3
2
2018
1682060030498_349
23-44
Islamic Brotherhood Social Ties Social Security the Covenant of the Prophet
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
مشكلة الدراسة
تتبدى مشكلة الدراسة في المقارنة بين ماضي الأمة وحاضرها من حيث دور الروابط الاجتماعية في توحدها وتماسكها؛ فقد كان تنوع الروابط الاجتماعية عاملا من عوامل وحدة الأمة وقوتها، لكننا اليوم نجدها عاملاً حاسماً في تفرقها وضعفها.
أهمية الدراسة
لا شك أن وقوف المصلحين على أسباب هذه المشكلة، ومعرفتهم المنهج النبوي الصحيح في التعامل معها له دور كبير في إعادة تفعيل المنهج النبوي في حل المشكلات الاجتماعية التي تعانيها المجتمعات الإسلامية اليوم، وتعزيز الثقة في الإسلام كمنهج صالح لإدارة المجتمعات المعاصرة وحل أزماتها في مقابلة الإخفاق الذي تعانيه المدنية الغربية اليوم مما أدى إلى تفاقم مشكلات المجتمع نتيجة لهيمنة القيم المادية الغربية على المجتمعات. ومن أهم المحاور التي تخدمها هذه الدراسة تعزيز الثقة بالسنة النبوية بوصفها مصدرا مهما من مصادر القيم الحضارية التي تقوم عليها النهضة.
أهداف الدراسة
أردت من خلال هذا البحث بيان نظرة الإسلام إلى الروابط الاجتماعية التي يصنعها الإنسان بحكم عيشه بين الناس أو التي يولد عضوا فيها، مثل رابطة الأسرة، ورابطة القبيلة، ورابطة الجوار، ورابطة الصداقة.
وقد أردت الإجابة عن عدة تساؤلات حول علاقة الروابط الاجتماعية تلك برابطة الأخوة الإسلامية التي جاء بها الإسلام، وهي:
هل يعترف الإسلام ابتداء بأي رابطة أخرى بين المسلمين غير رابطة الأخوة الإسلامية؟
وإذا كان الإسلام يعترف بهذه الروابط فعلى أي أساس اعترف بها ولماذا؟
ما منزلة هذه الروابط من رابطة الأخوة الإسلامية؟
كيف يستثمر الإسلام هذه الروابط لتحقيق الأمن الديني والنفسي والاجتماعي؟
هل هناك شروط وضعها الإسلام للاعتراف بهذه الروابط ورعايتها؟
منهجية البحث
اقتضت طبيعة البحث استقراء النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة وأحداث السيرة النبوية، معتمدا على الاختصار، واستنباط المنهج الإسلامي منها اعتمادا على الاستدلال المباشر الصريح، والبعد عن التأويلات الغامضة أو الأسانيد الضعيفة؛ رغبة في تجلية هذا الأمر بوضوح، والاطمئنان إلى صحة نتائج الدراسة.
الدراسات السابقة
زخرت المكتبة الإسلامية بكثير من الكتب والمقالات التي تبحث في الوحدة الإسلامية وسبل تحقيقها في واقعنا المعاصر والأخوة الإسلامية ومقوماتها، ومن أشهرها كتاب الوحدة الإسلامية للشيخ محمد أبي زهرة، وكتاب الأخوة الإسلامية للشيخ عبد الله ناصح علوان.
وقد طرقت هذه الدراسات الموضوع من جوانب عديدة يتناسب مع كثرة محاوره وتفرعها، إلا أن هذا البحث يقتصر على دراسة جزئية واحدة لم تعالج في تلك الدراسات، وهي: كيف جعل النبي صلى الله عليه وسلم من تنوع الروابط الاجتماعية وتناقضها عامل وحدة وقوة بدل أن تكون عامل انقسام وضعف كما هو الحال للأسف في واقعنا المعاصر.
خطة الدراسة
اخترت عنوانا يناسب هذا البحث ويعبر عن مضمونه بوضوح، وهو " أثر الروابط الاجتماعية في تحقيق الإخوة الإسلامية في عهد النبوة"، وقد احتوى البحث على مقدمة، وتمهيد، وثلاثة مطالب، وخاتمة.
المقدمة: فيها تعريف موجز للدراسة.
التمهيد: فيه مدخل إلى الدراسة.
المطلب الأول: رابطة الأخوة الإسلامية.
المطلب الثاني: موقف الإسلام من الروابط الاجتماعية.
المطلب الثالث: منزلة رابطة الأخوة الإسلامية من الروابط الاجتماعية.
الخاتمة: فيها أبرز النتائج.
تمهيد
فطر الله عز وجل الإنسان على الميل إلى الاجتماع؛ فهو كائن اجتماعي بطبعه؛ يحب أن يعيش بين الناس، ولا يطيق الانعزال والوحدة؛ لذلك تعددت الروابط الاجتماعية التي تجمع الناس في حياتهم حسب حاجاتهم المعيشية؛ فهناك رابطة القومية، والوطن، والقبيلة، والأسرة، والجوار، والصداقة ...، وتتداخل هذه الروابط وتتعارض بشكل معقد بناء على درجة تعقيد الحياة التي يعيشها الناس والمستوى الحضاري الذي يحققونه. وتنشأ عن هذه الروابط علاقات ومشكلات وتجاذبات عديدة تتحكم في حياة الإنسان وتحدد مصيره في الدنيا والآخرة.
وبدهي القول: إن هذه الروابط ليست منسجمة دائما ولا غالبا؛ لأنها خاضعة لطبيعة الحياة التي تكثر فيها المتناقضات والمتضادات، والإنسان الواحد ينتظم في كثير من هذه الروابط مختارا تارة ومجبرا تارات كثيرة، وعليه أن يتعامل مع تبعات عضويته في هذه الروابط كلها، وقد تتفق هذه الروابط وقد تختلف فيما بينها في تسيير حياة الإنسان، وفي المحصلة إما أن يسعد وإما أن يشقى، وإما أن يذوق من كلا الكأسين، ومصيره هذا يعتمد على كيفية تعامله مع الدوائر الحياتية التي يعيش فيها.
وقد نزل الإسلام أول ما نزل على مجتمع تحكمه عادات القبيلة وتقاليدها بكل ما فيها من حسنات وسيئات، وجاء برابطة جديدة هي رابطة الدين، فكيف تعاملت رابطة الإسلام مع رابطة القبيلة ومع الروابط التي تنضوي تحت لوائها كرابطة الأسرة والجوار وغيرها؟
إن مهمة الإسلام لم تكن سهلة؛ لأن الإسلام نزل ليؤسس نظاما جديدا للحياة له أصوله وقواعده التي تختلف تماما عن أصول الحياة القبلية وقواعدها، فهو لا يكتفي بإصلاح جانب واحد من جوانب الحياة، وإنما نزل ليصوغ كل جوانب الحياة على قواعد جديدة تقوم على أساس الوحي الإلهي، فهو بديل شامل للنظام القديم، لا يتصالح معه ولا يلتقي معه في منتصف الطريق، ولا يقبل بقلب أو عقل نصفه مسلم ونصفه جاهلي، وإنما على الفرد الذي يرضى بالإسلام أن يعيد صياغة كل انتماءاته وروابطه وعلاقاته وعقائده صياغة جديدة تقوم على مبدأ "الإسلام أولا"، وكل ما سوى ذلك في خدمة الإسلام وإلا فلا مكان له ولا قيمة.
إن مهمة الإسلام على الرغم من صعوبتها في ذلك الجانب إلا أنها ممكنة التطبيق؛ لأن المنهج الذي جاء به الإسلام يتناسب مع فطرة الإنسان الذي فطره الله تعالى عليها، وهذا أمر منطقي؛ لأن الخالق والمشرع واحد، فلا عجب أن يكون الشرع الذي أنزله الله على الإنسان ملائما لفطرته وطبيعته؛ لأن الذي خلق وفطر هو الذي شرع وأمر، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[1]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا}[2]. ولا شك أن الإنسان أكثر إقبالا على ما يناسب فطرته وطبيعته، ولا يمنعه من الإيمان إلا ما تراكم على قلبه من ران الجاهلية وأوضار الأهواء والشهوات الأرضية، ولكن هذه الحواجز تتحطم تدريجيا أمام الواقع الجديد الذي يصنعه الإسلام، عندما يرى الإنسان بعينه التطبيق الواقعي للمنهج في حياة الناس، فيدرك أن هذا المنهج هو الذي كان يبحث عنه منذ وقت طويل؛ لأنه وحده الذي يلبي أشواق نفسه وعقله ويتناسب مع طبيعته التي يعرفها جيدا.
