2005، ص312.

    0 -سعيد النورسي، الشعاعات، ص229.

    0- سعيد النورسي، الكلمات، ترجمة إحسان الصالحي، ط1، استنبول، دار سولز، 2004، ص146 -145.

    0-يتبرأ النورسي من السياسة والخوض فيها معلق عليها: "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة" بحجة ان أغلب ما فيها خداع وأكاذيب، أنظر: سعيد النورسي، المكتوبات، ص57-56.

    0 -عبد الله الطنطاوي، منهج الإصلاح والتغيير عند بديع الزمان النورسي، دار القلم، دمشق 1997، ط1، ص88.

    0 -سعيد النورسي، الملاحق في فقه دعوة النور ملحق قسطموني، ترجمة إحسان الصالحي، ط4، استنبول دار سولز، 2004 ص195.

    0- إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، ط1، مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق، دار السنابل الذهبية، 1431هـ ـ 2010م، ص85.

    0- ذو الفقار، بديع الزمان سعيد النورسي، مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق، إستانبول، دار السنابل الذهبيةً، ص32.

    0 - سعيد النورسي، الطلاسم، إستانبول، مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق، ص90.

    0 - سعيد النورسي، الكلمات، ط 2، /مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق، دار السنابل الذهبية، 1433هـ -2012 م ص487.

    0- بديع الزمان سعيد النورسي، المثنوي العربي النوري، مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق، دار السنابل الذهبيةً ص88. 

    0 - بديع الزمان سعيد النورسي، المكتوبات، ط 1، مركز الترجمة والبحوث العلمية بمؤسسة آلتين باشاق، دار السنابل الذهبية، 1434هـ، 2013م، ص56.

    0- بديع الزمان سعيد النورسي، الملاحق، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، ط2، القاهرة، دار سوزلر، 1416هـ ـ 1995م.

    0 -بديع الزمان سعيد النورسى، «الآية الكبري»؛ مشاهدات سائح يسأل الكون عن خالقه، ترجمة إحسان قاسم الصالحى، الطبعة الثانية - المنصورة مصر، 1988م، ص145.

    0 -المرجع السابق، ص260.

    0 -المرجع السابق، ص312.

    0- منهج التربية عند النورسي للدكتور محمد قنديل، نقلا عن د. علي عبد الحليم محمود، منهج التربية عند الإخوان المسلمين، ط1، المنصورة، دار الوفاء، ص48.

    0- محسن عبد الحميد: النورسي متكلم العصر الحديث، ط1، القاهرة، دار سوزلر، 1985 ص105

    0 -هدى درويش،" الإسلاميون وتركيا العلمانية"، ط1، القاهرة، دار الأفاق العربية، ص148-149

    0-المرجع السابق، ص176.

    0-المرجع السابق، ص176-177.

    0- محمد الصمدي،" تجديد التصوف عند بديع الزمان النورسي وأثره في تحقيق العدالة الانسانية"، المؤتمر
    العالمي الثامن لبديع الزمان لنورسي، اسطنبول.2007.

    0- ورقة بعنوان "مكانة بديع الزمان النورسي في الفكر والحركة الإسلامية" قدمها الأستاذ سعاد ييلديرم، جامعة مرمرة، تركيا في المؤتمر الذي عقد في الأردن 12/6/1997

    0 - جاء قول " د. برغوث " في مقال حول "الحداثة والتجديد في فكر سعيد النورسي" ينص على أن الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي،" أطلق صياغة نظرية إسلامية للتجديد تركزت على إصلاح الإيمان والتربية والثقافة والسلوك، وعلى ضرورة تبني منهج قرآني إيماني توحيدي لجعل المجتمع التركي مجتمعا إسلاميا حديثا، وذلك سعيا لمواجهة دعوة فصل الأمة عن قرآنها المجيد من خلال العلمانية والعصرنة والنزعة القومية والعنصرية، حيث أن منهج النورسي هو أسلمة الحضارة فيما أنه لا يؤمن إلا بالجنسية الإسلامية لأن النورسي يعتقد بأن العنصرية والطائفية هما عدوتا الأمة الإسلامية". 

    Hanan Khayati || The reformist vision of Imam Nursi، impact and extension in the world ||Ibn Khaldoun Journal for Studies and Research || Volume 2 || Issue 6|| Pages 245 - 264.

    0



 

Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...