وهذا ما حدث مع مجتمع الجاهلية فقد أبدى الجاهليون مقاومة عنيفة للدين الجديد وأكثرهم لا يقاومونه لأنه باطل بل يعلمون أنه حق ولكن أهواءهم وشهواتهم جحدته حرصا على شهوة زائلة ومنفعة متوهمة، قال تعالى: { فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[3]، وقال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[4]. لكن هذه المقاومة تراخت شيئا فشيئا، وبدأت نفوس الناس تؤوب إلى الدين الحق، وتنخلع من جاهليتها راضية لما تحطمت رواسب الجاهلية التي كانت تغلف قلوبهم فتمنع نور الفطرة من النفاذ إليها.
ولكن كيف استطاعت رابطة الإسلام أن تحل محل العصبيات الجاهلية والعادات القبلية؟ ما السبيل الذي تعامل الإسلام به مع روابط المجتمع الجاهلي حتى أقنعها بالخضوع له، بل قد حولها من عدو مخاصم إلى تابع مناصر، حتى صارت هذه الروابط من أسباب الدخول في الإسلام؟!
إن نظرة الإسلام إلى الروابط الاجتماعية قد حولت هذه الروابط من ند مخالف إلى تابع مناصر، تستقوي به ويستقوي بها، تحافظ عليه ويحافظ عليها؛ فهي علاقة تعايش تبادلية بحيث تكون رابطة الإخوة الإسلامية سببا في تقوية الروابط الاجتماعية، وتعمل هذه الروابط الاجتماعية على الحفاظ على رابطة الإسلام وتقويتها بما يحقق الأمن الديني والاجتماعي معا.
لقد جاء الإسلام والعرب قبائل متحاربة تمزقها الحروب والنزاعات، يسود الظلم فيها كل طبقات المجتمع من الأسرة إلى القبيلة، يأكل القوي فيها الضعيف، لا يأمن الفرد على نفسه ولا ذو حق على حقه، فلما جاء الإسلام صار العرب مجتمعا واحدا تتعاضد طبقاته لتحقيق الأمن الشخصي والأسري والاجتماعي فيه، وصارت رابطة الإسلام حارسا يرعى الروابط الاجتماعية كلها ويحقق التوافق بينها ويسهم في بنائها في المجتمع بناء متماسكا تقوم كل رابطة بدور فاعل ينسجم مع أدوار الروابط الأخرى ليتشكل المجتمع المسلم متميزا في وحدته في ظل الإسلام.
ولكن الناظر في مجتمعاتنا المعاصرة يلحظ ظاهرة مقلقة وهي أن كثرة الروابط الاجتماعية عنصر هدم في المجتمع وليس عنصر بناء، وسبب تفرق وليس سبب وحدة، وصارت رابطة العقيدة تتصارع مع الروابط الاجتماعية التي ينتمي إليها المسلم، وهذه الروابط الاجتماعية بدورها تتصارع فيما بينها على السيادة على الصعيد الشخصي والمجتمعي؛ فيقف المسلم حائرا مشتتا تتقاذفه قوى الشد والجذب؛ هل يرضي أسرته على حساب قبيلته، أم يرضي القبيلة على حساب الوطن، أم يرضي المجتمع على حساب الدين؟! وبدهي أن الأفراد والجماعات تختلف في ولاءاتها وقوة ارتباطاتها؛ فتحول المجتمع إلى مجموعات متصارعة، كل منها يسعى لبسط سيطرتها على الأخرى حتى وصل التفتت إلى داخل العائلة الواحدة.
ولا شك أن البعد عن فقه الاجتماع الإنساني الذي جاء به الإسلام هو سبب الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون الآن، وكيف للمسلمين أن يفقهوا دور رابطة العقيدة في حفظ أمن المجتمع وقد ضعف الحس الإسلامي في قلوبهم وعقولهم، وابتعدوا عن تلقي منهج الحياة من الوحي إلى القبول بفلسفات الشرق والغرب؟!
إذا أردنا لمجتمعنا الإسلامي أن يعود واحدا متماسكا مترابطا فلا بد من إحياء المنهج الإسلامي في التعامل مع روابط المجتمع المختلفة. فما هو هذا المنهج؟ وكيف توحدت كيانات المجتمع وروابطه في ظل الرابطة الكبرى رابطة العقيدة؟ كيف تعامل الإسلام مع الأسرة والجوار والقبيلة والوطن والقومية؟ كيف تكاتفت هذه الروابط المختلفة وتكاملت في بناء المجتمع؟ هذا ما تحاول هذه الدراسة الإجابة عنه من خلال النصوص القرآنية والحديثية والسيرة النبوية الشريفة.
المطلب الأول
رابطة الأخوة الإسلامية
أولا: معنى الأخوة الإسلامية
الأخ هو ابن أمك أو أبيك، وإذا كان منهما معا فهو الأخ الشقيق[5]، ورابطة الأخوة هذه أوثق الروابط وأكثرها حقوقا؛ بسبب القرب الشديد في العلاقة بين الأخوين؛ ولا شك أن وحدة الأصل الجيني ووحدة الانتماء الحياتي يجعل الإخوة أكثر قربا وتماسكا واشتراكا في كثير من علائق الحياة؛ مما يرتب على هذه الرابطة حقوقا أكثر من غيرها من العلاقات.
وبناء عليه فإن تشبيه رابطة الإسلام برابطة أخوة الدم يدل على أن قوة رابطة الإسلام وشدة تماسك أفرادها عظيمة جدا كما هي عند الإخوان أخوة الدم.
ولما كانت رابطة الدين لا يعرفها العرب في جاهليتهم كان لا بد من تشبيه هذه الرابطة الجديدة بأشد الروابط المعروفة عندهم حتى تتبين منزلتها في حياتهم الجديدة، وتتشرب نفوسهم وعقولهم الانتماء الجديد إلى هذا الدين.
وعندما نطلق على العلاقة بين المسلمين مصطلح الأخوة الإسلامية، فإننا نعني أن العلاقة بين المسلمين ينبغي أن تقوم على أساس الانتماء للإسلام، وهذا الانتماء للإسلام يرتب على المسلم حقوقا له على غيره من المسلمين وينشئ بينه وبين المسلمين الآخرين علاقة قوية متماسكة تدفعه إلى مد روابط المحبة والتناصر والتعاون بينهم بسبب الإسلام وحده بغض النظر عن العلائق الحياتية الأخرى.
فالأخوة الإسلامية هي: رابطة ينشئها الإسلام بين أفراده بسبب إيمانهم به تقوم على الولاء للمسلمين ولاءً قلبياً بمحبة الخير لهم وولاءً عملياً بتقديم الخير لهم. وتتحقق الأخوة بين المسلمين بتبادل الحقوق التي شرعت بسبب الانتماء للإسلام، وهذه الحقوق منها ما واجب أو نفل، حسب منزلتها في النصوص الشرعية، وفي الصفحات القادمة أمثلة على هذه الحقوق الواردة في الكتاب والسنة.
ثانيا: الأخوة الإسلامية في القرآن
حرص القرآن الكريم في كثير من آياته على ترسيخ مفهوم جديد للعلاقة بين الناس، فعمل على أن يكون الانتماء للإسلام أصلا تقوم عليه علاقاتهم وروابطهم، فجعل الانتماء لهذا الدين الشرط الوحيد لعضوية المجتمع الجديد بصرف النظر عن أي اعتبار آخر من جنس أو لون أو عرق أو بلد، رابطة تليق بالإنسان الذي كرمه الله تعالى بالتكليف والعقل وحرية الإرادة.
قال تعالى: { إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[6]، تقرر هذه الآية أن الإنسان مميز عن جميع المخلوقات بحمل أمانة التكليف والاختيار والعقل[7]؛ لذلك لا يليق بهذا المخلوق المكرم أن يقوم اجتماعه البشري على أسس مشابهة للأسس التي يقوم عليها اجتماع الحيوانات والحشرات والكائنات الأقل منه منزلة ورقيا التي تجتمع على أساس النوع والفصيلة؛ فهذه الحيوانات تتجمع في جماعات حسب نوعها؛ الكلاب معا، والذئاب معا، والنمور معا، وهكذا، وكذلك الطيور والحشرات، لا يملك فرد أن يعيش في غير جماعته الجبلية. وهذا يلائم طبيعة تكوينها وجبلتها القائمة على أساس الغريزة فقط.
أما الإنسان فقد كرمه الله تعالى على سائر المخلوقات برقي خلقته وزوده بالعقل والتكليف وسخر له كل ما في الأرض لخدمته، قال تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[8]، وقال: { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[9]، وبناء عليه فمن المنطقي أن يكون مجتمع هذا المخلوق المكرم مجتمعا راقيا يتناسب مع رقي خلقته وسمو رسالته، وأرقى العلاقات هي تلك القائمة على الجزء المميز الراقي في الإنسان وهو العقل والإرادة وأمانة التكليف التي خص الله بها الإنسان، إنها رابطة العقيدة الإسلامية التي تجمع الناس على أساس الارتباط بخالقهم والمنعم عليهم ليقوموا بوظيفتهم التي خلقوا من أجلها.
لذلك فقد أكثر القرآن الكريم من التنبيه على أن الإيمان هو الأساس الذي يقوم عليه المجتمع المسلم، وأساس الإيمان الارتباط بالله تعالى إلها يعبد وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا يتبع ويطاع، وكل من آمن بهذا فهو عضو في هذا المجتمع الجديد الذي يترابط أفراده بالولاء لله عز وجل وللرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)}[10].
ومن الآيات القرآنية التي ترسخ المعاني السابقة قول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) }[11]، وقوله: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}[12]، والولاية كلمة جامعة تشتمل على معاني القرب والمحبة والنصرة والانتماء والارتباط الشديد بالله تعالى[13]، وهذا الارتباط يشمل كل من آمن بالله وتبع دينه، قال تعالى: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}[14]، وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض}[15]، وقال في وصف علاقة المؤمنين بالله وبإخوانهم: { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[16].
وهذه العلاقة التي أنشأها الإسلام تقتضي أن يكون المسلمون أمة واحدة تجتمع على الإيمان بالله سبحانه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يليق بالمؤمنين أن يكونوا متفرقين مختلفين لا تتلاقى قلوبهم ولا تتحد مشاعرهم، وإنما الواجب أن ينصهروا جميعا في بوتقة الإسلام، ليكون هذا الدين أعظم شيء في حياتهم يجتمعون عليه ويموتون من أجله، قال تعالى: { وإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)}[17]، وهذه الأمة الواحدة في ترابطها كمثل الأسرة الواحدة تتحد في معاشها بتاريخ واحد وحاضر واحد ومستقبل واحد وأهداف واحدة؛ فهم جميعا إخوة في أسرة الإسلام الواحدة، قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }[18].
وكما أن الوحدة بين المسلمين ضرورة واجبة فإن الأهم من الوحدة الأساس الذي تقوم عليه وهو هذا الدين، فالإسلام هو الأساس الذي يجتمع المسلمون عليه ويكون اتحادهم به، وبدون هذا الدين لا يمكن للمسلمين أن يتحدوا أو يجتمعوا، فهم مختلفون في لغاتهم وقبائلهم وأعراقهم وبلدانهم ومصالحهم ولا يجمعهم إلا هذا الدين، فإذا تركوه فسوف يرجعون مختلفين متنازعين كما كانوا، قال تعالى: " {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[19].
هذا ما كان سيد قطب رحمه الله يميز به المجتمع الإسلامي عن غيره من المجتمعات عندما قال: " جنسية المسلم عقيدته"[20].
ثالثا: الأخوة الإسلامية في الحديث النبوي والسيرة
حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على توثيق العلاقة بين المسلمين بشتى الطرق؛ لترسخ رابطة العقيدة في القلوب والعقول كأساس يجتمع عليه المسلمون في كيانهم الجديد، وقد حفلت أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – بكثير من الوصايا والتأكيدات على هذا؛ فهم جميعا إخوة في ظل الدين الجديد، وهذه الأخوة تقتضي حقوقا وواجبات ينبغي الوفاء بها وتعاهدها.
وهذه الالتزامات هي التطبيق الواقعي لإخوة الدين؛ إذ لا وجود للفصل بين العقيدة والسلوك في الإسلام، وهذا سر من أسرار عظمة هذا الدين ونجاحاته في عالم الأحياء.
فمن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم : "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ"[21]. يدل هذا الحديث على أن الانتماء للإسلام مرهون بالولاء التام له والخضوع القلبي التام لله ورسوله بحيث يكون الله ورسوله محور حياة الإنسان وأساس علاقاته بغيره.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "[22] . هذا بيان بأن رابطة العقيدة بين المسلمين ليست فلسفة نظرية يكتفي صاحبها بإضمارها في عقله أو قلبه دون أن يكون لها أثر في الواقع، وإنما هي التزام واقعي عملي يوجب على صاحبه أن يمارس الأخوة سلوكا يترجم نصرة وإعانة وإغاثة ومشاركة فعلية تجعل المسلمين جميعا جسدا واحدا تشترك أعضاؤه في الدفاع عنه وتأمين حياته، قال صلى الله عليه وسلم : "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"[23]. ولم يكن هذا التكليف نافلة من شاء فعله ومن شاء تركه، وإنما جعله الإسلام أساسا من أساسات الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم : " لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ "[24].
هذه الأحاديث وغيرها كثير يدل على أن الأخوة الإسلامية ليس كلمة تقال وانتهى الأمر، وإما عقيدة تضبط إيقاع العلاقات الإنسانية بين المسلمين، وسلوك يمارس دائما في جميع ميادين الحياة، ليصبغها بصبغة هذا الدين. ولا شك أن هذه الأخوة تنتج مجتمعا واحدا متماسكا رغم اختلاف بلاد أفراده وأعراقهم وأنسابهم.
ولم يكتف النبي – صلى الله عليه وسلم – بتكرار الوصايا والإرشادات الفردية في مواقف الحياة المختلفة، وإنما اهتبل المناسبات المهمة والمواقف المفصلية في مراحل بناء المجتمع الجديد لتأكيد هذا الأمر، وأهم هذه المواقف:
الموقف الأول: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – من هذه المؤاخاة بناء علاقة جديدة بين المسلمين على أساس الدين فقط؛ من أجل ردم الهوة الاجتماعية والاقتصادية[25] التي أحدثتها هجرة أهل مكة إلى المدينة، وأكثرهم فر بدينه تاركا ماله وبيته وأهله. فكيف يجوز أن يكون في المجتمع المسلم طبقة لا تجد مسكنا ولا مالا ولا أهلا، وطبقة تعيش بين أهلها ومالها وأرضها وعملها؟! لقد ضحى المهاجرون بالدنيا وما فيها من نعيم من أجل الحفاظ على دينهم؛ فتركوا أرضهم ومالهم وأهلهم وعشيرتهم، وهاجروا بدينهم إلى المدينة ليعيشوا مع أناس لا علاقة لهم بهم إلا الاشتراك بالإيمان. فصار الإيمان أساسا يقوم عليه المجتمع المسلم، وصارت أخوة الإيمان رابطة جديدة على أساسها تنشأ الحقوق والواجبات. لقد قطع المهاجرون كل علائقهم وروابطهم السابقة وما ينشأ عنها من مكاسب دنيوية، وانتصروا لرابطة العقيدة وحدها، فكافأهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن جعل رابطة العقيدة أساسا تنشأ منه كل المكاسب الدنيوية والأخروية.
لقد أوجد الإسلام أقواما يتباذلون ما في أيديهم من الدنيا على غير أرحام بينهم، وهو شيء لا يعرفه مجتمع العرب القائم على وحدة الدم، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : "قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ، وَلَا أَحْسَنَ بَذْلًا فِي كَثِيرٍ، لَقَدْ كَفَوْنَا الْمَئُونَةَ ، وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَأِ، حَتَّى لَقَدْ حَسِبْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ قَالَ: لَا، مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ، وَدَعَوْتُمُ اللهَ لَهُمْ"[26].
وقد بلغ الترابط بين المتآخين أن كان الواحد منهم يرث صاحبه إذا مات، ثم نسخ التوارث وبقي حق الأخوة والتناصر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان المهاجرون لما قدموا إلى المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي - صلى الله عليه و سلم بينهم- فلما نزلت { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } نسخت ثم قال { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } إلا النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له"[27].
وتذكر لنا الروايات أن من الصحابة من لم يأخذ من أموال الأنصار شيئا على الرغم من أن الأنصار قد طابت نفوسهم ببذله واشتداد حاجة المهاجر إليه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ فَمَا سُقْتَ فِيهَا فَقَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ"[28].
إن هذا التصرف يدل على أن مشاعر التضحية والإخاء التي أنشأتها رابطة العقيدة قد تمكنت من الطرفين في المهاجرين والأنصار معاً؛ فالأنصاري يريد أن يعوض أخاه المهاجر ما تركه من مال بسبب هجرته، والمهاجر يأنف أن يأخذ أجراً دنيوياً على تضحيته، لله درهم من جيل فريد.
الموقف الثاني: النص على أن المسلمين جميعا أمةٌ واحدةٌ من دون الناس في دستور المجتمع الجديد
عند تأسيس الدولة الإسلامية كان لا بد من الاتفاق على أساس تتعايش عليه كيانات المسلمين أفراداً وجماعات في المجتمع الجديد؛ لأنهم لم يألفوا مجتمعا يقوم على غير القبيلة والتزاماتها أساسا، فكان لا بد من كتابة دستور يحكم علاقات الناس فيما بينهم على أساس الدين الجديد الذي ارتضوه أساسا لحياتهم الجديدة، والمهم في هذا المقام أمران:
الأمر الأول: إن الدستور نص على أن الاحتكام إلى الله ورسوله أصل قيام المجتمع المسلم بديلا عن عادات الجاهلية وتقاليدها، فقد رود في الصحيفة التي كتبها النبي – صلى الله عليه وسلم – بين سكان المدينة: " وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد صلى الله عليه وسلم"، وفيها أيضا: " وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم"[29].
إن أهم عامل من عوامل الوحدة في مجتمع ما الاتفاق على المرجعية التشريعية للمجتمع؛ من أين يستقون عقائدهم وأفكارهم وأحكامهم، وإلى من يحتكمون عند الخلاف؟ وقد أولى القرآن الكريم هذه المسألة اهتماما عظيما وعدها أصل الإيمان وحقيقة الإسلام في عشرات الآيات، ومنها قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا }[30]، وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون}[31].
الأمر الثاني: نص الدستور على وحدة المجتمع الإسلامي على اختلاف بلاد أفراده وقبائلهم، فقد بدأت الصحيفة بتأكيد هذا الأمر: " هذا كتاب من محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس"، وقد تكررت هذه الجملة في الصحيفة "وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس"[32]، وهذه حقيقة أكدتها آيات وأحاديث كثيرة.
ويلاحظ كثرة التأكيدات الشرعية لهذه الحقيقة لترسخ في القلوب رسوخا يحل مكان العصبيات التي كانت في أساس الاجتماع البشري من قبل.
ولم تترك الصحيفة هذا الأساس دون أن تنبه إلى بعض حقوق والالتزامات الناشئة عن هذا الأصل، فقد ورد في الصحيفة: "وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظلم، أو إثما، أو عدوانا، أو فسادا بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم.... وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم. وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس"[33]. إن العدالة الاجتماعية ركيزة مهمة لوحدة المجتمع لا تتحقق الوحدة إلا به وهو أثر مهم للوحدة الحقيقية في المجتمع فهو أصل للوحدة وفرع لها.
الموقف الثالث: خطبة الوداع
في يوم عرفة من الحج الأكبر يجتمع المسلمون من قبائل مختلفة وبلدان مختلفة وأعراق مختلفة لعبادة الله وحدة في بيته الحرام، في هذا الموقف العظيم لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – ليخليه من التذكير بنعمة الله عز وجل على المسلمين أن جمعهم على التوحيد أساساً لحياتهم وعلاقاتهم، فكان كلاما في محله تماما: فقد قال في خطبته في حجة الوداع: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى"[34].
هكذا إذن، المعيار الوحيد للتفاضل بين الناس هو التقوى، مقدار الخوف من الله وتعظيم شعائره وتطبيق أحكامه. هذا هو المجتمع الجديد، كل فرد فيه يستطيع أن يختار منزلته فيه بجده واجتهاده، ولا يمنعه من تحقيق ذاته نسب ولا بلد ولا عرق.
المطلب الثاني
موقف الإسلام من الروابط الاجتماعية
من عوامل نجاح الإسلام في اجتذاب الناس وسرعة انتشاره بينهم أنه لا يصطدم مع الفطرة الإنسانية ولا يحارب غرائز الإنسان وحاجاته الفطرية؛ لذلك يجد الإسلام نفسه قد دخل قلوب الناس وامتلك شغافها عندما يصغون إلى صوت العقل والفطرة السليمة.
واستجابة الإسلام للفطرة الإنسانية دليل آخر على ربانية مصدره، مما يؤكد أنه المنهج الوحيد الذي يحقق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
وقد فطر الله الإنسان على حب الاجتماع والاشتراك في العيش في مجموعات تقوم على أساس التماثل في المكان أو الزمان أو القرابة، إلخ...، وينشأ عن هذا الاجتماع ولاء وانتماء الفرد للجماعة، وحقوق وواجبات وعلاقات تجعل الفرد جزءا من الجماعة يدور في فلكها ويربط مصيره بها.
وقد جاء الإسلام إلى الناس وهم يرتبطون في جماعات تتفاوت في الحجم وفي ولاء أفرادها لها؛ فكل فرد ينتظم في أسرة من أب وأم وإخوة وأخوات، وهذه الأسرة الصغيرة جزء من الأسرة الممتدة المكونة من الجد والجدة والأعمام والأخوال، ثم القبيلة التي تجمع هذه الأسر، وهناك علاقة الجوار في السكن وعلاقة النسب والمصاهرة بين العائلات، إلخ...، فماذا كان موقف الإسلام من هذه التجمعات الاجتماعية؟
لقد فطر الإنسان على حب أسرته والانتماء لقبيلته والميل إلى جاره، وقد نشأ عن هذه العلاقات حقوقا والتزامات يؤديها الإنسان لجماعته التي ينتسب إليها، فلما جاء الإسلام أكد هذه العلاقات وأمر بأداء حقوقها وحظر على أتباعه الإخلال بحقوق الآخرين، ورتب على الوفاء بالتزاماته نحوهم السعادة في الدنيا والأجر العظيم في الآخرة، وقد كان الأمر بصلة الرحم والإحسان إلى الناس سببا من أسباب اجتذاب الناس إلى هذا الدين وقناعتهم بصدقه، قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مخاطبا النجاشي: "أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ"[35].
وقد كثرت النصوص الشرعية التي ترشد إلى الإحسان إلى الوالدين والإخوة والقرابة والجيران، حتى صارت هذه النصوص تشكل ثقافة عامة لدى المسلمين صغارا وكبارا على اختلاف مستوياتهم الثقافية، فصار الترابط الأسري علامة بارزة وميزة لا تخطئها العين في المجتمعات الإسلامية.
أولا: الروابط الاجتماعية في القرآن
حفلت آيات القرآن الكريم بالحث على الإحسان إلى الأقرباء والجيران وكل من يحتاج بالتودد إليهم والعدل في التعامل معهم وتقديم الخير لهم، ولعل أكثر الآيات تأثيرا في النفس تلك التي تربط بين توحيد الله والإحسان إلى الوالدين، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }[36]، وقال سبحانه: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }[37]، وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)}[38].
تخاطب هذه الآيات عقل الإنسان وقلبه بخطاب يجمع الإقناع العقلي واستثارة العاطفة الصادقة لحثه على الارتباط بمجتمعه وتوثيق الصلات بمن حوله من الأقرباء والجيران ومن يحتاج إلى الإعانة. إن هذا الربط بين أصل الدين والإحسان إلى الوالدين والأقرباء والجيران وكل من يحتاج الإحسان يشير إلى أن الترابط الاجتماعي ليس نافلة يمارسها المسلم طوعا، وإنما هي أساس من أساسات الإيمان وواجب من واجبات الدين الذي يؤمن به؛ فالارتباط بالمجتمع واجب ديني قبل أن يكون تكليفا اجتماعيا، مما يضفي على العلاقات الاجتماعية الصدق والإخلاص والتفاني، ويبعدها عن الكذب والرياء والنفاق الاجتماعي الذي يسود المجتمعات النفعية التي تقوم علاقاتها الاجتماعية على النفعية المادية وحدها. وتجعل الآيات إحسان الوالدين إلى ولدهما صغيرا سببا منطقيا ودافعا عاطفيا لرد الجميل لهما في الكبر وإشاعة الخير للجميع في المجتمع.
وتتابع الآيات الآمرة بالعدل والإحسان والبذل للوالدين والأقربين، فقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }[39]، ويقول سبحانه: {يسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }[40].
ومن الملاحظ أن الآيات تشمل المحتاجين إلى الإحسان في المجتمع المسلم بالأمر بالإحسان إليهم بعد الأمر بالإحسان إلى الوالدين أولا ثم الأقارب ثم الجيران ثم هؤلاء، وهذه إشارة إلى أن الإحسان يجب أن يشمل المجتمع الإسلامي كله وليس قصرا على من يرتبط المسلم بهم بإحدى الروابط الاجتماعية، صحيح أن الوالدين أولى بالإحسان من غيرهما، والأقارب أولى من الأباعد، والجيران أولى ممن ليسوا كذلك، ولكن هذا لا يعني ألا يصل الإحسان إلى غير الأقارب بالدم؛ فالمسلم مأمور بالإحسان إلى جميع أفراد المجتمع، وإن كان هناك مَن حقُّهُ آكد من الآخر.
ثانيا: الروابط الاجتماعية في الحديث النبوي والسيرة
أكثر النبي – صلى الله عليه وسلم – من الإرشاد إلى رعاية حقوق الأقارب والجيران في مئات الأحاديث القولية والعملية، حتى أنه لا يخلو كتاب في الحديث النبوي من الإشارة إلى بعضها، وكتب الفضائل والترغيب والترهيب خصَّصت لها أبواباً. وتجمل الإشارة هنا إلى ما يدل على اهتمام الإسلام بالإحسان إلى أفراد الأسرة والأرحام والجيران، وعده هذا الأمر من الواجبات الشرعية التي يحتسبها المسلم في الآخرة.
فقد "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِى قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ"[41]، وليس الأب والأم فقط، وإنما الأرحام أيضا مشمولون بالإحسان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ: مَهْ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ"[42]. إن هذا التهديد يدل على أن حسن الصلة مع الأرحام من الواجبات الشرعية التي ينبغي على المسلم الحرص عليها وأداؤها على الوجه الأكمل من أجل رضى الله عز وجل قبل رضى الناس.
ولم يرخص النبي – صلى الله عليه وسلم- للمسلم بقطع رحمه إذا لم يبادله أقرباؤه الإحسان، وإنما أمره بالصبر عليهم ودوام صلتهم واحتساب الأجر من الله على احتمال الأذى، فقد قَالَ رجل "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَىَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَىَّ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ[43]، وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ"[44]. إن مبدأ مقابلة الإساءة بالإحسان احتسابا عند الله تعالى أصل عظيم من أصول العلاقات الاجتماعية في الإسلام، ومن شأن هذا التصرف أن يزيل التوتر الذي يحصل في العلاقات بين الأقارب بسبب تعقيدات الحياة وظروفها وتقاطع مصالح أفرادها.
وللجيران نصيب كبير من الإحسان المأمور به، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ"[45]، يدل هذا الحديث على أن المسافة بين الإحسان إلى الأقرباء والإحسان إلى الجيران ليست كبيرة، بل إن الإحسان إلى الجيران جزء من الإيمان الواجب كالإحسان إلى الأقرباء، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"[46]، ويكفي لبيان أهمية الإحسان إلى الجار هذا القسم العظيم من النبي صلى الله عليه وسلم: "وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، قيل: وَمن يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: من لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ[47]"[48].
وبعد، فإن النصوص السابقة وغيرها كثير تدل على أن المحافظة على العلاقات الاجتماعية ورعاية حقوق الأقرباء والجيران واجب شرعي وهدف من أهداف التشريع الإسلامي في الحياة الاجتماعية يقوم به المسلم ليس فقط مراعاة للأعرف الاجتماعية وإنما مرضاة لرب البرية.
المطلب الثالث
منزلة الأخوة الإسلامية من الروابط الاجتماعية
تبين مما سبق أن الإسلام جاء برابطة الأخوة في الدين كي يجمع المسلمين جميعا في أمة واحدة تقوم على أساس الانتماء للدين أولا تحقيقا لمعنى العبودية لله، وهو مع ذلك لم يهمل الحاجة الفطرية للإنسان في الانتماء إلى أسرة وقبيلة وجيران يتبادل معهم علاقة أخص من علاقته بغيره من المسلمين. ولكن ما هي حقيقة العلاقة بين رابطة الأخوة الإسلامية والروابط الاجتماعية الفطرية الأخرى كرابطة الأسرة والقبيلة والجوار؟ هل العلاقة بينها علاقة تضاد وصراع أم علاقة تناغم وانسجام؟ وأي هذه الروابط أولى بالمراعاة عند الاختلاف؟
لقد شاعت في المجتمعات الإسلامية المتأخرة مفاهيم مغلوطة حول هذا الأمر؛ فهناك من يتعصب لقبيلته أو بلده، ويرى هذا حقا؛ لأن الإسلام حث على الإحسان إلى القرابة ومراعاة حقوقهم، ومنهم من يرى أن لا مكان في الإسلام لأية رابطة أخرى غير رابطة الإسلام، فقد جاء الإسلام برابطة العقيدة ناسخا لجميع العلاقات الإنسانية الأخرى، فهي روابط جاهلية لا يجوز للمسلم أن يتعلق بشيء منها.
وهكذا تجاذبت المجتمعات الإسلامية اتجاهات الإفراط والتفريط مما كان له أكبر الأثر في انتشار المعالجات المغلوطة في العلاقات البينية في المجتمع؛ فمنهم من طغى شعار القومية والوطنية على حياتهم حتى صارت بديلا عن الإسلام، ومنهم من تنكر لقبيلته ووطنه وقطع علاقاته بعشيرته وأبناء وطنه خوفا من التعلق بروابط الجاهلية التي حذر منها الإسلام.
والحق وسط بين إفراط وتفريط، وبين غلو وجفاء، فقد راعت النصوص الشرعية حقوق الأقارب وأمرت بصلتهم والإحسان إليهم وجعلته من الإيمان، ولكن هذا لا يعني أن تكون رابطة القرابة أصلا لقيام المجتمع ولا أن تكون فصلا في الحكم بين الناس، وإنما جعلت الروابط الاجتماعية المختلفة رافدا من روافد الإخوة الإسلامية، وعاملا من عوامل الوحدة بين المسلمين ضمن الضوابط الآتية:
الضابط الأول: إن رابطة الأخوة الإسلامية هي الأساس الذي يجمع المسلمين ويقوم مجتمعهم عليه، أما الروابط الاجتماعية الأخرى فهي علاقات مشروعة لأفرادها حقوق وعليهم واجبات تقررها الشريعة، فهذه العلاقات خاضعة لأحكام العلاقة الأم علاقة أخوة الإسلام، تدور في فلكها وتحقق أهدافها.
الضابط الثاني: إذا حدث تعارض بين الرابطة الأم وبين إحدى هذه الروابط الفرعية، فإن مراعاة حقوق رابطة العقيدة هو الأصل، ويلغى حق الرابطة الاجتماعية الذي يتعارض مع حق رابطة الإسلام.
الضابط الثالث: يعترف الإسلام بالروابط الاجتماعية كعامل وحدة في المجتمع الإسلامي، تجعل الفرد يعيش في دوائر متداخلة من العلاقات الإنسانية، كل علاقة تساهم في المحافظة على هوية المجتمع وعقيدته وثقافته المتميزة ضمن إطار الإسلام، وتحفظ الفرد من الانحراف في نوازع الشر. أما إذا صارت هذه الروابط عنصر فرقة وسبب تناحر واقتتال بين المسلمين، كل فريق ينصر قرابته ويتعصب لها على حساب الدين والحق والعدل، فإن هذه الروابط تفقد حق الريادة والسيادة، والواجب في هذه الحالة على الأفراد أن يغلبوا حق الأخوة الإسلامية على حق القرابة والجوار والبلد، فيدوروا مع الحق حيث دار لا مع العصبية حيث دارت.
هكذا يتعامل الإسلام مع الروابط الاجتماعية، وهذه نصوص القرآن والسنة حافلة بهذا التفصيل، وفيما يأتي بعض هذه النصوص مع شيء من فقهها.
أولا: منزلة الأخوة الإسلامية من الروابط الاجتماعية في القرآن الكريم
يقول الله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ً}[49]. تقرر هذه الآية أن رابطة العقيدة ليس حاكمة على علاقات المسلم بغيره فقط وإنما هي حاكمة على نفسه التي بين جنبيه؛ فمراعاة حق النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدم على مراعاة حق النفس مما يجعل للدين منزلة أسمى من النفس ومن باب أولى أن تكون رابطة الدين أسمة من رابطة هذه النفس بغيرها من النفوس.
ويقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) }[50]. إن حق الوالدين عظيم، والقرآن يؤكد هذا الحق ويقرنه بحق الله عز وجل اهتماما بشأنه، ومن حقوق الوالدين الإحسان إليهما ومن الإحسان طاعتهما، فإذا كانا كافرين ويأمران ولدهما بالكفر فما موقف الابن المسلم من أبويه الكافرين اللذين يأمرانه بالكفر؟! يقرر القرآن أن حق الأبوين لا يسقط بكفرهما ولا بدعوتهما ولدهما المسلم للكفر، وإنما يبقى لهما حق الإحسان والطاعة إلا في فيما يأمران به من الكفر والمعصية، وهكذا يكون حق الوالدين محفوظا إلا فيما يتعارض مع حق الله، فإذا تعارض حق الوالدين مع حق الله فإن حق الوالدين لا يسقط بالكلية، وإنما يسقط منه الجزء الذي يتعارض مع حق الله فقط وتبقى رابطة الإحسان إلى الوالدين وطاعتهما فيما لا تعارض فيه مع حق الله تعالى. ولا شك أن هذا التشريع قمة الإنصاف والعدل والتوازن بين نوازع النفس والقلب والعقل.
إن المسلم في هذه الحالة لا يقطع روابطه الاجتماعية ولا يتنكر لها، وإنما يبقي العلاقة قائمة ويقدم الإحسان الواجب عسى أن يمارس دوره في تليين القلوب تجاه هذا الدين الذي يعدل مع خصمه، ولا تحمله الخصومة على غمط حق خصمه، وكم تؤثر مثل هذه المواقف في الناس فيتحولون من أعداء ألداء، إلى أتباع مخلصين.
ويدرك القرآن أن وقوف المسلم هذا الموقف من أقربائه ليس هينا، وأنه يحتاج إلى إيمان حقيقي حتى يغلب مصلحة الدين على المصلحة الاجتماعية المؤقتة، وإلا فإن المصلحة الاجتماعية الحقيقية تدور مع رابطة العقيدة أبدا؛ لذلك فقد جعل القرآن هذا الموقف دليلا على صدق الإيمان، ونفى الإيمان عن الذين يميلون إلى روابطهم الاجتماعية على حساب الدين، قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[51].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}[52]، وقال: {لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[53] . إن الميل إلى رابطة تتضاد مع رابطة الإيمان خسران في الآخرة، ويوم القيامة سيعاقب من فعل ذلك عقابا عسيرا جزاء وفاقا على تخليه عن رابطة العقيدة وجنوحه إلى مرضاة الناس بسخط الله؛ لأن هذا الفعل فضلا عن أثره السيء على إيمان المسلم فإنه يؤدي إلى تفسخ المجتمع الإسلامي وتحوله إلى كيانات جاهلية تتصارع على الدنيا كما كانوا قبل الإسلام، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) }[54].
إن كل علاقة لا تقوم على أساس الدين وتقوى الله لن تؤدي إلى الخير والفلاح في الدنيا ولا في الآخرة مصداقا لقول الله تعالى:{ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)}[55].
ثانيا: منزلة الأخوة الإسلامية من الروابط الاجتماعية في الحديث النبوي والسيرة
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"[56]، يدل هذا الحديث بوضوح على أن رابطة العقيدة هي أسمى الروابط وأعلاها في قلب المسلم وسلوكه العملي، وأولوية رعاية حق رابطة العقيدة ليس نافلة يراعيها المسلم متى شاء ويتركها متى شاء، وإنما هي أساس من أساسات الإيمان، لا إيمان لمن لم يحققها في نفسه وسلوكه.
ولكن هذا لا يعني إهمال حقوق الروابط الاجتماعية الأخرى، وإنما لكل رابطة حقوقها المراعاة بحسبها، ولكن في إطار الرابطة الكبرى التي تجمع جميع المسلمين على اختلاف مجتمعاتهم.
ومراعاة حقوق الأسرة والأقارب ليس مقصورا على الأقرباء والجيران المسلمين، وإنما يمتد ذلك ليشمل الكفار منهم؛ فقد يكون أبو المسلم أو أمه أو ابنه أو قريبه أو جاره من الكفار، ولكن كفرهم لا يمنع المسلم من أداء حقوقهم فيما لا يتعارض مع حقوق الرابطة الكبرى رابطة الإسلام.
فها هو رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يعود عمه أبا طالب في وفاته رغم أنه ظل كافرا على الرغم من دفاعه عنه ضد قريش، ف"لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَمِّ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[57]. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبِى طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }[58]"[59]. إذن فمراعاة حق القرابة موقوف على الحكم الشرعي الذي تقرره رابطة العقيدة، ولا شك أن مشاعر النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عمه الذي لم يأل جهدا في الإحسان إليه صغيرا والدفاع عنه نبيا ضد قومه، فجمع بين حق القرابة وحق رد الإحسان بمثله، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ابن الأخ الذي يراعي حق عمه، ولكنه ينضبط بضوابط الشرع في هذا "أَمَا وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ"، فلما نزلت الآية كف عن الاستغفار له وقوفا عند حدود الله تعالى.
و"عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ"[60].
يتبين من هذا الحديث أن الإحسان إلى الجيران وغيرهم من الأقرباء ليس معزولاً عن مهمة المسلم الأولى وهي الدعوة إلى الإسلام، وهكذا تكون مراعاة الحقوق الاجتماعية تحقيقا لهدف الدعوة إلى الله تعالى والدعوة الى الخير للمسلم وغيره، إضافة إلى دورها في تحقيق الأمن الاجتماعي.
و"عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّي وَهِىَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّي وَهْىَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي قَالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ"[61].
ولكن هذا الإحسان وهذه الصلة إنما هي جزء من الأخلاق السامية التي يتصف بها الإسلام وليست خارجة عن تعاليمه، وليحذر المسلم أن تنحرف به عاطفته فيقدمها على رابطه العقيدة. وقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في رعاية حق الأهل فيما لا يتعارض مع حق الإسلام كما حصل مع الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، فقد "حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لاَ تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ وَلاَ تَأْكُلَ وَلاَ تَشْرَبَ. قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللَّهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ وَأَنَا أُمُّكَ وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ: مَكَثَتْ ثَلاَثًا حَتَّى غُشِىَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى الْقُرْآنِ هَذِهِ الآيَةَ {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}[62]، {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِى}[63]، وَفِيهَا {وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}"[64].
كل هذا ما لم يتمايز الصفان ويفترق المجتمعان: مجتمع الإيمان ومجتمع الكفر، فإذا تمايزا ووقعت الحرب بينهما بسبب العقيدة فدون رابطة العقيدة النفس والأهل والمال وكل علائق الأرض وزخرفها. وقد خاض المسلمون المعارك تلو المعارك ضد قبائلهم وأقربائهم من أجل هذا الدين مما لا يخفى على المسلم، ويكفي في هذا المقام ذكر استشارة النبي - صلى الله عليه وسلم – أصحابه في أسرى بدر، وهم أقرباء المسلمين وجيرانهم الذي حاربوهم في الدين أشد الحرب، فماذا كان رأي الصحابة في أقربائهم الأسرى؟
"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ: مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الأُسَارَى ؟. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيّ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ قُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى الَّذِى رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّى أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلاَنٍ - نَسِيبًا لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ؛ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا. فَهَوِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيّ شَيءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَبْكِي لِلَّذِى عَرَضَ عَلَىَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَىَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ . شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}[65] إِلَى قَوْلِهِ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا}[66] فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ"[67].
لم يكن الخلاف بسبب الميل إلى الإحسان إلى الأقرباء الكفار المحاربين أبداً، ولكنهم اختلفوا في أحسن الطرق لتحقيق القائدة القصوى للإسلام من هؤلاء الأسرى، هل الأفضل للإسلام مفاداتهم بالمال للاستعانة بالمال على حربهم أم الأفضل قتلهم لإلقاء الرعب في قلوب الكفار؟ ثم كان الاقتراح أن يقتل القريب قريبه الكافر المحارب بنفسه، وهكذا لم يبق في القلب شائبة تعلق برابطة تتناقض مع رابطة العقيدة.
وقبل الختام لا بد من التأكيد على أن كل رابطة تعوق رابطة الأخوة الإسلامية وتتضاد معها فلا حرمة لها ولا بد من تصحيح مسارها، حتى ولو كانت هذه الرابطة رابطة دينية كرابطة الهجرة أو النصرة فضلا أن تكون رابطة الأبوة أو القرابة.
"قال جابر بن عبد الله : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ؟!. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ.فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ"[68]. وفي زيادة "...فَسَمِعَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولٍ فَقَالَ: أَوَقَدْ فَعَلُوهَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ... فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَا تَنْقَلِبُ حَتَّى تُقِرَّ أَنَّكَ الذَّلِيلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَزِيزُ. فَفَعَلَ"[69].
إن رابطة الهجرة ورابطة النصرة رابطتان دينيتان نشأتا في ظل الأخوة الإسلامية، وصار المنتمون لهاتين الرابطتين يتنافسون في تقديم التضحيات لهذا الدين، ولكن إذا صارت الرابطة الدينية سببا في الاحتراب والبغضاء بين المسلمين لم تعد رابطة شرعية وإنما صارت دعوى جاهلية منتنة، وليس الحل أن تلغى هذه الروابط وإنما يعاد النظر إليها ووضعها في حجمها الشرعي في ظل الرابطة الكبرى خادمة لها ورافدا من روافدها.
هذا درس ينبغي أن يعيه أتباع المذاهب الفقهية والجماعات الإسلامية المعاصرة، فإن جماعاتهم مباركة ما دامت تتنافس في تقديم الخير للمسلمين وتحقيق وحدتهم، فإذا صارت عامل فرقة واحتراب فالواجب تهذيبها وإخضاعها للرابطة الإسلامية الكبرى.
ولا يفوت في هذا المقام الإشادة بموقف عبد الله بن عبد الله الصحابي الجليل ابن زعيم المنافقين ابن سلول، إن ما فعله بأبيه جزاء له على إساءته للنبي صلى الله عليه وسلم يعجز اللسان عن وصفه ويعجز القلم عن ذكره، إنه الإيمان الذي تتصاغر أمامه كل الوشائج الأرضية والعلاقات الاجتماعية، رضي الله عنه وأرضاه
خاتمة
وبعد هذه الجولة القصيرة يمكن تسجيل أهم النتائج، وهي كما يأتي:
- رابطة الأخوة الإسلامية هي الرابطة الأم التي تجمع المسلمين في أمة واحدة على اختلاف بلادهم وأعراقهم وقبائلهم.
- يعترف الإسلام بالروابط الاجتماعية كرابطة الأسرة والقبيلة والجوار، ويعد رعاية حقوقها جزءا من الإيمان.
- يعترف الإسلام بالروابط الاجتماعية ويرعى حقها ما دامت تحت مظلة الأخوة الإسلامية الرابطة الأم بين المسلمين جميعا، فإذا تعارضت مع الأخوة الإسلامية فيقدم حق الأخوة الإسلامية على أي حق آخر.
- لا تقتصر رعاية الإسلام للروابط الاجتماعية على المسلمين فقط، وإنما تشمل غير المسلمين من الأقرباء في إطار المرجعية الإسلامية الضابطة للعلاقات الإنسانية.
- ينظر الإسلام إلى العلاقات الاجتماعية على أنها عامل من عوامل تحقيق الأمن النفسي والاجتماعي؛ لأنها تلبي الحاجات النفسية والفطرية للإنسان، وتعمل على تعميق التكافل بين الأفراد؛ لذلك فهو يرعاها ويحميها. أما إذا تحولت هذه الروابط إلى عامل هدم واحتراب واختلاف ومضادة للدين فإن حرمة هذه الروابط تسقط ويجب عندها تقديم حق الأخوة الإسلامية على أي حق آخر.
This work is licensed under a Creative Commons Attribution 4.0 International License.
حوالہ جات
- ↑ الهوامش(References) سورة الملك: 14 Surah al Mulk: 14
- ↑ سورة المائدة: 50 Surah al Ma’idah: 50
- ↑ سورة الأنعام: 33 Surah al Anā‘m: 33
- ↑ سورة النمل: 14 Surah al Namal: 14
- ↑ انظر، الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، لبنان 1:54 Raghib Aṣfahanī, Abu al Qasim al Ḥusain bin Muḥammad, Al Mufradāt fī Gharīb al Qur’ān, Libonan: Dār al Ma’rifah1:54
- ↑ سورة الأحزاب: 72 Surah al Aḥzāb: 72
- ↑ انظر، ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، دار الفكر،1994م 3:629 Ibn Kathīr, Abu al Fida’ Isma‘īl bin Kathīr al Dimashqī, Tafsīr al Qur’ān al ‘Aẓīm, (Beurit: Dār al Fikr, 1994, 3:629
- ↑ سورة الإسراء: 70 Surah al Isra’: 70
- ↑ سورة الجاثية: 13 Surah al Jāthiyah: 13
- ↑ سورة المائدة: 55،56 Surah al Ma’idah: 55,56
- ↑ سورة محمد: 11 Surah Muḥammad :11
- ↑ سورة البقرة: 257 Surah al Baqarah: 257
- ↑ انظر، الرغب الأصفهاني، المفردات 3:249 Raghib Aṣfahanī, Al Mufradāt, 3:249
- ↑ سورة المائدة: 55 Surah al Ma’idah: 55
- ↑ سورة التوبة: 71 Surah al Tawbah: 71
- ↑ سورة المائدة: 54 Surah al Ma’idah: 54
- ↑ سورة الأنبياء: 92 Surah al Ambiya’: 92
- ↑ سورة الحجرات: 10 Surah al Ḥujarāt: 10
- ↑ سورة آل عمران: 102 Surah Aal ‘Imrān: 102
- ↑ سيد قطب، معالم في الطريق، دار الشروق، القاهرة، الطبعة السادسة، 1399هـ، 1979م. ص 136 Sayyid Qutab, Ma’ālim fī al ṭarīq, (Cairo: Dār al Shuruwq,6th Edition,1399/1979, p:136
- ↑ رواه البخاري أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل الجعفي،الجامع الصحيح،دار ابن كثير ، دار اليمامة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1987م.كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، رقم: 16، ورواه مسلم بن الحجاج القشيري، الجامع الصحيح، دار إحياء التراث العربي، بيروت. كتاب الإيمان، باب خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان،رقم: 174 Al Bukharī, Muḥammad bin Isma’īl, Ṣaḥiḥ Bukhari, (Beirut: Dār Ibn Kathīr, 3rd Edition, 1987, Ḥadith
- 16, Muslim bin Ḥajjaj, Ṣaḥiḥ Muslim, (Beirut: Dār Iḥyaʼ al Turath al ‘Arabī, Ḥadith
- 174
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح،كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم، رقم: 2310، ورواه مسلم في الصحيح ،كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الظلم، رقم: 6743 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 2310, Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 174
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الأدب، باب رحمة الناس، رقم:5665، ومسلم في الصحيح في كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين، رقم:6751 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 5665, Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 6751
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، رقم: 13، ومسلم في الصحيح ،كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم، رقم:179 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 13, Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 179
- ↑ انظر، د. أكرم ضياء العمري، السيرة النبوية الصحيحة، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة السادسة، 1994م 1:241 Dr. Akram ḍiā al ‘Umarī, Al Siīrah al Nabawiyyah al Ṣaḥīḥah, (Madinah: Maktabah al ‘Uluwm wal Ḥikam, 6th Edition, 1994, 1:241
- ↑ رواه أحمد بن حنبل، المسند، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 2001م، رقم: 13075، وقال محقق المسند إسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه الترمذي أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، السنن الجامع، دار إحياء التراث العربي، بيروت، كتاب صفة القيامة، باب، رقم: 2487، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، السنن، دار الفكر، كتاب الأدب، باب في شكر المعروف، رقم: 4812 Aḥmād bin Ḥambal, Al Musnad, (Mu’assasah al Risalah, 1st Edition, 2001, Ḥadith
- 13075, Al Tirmadhī, Muḥammad bin ‘E ī sa, Al Sunan, (Beirut: Dār Iḥya’ al Turath al ‘Arabī, Ḥadith
- 2487, Abu Daw’ud, Sulaīmān bin Asha’th, Al Sunan, (Dār al Fikr, Ḥadith
- 4812
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الكفالة، باب قول الله تعالى والذين عاقدت أيمانكم، رقم: 2170 والآية بتمامها في سورة النساء، آية 23، قال الله تعالى:" وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا". Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 2170
- ↑ رواه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه؟، رقم: 3722 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 3722
- ↑ لهذه الصحيفة عدة أسانيد فيها مقال، وقد ذكرها بتمامها ابن إسحق في السيرة، وتعدد مخارج القصة يدل على أن لها أصلا يعتمد عليه في الرواية التاريخية، ولا يخفى أن الأحاديث التي تشهد للمعاني التي اشتملت عليها القصة كثيرة يرد بعضها في هذا المقال. انظر كتاب الدكتور محمد حميد الله، الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، دار الإرشاد، بيروت، الطبعة الثالثة، 1969م، ص 44،46 فقد استوفي مقارنة ألفاظها وتخريجها من مصادرها المخطوطة والمطبوعة، ومنه نقلت نصوصها. Dr. Muḥammad Ḥamīd Ullah, Al Watha’iq al Siyasiyyah, (Beirut: Dār al Irshād, 3rd Edition, 1969), 44-46
- ↑ سورة النساء: 60 Surah al Nisā‘: 60
- ↑ سورة المائدة: 44 Surah al Mā‘idah: 44
- ↑ د. محمد حميد الله، الوثائق السياسية، ص 41 Dr. Muḥammad Ḥamīd Ullah, Al Watha’iq al Siyasiyyah, 41
- ↑ المرجع السابق، ص 43 Ibid., p:43
- ↑ رواه أحمد في المسند رقم: 23489، وقال المحقق: إسناده صحيح. Aḥmād bin Ḥambal, Al Musnad, Ḥadith
- 23489
- ↑ رواه أحمد في المسند، رقم: 1740، وقال المحقق: إسناده حسن. وهو في السيرة لابن هشام أبي محمد عبد الملك بن هشام الذهلي، ت 218هـ، السيرة النبوية، بلا معلومات طبع 1:335 Aḥmād bin Ḥambal, Al Musnad, Ḥadith
- 1740, Ibn Hishām, ‘Abdul Malik bin Hishām, Al Sīrah Al Nabaviyyah, 1:335
- ↑ سورة الإسراء: 23،24 Surah al Isrā‘: 23,24
- ↑ سورة لقمان: 14 Surah Luqmān: 14
- ↑ سورة النساء: 36 Surah al Nisā‘: 36
- ↑ سورة النحل: 90 Surah al Naḥal: 90
- ↑ سورة البقرة: 215 Surah al Baqarah: 215
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة، رقم: 5626، ومسلم في الصحيح، كتاب البر والصلة ، باب بر الوالدين، رقم: 2548 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 5626, Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 2548
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب التفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم، رقم: 4552ومسلم في الصحيح، كتاب البر والصلة باب صلة الرحم، رقم: 2554 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 4552, Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 2554
- ↑ المل: التراب الحار أو الحجارة المحماة، انظر، الخطابي، حمد بن محمد، غريب الحديث، جامعة أم القرى، مكة، 1402هـ 2:8، وابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، غريب الحديث، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1985م 2:373 Al Khitābī, Ḥamd bin Muḥammad, Gharīb al Ḥadith, (Makkah: Jami’ah Umm al Qurā, 1402), 2:8, Ibn al Jawzī, ‘Abdul Raḥmān bin ‘Ali, Gharīb al Ḥadith, (Beirut: Dār al Kutub al ‘Ilmiyyah, 1st Edition, 1985), 2:373
- ↑ رواه مسلم في الصحيح، كتاب البر والصلة باب صلة الرحم، رقم: 2558 Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 2558
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الأدب باب الوصاءة بالجار، رقم: 5669، ومسلم في الصحيح، كتاب البر والصلة باب الوصية بالجار، رقم: 2624 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 5669, Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 2624
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الأدب باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، رقم: 5672، ومسلم في الصحيح، كتاب الإيمان باب الحث على إكرام الجار، رقم: 74 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 5672, Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 74
- ↑ البوائق: الشر، انظر، ابن سلام، أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي، غريب الحديث، الطبعة الأولى، حيدر آباد الدكن، 1964م 1:348 Ibn Salām, Al Qasim bin Salām, Gharīb al Ḥadith, (Hyderabad: 1st Edition, 1964), 1:348
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه، رقم: 5670، ومسلم في الصحيح، كتاب الإيمان، باب بيان تحريم إيذاء الجار، رقم: 73 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 5670, Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 73
- ↑ سورة الأحزاب: 6 Surah al Aḥzāb: 6
- ↑ سورة لقمان، الآيتان 14،15 Surah Luqmān: 14,15
- ↑ سورة المجادلة: 22 Surah al Mujadalah: 22
- ↑ سورة التوبة: 23،24 Surah al Tawbah: 23,24
- ↑ سورة الممتحنة: 3 Surah al Mumtaḥinah: 3
- ↑ سورة آل عمران: 103 Surah Aal ‘Imrān: 103
- ↑ سورة الزخرف: 67 Surah al Zukhruf: 67
- ↑ رواه مسلم في الصحيح، كتاب الإيمان، باب وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، رقم: 44 Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 44
- ↑ سورة التوبة: 113 Surah al Tawbah: 113
- ↑ سورة القصص: 56 Surah al Qiṣaṣ: 56
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب التفسير، سورة القصص، رقم: 4494، ومسلم في الصحيح، كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، رقم: 39 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 4494, Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 39
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي، رقم: 1290 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 1290
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الهبة، باب الهدية للمشركين، رقم: 2477، ومسلم في الصحيح، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة، رقم: 1003 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 2477, Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 1003
- ↑ سورة العنكبوت: 8 Surah al ‘Ankabuwt: 8
- ↑ سورة لقمان: 15 Surah Luqmān: 15
- ↑ رواه مسلم في الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل سعد بن أبي وقاص، رقم: 1748 Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 1748
- ↑ سورة الأنفال: 67 Surah al Anfāl: 67
- ↑ سورة الأنفال: 69 Surah al Anfāl: 69
- ↑ رواه مسلم في الصحيح، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة 3:1383، رقم: 1763 Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 1763
- ↑ رواه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب التفسير، سورة المنافقون، رقم: 4622، ومسلم في الصحيح، كتاب البر والصلة، باب نصر الأخ، رقم: 2584 Ṣaḥiḥ Bukhari, Ḥadith
- 4622, Ṣaḥiḥ Muslim, Ḥadith
- 2584
- ↑ رواه الترمذي في السنن، كتاب التفسير، سورة المنافقون، رقم: 3315، وقال: حديث حسن صحيح. Al Tirmadhī, Al Sunan, Ḥadith
- 3315
Article Title | Authors | Vol Info | Year |
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Volume 3 Issue 2 | 2018 | ||
Article Title | Authors | Vol Info | Year |